إسلام أونلاين...ضحية التشدد وتغييب منطق الحوار؟

كان موقع الإنترنت إسلام أونلاين نت يُعتبرُ من أكثر المواقع نجاحًا في منطقة الشرق الأوسط حتى بداية آذار/ مارس من هذا العام. أما اليوم فيسود خلافٌ بين هيئة التحرير والممولين الإسلاميين المتشددين في قطر. ألفريد هاكنزبرغر يستعرض أبعاد هذا الخلاف.

.

جانب من احتجاج العاملين في موقع إسلام أونلاين، الصورة mylifethinking.com
Äفهيئة التحرير تريد الاستمرار بتقديم "إسلامٍ تعدديٍ وحديث" بينما تفضل الجهات الممولة إتباع خطٍ محافظٍ للغايةÄ

​​ لا بدَّ من أنَّ متصفحي موقع الإنترنت إسلام أونلاين نت الذين يصل عددهم إلى 120 ألف متصفح يوميًا قد استهجنوا توقف الصفحات عن العمل، حيث كانوا يجدون الأخبار ذاتها كل يوم دون أنْ يطرأ عليها أي تغيير، كما كان إعلامٌ بالخطأ يظهر على الشاشة طالبًا من المتصفح أنْ "حاول مرة أخرى!". بينما كان العاملون البالغ عددهم قرابة 350 موظفًا يحتجّون منذ الخامس عشر من آذار/ مارس عبر الاعتصام في مكاتب إسلام أونلاين بالقرب من القاهرة.

"جمعية البلاغ الثقافية" في قطر وهي مالكة صفحة إسلام أونلاين كانت قد نقلت الموقع إلى مُخدِّم Server أصغر وأبطأ لأسباب مالية كما تدعي الجمعية التي بدلت أيضًا كلمات السر الخاصة بالعاملين. الأمر الذي أدّى إلى حرمان هيئة التحرير في القاهرة من دخول الموقع وبالتالي عزلها فعليًا عن متابعة العمل في صحيفتها الإلكترونية، في الوقت الذي كان العاملون يرغبون فيه بنشر الأخبار "عن الضربات الإسرائيلية التي استهدفت غزة آنذاك"، كما يؤكد بعض العاملين. وبالطبع كانوا سيكتبون في الوقت نفسه عن قضيتهم أيضًا.

لذا كان لا بدَّ لهم من استخدام مواقع أخرى مثل تويتر ويو تيوب ولايف ستريمز ومدونة جديدة خاصة بهم. وقد حقق هذا التوجُّه النجاح من ناحية النشر والإعلام، إذ إنَّ وسائل الإعلام العربية نشرت تقارير تفصيلية عن الإضراب وخلفياته.

ورودٌ حمراء وانهيار القيم الأخلاقية

تعطيل المكاتب عبر الاعتصام رمزٌ قويٌ للنزاع الناشب بسبب مواقف إيديولوجية متباينة بين هيئة التحرير القاهرية والممولين في قطر. فهيئة التحرير تريد الاستمرار بتقديم "إسلامٍ تعدديٍ وحديث" بينما تفضل الجهات الممولة إتباع خطٍ محافظٍ للغاية. ومن الأمثلة على هذا التناقض بين الطرفين ذلك الحدث الذي أدَّى إلى تأزم الوضع.

صورة موقع إسلام أونلاين، الصورة إسلام أونلاين
"فكرة التبشير تحولت إلى موقعٍ على الإنترنت ليس عقائديًا إذا ما قورن بغيره من المواقع المشابهة، وكان يهتم بتبادل الآراء المختلفة"

​​ فبعدما بدلت قطر مجلس إدارة الشركة المصرية في كانون الثاني/ يناير من هذا العام حصلت عدة خلافات مع هيئة التحرير على محتويات بعض المقالات. "كانت تلك هي المرة الأولى التي تدخل فيها مجلس الإدارة في قرارات لها علاقة بالتحرير" كما تقول بيبي عائشة وضفالله Bibi-Aisha Wadvalla رئيسة راديو إسلام أونلاين المتحدرة من جنوب إفريقيا.

أرادت هيئة تحرير إسلام أونلاين في شباط/ فبراير أنْ تنشر مقلاً عن عيد الحب في الرابع عشر من شباط/ فبراير نقلته عن إحدى الصحف اليومية المصرية كما يقول المحرر في إسلام أونلاين أبو حطب، مؤكدًا على أنَّ "مجلس الإدارة رفض ذلك رفضًا قاطعًا".

هذا الإجراء قد لا يبدو غريبًا للمسلمين المحافظين. فهم يعتبرون يوم "عيد الحب" كما يدعى في الغرب منافيًا للأخلاق. ولهذا السبب مثلاً يُحظر بيع الورد الأحمر في هذا اليوم في المملكة العربية السعودية، أرض المواقع الإسلامية المقدسة بامتياز، حيث يقوم رجال هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر السعودية بمصادرة هذه الورود "المخلِّة بالأعراف" إنْ هم وجودوها بحوزة أحد.

فرصة سانحة

ولكن عندما لم تتنازل هيئة تحرير إسلام أونلاين جاء الرد من قطر بأنَّ جميع عقود عمل الموظفين في القاهرة سوف تنتهي بحلول نهاية آذار/ مارس، على أنْ يعوَّض هؤلاء براتب ستة أشهر بالإضافة لراتب شهر عن كل سنة خدمة.

يرى المحرر في إسلام أونلاين أبو حطب أنَّ الاعتراض على عيد الحب لم يكُن سوى فرصة سانحة لأنهم كما يقول: "لم يكونوا يريدون أنْ يبقى أحد، وكانوا سعداء بتوقف الموظفين الثلاثمائة عن العمل". وهو متأكد من أنَّ الجمعية القطرية تريد أن تحوِّل موقع إسلام أونلاين إلى موقع إنترنت دينيٍ خالصٍ.

عادت اليوم الأخبار الجديدة إلى صفحة إسلام أونلاين نت، وهنالك مقالات بخصوص الأوضاع في إندونيسيا وباكستان والقدس. بيد أنَّ بعض الأقسام التي جعلت الموقع مشهورًا بقية مغلقة ولم تتبدل حالها. حيث نجد أنَّ قسم "استشارات وحوارات مباشرة" و "مشاكل وحلول" لم تُحدث منذ نهاية شباط/ فبراير. وعادة ما يكون هناك يوميًا عدة أسئلة وإجابات.

الجهاد الحديث والطموحات الحديثة

تلقى العاملون التأيد من قِبَلِ الشيخ يوسف القرضاوي، الذي اشتهر أيضًا من خلال برنامج "الشريعة والحياة" الذي تقدمه قناة الجزيرة الفضائية. وهو من علماء الدين المصريين ومن مؤسسي صفحة إسلام أونلاين في العام 1997، التي تلقت الدعم المالي من الشيخة موزة زوجة أمير قطر عبر جمعية البلاغ الثقافية التي دعمت مشروع حاسوب لطلبة الجامعة آنذاك. وقد تحول المشروع إلى تطوير الصفحة على الانترنت في نهاية المطاف.

الشيخ يوسف القرضاوي، الصورة د ب أ
"قُبيلَ مغادرة القرضاوي إلى القاهرة تمت تنحية الشيخ يوسف القرضاوي عن منصبه رئيسًا لجمعية البلاغ الثقافية دون مقدمات."

​​ ويقول العلامة الإسلامي يوسف القرضاوي في هذا السياق: "هذا المشروع ليس مشروعًا قوميًا ولا يتبع لأية جهة، بل هو مشروعٌ لكل الأمة الإسلامية." واعتبره من جهاد هذا العصر. أو لنقل بكلمات أخرى: دعاية عصرية للإسلام.

بيد أنَّ فكرة التبشير تحولت إلى موقعٍ على الإنترنت ليس عقائديًا إذا ما قورن بغيره من المواقع المشابهة، وكان يهتم بتبادل الآراء المختلفة، كما تناول مواضيع محظورة كأفلام الجنس الخلاعية والمثلية الجنسية. وهذا شيء مميز في إطار التيار المحافظ السائد.

لمن كلمة الحسم؟

لكنَّ دعم القرضاوي لم يؤتي أكله. وكان قد أراد محاورة العاملين في صفحة إسلام أونلاين والتوصل معهم إلى حل. لكنْ قُبيلَ مغادرته إلى القاهرة تمت تنحية الشيخ يوسف القرضاوي عن منصبه رئيسًا لجمعية البلاغ الثقافية دون مقدمات.

فكان ذلك إهانة للشيخ البالغ 84 سنة من العمر، والذي نشر أكثر من 80 كتابًا حتى اليوم، وهو أحد أكثر علماء المسلمين تأثيرًا، بالرغم من تفسيراته وفتاويه الخلافية غالبًا. أرادت قطر بهذه الخطوة أنْ تقطع الشك باليقين موضحةً من هو صاحب الكلمة الحسم في نهاية المطاف. لكن دون أنْ يكون لذلك أثر يُذكر.

تابع العاملون في صفحة إسلام أونلاين اعتصامهم في مكاتبهم كما واصلوا نضالهم من أجل تحقيق مصالحهم. هذا الرفض للنفوذ وهذا العصيان المدني هما أمران غير معتادين في معظم الدول العربية، وبخاصة في دول الخليج التي يحكمها الأمراء والملوك.

مقاومة واحتجاج قانوني

أما عرض دفع التعويضات لجميع العاملين دون أية تحفظات فقد تراجعت قطر عنه، بيد إنَّها عادت وثبتته لاحقًا في عقود، لكنها لم تنفذها حتى اليوم. فجاء ذلك بمثابة تلاعبٍ شديدٍ بعواطف العاملين في صفحة إسلام أونلاين الثلاثمائة وخمسين، حيث يُشكِّل الأمر بالنسبة لهم مسألة مصيرية. ويبدو أنَّ أصحاب النفوذ في قطر كانوا قد راهنوا على أنَّه من شأن التضامن بين العاملين أنْ ينتهي عندما يتعلق الأمر بالمال والتعويضات.

ولكن "الأمر هنا لا يتعلق بالمال" كما يؤكد المحرر في صفحة إسلام أونلاين أبو حطب مضيفًا أنَّ "الأمر يتعلق باستقلالية هيئة التحرير والأخلاق الصحفية. ولن نتنازل. يريدون مصادرة صفحة إسلام أونلاين لكننا سنقاوم لمنع ذلك!"

هذا وقد قام محامي الدفاع عن الموظفين في صفحة إسلام أونلاين برفع قضية في الأسبوع الماضي إلى منظمة العمل الدولية التابعة للأمم المتحدة، جاء فيها أنَّ مديري المالية في قطر الذين يتابعون الشأن المالي لصفحة إسلام أونلاين في القاهرة قد أخلوا بالقانون وبحقوق الموظفين.

علاوة على ذلك تم تسليم ملف القضية إلى هيئة الإدعاء العام في القاهرة، كما رُفعت دعوى قضائية جاء فيها أنَّه لم يتم الالتزام بما اتُفق عليه وبما ثُبِّت في عقود خاصة بالتعويضات. فالإدارة أصبحت مديونة لمائتين وسبعين عاملاً في إسلام أونلاين بمبلغ إجمالي قدره 12 مليون جنيه مصري أي 1.6 مليون يورو. يُدَّعى أنَّ المبلغ سيُدفع قريبًا، لكن بعد الأحداث التي جرت في الأسابيع الأربعة الماضية، يبدو أن هذا الخلاف لن توضع أوزاره بهذه السرعة.

ألفريد هاكنزبرغر
ترجمة: يوسف حجازي
مراجعة: عماد مبارك غانم
حقوق الطبع: قنطرة 2010

قنطرة

قراءة نقدية لمواقف الـمفتي العالـمي يوسف القرضاوي:
انسداد الإسلاموية... ازدراء للآخر بدلا من تجسيد تسامح الإسلام

ينتقد الكاتب والباحث الإعلامي المعروف خالد الحروب في تعليقه الآتي تناقضات أطروحات الداعية المعروف يوسف القرضاوي فيما يتعلق بحياة المسلمين في أوروبا وحقوق غير المسلمين في الدول الإسلامية، خاصة نظرته الازدرائية للآخر الديني، التي تجلّت أكثر من مرة في كتاباته وتصريحاته وخطبه وتعليقاته بشأن الـمسيحية والـمسيحيين وأخيراً الاحتفال بأعياد الـميلاد في البلدان الإسلامية.

مشروع إنشاء شبكة إسلامية عالمية:
يوسف القرضاوي وتأسيس الاتحاد العالمي للعلماء المسلمين

هل يهدف تأسيس "الاتحاد العالمي للعلماء المسلمين" إلى تشكيل شبكة علنية مضادة لشبكة الإسلاميين المتطرفين؟ وكيف سيكون تجاوب المسلمين في الغرب وفي العالم الإسلامي مع تلك السلطة العالمية؟ وهل ستتكون حول هذه الهيئة أمة عالمية واعية؟ تحليل الباحثة بتينا غريف.

موجة جديدة من الدعاة الجدد:
إسلام يتحدث بلغة العصر

موجة جديدة من الدعاة أخذت تسحب البساط رويداً رويداً من تحت أقدام نظرائهم الأكبر سناً والمعترف بهم رسمياً. هؤلاء الدعاة يتحدثون بلغة العصر ويطرحون مواضيع تهم الشباب. نشوى عبد التواب تدرس العواقب المحتملة لهذا التطور على المدى البعيد.