مدّ جسور أدبية بين لغة غوته ولغة الضاد

للمرة الأولى يتم منح الجائزة، التي خصَّصها معهد غوته في مصر للمترجمين المختصين في نقل أعمال أدبية من اللغة الألمانية إلى العربية. وقد قرَّرت لجنة تحكيم عربية ألمانية تكريم كلّ من الدكتور والناقد المسرحي السوري، نبيل حفَّار والدكتورة المصرية هالة غُنيم. أكسل فون إيرنست يسلط الضوء حول أهمية هذه الجائزة في دعم حركة الترجمة من لغة غوته إلى لغة الضاد.

الفائزان بالجائزة، الصورة إكسل فون إيرنست
"المترجمون وسطاء بين اللغات" - على هامش معرض لايبزيغ للكتاب منح معهد غوته جائزة المترجمين من الألمانية إلى العربية للناقد المسرحي نبيل حفَّار والدكتورة هالة غُنيم.

​​من المؤسف أنَّ نقل الأعمال الأدبية ما بين سوقي الكتب العربية والألمانية ما يزال ضئيلاً حتى يومنا هذا. ولذلك ما يزال المرء هنا في ألمانيا لا يعرف إلاَّ القليل جدًا عمَّا يحدث حاليًا على سبيل المثال في الأوساط الأدبية المعاصرة في سوريا أو في مصر، وعمَّا يكتب المؤلفون الشباب هناك وفيما يتناقشون. وفي المقابل تبدو الحال كذلك على هذا النحو في البلدان العربية.

وبالإضافة إلى ذلك فإنَّ حالة الانقسام والتشتّت التي تعاني منها سوق الكتب العربية تؤدِّي إلى عدم التمكّن في بيروت أو دمشق أو الرباط من الحصول على أعمال مترجمة يتم نشرها في دار نشر تعمل بصورة غير عادية مثل دار ميريت للنشر في القاهرة لكتَّاب مثل إلفريدي يلينيك وأوفه تيم أو فريدون زعيم أوغلو. وحتى الآن لا يوجد تنظيم حقيقي لعملية توزيع الكتب في العالم العربي.

ومن خلال العديد من المبادرات يحاول معهد غوته في القاهرة - باعتباره مركزًا للثقافة الألمانية في العالم العربي- التغلّب على هذه الأوضاع المزرية. ومن دون ريب يمكن النظر إلى جائزة المترجمين عن الألمانية إلى العربية التي تم منحها للمرّة الأولى في هذا العام باعتبارها الذروة الحقيقية لهذه الجهود- وذلك أيضًا لأنَّ لجنة التحكيم قد اعترفت في كلا فئتي الجائزة ("المترجمين المتمرِّسين" و"المترجمين الناشئين") بجدارة حصول شخصين جديرين حقًا بالاهتمام على هذه الجائزة بفضل مشاريعهما غير العادية. ومن دون شكّ لقد حقَّق بذلك الفائزان بهذه الجائزة شروط التقدّم لنيلها والخاصة بنقل النص الأصلي بأمانة وإخلاص والمحافظة على جودته الأدبية بصورة مناسبة، مثلما أكَّد في مدينة لايبزيغ الألمانية المترجمان، لاريسا بندر وهارتموت فاندريش اللذان قدَّما الفائزين بالجائزة.

نبيل حفَّار - وسيط بين الثقافات

وقد اختار الدكتور نبيل حفَّار للمشاركة في الدورة الأولى من هذه الجائزة فصلاً من رواية جيني إربنبك، "ضربة القدر"، وفاز بترجمته الرائعة بجائزة أفضل مترجم متمرِّس. وكان جديرًا بالفوز بهذه الجائزة، فمن دون ترجماته لم يكن القرَّاء العرب سيتمكَّنون من قراءة أعمال مسرحية لأدباء ألمان مثل برتولت بريشت ورولاند شيملبفينيغ أو هاينر كيبّهارد باللغة العربية.

​​ وأمَّا كون نبيل حفَّار قد ترجم حتى الآن بشكل رئيسي أعمالاً مسرحية فيعود ذلك إلى عمله الرئيسي؛ فبعد دراسته اللغة الألمانية وآدابها في مدينة لايبزيغ الألمانية وحصوله على درجة الدكتوراه في عام 1988 من جامعة هومبولد في برلين في علوم المسرح، أصبح نائبًا لرئيس المعهد العالي للفنون المسرحية في دمشق، كما أنَّه ما يزال يعمل ناقدًا مسرحيًا في سوريا وكذلك أمينًا لتحرير دورية "الحياة المسرح" التي تصدر عن وزارة الثقافة السورية.

كما أنَّه يعمل في الوقت نفسه في هيئة تحرير دورية الترجمة السورية "جسور" - وباختصار يعتبر نبيل حفَّار في الحقيقة رجل ثقافة ووسيطًا بين الثقافات. وبعد حصوله على جائزة الأخوين غريم للمترجمين في عام 1982 وعلى جائزة النقَّاد في احتفالية يوم المسرح العالمي في دمشق في عام 2007، استحق الآن نيل الجائزة الأولى الخاصة بالمترجمين المتمرِّسين من معهد غوته والتي تبلغ قيمتها المالية سبعة آلاف وخمسمائة يورو.

هالة غُنيم - مدرِّسة جامعية ومترجمة ناشئة

حقَّقت هالة غنيم ما يتطلَّبه الفوز بجائزة المترجمين؛ وهالة غُنيم المولودة في عام 1963 في القاهرة والحائزة على درجة الماجستير في علوم اللغة الألمانية وآدابها، بدأت فقط وللمرة الأولى من خلال مشاركتها في هذه المسابقة في ترجمة رواية ألمانية، حيث اختارت رواية الكاتب الألماني شتيفان مولدورفر "هذه الزرقة البرَّاقة أثناء النهار"؛ غير أنَّها كانت قادرة منذ فترة طويلة على القيام بذلك.

​​ والتحقت هالة غنيم بالمدرسة في كلّ من القاهرة وتونس وبرلين الشرقية، وبعد حصولها على شهادة الدراسة الثانوية في ألمانيا الشرقية، أتمَّت دراستها في القاهرة وفي الولايات المتَّحدة الأمريكية، وبعد ذلك عملت في البدء في ترجمة كتب الأطفال عن اللغة الإنكليزية. ومنذ نيلها درجة الدكتوراه في العام 1995 تعمل هالة غُنيم في القاهرة في إلقاء محاضرات حول الأدب الألماني الحديث والترجمة.

وبالإضافة إلى ذلك تعمل هالة غُنيم منذ عام 2000 مدرِّسة في قسم اللغة في معهد غوته في القاهرة، وقد تم تعيينها في عام 2009 عضواً في لجنة التقييم التابعة لمركز توثيق وبحوث أدب الأطفال في مصر. وبفوزها بهذه الجائزة تحصل الآن على منحة المترجمين الناشئين التي سوف تمكِّنها من ترجمة هذه الرواية حتى نهايتها في ألمانيا.

المترجمون قادة عبَّارات بين اللغات

وفي أثناء حفل توزيع الجوائز الذي أقيم على هامش معرض لايبزيغ للكتاب، لاحظ الحضور مدى إعجاب الحائزين على هذه الجائزة باللغة الألمانية وآدابها. وفي حوار قصير مع شتيفان فايدنر الذي كان أيضًا من ضمن لجنة التحكيم بالإضافة إلى علاء الأسواني وآخرين من الجانب العربي، تحدَّث كلّ من هالة غُنيم ونبيل حفَّار حول عملهما في ترجمة هذه النصوص وكذلك حول حماسهما لترجمتها وحبّهما للغة الألمانية. وفي نهاية حفل توزيع الجوائز تساءل الدكتور نبيل حفَّار عمَّا إذا كان من المفيد تحديد الاشتراك في الجائزة بترجمة أعمال أدبية معاصرة، ففي آخر المطاف لا يجوز نسيان الأعمال الكلاسيكية.

وفي الكلمة الأولى التي تم إلقاؤها في أثناء الحفل وصف الدكتور كلاوس ديتر ليمان، رئيسُ معهد غوته، المترجمين "كقادة عبَّارات بين اللغات". ومثَّلت جائزة المترجمين من اللغة الألمانية إلى العربية لهذا العام أوَّل خطوة في طريق تكريم آخرين من "قادة العبَّارات بين اللغات"، مثل الدكتور نبيل حفَّار والدكتورة هالة غُنيم وكذلك في طريق تشجيعهم وزيادة إنتاجهم. إذ لا يمكن أن يكون هناك الكثير من مثل هؤلاء الوسطاء المتحمِّسين لعملهم.

أكسيل فون إرنست
ترجمة: رائد الباش
مراجعة: عماد مبارك غانم
حقوق الطبع: قنطرة 2010

قنطرة
تلقّي الأديب الألماني فريدريش شيلّر في العالم العربيّ:
بداية واعدة مع "حب ودسيسة"

تحتفل ألمانيا هذه السنة بمرور مائتي سنة على وفاة الشاعر والمسرحي الكبير فريدريش شيلر. عبده عبود، أستاذ الأدب المقارن في كلية الآداب بجامعة دمشق، يتناول في مقاله حركة تعريب أعمال هذا الأديب ومدى رواجها في العالم العربي.

عالم الكتب
ترجمة الأدب العربي وعقلية المؤامرة

يتهم الكثير من المثقفين العرب المترجمين الأجانب ودور النشر الأجنبية بترويج صورة نمطية عن الشرق، في حين لا نجد أي مبادرة من الطرف العربي لنقل الأدب العربي إلى لغات أخرى. تعليق بقلم سمير جريس.

غياب التنسيق وعدم احترام الملكية الفكرية والرقابة:
الترجمة في مجتمع بلا معرفة

تشير الإحصاءات في العالم العربي الى تراجع الكتاب المقروء وإلى وتراجع مستويات الترجمة. في المقال التالي يتناول الكاتب والناشر خالد المعالي المبادرات العربية للترجمة والصعوبات التي يواجهها المترجمين ودور النشر المهتمة بنشر كتب مترجمة إلى العربية.