كوابيس سياسية في قوالب فنية

تُعرض أعمال الفنانة الفلسطينية البريطانية منى حاطوم في كافة أنحاء العالم. واليوم تُعرض منحوتاتها وأعمالها التركيبية في برلين، وذلك في أكاديمية الفنون التي منحتها جائزة كاتي كولفيتس 2010. غزينِه بورشيردت تعرفنا بهذه الفنانة ومعرضها الفني في برلين.

منى حاطوم، الصورة منى حاطوم
تقيم منى حاطوم في أوروبا منذ اندلاع الحرب الأهلية اللبنانية في العام 1975، وتقول بهذا الصدد: "كانت هذه تجربة أليمة من ناحية، لكن من ناحية أخرى ما كنت بدونها أفعل اليوم ما أفعله"

​​ تلعب منى حاطوم لعبة خطيرة. خطيرة لأن أعمالها الفنية المصنوعة من الأسلاك الشائكة المُكهربة تستعيد الكوابيس، وبالرغم من ذلك تكتنز فيها جمالية نادرة. هي لعبة أيضًا لأنها تأخذ المشاهد ليرى أعمالها من منظور طفل. فتلك مبارش خضار بطول آدمي تنتصب في فضاء القاعة على شكل ستائر تغيير الملابس وتشبه غربالاً داكنًا، أو تأخذ شكل سريرٍ معدٍّ كأداة تعذيب لتستحثَّ بذلك أفظع التصورات.

وهناك سجادةٌ حمراء مترامية الأطراف منسوجةٌ من الحبال الكهربائية الشبيهة بمجساتٍ نباتيةٍ تنتهي بمصابيح ضوئيةٍ تترامى بتناغم وإيقاعٍ هادئ وتومض بوهنٍ. بيد أنَّ هذا المشهد التأملي مخادع: فالسجاد الذي يرمز عالميًا إلى التوطن والسكينة مكهرَبٌ بتيارٍ مبطن.

مزيجٌ عبثي يجمع بين السريالية والفن المختزل

الصورة منى حاطوم
مسبحة من جلات المدافع: يجتمع في أعمال منى حاطوم العنف بالألفة المنزلية بشكلٍ مروِّع وعلى نحوٍ مؤلمٍ ومضحكٍ معًا.

​​ الفلسطينية التي نشأت وترعرعت في بيروت والتي تعيش اليوم في لندن وبرلين تبدو وكأنها جمعت أثاثًا مهولاً في غرفة ألعاب في أكاديمية الفنون بمحاذاة باريزر-بلاتس في برلين. حازت منى حاطوم على جائزة كاتي كولفيتس عن أعمالها التي "تجددُ تجربة اغتراب الإنسان الفطرية ضمن حضارةٍ أمست روتينيةٍ راضيةٍ عن ذاتها رقيقة العاطفة"، كما ورد في الأسباب التي ساقتها لجنة التحكيم.

اللغة البصرية التي تستخدمها منى حاطوم تمزج حق المزج بين السريالية والفن المختزل، فمشهد البنى الشبكية لصورها المخرَّمة، وكذلك القلادة البسيطة المصنوعة من الشعر، غريبة وجذابة، ومألوفة ومزعجة في نفس الوقت. كذلك حال المكعب الفولاذي المصنوع من الأسلاك الشائكة الذي يحمل عنوان "مكعب x9 9x9" (2008)، والذي يأخذ شكل منحوتة الستينيات الأمريكية، ويشير إلى أنَّ ما يُظنُ بأنَّه معروفٌ، يُمكن أن يكون جارحًا، لا بل ويمكن أن يكون قاتلاً أيضًا.

الحرب اللبنانية

الصورة حاطوم

​​ الاعتداء والتغريب والثقة والتصفية والمهجر والذاكرة، كان لها تأثير في مسار حياة منى حاطوم، فعندما كانت في زيارة قصيرة إلى لندن عام 1975 اندلعت الحرب الأهلية في لبنان، ولم تستطع ابنة الثلاثة وعشرين عامًا آنذاك من العودة إلى عائلتها. وتقول منى حاطوم بهذا الصدد: "كانت هذه تجربة أليمة من ناحية، لكن من ناحية أخرى بدونها ما كنت أفعل اليوم ما أفعله". بهذا إذًا، تحولت رحلتها القصيرة إلى أوروبا الغربية إلى إقامةٍ استمرت خمسة وثلاثين عامًا، وأصبحت الأماكن العالمية التي تعرض فيها أعمالها الفنية منذ نحو عشرين عامًا موطنها الجديد.

متحف الفن الحديث في نيويورك من هذه الأماكن، كما بيناله البندقية، والدوكومنتا في كاسل، وكذلك في برلين التي انتقلت لتقيم فيها منذ عام 2005 بعد حصولها على منحة، أو لنقل بشكلٍ أدق، حيث استأجرت منزلاً ومحترفًا. وتقول منى حاطوم: "وتيرة الحركة في برلين بطيئة مقارنةً بلندن أو غيرها من الحاضرات الكبرى"، ويعطي هذا القول فكرةً تقريبيةً عن وتيرة حياتها خارج برلين.

ألم الجسد والروح

بدأت مسيرتها الفنية في العام 1980 بعدما أنهت دراسة الفنون في معهد بيام شاو للفنون
School of Art Bayam Show ومعهد سليد للفنون Slade School of Art اللندنيين عارضةً أعمالاً تركيبية وعروض فيديو عالجت فيها خسارة الوطن. في فيلم مقاييس البعد Measures of Distance (1988) وضعت رسائل كُتبت بالعربية بين الفنانة ووالدتها على جسد الأم العاري ليغطيه مثل وشاحٍ رقيقٍ تحت رزاز ماء الحمام. بالكاد نجد مشهدًا مماثلاً يُعبِّر عن ألم الجسد والروح، أو عن الفرق بين جيلين من النساء بهذه الحميمية.

الصورة حاطوم

​​ تربط منى حاطوم مجموعة مصافي منزلية في السنوات اللاحقة، لتبدو على هيئة ألغامٍ أرضيةٍ وهي مقلوبة، أو تزخرف مقاطع من خرائط مدنٍ كبيروت وكابل وبغداد لتصبح "مدنًا ثلاثية الأبعاد" 3-D Cities (2008 – 2010)، أو تصنع مسبحة من جلات المدافع لتكسوا الأرض على شكل قلادةٍ من اللؤلؤ "قلق الخرز" Worry Beads (2009)، وبهذه الأعمال تمد الفنانة الجسور لأبعد من مصيرها الفردي طارحةً مواضيع كونية يجتمع فيها العنف والألفة المنزلية بشكلٍ مروِّع وعلى نحوٍ مؤلمٍ ومضحكٍ معًا.

الاقتراب من حدود الابتذال

هذه الرموز تتسم أيضًا بالخطورة، فبسهولة يمكن للفن الملتزم بالقضايا المجتمعية أنْ يتحول إلى فنٍ مبتذل، بيد أنَّ منى حاطوم قادرةٌ دائمًا على أنْ تشحن أعمالها بالطاقة والمعنى وأنْ تضفي عليها طابع التعميم الذي تمنع به أنْ تُحسب على أي نوعٍ من أنواع الالتزام السياسي الملموس.

ما يبقى هو ذلك الإحساس الغريب بتقسيم الفضاء بأشياء تخوض حياتها الخاصة، فنحن هنا كما يبدو لسنا وحدنا في فضاءات المعرض الذي يهمس لنل بوجود آخر، غير معروفٍ، لا تُقدَّرُ عُقباه. نحن غرباء في هذا العالم، نقف مكتوفي الأيدي إزاء الأشياء كطفلٍ أو مهرِّج. يبدو جليًا أنَّه حتى وإنْ كانت هناك رغبة عارمة بملءِ الكرة الأرضية عن بكرة أبيها بنقاط التفتيش الأمني، فلن يصبح العالم آمنًا. هذه الفكرة من شأنها أنْ تعجب كاتي كولفيتس بالتأكيد.

غزينِه بورشيردت
ترجمة يوسف حجازي
مراجعة: هشام العدم
حقوق النشر: قنطرة 2010

يستمر المعرض حتى 5 أيلول/سبتمبر 2010 فيAkademie der Künste Berlin, Pariser Platz
غزينِه بورشيردت، مؤرخة فنون وكاتبة وقيمة عامة للمعارض، تقيم في برلين.

قنطرة

حوار مع الفنانة الفلسطينية سلوى المقدادي:
بينالي البندقية - من أجل حرية الفن الفلسطيني
تشارك فلسطين هذا العام للمرة الأولى في بينالي البندقية للفن المعاصر بتقديم معرض مثير للغاية تحت عنوان "فلسطين بواسطة البندقية". رمغارد برنر تحدثت إلى الفلسطينية سلوى المقدادي، مديرة المعرض والمتخصصة في تاريخ الفن، حول الفن الفلسطيني.

عازف العود الموسيقار الفلسطيني مروان عبادو:
صوت التراث... صرخة الحنين
جعل الفنان الفلسطيني مروان عبادو الذي ولد في أحد المخيمات في لبنان وانتقل للعيش في فيينا من آلات عزفه وموسيقاه التي تجمع بين ألحان شرقية وغربية وكلمات أغانيه التراثية مسرحا للتعبير عن شجون المهاجر الفلسطيني اللاجئ وهمومه. سليمان توفيق يعرفنا بهذا العازف الذي التقاه في فيينا.

لمطربة الفلسطينية ريم بنا:
الموسيقى والحفاظ على الهوية
تتحدّث معظم أغاني ريم بنّا عن معاناة الفلسطينيين - بشكل ملحّ وعاطفي وأحيانًا بصورة قاسية تبلغ حدّ الابتذال. تملك المطربة الفلسطينية ريم بنّا الكثير من المعجبين الفلسطينيين في إسرائيل وفي المناطق المحتلّة. ومع ذلك ظلت الى ما قبل فترة قصيرة غير معروفة تقريبًا على المستوى العالمي. ريم سجلت الآن ألبومها العالمي الأوّل "مرايا روحي". مارتينا صبرا تعرّفنا هنا على هذه الفنانة الفلسطينية.