تعدُّد الزوجات....شبح يطارد نساء تونس من جديد

أثارت دعوة "أنصار الشريعة" السلفية، في تونس، إلى إباحة تعدد الزوجات ردود فعل متباينة وانقساما بين: مَن يرى فيها تراجعاً عن المكتسبات التاريخية للمرأة التونسية ومَن يعتبرها "حلاً إسلامياً" لمشاكل اجتماعية مستعصية. منية غانمي تسلط الضوء من تونس على هذا الجدل.

الكاتبة ، الكاتب: منية غانمي

محمد علي بن رجب 46 سنة، سائق تاكسي أب لثلاثة أطفال، تجمعه علاقة عاطفية بشابة أحبها كثيرا ووجد معها انسجاما حتى أنه لم يعد يتحمل فراقها ويتمنى الارتباط بها "شرعا"، لكنه وفي نفس الوقت غير قادر على الاستغناء عن زوجته الأولى، كما يقول محمد علي، وكل ما يتمناه الآن هو أن يستطيع الجمع بينهما الاثنتين، لكن القانون في تونس يمنع هذا النوع من الارتباط. في هذه الحالة بات محمد علي يخشى، كما يقول"ارتكاب بعض المنكرات والمعاصي المنافية للدين والأخلاق والعرف ويهاب الدخول في علاقة محرمة خارج نطاق الزواج".

وكل ما يأمله الآن هو وجود "حل يجنبه الوقوع في هذه المحرمات". ويقول: "نظام الزوجة الواحدة ليس دائما كافيا، إذا استأنس الرجل بامرأة أخرى وأحبها فلا سبيل أمامه إلا الزواج بها، لأنه ليس له أنْ يزني بها، فإذا زنى خالف طريق العقل والدِّين".

أصوات تطالب بتعدد الزوجات

مؤيدون لتعدد الزوجات في تونس، دويتشه فيله
أمام تزايد نفوذ الحركات الإسلامية المتشددة في تونس ونواياها بصدد تطبيق الشريعة الإسلامية، يخشى خبراء القانون أن تكون الدعوة إلى السماح بتعدد الزوجات مدخلا للتمرد على مؤسسات الدولة المدنية وقوة القانون.

​​محمد علي أصبح يعول كثيرا على أجواء الحرية والديمقراطية الجديدة في بلده وعلى ظاهرة "الأسلمة" المتنامية في مجتمعه. وبدوره اعترف عمر الشتيوي، 36 سنة، موظف في قطاع السياحة، متزوج وأب لطفل، أنه لا يستطيع الاقتصار على زوجة واحدة وأنه يقوم بين الحين والآخر بعلاقات جنسية عابرة مع فتيات أخريات "بصفة غير شرعية" بمعدل 3 أو 4 مرات في الشهر وبمقابل مادي.

وهو يدرك مخاطر العلاقات الجنسية العابرة على صحته، ولكنه لم يجد حلا آخر لأنه لم يعد يتحمل نسق المعاشرة الجنسية مع زوجته التي يحبها ولا يستطيع التخلي عنها بسبب الأبناء. وينتقد في هذا السياق، القوانين المنظمة لعملية الزواج في تونس والذي رأى بأنها لم تراع مصالح المجتمع و لم تفرز إلا تزايد "الانحلال الأخلاقي والفساد".

ويذكر أن قانون الأحوال الشخصية في تونس يمنع تعدد الزوجات ويقر الزواج المدني والطلاق عبر القضاء. وقد علق الشتيوي في هذا السياق قائلا" في بلدي لا يسمح بتعدد الزوجات لكن يسمح بالزنا، يتباهون بأنهم يرفضون التعدد ظاهريا ولكنه في الخفاء موجود، إن مبدأ تعدُّد الزوجات لا يسدُّ فراغه إلا الزنا، فمَن يرى في نفسه من الرجال حاجةً إلى امرأة ثانية، فهو يتحصل عليها إما خليلة أو عشيقة إن لم يحصل عليها بالحلال".

"عزباء إلى الأبد ولا زوجة ثانية"

وفي مواجهة بعض الأصوات الداعية لإلغاء منع تعدد الزوجات، تبدي فئة واسعة من التونسيات مخاوف على مكتسباتهن التاريخية. سرور مزوغي طالبة اعتبرت أن الجدل حول هذا الموضوع يعد عقيماً لأن الزمن تجاوزه. وأعربت سرور عن رفضها "بشكل قاطع في الخوض في هذه المسألة التي حسمت منذ أكثر من 50 سنة، صحيح أنه مباح في الشريعة، لكن تعدد الزوجات لا يتناسب مع عصرنا الحالي". وقالت" شخصيا، أفضل أن أبقى عزباء مدى حياتي، على أن أكون زوجة ثانية".

ويؤيدها في ذلك سليم باشا قائلا"موضوع تعدد الزوجات موضوع قديم، مرتبط أساسا بالأحوال الاقتصادية والاجتماعية للبشر، يخطئ من يقول أن تعدد الزوجات هو حل للمشاكل الاجتماعية بدليل أنها متواجدة بكثرة في البلدان التي تتبني فكرة تعدد الزوجات، مثل دول الخليج التي تزدهر فيها السياحة الجنسية".

مطالبات بحقوق المرأة في تونس، دويتشه فيله
نساء تونسيات يتظاهرن في شارع الحبيب بورقيبة من أجل عدم التراجع عن حقوق المرأة

​​لكن أنصار الشريعة في تونس لا يتفقون مع هذا الرأي، فهم يعتبرون تعدد الزوجات مطلبا "ضروريا للمسلم وفيه حلول للمشاكل الاجتماعية الموجودة في تونس" على غرار ارتفاع نسب العنوسة والطلاق، ويُعَدّ برأيهم "وسيلة لإعادة التوازن الأخلاقي للمجتمع الذي ارتفعت فيه نسبة الفساد المرتبطة أساسا بالزنا والرذيلة".

حمدي بن أبي لبابة المبارك عضو في "اللجنة الشرعية لأنصار الشريعة في تونس" المقربة من التيار السلفي الجهادي، يقول: "الله أباح تعدد الزوجات في كتابه ونحن لا يمكن لنا أن نعارض حكم الله، والذي يعارض ذلك فهو غير مسلم". ودعا إلى ضرورة رفع الحظر المفروض على تعدد الزوجات وتعديل قوانين مجلة الأحوال الشخصية بما "يستجيب لروح الشريعة الإسلامية"، لأن الإسلام والشريعة حسب رأيه "ليس ألعوبة بيد أي أحد ليأخذ منه ما يشاء ويترك منه ما يشاء". وأضاف: "شريعة الإسلام صالحة لكل زمان ومكان وفيها مرونة، أما القوانين الوضعية فهي جامدة وكلها اجتهادات مدنية".

في حين أثارت دعوة الإسلاميين إلى إباحة تعدد الزوجات قلق المنظمات النسائية والأحزاب الليبرالية التي تخشي تراجعا في حقوق المرأة.

مخاوف على مكتسبات المرأة التونسية

وترفض الهيئات النسائية المدافعة عن حقوق المرأة فكرة تعديل قانون الأحوال الشخصية والسماح بتعدد الزوجات، واعتبرتها "مظهرا من مظاهر التخلف ومؤشرا خطيرا على محاولة سطوة الإسلاميين المتشددين على المكاسب والحقوق التي تحققت للمرأة التونسية منذ استقلال البلاد سنة 1956".

أحلام بالحاج رئيسة الجمعية التونسية للنساء الديمقراطيات وصفت هذه الفكرة "بالرجعية، لأنها اعتمدت على تفسيرات ضيقة وتأويلات متطرفة للدين الإسلامي". وأكدت أن المناداة بتطبيق قاعدة تعدد الزوجات فيه تعدٍّ على حريات المرأة واستنقاصا من قيمتها، ويخفي وراءه نظرة دونية لشخصها، ومحاولة لتجريدها من حقوقها ومكتسباتها الحداثية.

وفي ردها على الانتقادات الموجهة لقانون الأحوال الشخصية وتنامي المشاكل الاجتماعية في البلاد، ترى الناشطة التونسية أن "تحرير المرأة كما جاء في قانون الأحوال الشخصية التونسية، وأساسا مَنَع تعدد الزوجات، لا يمكن تحميله، بأي حال من الأحوال، مسؤولية بعض المشاكل الاجتماعية التي يعاني منها التونسيون على غرار العنوسة أو الطلاق".

وليست وحدها النخب الحداثية في تونس تؤيد الحفاظ على قانون الأحوال الشخصية وجَعْله في منأى عن سطوة الإسلاميين، بل هنالك أيضا بعض المفكرين الإسلاميين والباحثين المتخصصين في القانون والدراسات الإسلامية الذين يعتبرون قانون الأحوال الشخصية التونسي "اجتهاداً إسلامياً". فقد سعى حزب النهضة الإسلامي الحاكم إلى أن ينأى بنفسه عن دعاة تطبيق الشريعة وإباحة تعدد الزوجات، وصرح راشد الغنوشي زعيم الحزب أنه يعتبر قانون الأحوال الشخصية "اجتهادا في إطار الفكر الإسلامي".

الرئيس التونسي الراحل الحبيب بورقيبة، د ب أ
قانون الأحوال الشخصية كان وراء سنِّه: الرئيس الراحل الحبيب بورقيبة، وذلك مباشرة بعد استقلال تونس في القرن الماضي.

​​وقد أوضح الناصر خشيني مختص في الدراسات الإسلامية بالجامعة التونسية أن مجلة الأحوال الشخصية لم تنحرف عن أحكام الشريعة الإسلامية، لأن الإسلام لم يفرض التعدد فرضا مُلزِما.

وأضاف: "موقف القرآن كان واضحا لا لبْس فيه، لأنه لم يفرض التعدد فرضا ملزما، فالقانون التونسي عندما يشرّع للزواج من امرأة واحدة فإنه لم يخرج عن قواعد الشرع الإسلامي، بل اِلتزم بمنطوق النص القرآني ومقصده، المتمثل في حفظ كرامة الإنسان ومسايرة الفطرة الإنسانية خاصة وأن السماح بالتعدد كان في ظل ظروف تاريخية معينة وحاجة المسلمين لزيادة النسل".

وأمام تزايد نفوذ الحركات الإسلامية المتشددة في تونس ونواياها بصدد تطبيق الشريعة الإسلامية، يخشى خبراء القانون أن تكون الدعوة إلى السماح بتعدد الزوجات مدخلا للتمرد على مؤسسات الدولة المدنية وقوة القانون.

قيس سعيد، أستاذ القانون الدستوري، اعتبر أن مثل هذه الدعوات التي تقودها التيارات الإسلامية المتشددة، يمكن أن تمثل "تهديدا متفاقما لمقومات الدولة المدنية القائمة على أساس القانون والمؤسسات الديمقراطية، وأن تقوض النمط الاجتماعي للشعب التونسي". وقال" للأسف الشديد، طرحت في تونس مواضيع ليس هناك ما يبررها على الإطلاق، استندت على تأويل لأحكام الشريعة الإسلامية، فمسألة تعدد الزوجات مسألة محسومة منذ سنوات، ثم اعتقد أن ثقافة التونسي لا يمكن أن تقبل بمثل هكذا دعوات".

ودعا قيس سعيد إلى ضرورة أن يضع المجلس الوطني التأسيسي إعلاناً لحقوق الإنسان والمواطن، يُعرَض على الاستفتاء ويتم بناء الدستور الجديد للبلاد عليه، يضمن جملة من المبادئ الأساسية والحقوق والحريات، التي لا يمكن التراجع عنها ولا يمكن للدستور ذاته أن يخرقها، خاصة عدم الزواج بثانية، وتجريم الزواج على خلاف الصيغ القانونية.

 

منية غانمي
تحرير: منصف السليمي
حقوق النشر: دويتشه فيله 2012