أصوات التسامح في مواجهة دعاة كراهية الإسلام

بينما أخذت تتكرر الاعتداءات على المسلمين في الولايات المتحدة الأمريكية، تزيد خطابات فوضوية غير مسؤولة، كخطاب الرئيس الإيراني أحمدي نجاد في الجمعية العامة للأمم المتحدة، من حدة أجواء معادة المسلمين. ومع ذلك تتمتع الأقلية المسلمة بدعم كبير في الولايات المتحدة الأمريكية. غوكالب بابايجيت يسلط الضوء على طبيعة هذا الدعم.

الصورة ا.ب
تغطي وسائل الإعلام بشكل متزايد عددا من الحوادث التي تشير إلى إسلامفوبيا منتظمة في الولايات المتحدة الأمريكية

​​ قد تكون صحيفة صغيرة في احدى الولايات الأمريكية الصغيرة، إلا أن قصة صحيفة بورتلاند برس هيرالد ترمز إلى الأجواء التي تسود الولايات المتحدة في الوقت الراهن. فقد نشرت الصحيفة الصادرة في ولاية مين الأمريكية مقالاً عن 3000 مسلم تجمعوا سلمياً في مدينة بورتلاند للصلاة في نهاية شهر رمضان. وإضافة إلى ذلك نشرت الصحيفة على صفحتها الرئيسية صورة لهذا التجمع. ولم تكن هيئة تحرير الصحيفة تتوقع الاحتجاجات الشديدة من قبل قرائها التي أتى سببها نشر هذا المقال.

وتزامن نُشر المقال المذكور -وصورته- مع الذكرى التاسعة لهجمات الحادي عشر من سبتمبر وأثار على ما يبدو غضب القراء لدرجة أن هيئة التحرير استلمت العديد من رسائلهم الغاضبة. وأمام هذا الوضع اضطر الناشر ريتشارد كونور إلى التعامل مع هذه الاحتجاجات: فبعد يوم واحد من نشر المقال نشرت الصحيفة اعتذاراً رسمياً، اعترف فيه كونو بأن قرار الصحيفة بنشر المقال "جرح الكثير من القراء" واعتذر من أن الصحيفة لم تجد "التوازن الصحيح" في يوم مثل يوم ذكرى هجمات الحادي عشر من سبتمبر.

ويبدو أن القراء لم يرغبوا في ذكرى الحادي عشر من سبتمبر، يوم الحزن، أن يَقْرَؤُوا بشكل واضح على الصفة الأولى من صحيفتهم عن المسلمين الأمريكيين المحبين للعيش بسلام، واللذين أدوا صلاتهم. ويمكن ترجمة هذا الاعتذار، كما يعلق مدون مجلة التايم جيمس بونيفوتسيك ساخراً، إلى ما معناه: "نعتذر من القراء الأعزاء كوننا صورنا المسلمين في ذكرى هجمات الحادي عشر من سبتمبر على أنهم أناس طبيعيون".

المسلمون ككبش فداء

ريشارد كونور، الصورة ا.ب
اضطر ناشر صحيفة بورتلاند برس هيرالد للاعتذار إلى قرائه عن تقرير حول تجمع سلمي للمسلمين في مدينة بورتلاند للصلاة في نهاية شهر رمضان وبالتزامن مع يوم ذكرى هجمات الحادي عشر من سبتمبر

​​

من يتابع تعامل وسائل الاعلام المحافظة مثل فوكس نيوز أو تصريحات سياسيي حركة "حفلة شاي" Tea Party بشأن الصراع حول مسجد نيويورك، قد يستحسن ربما أقوال معلق صحيفة نيويورك تايمز، نيكولاس كريستوف، الذي يقول: إن المسلمين ينتمون إلى آخر الأقليات في الولايات المتحدة الأمريكية والتي مازال المرء قادراً إذلالها علنياً، من دون الالتفات إلى عواقب ذلك.

إن مشاهداً مثل حضور الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد مؤخراً في الجمعية العامة للأمم المتحدة، الذي خاض فيه أحمدي نجاد في الحديث عن نظريات المؤامرة خلف هجمات الحادي عشر من سبتمبر، تثير المشاعر ضد المسلمين من جديد.

في الحقيقة، تغطيوسائل الإعلام في الغالب كثيرا من الحوادث التي تشير إلى إسلامفوبيا منتظمة في الولايات المتحدة الأمريكية، بل وحتى من المسلمين الأمريكيين أيضاً. أحد سائقي سيارات الأجرة في مدينة نيويورك طُعن حتى الموت لأنه مسلم فقط. وتمت مهاجمة أحد عمال البناء في مدينة نيويورك أيضاً خلال مظاهرة ضد بناء المسجد لأنه بدا مسلماً. كما أُضرمت النار في موقع بناء أحد المساجد في مدينة مارفريسبورو بولاية تينيسي.

وباشمئزاز كبير تحصي الأصوات الليبرالية اليسارية هذه الجرائم وتطرح التساؤل بصيغة محذرة، فيما إذا كانت معاداة الإسلام هي مكارثية الألفية الجديدة. فقد نُظمت آنذاك حملات منتظمة ضد شيوعيين مفترضين.

موجة مضادة مشجعة

الصورة ا.ب
توجد في أمريكا ردة فعل قوية ضد مروجي الإسلامفوبيا من خلال تنظيم حملات دعم للمسلمين

​​

لكن أمريكا لن تكون بلد المتناقضات، إذا كان هذا التحريض الشديد لا يولد حركة مضادة حازمة هي الأخرى. إن المعارضة للأجواء المعادية للإسلام آخذة في النمو رغم قلة نصيبها من التغطية الإعلامية. في هذا الإطار يقول يوسف كامنغ من مركز الإيمان والثقافة في جامعة ييل: "لا يُنكر أن هناك أجواء من المعادة للإسلام في الولايات المتحدة الأمريكية. لكن يوجد أيضاً بالدرجة نفسها تقريباً من الشدة رد فعل مضاد من قبل الأشخاص الذين يرفضون الإسلامفوبيا هذه ويقفون إلى جانب مسلمي أمريكا".

وفي حواره مع صحيفة زود دويتشه تسايتونغ يبدي كامنغ، مدير "برنامج المصالحة" في جامعة ييل الذي يهدف إلى بناء جسور التواصل بين الإسلام والمسيحية، قلقه من جانب، وتفاؤله الحذر أيضاً من جانب آخر. ويقول كامنغ: "أعتقد أن الموضوع لم يتم تناوله بأكثر مما ينبغي في وسائل الإعلام فقط، وإنما كانت وسائل الإعلام سبباً فيه أيضاً". وتوضح الإحصائيات أن كامنغ ليس على خطأ ربما في هذا الجانب، فبحسب هذه الإحصائيات فإن عدد الجرائم ضد المواطنين الأمريكيين اليهود مازالت أكثر بكثير من تلك المقترفة بحق المسلمين.

متفائلاً يذهب كامنغ أيضاً إلى أن بعض الأحزاب رفعت أصواتها لصالح المسلمين في أمريكا، ومنها "الجمعية الوطنية للإنجيليين"، التي تعد أكبر رابطة للإنجيليين في الولايات المتحدة والمكونة من قرابة 45 ألف كنيسة في عموم البلاد، احتجت بشدة على الأحاديث المعادية للإسلام وأعلنت وقوفها إلى جانب المسلمين الأمريكيين.

ولجميع الأصوات التي يعتريها تخوف من الإسلام، أي لأولئك الذين يربطون بشكل غير قابل للتغيير معنى أن تكون أمريكياً بأن تكون مسيحياً والذين يعبرون الإسلام غير أمريكي وجدير بالازدراء، يحتفظ ريتشارد سيزيك برسالة جاهزة: "أقول لكل الإنجيليين، الذي يعاملون المسلمين بعدم تسامح أو يسخرون منهم أو يمارسون التمييز تجاههم: فلتخجلوا من أنفسكم. هذا يجلب العار على كل من أحب يسوع المسيح وكنيسته".

جهود المصالحة

تيري جونس، الصورة أ.ب
الرئيس السابق للجمعية الوطنية للإنجيليين ومؤسس منظمة "الشراكة الإنجيلية الجديدة للصالح العام"، لا يرى أن الإسلاموفبيا تكمن في حركة عنصرية جديدة، وإنما ببساطة في الجهل.

​​

لكن سيزيك، الرئيس السابق للجمعية الوطنية للإنجيليين ومؤسس منظمة "الشراكة الإنجيلية الجديدة للصالح العام"، لا يرى أن هذه المشاكل تكمن في حركة عنصرية جديدة، وإنما ببساطة في الجهل. وهذا ما توضحه أيضاً الكثير من استطلاعات الرأي، التي تظهر أن الناس الذين ليس لديهم أصدقاء من المسلمين يتخذون موقفاً متخوفاً من الإسلام.

من خلال العديد من البرامج التي تنفذها منظمته بالتعاون مع الروابط الإسلامية يريد سيزيك مكافحة هذا الجهل بالإسلام. وفي مقابلة مع صحيفة زود دويتشه تسايتونغ يقول سيزيك: "إن هذه البرامج ستساعدنا على تحاشي خطط اليمين المتطرف الرامية إلى وصف الإسلام بأنه "الإمبراطورية الشريرة" الجديدة. ولذلك فإن جدول أعمال سيزيك مليء بالمهام.

في نيسان/ أبريل الماضي تم تنظيم برنامج مشترك بين الإنجيليين والمسلمين، وفي شهر تشرين الثاني/ نوفمبر القادم سيتبعه برنامج آخر. ولا يمكن لكامنغ أيضاً، الذي يحاول مد الجسور بين المسيحية والإسلام، أن يشكو من قلة البرامج والمبادرات في هذا المجال. إن الضجة التي أُثيرت حول القس تيري جونز من ولاية فلوريدا، الذي كان يعتزم حرق نسخ من القرآن بمناسبة الذكرى التاسعة لهجمات الحادي عشر من سبتمبر، وصلت أيضاً كامنغ أيضاً، لكن على عكس ما يمكن للمرء أن يعتقد.

وإجابة على السؤال عما إذا كان عمل كامنغ للمصالحة بين الدينيين السماويين، المسيحية والإسلام، قد أصبح أكثر صعوبة نظراً لهذه الأجواء، يقول كامنغ بعد تأمل: "في كل مرة حين يأتي أحدهم بفعل مجنون، مثل القس جونز، لا يكف جرس الهاتف عندنا عن الرنين".

ويضيف كامنغ: "يتصل بنا مسيحيون، قساوسة ورعاة كنائس، ويطلبون النصح من مدير برنامج المصالحة عن كيفية إقامة علاقات صداقة جيدة مع المواطنيين الأمريكيين المسلمين الساكنين إلى جوارهم". ويختم كامنغ كلامه بالقول إن مثل هذه الموجة المضادة "تشجعنا أكثر على العمل".

غوكالب بابايجيت
ترجمة: عماد مبارك غانم
مراجعة: هشام العدم
الحقوق: صحيفة زود دويتشه تسايتونغ الألمانية/ قنطرة 2010

المكارثية: حركة تقوم على اتهام الأشخاص بأنهم على صلة بالمنظمات الشيوعية دون إثباتات كافية تدعم الادعاء. وقد دعيَت باسم جوزف مكارثي (1908–1967)، سناتور جمهوري عن ولاية وسكونسن الأمريكية (ملاحظة المترجم).

قنطرة

حوار مع هاينِر بيليفيلدت حول الإسلام والحقوق الأساسية:
ظاهرة الإسلاموفوبيا.... عنصرية تتنكر بعباءة الليبرالية
يرى هاينِر بيليفيلدت، المدير السابق للمعهد الألماني لحقوق الإنسان، في هذا الحوار مع كريستيان رات أن حظر ارتداء البرقع ممكن، أما حظر بناء المآذن فمخالف للقانون، معتبرا أن ظاهرة الإسلاموفوبيا ما هي إلا عنصرية تسترت وراء الليبرالية التي اتخذتها رداء ومرجعية.

حوار مع الباحث الفرنسي أوليفر روي:
"مصطلح الإسلاموفوبيا مصطلح مضلل"
يُعد الباحث الفرنسي في العلوم السياسية أوليفر روي من أبزر المتخصصين في الإسلام في أوروبا. وقريباً سوف يظهر كتابه الجديد، "السذاجة المقدسة – حول الأخطار السياسية التي تنبثق من الأديان المقتلعة من جذورها"، مترجماً إلى الألمانية. في الحوار التالي مع إرين غوفرتشين يتحدث روي عن النقاش الراهن حول الإسلام، ويوضح لماذا يعتبر مصطلح "الإسلاموفوبيا" مصطلحاً مضللاً.

عرض لكتاب الباحث الفرنسي أوليفر روي "الحرب الخاطئة":
رفض للقراءات التبسيطية وتفنيد لفرضية صراع الحضارات
يرفض الباحث السياسي الفرنسي والخبير في شؤون الحركات الإسلامية، أوليفر روي، في كتابه الجديد "الحرب الخاطئة" فكرة وجود "تكتل جيوـ إستراتيجي في العالم الإسلامي". كما يسعى الخبير المعروف بحياديته وموضوعيته، إلى تفنيد فرضية "صراع الحضارات" الخاطئة. لؤي المدهون في عرض لهذا الكتاب الرصين.