"على الغرب ألاّ يكرر الخطأ السوفييتي في أفغانستان"

لقد شارك الخبير الاستراتيجي المشهور، زبيغنيو بريجنسكي عندما كان مستشارًا للأمن القومي في إدارة الرئيس الأمريكي الأسبق جيمي كارتر مشاركة فعّالة في تسليح المجاهدين الأفغان في حربهم ضدّ الاتحاد السوفييتي. وفي الحوار التالي الذي أجراه معه دينس شتوته يبيِّن العِبَر التي يجب على الغرب تعلّمها من أخطاء الاتحاد السوفييتي.

زبيغنيو بريجنسكي، الصورة: د.ب.ا
"حل المشكلة الأفغانية يتطلب حلولا خلاقة تعتمد المزاوجة بين السياسة والاقتصاد"

​​ تدعم جميع الأحزاب الألمانية باستثناء حزب اليسار المشاركة العسكرية الألمانية في أفغانستان، كما تطالب أغلبية المواطنين الألمان بالانسحاب من أفغانستان. فما الذي يجب على الغرب فعله - الانسحاب أم المحافظة على سياسته أم إرسال المزيد من الجنود إلى هذا البلد؟

زبيغنيو بريجنسكي: أعتقد أنَّ الجواب لا يمكن أن يكمن في أي من هذه الخيارات. فالانسحاب يمكن أن يعني أنَّ أفغانستان ستقع على الفور في أزمة شديدة ذات عواقب لا يمكن توقع نتائجها. ولن يتم حلّ المشكلة بإرسال المزيد من الجنود وحسب. والمحافظة على السياسة المتَّبعة لن يكون على ما يبدو أمرًا مرضيا، وذلك لأنَّه يتَّضح بصورة متزايدة وباستمرار أنَّ الأوضاع تزداد سوءا.

في عام 1979 وعندما كنت مستشارًا للأمن القومي في إدارة الرئيس الأمريكي الأسبق، جيمي كارتر نظّمت عملية تسليح المجاهدين الأفغان ضدّ حكومة أفغانستان وأوقعت من خلال ذلك - مثلما ذكرت في فترة لاحقة - الاتحاد السوفييتي في "الفخ الأفغاني". فهل وقع الغرب الآن في هذا الفخ؟

بريجنسكي: يجب على الغرب عدم تكرار أخطاء الاتحاد السوفييتي. فقد دخل السوفييت إلى أفغانستان متوهمين أنَّ مجموعة من المثقفين الماركسيين سوف يساعدونهم في إيجاد دولة شيوعية تابعة للاتحاد السوفييتي وأنَّهم سيتمكّنون من تحقيق رغباتهم من خلال جيش أجنبي.

معاناة الأطفال الأفغان، الصورة: أ.ب
"سياسة القصف والتدمير تزيد الآلام والأحقاد"

​​ والولايات المتحدة الأمريكية احتاجت عندما ردَّت على اعتداءات الحادي عشر من أيلول/سبتمبر 2001 والتي انطلقت من أفغانستان فقط إلى ثلاثمائة جندي أمريكي، من أجل إسقاط الطالبان - وذلك لأنَّ الأفغانيين (تحالف الشمال الذي كان يحارب ضدّ الطالبان) كانوا مع الدعم الأمريكي.

والآن نحن نخاطر بالإقدام على الشيء نفسه الذي فعله السوفييت؛ إذ إنَّنا وبدلاً من مغادرة هذا البلد بسرعة ودعمه اقتصاديًا، نحاول خلق دولة حديثة بحضور غربي كبير - وفي هذه المرّة بصيغة ديمقراطية. وأنا لا أعتقد أنَّ هذه الإستراتيجية حكيمة جدًا.

أليس ما تقترحه هو تمامًا نفس الشيء الذي فعله الاتحاد السوفييتي؟ فالجيش الأحمر حاول قبل الانسحاب تسليم جنود أفغانيين قيادة الحرب - ولكنه فشل في ذلك. فلِمَ يُفترض لحلف الناتو الذي يقف إلى جانبه عدد أقل من الجنود الأفغانيين مما كان لدى السوفييت، أن ينجح أكثر؟

بريجنسكي: لقد فعل السوفييت ذلك فقط بعدما كانوا قد هدموا المجتمع الأفغاني وأوجدوا عداءً شديدًا. فلا يجوز لنا أن نقلِّل من حجم الدمار الكبير والآلام البالغة التي تسبب بها السوفييت من خلال قيادتهم الحربية التي لا تأبه بشيء؛ والتي هجّرت من أفغانستان ملايين الأفغانيين وقتلت مئات الآلاف. ونحن لم نفعل ذلك حتى الآن. ولكن الخطر يكمن في أنَّنا إذا بقينا نثق لفترة أطول بالحلّ العسكري فستزداد أكثر وأكثر القوى التي تقاومنا. وحتى الآن ما تزال هذه القوى ليست مثل التي كانت تقاوم الاحتلال السوفييتي.

كيف يمكن للغرب أن يحول دون حدوث ذلك؟

بريجنسكي: نحن لا نستطيع من أعلى خلق دولة مركزية حديثة وفرض مثل هذا الحلّ بقوات عسكرية أجنبية. فهذا لا يتفق مع كبرياء المجموعات العرقية المختلفة والمشاعر الدينية في بلد لم يحتمل على الإطلاق دخول الأجانب إليه. ونحن نحتاج لطريقة أخرى في التعامل. وربما يكون إرسال بعض القوات الإضافية أمرًا مهمًا على المدى القصير، ولكن الأهم من ذلك هو إشراك تلك العناصر - التي يتم وصفها وصفًا شموليًا بأنَّها من الطالبان - في العملية السياسية.

تتحدث أجهزة استخبارات الولايات المتحدة الأمريكية في تقرير جديد عن "انهيار السلطة المركزية" وعن وجود "فساد مطلق في حكومة" الرئيس الأفغاني حميد كرزاي. وكذلك من المفترض أنَّ السفير البريطاني قد دعا الآن إلى إيجاد "حاكم دكتاتوري مقبول".

بريجنسكي: كيف يخلق المرء حاكمًا دكتاتوريًا من اللا شيء؟ المشكلة في أفغانستان هي أنَّه لا يمكن حكم البلاد من كابول بشكل فعّال، كما أنَّني لا أرى كيف يمكننا خلق حاكم دكتاتوري مثل حلّ ينزل لنا من السماء. فأي حاكم دكتاتوري يجب أن تتوفّر لديه إما جاذبية اجتماعية كبيرة أو أجهزة حكم قاسية لا تعرف الرأفة والرحمة - ومن الأفضل أن يتوفر لديه كلاهما؛ الأمر الذي لا أراه موجودًا في أفغانستان طالما لم يتكوّن بنفسه عند نقطة معيّنة.

كيف ينبغي للغرب التعامل مع تجارة الأفيون؟

بريجنسكي في معاينة  أحد البنادق في باكستان، عام 1980، الصورة: د.ب.ا
"الخطر يكمن في أنَّنا إذا بقينا نثق لفترة أطول بالحلّ العسكري فستزداد أكثر وأكثر القوى التي تقاومنا"

​​ بريجنسكي: سوف يؤدِّي تدمير مزارع الأفيون وبذلك مصدر رزق الفلاحين إلى زيادة قوة الطالبان. ويجب على الأوروبيين أن يدفعوا إلى الأفغان أكثر ما يمكنهم من المال، لكي يتوقّفوا عن زراعة الأفيون. فزراعة المخدرات تعتبر من ناحية مصدر دخل لطالبان ومن ناحية أخرى خطرًا بالنسبة لأوروبا، حيث يذهب الجزء الأكبر من المخدرات إلى أوروبا - وبالتالي فمن البدهي أن يعتبر حلّ هذه المشكلة مسؤولية الأوروبيين.

أغارت الولايات المتحدة الأمريكية عدّة مرّات على أهداف في باكستان، وذلك لأنَّ مقاتلي الطالبان يستخدمون في باكستان المجاورة معاقل ينسحبون إليها. فهل هناك خطر من تنامي زعزعة استقرار باكستان التي تعدّ قوة نووية؟

بريجنسكي: يجب أن لا تقوم الولايات المتحدة الأمريكية بغارات على مناطق باكستانية إلاَّ في ظلّ ظروف غير عادية؛ عندما تكون هناك معلومات موثوقة حقًا عن أنَّ أعضاء رفيعي المستوى من تنظيم القاعدة سيكونون أهدافًا محتملة وأنَّ الحكومة الباكستانية لن تفعل شيئًا وفي ظلّ هذه الظروف يمكن تبرير مثل هذه الغارات. ولكن الغارات التي تهدف إلى منع الطالبان من العمل انطلاقًا من باكستان، فهي لا تؤثِّر إلاَّ في توسيع نطاق العمليات العسكرية - وستصنع من المشاكل الموجودة لدينا في أفغانستان مشاكل أخرى تمتد من أفغانستان حتى باكستان. وهذا سوف يزيد بشكل هائل من تعقيد التحديات التي نرى أنفسنا في مواجهتها - وربما سيزيد أكثر من زعزعة استقرار باكستان.

أجرى الحوار: دينس شتوته
ترجمة: رائد الباش
دويتشه فيله 2008

ولد زبيغنيو ك. بريجنسكي Zbigniew K. Brzezinski في 28 آذار/مارس 1928 في وارسو كابن لرجل دبلوماسي. وفي الخمسينيات بدأ عمله كواحد من الخبراء الأوائل في سياسة الاتحاد السوفييتي. وفي عام 1960 كان مستشارًا لدى جون كندي في شؤون المعسكر الشرقي أثناء حملته الانتخابية الرئاسية التي توِّجت بالنجاح. وعيَّنه الرئيس الأمريكي الأسبق جيمي كارتر عند توليه الرئاسة في عام 1977 رئيسًا لمجلس الأمن القومي. ومع دخول السوفييت إلى أفغانستان ومع ظهور اتّجاهات معارضة في بولندا وتنامي حدّة السياسة النووية التي اتّبعتها القوى العظمى - ازدادت بوضوح أهمية سياسة بريجنسكي المتصلبة تجاه المعسكر الشرقي في عام 1979 داخل الإدارة الأمريكية. وحاليًا يعمل باحثًا في مركز الدراسات الإستراتيجية والدولية CSIS في واشنطن ومستشارًا لدى المرشح الديمقراطي للانتخابات الرئاسية الأمريكية، باراك أوباما.

قنطرة
الحرب في أفغانستان:
حدود القدرات الاستراتيجية للحلف الأطلسي
تشكل الحرب الدائرة في أفغانستان تحديا كبيرا بالنسبة لحلف شمال الأطلسي. فرصيد النجاح الذي حققته قوات كل من الناتو والائتلاف في كفاحها القائم ضد حركتي طالبان والقاعدة يتسم بالضآلة. مقال بقلم تيمو نوتسيل وسيبيللي شايبرز

أندرياس تسوماخ، خبير بقانون الشعوب والسياسة الأمنية:
نحن بحاجة إلى استراتيجية جديدة في أفغانستان
هل يساهم الجنود الألمان في إحلال السلام وتعزيز الاستقرار في أفغانستان؟ اتحاد تمثيل مصالح الجنود الألمان ومعظم المنظمات الإنسانية وممثلون عن كافة الأحزاب السياسية في ألمانيا يطالبون الحكومة الألمانية بوضع استراتيجية جديدة. بقلم أندرياس تسوماخ

استراتيجية طالبان في شمال أفغانستان:
حرب نفسية
أعلنت حركة طالبان عن استعدادها للقيام بهجوم واسع مع بداية الربيع، سوف يشمل مناطق الشمال أيضا. القسم الأعظم من الشعب الأفغاني ينظر الى هذه التهديدات بمنتهى الجدية. راتبيل شامل راقب الوضع وكتب هذا التقرير