المرأة المصرية بعد الثورة: تهميش حزبي وإقصاء مؤسساتي

ترى هدى بدران، الناشطة المصرية البارزة في حقوق المرأة، أنه رغم الحريات الجديدة التي أصبح يتمتع بها الثوار في ميدان التحرير لكن صورة النساء المصريات في أنهن يجب أن يخضعنَ للرجال لا تزال قائمة كما كانت من قبل.

الكاتبة ، الكاتب: Hoda Badran

مع انقشاع غبار ثورة التغيير في مصر وتونس تبيّن للنساء ــ اللاتي وقفن كتفاً بكتف مع الرجال في تحدي الطغيان ــ أنهن أصبحن مهمشات ومستبعدات عن دائرة اتخاذ القرار. فعلى الرغم من الحريات الجديدة التي ناصرها الثوار، لا تزال المرأة تُعتَبر تابعة للرجل.

ففي تونس، حدث وأنْ دعت احتجاجات حاشدة إلى فرض الحجاب على كل النساء، الأمر الذي أدى إلى مطاردة أستاذات جامعيات غير محجبات يدرِّسن المواد الدينية إلى خارج الحرم الجامعي. وانطلقت صرخات مطالبة المتظاهرات بالعودة إلى المطبخ، الذي "ينتمين" إليه.

وفي مصر أيضاً أخذت القوى المحافظة في الصعود، وطالبت بسياسات محافظة ــ وبخاصة إصلاحات للتشريعات الخاصة بالأسرة ــ من شأنها أن تشكل خطوة إلى الوراء بالنسبة للمرأة.

وفي خضم الغضب والانزعاج إزاء هذه التطورات، اضطرت النساء العربيات إلى الدفاع عن حقوقهن. ففي شهر إبريل/نيسان 2011، نجحت النساء التونسيات في الضغط باتجاه إقرار قانون المساواة الانتخابية، الذي حصلن بفضله على 49 من أصل 271 مقعداً الانتخابات البرلمانية.

نساء في القاهرة بانتظار الإدلاء بأصواتهن في الانتخابات. أ ب
"كل الأحزاب تقريباً في مصر تضع المرشحات النساء في نهاية قوائمها؛ ونتيجة لهذا لم يُنتَخَب للبرلمان سوى تسع نساء. ثم عيَّن المجلس الأعلى للقوات المسلحة، المجلس العسكري الحاكم سابقاً، سيدتين أخريين، وبهذا أصبحت حصة النساء في عضوية مجلس الشعب نحو 2% فقط"، كما تقول هدى بدران.

​​

تراجُع للمرأة في مصر

أما في مصر فكانت التوقعات بالنسبة للنساء أكثر قتامة، لأنهن فشلن في الحفاظ على نظام الحصص الذي كان معمولاً به قبل الثورة وكان يضمن لهن الحصول على 64 مقعداً في البرلمان. فقد أُلغِيَ هذا القانون ليحل محله قانون انتخابي جديد يُلزم الأحزاب السياسية بوضع امرأة واحدة على الأقل على قوائم مرشحيها.

ولكن كل الأحزاب تقريباً في مصر تضع المرشحات النساء في نهاية قوائمها؛ ونتيجة لهذا لم يُنتَخَب للبرلمان سوى تسع نساء. ثم عيَّن المجلس الأعلى للقوات المسلحة، المجلس العسكري الحاكم سابقاً، سيدتين أخريين، وبهذا أصبحت حصة النساء في عضوية مجلس الشعب نحو 2% فقط.

الإسلاميون وحقوق المرأة

لقد فازت التيارات الإسلامية بالأغلبية في البرلمان في كل من تونس ومصر. طُرِحَ للمناقشة في تونس مشروع قانون يعكس تفسيراً تقييدياً للشريعة الإسلامية، وبخاصة فيما يتعلق بوضع المرأة. ولكن هناك نية واضحة في العديد من الدول العربية للسماح بتعدد الزوجات بلا قيود.

أما في مصر فكانت الأمور أكثر تعقيدا. فمن منطلق خشيته من استيلاء الإسلاميين على السلطة قبيل الانتخابات الرئاسية، قرر المجلس الأعلى للقوات المسلحة في يونيو/حزيران 2012 حل البرلمان الذي تهيمن عليه أغلبية إسلامية.

وفي وقت سابق، كانت اللجنة التشريعية في هذا البرلمان قد تلقَّت اقتراحاً بخفض سن الزواج بالنسبة للفتيات من 18 إلى 12 عاما. وغنيٌّ عن التعريف أن هذا من شأنه أن يختصر سنوات تعليم الفتيات، ناهيك عن العواقب الضارة الأخرى.

كانت المساواة بين الجهات الفاعلة الشديدة الاختلاف التي أشعلت شرارة الثورة المصرية واحدة من أقوى سماتها. فلم تحاول أية جهة الانفراد بأي دور قيادي. وكان الصراع على السلطة يحرض قوى نظام حسني مبارك ضد الشعب، بما في ذلك النساء، اللاتي نزلن إلى الشوارع والميادين للمطالبة بالحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية.

ولكن الأمور اختلفت الآن شكل لافت للنظر. فقد تفتت المعارضة التي كانت موحدة ذات يوم في مواجهة نظام مبارك، حيث تحرص كل طائفة على الدفاع عن مصالحها الخاصة والدعوة إلى تصورها الخاص للأهداف التي ينبغي للثورة أن تحققها.

ومن المؤسف أن الموقف السياسي للمرأة ضعيف. فقد أعيدت هيكلة المجلس القومي للمرأة، وهناك اتحاد نسائي مصري جيد، كما تم إنشاء عدد من الائتلافات المكونة من جمعيات أهلية نسائية. ولكنها أبعد ما تكون عن التنظيم الكافي للسماح لها بالعمل معاً بفعالية.

هدى بدران. المصدر: كلاوديا منده
هدى بدران من أشهر ناشطات الحركة النسائية في مصر. وهي رئيسة الاتحاد النسائي المصري ورئيسة رابطة المرأة العربية.

​​

وُعود الثورة 

في بداية صيف عام 2012 كان يوجد سيناريوهان لوضع المرأة في مستقبل مصر، ولم يكن أي منهما يحمل قدراً كبيراً من الأمل. في السيناريو الأول: لو كان المجلس الأعلى للقوات المسلحة بقي في السلطة فإن هناك ارتباطاً لا ينفصم بين النظام العسكري والنظام الأبوي، فكل منهما ينظر إلى الذكورة باعتبارها عكس الأنوثة.

وإذا كان الجنود ــ وبالتالي كل الرجال "الحقيقيين" ــ يتسمون بالقوة والشجاعة، فإن هذا يعني أن النقيض لابد أن ينطبق على النساء: فهن سلبيات، مطيعات، وفي احتياج إلى الحماية بوصفهن زوجات وأخوات وأمهات "صالحات".

أما السيناريو الثاني، الذي حدث، فهو نظام الحكم الإسلامي، الذي يسعى في تشريعاته إلى جعل تعدد الزوجات القاعدة وليس الاستثناء، وحرمان المرأة من حقها المتساوي في الطلاق.

وسيكون من المؤسف أن لا يتبنى نظام الحكم في مصر المسلك الليبرالي الكفيل بتزويد النساء بالفرص لتولي الأدوار القيادية التي حُرِمَت منها تقليدياً.

والواقع أن بصيص الأمل الوحيد المتبقي لضمان المساواة والكرامة للنساء في مصر يتلخص في استعداد كل الساعين إلى تحقيق نظام الحكم هذا لتوحيد الجهود وبذل المحاولات مرة أخرى للوفاء بالوعد الديمقراطي الذي حملته الثورة لمصر.

 

هدى بدران
ترجمة: إبراهيم محمد علي
تحرير علي المخلافي
حقوق النشر: بروجيكت سنديكيت 2012