الفن واجب والتزام

لإسهاماته الجادة في المصالحة بين اليهود والعرب حصل الموسيقار دانيل بارينبويم على ميدالية بوبر روزينتسفايغ التي تمنحها الجمعية الألمانية للتعاون المسيحي اليهودي. إيغال أفيدان يعرفنا بهذا الفنان المميز

الصورة: أ ب
دانيل بارنبيوم

​​من أجل إسهاماته الجادة في المصالحة بين اليهود والعرب حصل الموسيقار دانيل بارينبويم على ميدالية بوبر روزينتسفايغ التي تمنحها الجمعية الألمانية للتعاون المسيحي اليهودي. إيغال أفيدان يعرفنا بهذا الفنان المميز

الموسيقى بالنسبة لقائد الفرقة الموسيقية لأوبرا برلين دانيل بارنبيوم تعني مجازا للحياة وخلق الروابط. بهذه الكلمات أفتتح بارينبويم حفلته الموسيقية أمام الفلسطينيين في رام الله عام 2002 بالرغم من وجود تهديدات بالقتل من الجانب الإسرائيلي.

الموسيقى بالنسبة لهذا الرجل البالغ من العمر واحدا وستين عاما هي عمل خلاّق ومبدع من أجل المحاورة والجدل والحوار وأيضا مع المخالفين في الرأي لذلك، ويقول بارينبويم في حديث صحفي: "يوجد نوعان من البشر في هذا العالم، الأول يكون سعيدا بالحديث مع الناس الذين يتفقون معه في الرأي، والآخر فضولي لكي يسمع الرأي الآخر، ولهذا السبب فأنا أحب قيادة الأوركسترا لأنها تضم موسيقيين مميزين ومبدعين يقدمون أفكارهم الخاصة."

ولد بارينبويم في الأرجنتين من أب روسي كان قد هاجر الى هناك ثم انتقل الى إسرائيل حيث تربى ونشأ فيها. فهو مواطن إسرائيلي ويمتلك مسكنا في القدس حيث احتفل بزواجه الأول عند حائط المبكى. وكان يقيم حفلات موسيقية في إسرائيل بلا مقابل، حتى في الأوقات الصعبة، مثلما حدث في نوفمبر/تشرين الثاني عام 1995 عندما أقام حفلا موسيقيا تأبينا لرئيس الوزراء الإسرائيلي إسحاق رابين بعد مقتله بفترة قصيرة. رغم ذلك فإن بعض الإسرائيليين يرفضون إجراء أي حوار معه.

وفي القدس في يوليو عام 2001 عاش بارنبيوم حدثا هاما، إذ يقول: "في نهاية عرض كونسرتو الفرقة الموسيقية البرلينية وبعد مطالبة الجماهير بالمزيد من المقطوعات الموسيقية الاضافية قدمت قطعة موسيقية بعنوان "ترستان وإزولده" لم تعزف حية في اسرائيل منذ عام 1938 لريشارد فاغنر. عندما بدأت بعد مناقشات طويلة النغمات الموسيقية الهادئة تم التشويش عليها من خلال أصوات المحتجين المغادرين القاعة. فكثير من الإسرائيليين يعتقدون أن فاغنر عاش في برلين عام 1942 وكان صديقا حميما لهتلر في هذه الفترة."

يُعتبر بارينبويم من الموسيقيين العالميين المشهورين القلائل الذي يفهم فنه كواجب والتزام والذي يقحمه في الواقع خارج صالات العزف. إنه يري نغمات وأصوات بيتهوفن وفاغنر كمهمة اجتماعية وسياسية، ويعتقد أن موسيقاه بمثابة جسر يستطيع أن يبني ويعمر بين الناس ويحد من فقدان الثقة والريبة لا سيما في الشرق الأوسط.

نحن بحاجة أيضا إلى بارنبيوم ينتمي إلى الثقافة الإسلامية، بعدما قررت المدرسة الابتدائية الإسلامية الوحيدة في برلين أن تلغي حصص الموسيقى لأن أولياء الأمور يرون الموسيقى شيئا مستنكرا وعيبا.

في تحليله الواقعي والعقلاني يؤكد قائد الأوركسترا أن العداء للسامية يشبه المرض. ولكنه لا توجد موسيقى معادية للسامية، يوجد فقط أشخاص يعادون السامية. ريشارد فاغنر لم يكن نازيا، بعد وفاته عومل لفترة طويلة من النازيين كنبي لهم، وإذا كانت موسيقى فاغنر تولد لدى بعض الناس ذكرى إبادة اليهود، فإن بارينبويم يرى أن دولة ديمقراطية كإسرائيل ينبغي ألا تسمح بمقاطعة فاغنر، لاسيما أعمال بارتوك وشترافينسكي وشون برغ ومالر والتي تركت أثرا رائعا لم يكن له مثيل.

إن الأمر بشأن فاغنر لا يهم بارنبيوم بقدر ما يتعلق بالديمقراطية الإسرائيلية التي يجب تحترم حقوق الأقليات، أقلية محبي فاغنر والأقلية العربية على حد سواء.

ويقول: "في بلدي اسرائيل يجب علي أن أولي اهتماما لهذه الأقلية التي تعيش فيها وأن يكون لها حقوقها الكافية. هذا يعني أن هذا المجتمع المغلق الذي يعيش مع الشعب اليهودي من خلال العادات والدين او كما يراد تسميته يجب أن يتغير. لهذا السبب فإن قضية فاغنر بالنسبة لي هي أهم بكثير من أن نؤدي موسيقاه أم لا، لأن ذلك إشارة للانفتاح وإشارة أيضا لمبدأ ديمقراطي الذي يتخطى شخص فاغنر".

وقد حسم الجدل غير المجدي حول فاغنر في بادئ الأمر ورجعت لجنة الشئون البرلمانية الخارجية عن قرارها في تصنيف بارينبويم كشخص غير مرغوب به.

وسيستلم الفنان في شهر مايو/أيار القادم في البرلمان الإسرائيلي جائزة مهمة من الرئيس الإسرائيلي تقديرا لفنه. وبسبب حواره وتواصله الموسيقي مع الفلسطينيين وانتقاده للجدار فإنه يبقى في إسرائيل دائما مثيرا للجدل.

وقام بارنبيوم بتأسيس أوركسترا فلسطينية شبابية وقاد منذ سنوات ورشة موسيقية للموسيقيين الإسرائيليين والعرب، وهذه النشاطات التي حصل من أجلها على ميدالية بوبر روزينتسفايغ الألمانية يفهمها كثير من الإسرائيليين في أحسن الأحوال على أنها ساذجة، وفي أسوأ الأحوال على أنها بثابة تحد خالص.

بقلم إيغال أفيدان، دويتشه فيلله 2004
ترجمة شكري عبد الحميد