فتنة: حرب في قلب الإسلام

يرسم الباحث الفرنسي المختص في شؤون الشرق الأوسط جيل كيبيل لوحة عريضة للحظة السياسية والتاريخية الحاضرة التي تشغل العالم الإسلامي والغربي، في كتابه الصادر أخيرا عن دار غاليمارالفرنسية. صالح دياب قرأ الكتاب ويقدمه لنا

الصورة: أ ب

​​يرسم الباحث الفرنسي المختص في شؤون الشرق الأوسط جيل كيبيل لوحة عريضة للحظة السياسية والتاريخية الحاضرة التي تشغل العالم الإسلامي والغربي، في كتابه الصادر أخيرا عن دار غاليمار. صالح دياب قرأ الكتاب ويقدمه لنا

عبر حوالي أربعمائة صفحة يسافر القارئ ضمن جغرافيا هائلة من الأحداث التاريخية والسياسية و"الإرهابية" والأسماء السياسية والدينية من منظّرين ورؤساء تنظيمات وشيوخ وقادة عرب وإسلاميين الخ حتى يصل إلى خطيب مسجد فينيسيو في مدينة ليون.

يشكل "فشل اتفاق اوسلو" وهو الفصل الأول من الكتاب واندلاع انتفاضة الأقصى، إثر زيارة شارون إلى مسجد الصخرة مفصلا أساسيا في ما خلفه من أحداث وعمليات، تم دعوتها بالاستشهادية عبر الإعلام العربي والإسلامي وانتحارية من وجهة نظر إسرائيل والغرب. فالمنظمات الفلسطينية كحماس والجهاد الإسلامي اتخذتا حزب الله الشيعي اللبناني موديلا يمكن اقتفاءه. ولم تفكرا أن لبنان لم يكن يوما ضمن السياسة الإسرائيلية إلا منطقة استراتيجية يمكن استعمالها لتحصين أمن إسرائيل التي ليس لديها أي طموح لضمه. في حين يختلف الأمر كليا بالنسبة لفلسطين.

لبنان نموذجا

يحلل الكاتب أسباب فشل انتفاضة الأقصى وفقدانها البوصلة رادا ذلك إلى اتباعها سياسة حزب الله المزروع في المنطقة، ضمن الفوضى اللبنانية، بوصفه امتدادا للنظام الإيراني. في وقت غاب عنه الاتحاد السوفييتي وخسارة عملائه الأساسيين: سوريا ومنظمة التحرير، وعدم مقدرة أي من البلدان العربية الرد على إسرائيل، هذه البلدان التي تخضع لأنظمة مطلقة ترفض الديمقراطية بحجة الحرب مع إسرائيل.

العرب الذين يعيشون أحلامهم المنكسرة وجدوا في صدام حسين صلاح الدين الجديد، وما احتلال الكويت، ونسيان أن أمريكا قد أخذت عهدا دائما بحماية دول الخليج، أو منابع النفط وإسرائيل، إلا المدخل إلى الإطاحة بصدام واحتلال العراق، ومن ثم اشتداد العمليات "الإرهابية" وانفلاتها ضد الغرب، واستعمال أمريكا القوة للحفاظ على منابع النفط بعد فشل أوسلو.

ساهم في دفع أمريكا نحو الإطاحة بصدام عدة أمور أولها المتطرفين اليمينيين الذين يحيطون ببوش فضلا عن الكتابات التي ذاعت مثل صراع الحضارات لهنتنغن ونهاية التاريخ لفوكوياما.

الانتقال إلى محاربة العدو البعيد

اقتلاع صدام يحقق للولايات المتحدة جملة منافع أولها: ازاحة العراق من طريق إسرائيل وإعاقة الطموحات السورية والتحكم بالنجف بوصفها مركز الشيعة وتجزئة شيعة إيران ولبنان وسوريا. عملية الحادي عشر من سبتمبر عجلت في دفع أمريكا نحو تحقيق أهدافها تحت شعار مكافحة الإرهاب.

شعار ضرب العدو البعيد هو الفصل الذي يخصصه الكاتب لعمليات نيويورك وواشنطن. ولكي نفهم العمليات يجب العودة إلى الشخصيتين الأساسيتين في القاعدة بن لادن وأيمن الظواهري وكيفية الانتقال من محاربة العدو القريب: الأنظمة العربية وإسرائيل، إلى ضرب العدو البعيد في عقر داره.

ما يريد الوصول إليه كيبيل هو أن الخطاب الإسلامي فشل في كل الأمكنة، في أفغانستان وفي الجزائر، ومصر، والسودان حيث يقبع في السجن المنظر الإسلامي حسن الترابي.

يرجع الكاتب الى أقوال وكتابات الظواهري محللا مقاطع منها. الظواهري الذي يسقط معركة عين جالوت وحطين على أيامنا هذه،لا يعيره أن تموت كل الأمة الإسلامية ولا تمس حجرة من المسجد الأقصى، مضيئا آلية تفكيره، هو الذي يجمع في شخصيته المعرفة العلمية المتطورة بوصفه طبيبا والتفكير القدري الخيالي.

الفشل الذي يلحق بالمجاهدين في كل مكان يدفعهم إلى أن يثيروا المسلمين للحفاظ على المقدسات الدينية، هم الذين ينحصرون بين صور الموت الواقعة على الشعب الفلسطيني، تبثها القنوات الفضائية وبين نداءات القاعدة للجهاد.عملية الحادي عشر من سبتمبر تطبيق حرفي لفلسفة الظواهري في كتابه فرسان تحت راية النبي. السؤال الذي يمكن طرحه هنا:هل نجحت القاعدة في دفع المسلمين إلى الجهاد؟

نتائج الجهاد

على العكس تماما. تم تدمير البلد الذي طبق الشريعة، والدول العربية تضع حظرا على نشاطات الإسلاميين، فيما ليبيا تعترف بعملية لو كربي، وإسرائيل تزداد بطشا بعد كل عملية انتحارية، مصفية قيادييّ حماس، واحدا بعد الآخر.

يسبر الكاتب في فصل" السعودية في عين الإعصار" العلاقات التي تحكم العائلة المالكة في السعودية بمن فيهم محمد بن لادن، مع آل بوش. قافزا من فكرة إلى أخرى. فمثلا يتكلم عن الجذور الدينية الوهابية لنظام الحكم السعودي وعلاقة الوهابية بالإخوان المسلمين، وتغلغل الوهابية في كافة مؤسسات الدولة والمدارس والجامعات.

يعيب الكاتب على الفتيات الفرنسيات المسلمات دفاعهن عن حقهن في ارتداء الحجاب استنادا إلى العلمانية التي تنبني عليها الدولة الفرنسية، كأنهن لم يولدن أو يعشن هنا، على أرض الغرب، على حد تعبيره، قائلا أنهن خاضعات للفكر الوهابي. في الوقت نفسه يكرر مرات عدة ما يقوله الإسلاميون: اسمع ولا تجادل داحضا شللهم الفكري.

الإرهاب وأوربا

في "علبة باندورا العراقية " يرى كيبيل أن عملية نشر الديمقراطية في العراق الذي هو من مخلفات النظام السوفييتي السابق، تنظيما وبنية مؤسساتية، لا تتبع الطريق نفسه الذي سارت عليه ألمانيا واليابان بعد عام 1945: هذا ما تكشف عنه طبيعة المجتمع العراقي وعلاقته بالدين الإسلامي في مناطق عدة كالرمادي والفلوجة فضلا عن المناطق الشيعية.

لكن يشكل العراق فرصة ذهبية للإسلاميين الجهاديين لإعادة فتح معركتهم وتجميع قواهم، لا بل التوجه إلى الشعوب الأوروبية ومخاطبتها مباشرة عبر الإعلام أو خطف رعاياها وصنع بلبلة.

هذا ما يضيئه الكاتب في فصل "معركة أوروبا"، أوروبا التي دخلت مباشرة على خط معركة الإرهاب بعد عملية مدريد. عدد هائل من التنظيمات الإسلامية المتطرفة تتوزع في كامل أوروبا .عملية نيويورك لها جذورها ناحية الإعداد في أوروبا، في هامبورغ حيث درس محمد عطا وشكل خلية للقاعدة.

طارق رمضان والإنترنت

تلعب الثورة التكنولوجية دورا مهما في وصل الإسلاميين وتوصيل نداءا تهم إلى الشباب المسلم في أوروبا، خصوصا عبر الإنترنت سواء تلك المواقع الموجودة في الدول الإسلامية كالسعودية، حيث يختار الصفحة الأولى من احد هذه المواقع الدينية غلافا للكتاب، أو من خلال كتاب وباحثين إسلاميين يعيشون في أوروبا.

والنموذج الوحيد الذي يقدمه هنا هو طارق رمضان ،محللا إحدى مقالاته على المنشورة على أحد المواقع الإسلامية والتي ينتقد فيها عددا كبيرا من المفكرين الفرنسيين اليهود لدفاعهم الأعمى عن اسرائيل وسياسة شارون.

يشّرح الكاتب شخصية رمضان الشعبية لدى الشباب المسلم في فرنسا، داحضا حداثته المقنعة، مفككا طريقة لباس رمضان، ورفضه وضع ربطة عنق، والاكتفاء بالجاكيت والقميص الأبيض، واتخاذه ذقنا خفيفة تشبه ذقون المتطرفين، مذكرا بدعوته الشابات المسلمات إلى التظاهر من أجل الحجاب.

إن حظر الحجاب داخل المدارس والدوائر الرسمية في فرنسا يدخل ضمن المعركة ضد الارهاب. الحجاب الذي يشكل أحد دعائم الإسلاميين، من هنا نجد ردة فعلهم العنيفة عليه. وما الحل لاندفاع الشباب المسلم في أوروبا نحو الإسلام، سوى في اندماجهم بهوية هذا المجتمع.

وتبرز هنا المشكلة بوصفها مشكلة ثقافية ذات أساس اجتماعي. يشكل الوضع المادي المتدني للمسلمين الذين يعيشون في الضواحي، بؤرتها الأساسية وتعريف الذات المسلمة في أوروبا يمر عبر تحولها الاجتماعي وهذا هو رهان أوروبا الثقافي.

ما هي الفتنة؟

"الفتنة"، التي هي عنوان الكتاب، تبدو غير واضحة، ولا نقع على ما يضيئها، ولا القصد الواضح منها، وهي داخل أي إسلام؟.هل هي داخل التنظيمات الإسلامية؟ أم داخل الدول الإسلامية التي تطبق الشريعة أم في البلدان العربية؟

بقلم صالح دياب، حقوق الطبع قنطرة 2004