"الغرب لا يفهم طبيعة المجتمع الأفغاني"

أين تكمن المشكلات الكبرى في عملية إعادة إعمار أفغانستان وما الأخطاء التي ارتكبتها الدول الغربية في تعاملها مع المشكلة الأفغانية؟ وما سر متانة العلاقات بين تركيا وأفغانستان؟ وزير الخارجية التركية الأسبق والذي عمل أيضا ممثلا سابقا لحلف شمال الأطلسي "ناتو" في أفغانستان، حكمت تشيتين، يتحدث عن هذه القضايا وغيرها في حوار مع عائشة كارابات.

أين تكمن المشكلات الكبرى في عملية إعادة إعمار أفغانستان وما الأخطاء التي ارتكبتها الدول الغربية في تعاملها مع الصراع الأفغاني؟ وما سر متانة العلاقات بين تركيا وأفغانستان؟ وزير الخارجية التركية الأسبق والذي عمل أيضا ممثلا سابقا لحلف شمال الأطلسي "ناتو" في أفغانستان، حكمت تشيتين، يتحدث عن هذه القضايا وغيرها في حوار مع عائشة كارابات.

​​ كشف الرئيس الأمريكي أوباما مؤخرا عن إستراتيجيته الجديدة تجاه أفغانستان، والتي تتضمن كذلك إرسال مزيد من الجنود. هل يكفي هذا لحل المشاكل المتفاقمة هناك؟

حكمت تشيتين: أولاً يجب أن أقول إنه طالما لا تُبذل جهود في سبيل تنمية اقتصادية سريعة، فأن إرسال أي عدد من الجنود لا يؤدي دوراً يُذكر. وهذا على أي حال سوف لا يحل المشاكل في أفغانستان. إن المشكلة الرئيسية تتمثل في أن عددا كبيرا من الناس يدعمون الإرهاب، ويجب أن يتم إيقاف هذا. فمن دون هذا الدعم لا يمكن للإرهاب أن يبقى. لذلك فإن المسألة تتعلق هنا بكسب الناس من خلال توفير فرص العمل لهم وإنهاض نظامي الصحة والتعليم. وطالما بقيت هذه النواقص، فإنه من غير الممكن التغلب على الإرهاب. ولهذا السبب تشمل إستراتيجية أوباما الجديدة مزيداً من المعونات الاقتصادية أيضاً.

ثانياً: تحدد الإستراتيجية عام 2011 موعداً لانسحاب القوات. من المؤكد أنه من الضروري تحديد موعد للانسحاب، لكن فترة 18 شهراً تبدو لي غير واقعية، لأن قوات الأمن الأفغانية لن تكون حتى ذلك الموعد في وضع يمكنها من السيطرة على الأوضاع في أفغانستان. كما أن تدريب قوات الأمن الأفغانية وتجهيزها يؤدي في ذلك دوراً كبيراً. في الفترة الماضية تم تدريب قرابة 60 ألف جندي أفغاني، 60 في المائة منهم أميون. إضافة إلى ذلك فإنه ما يزال من غير الممكن الوصول إلى بعض المناطق براً، لذلك توجد حاجة كبيرة إلى معدات خاصة كالطائرات المروحية مثلاً.

ثالثا:ً من الضروري التعاون مع باكستان، التي ترتبط مع أفغانستان بحدود تمتد إلى 2500 كيلو متر. وبدون هذا التعاون تنعدم فاعلية الجهود المبذولة هناك وستحتفظ طالبان بتأثيرها في أفغانستان.

رابعاً: يبقى عدد القوات غير مهم، بل قدرتها على تنفيذ مهامها. حين كنت هناك، طالما سأُلت عن عدد الجنود الكافي. وكانت إجابتي على الدوام إن الأمر لا يتعلق بالعدد. ولكل دولة عضو في حلف شمال الأطلسي "ناتو" قواعدها الخاصة فيما يتعلق بمكان مهام قواتها وحدود هذه المهام. كما كنت أجيب بالقول إنه لتحقيق نجاح لمهمة الحلف قد يكون 500 جندي بقليل من الشروط المُقيدة أفضل من 5000 جندي، يخضعون في تنفيذ عملياتهم لقيود كثيرة.

إن هذه النقاط تمثل الدعامات الأساسية لإستراتيجية، يجب أن يتبناها المجتمع الدولي. وفي الحقيقة فإن إستراتيجية أوباما تقترب من هذه الأفكار، لكن نجاحها يبقى بالتأكيد مرهوناً بكيفية تطبيقها. وفي النهاية تقوم أفغانستان نفسها بجانب مهم في نجاحها.

كيف تقيمون دور الرئيس كارازي، الذي أُعيد انتخابه، في كل هذه النقاط؟

حكمت تشيتين في زيارة لأفغانستان الصورة: عائشة كارابات
دمج مجالس القبائل في الدولة قد يساهم في حل مشاكل أفغانستان، كما يرى حكمت تشيتين

​​ تشيتين: إن الحكومة المركزية في أفغانستان لم تكن قوية قط وهذا ببساطة لا يمت إلى ثقافة البلد بصلة. لكن من جانب آخر يوجد هناك تقليد قوي، وهو ما يسمى بـ"الجيركا"، وهو نوع من المجالس البلدية لتسوية الخلافات. وفي عملية إعادة الإعمار يجب أن تراعي الحكومة الجديدة ربط هذا التقليد. كما قد يكون من المفيد أن توكل صلاحيات معينة لهذه المجالس المحلية، لكن من دون أن تتركها من دون مراقبة تماماً، وإلا لعدنا إلى نظام "الزعامات"، الذي هيمن في الماضي على أفغانستان.

لكن الدول الغربية تعارض قيام نظام غير مركزي في أفغانستان، كما تعارض تعاون الحكومة المركزية مع المجالس القبلية، بالطبع خوفاً من طالبان.

تشيتين: هنا تكمن المشكلة، لأن هذه الدول لا تفهم أفغانستان. أفغانستان بلد يتكون من قبائل كثيرة وإن أهمل المرء هذه القبائل، يكون من المستحيل حل المشاكل. وأرى أنه يجب تأمين دعم هذه القبائل. حين كنت في أفغانستان، طالماً قصدني ممثلو المنظمات غير الحكومية أو ممثلو بعض البلدان من أجل إخباري أنم ينوون بناء شيء في مكان ما، لنقل مدرسة على سبيل المثال. لكنهم حين يتجاهلون الناس هناك في اتخاذ القرارات أو لا يستجيبون لحاجاتهم أو يأخذون أولوياتهم بعين الاعتبار، فإن هؤلاء لا يقومون بفعل أي شيء لحماية المدرسة، حالما يهب الإرهابيون لتدميرها. إن نجاح القوات التركية الموجودة في أفغانستان يعود بشكل كبير إلى ذلك التنسيق مع السكان المحليين.

أما إذا تعلق الأمر بالمساعدة المالية، فإنه من الضروري كذلك إشراك تلك القوى المحلية بشكل فعال. فحجم المساعدات التي تنتقل عبر القنوات الأفغانية لا يزيد عن 20 في المائة فقط. وأعنى هنا أنه منى الطبيعي أن تصل المساعدات المالية إلى البلد، لكن الأموال الإضافية المخصصة للمشاريع غالباً ما تذهب إلى الشركات الأجنبية. لكن ذلك يؤدي إلى تسرب الكثير من الأموال إلى خارج أفغانستان مجدداً من دون ضرورة تُذكر، من خلال الرواتب العالية والنفقات الأخرى. لكن بهذه الأموال يمكن ربما الوصول إلى أشياء كثيرة، كالغطاء الأفضل والأقل تكلفة لاحتياجات الناس هناك.

قمة بيترسببيرغ حول أفغانستان في بون، الصورة: ا.ب
"الدول الغربية لم تفهم أفغانستان"

​​ أما فيما يتعلق بطالبان، فيمكنني أن أقول، إنها ما زالت تشكل جانباً أساسياً من الأمة الأفغانية. ولا يجب أن تُستبعد ببساطة بصورة تامة. وقادة هذه الحركة يريدون التعاون مع القاعدة. لكن حين يتعاون المرء ليس مع هؤلاء، بل مع الناس بصورة مباشرة، فإن هذا سيقود في وقت ما إلى فصل طالبان عن تنظيم القاعدة، الذي يعد بعيون السكان المحليين قوة أجنبية. فقد دار القتال في أفغانستان على مدار 28 عاماً، ولم يحدث هجوم انتحاري واحد لأن هذا ببساطة لا يمت إلى ثقافة البلد بصلة، لكن هذا الأسلوب في القتال أتت به القاعدة إلى أفغانستان، التي لم ترحب بها. ومن أجل الدقة أقول: إن كسب المرء قلوب الأفغان، سيتم الانتصار على القاعدة.

تتهم بعض الدول الحكومة الأفغانية بالفساد وترى في ذلك مانعاً يحول دون تقديم مزيد من المساعدات أو إرسال عدد إضافي من الجنود.

تشيتين: من الطبيعي أن يكون هناك فساد، لكن هذا مثل السؤال عما كان في البدء البيضة أم الدجاجة. إن انتظر المرء في تقديم المساعدة إلى أن يتم القضاء على الفساد، فإنه سينتظر إلى الأبد ربما. كما أنه من الممكن التغلب على الفساد خلال استمرار عملية التنمية، فالمزيد من التنمية يعني بشكل تلقائي القليل من الفساد. قبل عشرة أيام كنت في أفغانستان والتقيت صديقي، الرئيس كارزاي، الذي أبدى هو الآخر اهتماماً كبيراً في تمكنه من تشكيل حكومة قريباً، تتكون من سياسيين لم تطالهم تهم بالفساد، من أجل أن يثبت للعالم أنه جاد في تعامله مع هذه المشكلة. ولا يمكن لأي شخص أن يتهمه شخصياً بالفساد وإن تمكن من أن ينقل مقاييسه الشخصية إلى الحكومة الجديدة أيضاً، وهو ما سينجح في تحقيقه على ما أعتقد، سيكون هذا بمثابة بداية جيدة. إضافة إلى ذلك يجب على الدول الغربية تقديم أدلة على الفساد، إذا ما كانت تريد حقاً مساعدة الحكومة- ما لم يحدث في الماضي دائماً.

ما هو السبب وراء اهتمام تركيا بأفغانستان؟

كرزاي، الصورة: أ.ب
"لا يمكن لأي شخص أن يتهم كرزاي شخصياً بالفساد"

​​ تشيتين: في البدء يعود ذلك إلى أسباب تاريخية. فقد كانت أفغانستان أول بلد يعترف بالبرلمان التركي عام 1920 خلال حرب الاستقلال (1919-1023). كما قاتل المقاتلون الأفغان إلى جانب تركيا. إذن، فقد ساعد ذلك البلد الفقير تركيا آنذاك. كما أنشئت الأكاديمية العسكرية الأفغانية من قبل تركيا في ثلاثينيات القرن الماضي، وتقتسم تركيا مع أفغانستان تجربة بناء الدولة. كما كان أول وكيل لوزارة الدفاع الأفغانية تركيا، بعثته تركيا آنذاك من أجل هذا الغرض. ولذلك يوجد نوع من الحب المتبادل. إضافة إلى ذلك فإن أفغانستان تعد بالطبع عاملاً سياسياً مهماً في منطقة آسيا الوسطى. وفي النهاية ينحدر 10-12 في المائة من الشعب الأفغاني من قبائل تركية في الأصل.

ماذا يمكن لتركيا أن تقدم لأفغانستان ضمن حلف شمال الأطلسي "ناتو"؟

تشيتين: يمكن لتركيا أن تساهم بما هو أكثر من تدريب قوات الشرطة الأفغانية والجنود الأفغان، وهذا ما يرغب به الناس في أفغانستان. ففي الوقت الحالي يتم تدريب هؤلاء الجنود في تركيا، لكن بالطبع قد يكون من الممكن تحمل المزيد من المسؤوليات من خلال القيام بهذا التدريب في أفغانستان نفسها مستقبلاً. ومن الممكن زيادة المساعدات في المجالين الاجتماعي والاقتصادي.

وإضافة إلى ذلك يمكن لتركيا أن تبعث خبراء في مجال الإدارة إلى أفغانستان من أجل التسريع في بناء الدولة. وعلى سبيل المثال تقوم إيطاليا في الوقت الحالي بعملية إصلاحات للنظام القضائي. أعتقد أن تركيا مناسبة بشكل أكبر لهذا الأمر. وسوف لا ينكر أي شخص أن تركيا أفضل من أي بلد آخر يمكنه الدمج بين النظام القضائي الحديث وبعض عناصر الشريعة الإسلامية.

أجرت المقابلة: عائشة كارابات
ترجمه: عماد م. غانم
حقوق الطبع: قنطرة 2010

قنطرة

حوار مع وزير الخارجية الأفغاني رانجين دادفار سبانتا:
"لن ندع حركة طالبان والإرهابيين يخيفوننا"
يتحدث وزير الخارجية الأفغاني، رانجين دادفار سبانتا، في هذا الحوار الخاص مع لؤي المدهون عن عدة قضايا تتعلق بحاضر أفغانستان ومستقبلها، لاسيما الانتخابات الرئاسية المقبلة والاستراتيجية الأمريكية الجديدة في البلاد ومعضلة التعامل مع حركة طالبان، بالإضافة إلى المجتمع المدني في أفغانستان.

استراتيجية بديلة لأفغانستان:
العراق نموذجا لأفغانستان؟
يرى غيدو شتاينبرغ، الباحث في شؤون الشرق الأوسط، أن الاستراتيجية الأمريكية الجديدة في أفغانستان تحتم على الأوروبيين اتخاذ قرارات مهمة تصب في دعم رؤية أوباما بشأن الصراع في هذا البلد، متسائلا في الوقت ذاته عمّا إذا كانت الاستراتيجية الأمريكية في العراق يصلح تطبيقها في أفغانستان.

عملية إعادة الإعمار في أفغانستان:
الحاجة إلى المزيد من الشفافية
هناك مؤشرات بأن الدول المانحة والمنظمات الإنسانية قد بدأت تفقد اهتمامها بأفغانستان، وذلك بعد أن تحققت ولو على الورق الأهداف التي وضعتها اتفاقية بيترسبيرغ (تيمنا بهذا الموقع الكائن بالقرب من مدينة بون) في ديسمبر/ كانون الثاني 2001 . ولكن سيحسم في الأشهر المقبلة السؤال حول ما إذا كانت عملية إعادة إعمار البلاد ستتسم بالنجاح على الأجل الطويل أم لا. تقرير مارتين غيرنير.