"فشل نيجيري وصحوة عالمية في مواجهة بوكو حرام الإرهابية"

ينتقد المحلل الألماني كلاوس شتيكر في تعليقه التالي عجز الرئيس النيجري غودلاك جوناثان في مواجهة إرهاب جماعة بوكو حرام وإهماله للمتضررين من هذا الإرهاب: وخاصة في قضية الخطف الجماعي لنحو 200 أو 300 تلميذة في نيجيريا من قِبَل هذه الجماعة المتطرفة. كما يستغرب من عدم استعانته بعروض رجال الدين من أجل التوسط للتوصل إلى حل في هذه القضية. لكنه يثني على تخلي العالَم عن اللامبالاة ولو للحظة: بالتضامن مع الأمهات النيجيريات وانتقاد الإخفاقات السياسية في العاصمة النيجيرية أبوجا ودعم احتجاجات المجتمع المدني.

الكاتبة ، الكاتب: Claus Stäcker

هل تم اختطاف 200 فتاة في نيجيريا؟ أم كان عددهن 276 أو حتى أكثر من 300 فتاة؟ وهل هن في الكاميرون أو في تشاد أو حتى في "الغابات الكثيفة في شمال شرق نيجيريا"، مثلما تظن بعض وكالات الأنباء؟ لا توجد في نيجيريا حقائق وأرقام موثوق بها. ولا أحد يعرف أي شيء دقيق، وإذا كان هناك مَنْ يعرف، فلا يُسمح له بالتصريح عن أية معلومات.

بات الرئيس النيجيري غودلاك جوناثان، المنتخب ديمقراطيًا، عرضة وعلى نحو متزايد لانتقادات شديدة؛ بسبب تأييده لعسكرة بلاده بصورة متنامية. فقد صار يعوّل على الجيش من أجل ضمان إعادة انتخابه في عام 2015. كذلك صار يتم إقصاء النقَّاد وحتى ذوي النوايا الحسنة. وحتى أنَّ بعضهم وجدوا أنفسهم خلف القضبان من جديد. وفي بعض المحافظات تسري منذ عدة أشهر حالة الطوارئ والأحكام العرفية، بما في ذلك فرض حظر على التجوّل بالإضافة إلى قطع الاتصالات.

ستة آلاف قتيل في خمسة أعوام

ونتيجة لذلك لا يتم الإعلان منذ فترة طويلة عن عمليات الخطف التي تقوم بها جماعة بوكو حرام. وكذلك نادرًا ما تُعرف الحقيقة كاملة حول هجمات بوكو حرام. 106 قتلى في منتصف شهر شباط/ فبراير 2014؛ ونحو 40 قتيلاً في نهاية شهر شباط/ فبراير؛ وكذلك 106 قتلى في شهر نيسان/ أبريل؛ بالإضافة إلى أكثر من 200 قتيل يوم الثلاثاء (06 / 05 / 2014) - أرقام تشير إلى وجود معاناة كبيرة جدًا، ولكن لا يستطيع أي شخص تقريبًا التحقّق من صحتها.

في الماضي، كان الرأي العام العالمي يسمع عن هذه الأرقام من د ون تعاطف كبير. وكان السبب الساخر أنَّ الكثيرين من القتلى في نيجيريا كانوا يسقطون باستمرار أيضًا في تفجيرات خطوط الأنابيب وفي حوادث العبارات. وفي أقل من خمسة أعوام أقدمت جماعة بوكو حرام الإسلاموية على قتل ستة آلاف شخص ذبحًا وفي تفجيرات. ونتيجة ذلك ردّ الجيش بشنّ هجمات انتقامية راح ضحيتها أيضًا أشخاص أبرياء ولم تؤدِّ إلاَّ إلى زيادة حدة الصراع.

وإثر ذلك تم تأسيس لجان وإعداد تقارير. ولكن لم يكن هناك أي مكان لحوار بين الحكومة وجماعة بوكو حرام. وأمَّا الرئيس غودلاك جوناثان فقد اقتنع بفكرة إخضاع جماعة بوكو حرام بالقوة العسكرية، لكي يظهر أمام الناخبين بصورة الرجل القوي ويقدِّم نفسه للعالم كزعيم واثق بنفسه.

أرادت نيجيريا التي تظهر فيها حركة اقتصادية عالية، تقديم نفسها باعتبارها الرقم الأوَّل الجديد في أفريقيا. أكَّدت البيانات أنَّ نيجيريا البالغ عدد سكَّانها 170 مليون نسمة قد تجاوزت على الأقل في ناتجها القومي الإجمالي دولة جنوب أفريقيا الأصغر منها بثلاث مرات. وهذا يتناسب مع انعقاد المنتدى الاقتصادي العالمي حاليًا في العاصمة النيجيرية أبوجا؛ التي تتعرّض الآن في الواقع للرفض والانتقاد وتعاني من حالة ارتباك، بدلاً من تألقها والإثناء عليها - وهذه خطوة أضرت بنيجيريا بدلاً من أن تفيدها.

سياسة جوناثان في الحضيض

لم يَسْعَ غودلاك جوناثان إلى الاتصال بالأشخاص المتضرِّرين من الإرهاب، ولم يبذل أية جهود من أجل إجراء حوار مع الإسلامويين - مثلاً عن طريق رجال الدين والأعيان، حيث لا يوجد في سياسته أي مكان لمثل هذه العروض. وتمثِّل عملية الخطف الجماعي لنحو 200 أو 300 تلميذة في نيجيريا أدنى مستويات سياسته. كذلك أدَّى أوَّل ظهور لغودلاك جوناثان في التلفزيون إلى كارثة في العلاقات العامة. فقد قال الرئيس إنَّه سعيد لأنَّ الفتيات لم يتعرّضن لأي أذى - "أي بمعنى أنَّهن لسن في عداد القتلى أو الجرحى".

Nigerias Präsident Goodluck Jonathan; Foto: AFP/Getty Images
تعيس وعاجز عن مواجهة الإرهاب - لم يسعَ الرئيس غودلاك جوناثان إلى الاتصال بالأشخاص المتضرِّرين من الإرهاب، ولم يبذل أية جهود من أجل إجراء حوار مع الإسلامويين. تمثِّل عملية الخطف الجماعي لنحو 200 أو 300 تلميذة في نيجيريا أدنى مستويات سياسته.

لا بدّ أن تكون تصريحاته هذه قد أثارت غضب الأمَّهات اللواتي يتظاهرن منذ عدة أيَّام في العاصمة النيجيرية أبوجا. لم يعد غضبهن منذ فترة طويلة موجهًا فقط ضدّ الجهاديين الذين ينظرون إلى الفتيات المختطفات كجاريات للجنس وكسِلَع للبيع. وبالإضافة إلى ذلك صارت أمهات المختطفات يندّدن بجمود الحكومة.  والتنديد العالمي الكبير، بفضل الإنترنت ووسائل الإعلام الاجتماعية، قد يشجعهن على ذلك. وحتى أنَّ الرئيس الأمريكي باراك أوباما وجد نفسه مضطرًا للرد على الضغط الشعبي غير المتوقَّع في بلاده. فمنذ عدة أيَّام صار يخرج النيجيريون حتى في الولايات المتَّحدة الأمريكية إلى الشوارع من أجل الاحتجاج بغية إطلاق سراح التلميذات.

وصار من المقرّر، بحسب التصريحات الأمريكية، أن يساعد خبراء من الجيش الأمريكي ومن مكتب التحقيقات الفيدرالي في العثور على الفتيات المختطفات. ولكن في الواقع لا ينبغي المبالغة في أهمية هذه التصريحات: إذ إنَّ الخبراء الأمريكيين يبحثون عن مجرم الحرب جوزيف كوني في المساحات الشاسعة داخل أفريقيا الوسطى - لكن حتى الآن من دون جدوى.

لم يكن هناك أي شيء جديد - ولكن يتجلى الآن الشيء الجديد والجدير بالاهتمام في تخلي العالم للحظة عن عدم مبالاته؛ في مشاركته الأمَّهات النيجيريات معاناتهن، وكذلك في انتقاده الإخفاقات السياسية في العاصمة النيجيرية أبوجا، بالإضافة إلى دعمه احتجاجات المجتمع المدني. وهذا هو الخبر السار الوحيد بالنسبة لنيجيريا.

 

كلاوس شتيكر

ترجمة: رائد الباش

تحرير: علي المخلافي

حقوق النشر: دويتشه فيلة/ قنطرة 2014