"السكوت يجعلني شريكة في الجريمة"

وُلدت ساريان آتش لأب ينتمي إلى الطبقة العمالية التركية في ألمانيا، وانتقلت من اسطنبول إلى برلين وهي في السادسة من العمر. منذ سنوات عدة تهتم ساريان آتش بوصفها محامية وصحفية بحقوق المرأة ولم تثنِها محاولات الاغتيال والاعتداءات والتهديدات عن التصريح برأيها. نعيمة الموسوي حاورتها في برلين.

سايران آتش، الصورة: د.ب.ا
"حتى يتحقق فهم الذات على المرء أن يتخلص أولا من الوعي الجماعي ويبحث عن الوعي الفردي"

​​خصّصتِ سيرتك الذاتية "رحلة طويلة إلى الجحيم" بالذات للنساء اللاتي لا يستطعْن ولا يجوز لهن العيش بحرية. وقد هربتِ من البيت قبيل بلوغك سن الثامنة عشر حتى تستطيعي تكوين شخصيتكِ بحرية. يبدو أن أي خطوة في سبيل الحرية الشخصية تؤدي في نفس الوقت إلى البعد عن العائلة؟

ساريان آتش: إن تكوين الشخصية داخل العائلة يعتبر من الصعوبة بمكان، خاصة إذا كان بين عائلة لها تقاليد مثل عائلتي. لقد تعرفتُ من خلال وظيفتي على نساء بالغات لا يزلن يعشن مع الوالدين – كما هو من المسلّم به - لأنهن مسلمات. وطالما لم تتزوج المرأة فالعائلة لها الحق في أن تفرض عليها العيش معها، لأنها لا تزال بالنسبة لهم طفلة. ولا تزال توجد اليوم عائلات كثيرة بهذه التركيبة يصعب عليها جدا تقبّل عيش امرأة غير متزوجة – كما هو الوضع بالنسبة لي – مع أحد الرجال. لديّ الآن طفل غير شرعي، نعم لم أتزوج قط، وأقوم بتربيته بمفردي. كل هذا أصبحت عائلتي تتقبله مع الوقت. وهذا ما لم يكن ممكناً حال بقائي مع العائلة.

ولِمَ؟

آتش: لقد كانت صدمة ومأساة بالنسبة لعائلتي. في يوم من الأيام أصبحتُ مستعدة للتقرب من العائلة، وكانت العائلة مرحّبة بذلك. تناقشنا وتحاورنا كثيرا، وتخاصمنا وتصالحنا، وهكذا تطور الأمر على مر السنين. ولا تنسي أني هربت من البيت عام 1981، ولم أكن قد بلغت الثامنة عشرة بعد، واليوم أصبح عمري 45 عاما. من الممكن القول بأن عائلتي أصبحت الآن تتقبل أسلوب حياتي بنسبة 80 في المائة.

إنها لمغامرة عندما يتجرأ المرء ويهرب من البيت. وحتى إذا كان المرء صبورا فليس من المؤكد أن تعود الحياة الطبيعية للعائلة يوما ما...

​​آتش: إنها مغامرة في كل الأحوال، وهناك نساء وعائلات انقطعت الصلة بينهم على الإطلاق، ولكنها أقلية حسب الخبرة. لكن إذا لم يكن المرء على استعداد للمغامرة فلن يحصل المرء على الحرية في حياته. إن المرأة في مثل هذه الحالة عليها أن تختار إما سعادة العائلة أو حياتها الشخصية. هذا ما ينبغي على كل امرأة أن تختاره لنفسها. وأنا أرى أن القرار الصحيح يكمن في بادئ الأمر بالقول: عندما أكون سعيدة فسوف تصبح عائلتي يوما ما سعيدة أيضا. وحتى يتحقق ذلك فعلى المرء أن يتخلص أولا من "الوعي الجماعي" ويبحث عن "الوعي الفردي" الذي لا يمتلكه كثير من المسلمين. بعد ذلك يستطيع المرء الرجوع إلى الجماعة مرة أخرى.

مر عليكِ وقتٌ كنتِ فيه مشتّته بين الثقافتين التركية والألمانية. وكان هذا الشعور قويا للغاية أيام المدرسة على وجه الخصوص. ثم مر عليكِ وقتٌ ابتعدتِ فيه عن الثقافة التركية.

آتش: كانت هذه الفترة مهمة جدا بالنسبة لي. بعد خمسة عشر عاما من البُعد عن الثقافة التركية بحثتُ عنها مرة أخرى ووجدتُها. لقد لاحظت حقا أنني أهملتُ جزءاً مني طيلة خمسة عشر عاما. إنني أهملته لأنني حتى ذلك الوقت لم أجد إلا أشياء سيئة في الثقافة التركية. إنني لم أحظَ باهتمام كامرأة، وقد كان ذلك أهم شيء بالنسبة لي.

وكذلك لم أحظَ بالاحترام كإنسان يفكر بحرية. كل هذا وجدته بالفعل في العالم الألماني. أما إهمال الثقافة التركية كلية فقد يكون من الخطأ بمكان. لقد نقصني شيء ما. لقد لاحظت أنها جزء مني وله جذور عميقة داخلي، وإذا أردت أن أمحوه فكأني أمحو شيئا من روحي.

في كتابكِ "خطأ تعدد الثقافات" كتبتِ أن التثاقف الحضاري البيْني تتقابل وتتبادل فيه الثقافات المختلفة - على عكس التثاقف الحضاري المتعدد الذي تكون فيه الثقافات الفردية بجانب بعضها بعضا. بينما يتنقل الإنسان بين الثقافات، حيث تختلط فيما بينها وتكوّن هوية ثقافية جديدة "واسعة النطاق" تكون مقترنة بهذا الإنسان. وتعدد الهويات يعني في المقام الأول الحيرة والتشتت. لكنكِ تقولين الآن أنك تعتبرين التثاقف الحضاري الثنائي ثروة وليس "انفصاما كامنا في الشخصية".

آتش: إذا قبل المرء أن تصبح كل ثقافة وهوية محل نقاش مع ماضيها وحاضرها عندما يعيشها المرء ويحياها بالفعل فسوف يسري ذلك. إنني أعيش منذ حوالي أربعين سنة في ألمانيا، وقد شغلت نفسي - عن قصد - ما يزيد على عشرين سنة بهذا الموضوع حتى أصل إلى ما أنا عليه الآن. لقد فكرت مليّا في شخصيتي. على المرء أن يشغل نفسه بهذا إذا أراد في النهاية أن يزداد استفادة مثل ما أنا عليه الآن.

ماذا تقدمين لابنتكِ الصغيرة في هذا المضمار؟

آتش: إن ابنتي تجيد لغتين، وبهذا أكون قد أعطيتها ثقافتين. لديّ هوية ثقافية بيْنية، وأشاهد الآن أن ابنتي تستطيع تقبل الثقافتين. وهذا ما تفعله عن طيب خاطر، وتنتهل المعرفة من هذا التنوع. إنني أستمر في إعطائها حتى تصبح الثقافتين جزءا منها لأنهما أيضا جزء مني، وأنا سعيدة لأننا نستطيع أن نشترك في الثقافتين. إن عائلتنا تتكلم التركية إلى حد كبير، ومحيطنا يتكلم الألمانية. ويهمني جدا أن تتعلم ابنتي لغات مختلفة وأن تستوعب ثقافات متباينة، وأن تعي أن هذه الثقافات متكافئة مع بعضها بعضا.

لا توجد لوحة باسمك على الباب، وليس لك عنوان رسمي. وقد نجوت من عملية اغتيال كبيرة، وكنت معرضة لاعتداءات، وتلقيت تهديدات بالقتل. ألم تفكري مليّا بأنّ عواقب عملك لا يمكن تحملها بعد، وخاصة كأم؟

آتش: هذا قرار صعب أقف أمامه يوميا. لقد علمت منذ البداية أنه من الصعب أن أنجو من عملية الاغتيال القوية وأنا ابنة الحادية والعشرين. ولكن اعتقد أني سوف أُصاب بكآبة شديدة إذا أقلعت عن ممارسة هذا العمل. وسوف تسوء أحوالي أكثر مما هي عليه الآن لأني سوف أستسلم وسوف تتوقف مساعدتي لكثير من الناس. عندما يسكت جميع الناس فلن يحدث أي شيء. وأود أن أكون واحدة من أولئك الذين يفعلون شيئا. لا أريد السكوت، لأن سكوتي يجعلني شريكة في الجريمة.

أجرت الحوار: نعيمة الموسوي
ترجمة: عبد اللطيف شعيب
قنطرة 2008

قنطرة

مقابلة مع إرشاد مانجي:
"نحن لا نناضل من أجلنا، بل من أجل أولادنا"
إرشاد مانجي هي مؤلفة الكتاب الخلافي "الخلل في الإسلام: دعوة إلى الصحوة من أجل الأمانة والتغيير" الذي نُشِر في أكثر من ثلاثين بلدًا ومُنِع في دولٍ أخرى كثيرة. كوراتولاين زمان حاورت إرشاد مانجي.

حوار مع باربرا إبراهيم:
ثقافة العمل الخيري تكتسح الشباب المصري
ألعاب للأطفال الأيتام ومساعدات لذوي الاحتياجات الخاصة؛ بهذا المفهوم تحوّلت الخدمة التطوّعية لصالح الضعفاء إلى حركة جماهيرية بين الشباب في مصر. باربرا إبراهيم تحدَّثت عن سبب ذلك في هذا الحوار الذي أجرته معها منى سركيس.

استراتيجيات النساء المسلمات في القرن الحادي والعشرين:
كسر احتكار الرجال لباب الاجتهاد والتفسير
خرج مؤتمر دولي نظمته مؤسسة فردريش إيبرت الألمانية في مدينة كولونيا تحت عنوان "قوة النساء في الإسلام: توجهات واستراتيجيات نسائية للقرن ال21" وبمشاركة عدد كبير من الشخصيات النسائية الإسلامية بتوصيات تتعلق بتوجهات النساء المسلمات لهذا القرن. نيللي عزت تعرض أهم محاور هذا المؤتمر وفعالياته.