ضرورة الإجماع على دعم العملية الديموقراطية

على الرغم من أن آثار "عملية نشر الديموقراطية" المرجوة في العراق غير ملموسة تقريبًا بعد مرور خمسة أعوام على الإطاحة بالديكتاتور صدام حسين، إلا أن الغرب مطالب باتّباع سياسة تدعم عملية نشر الديموقراطية في بلاد الرافدين. تعليق لؤي المدهون.

سقوط تمثال صدام، بغداد، الصورة: أ.ب
خمسة أعوام مرت على احتفال كثير من العراقيين بتحريرهم من حكم صدام حسين الديكتاتوري أملا منهم بمستقبل زاهر ولكن الحقائق على الأرض الآن غير ذلك

​​احتفل الناس قبل خمسة أعوام في العراق بتحريرهم عنوة من حكم صدام حسين الديكتاتوري. لا شكّ في أنَّ العراقيين كان لديهم ما يكفي من الأسباب للابتهاج بالإطاحة بصدام حسين، على أبعد حدّ مع رفضه لقرارات مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة وما نجم عن ذلك من عقوبات شديدة جرَّت الشعب العراقي إلى حالة من الفقر والبؤس.

لقد شعر العالم بارتياح كبير لا سيما وأنَّ الانتصار السريع الذي حققته الولايات المتحدة الأمريكية قد جنّب بلاد الرافدين الوقوع في حرب مدمرة طويلة الأمد. بيد أنَّ هذه الآمال كانت مبنية على أوهام؛ ففي الأسابيع الأولى بعد احتلال بغداد وجدت قوات الاحتلال نفسها نتيجة للفراغ السياسي الذي نجم عن احتلال العراق إزاء حالة من الفوضى وانعدام النظام، لم تكن قوات الاحتلال مستعدة لها على الاطلاق.

بدأ الإرهاب يتفاقم في العراق منذ شهر آب/أغسطس 2003 بصورة تكاد تكون مستمرة وقد اتّخذ أشكالاً جديدة وانصب منذ ذلك بصورة متزايدة ضدّ القوات الأمريكية والممثلين الفعليين الدوليين وكذلك ضدّ المدنيين العراقيين، الذين يشاركون في عملية البناء. صحيح أنَّ الوضع الأمني في العراق شهد تحسنًا منذ بدء الولايات المتحدة الأمريكية باتّباع إستراتيجية جديدة في شهر كانون الثاني/يناير 2007؛ لكن لا يمكن توقّع استقرار مستدام، ذلك لأنَّ استمرار الركود السياسي لا يزال يحاصر بلاد الرافدين.

الديموقراطية باعتبارها ذريعة

من المعروف أنَّ الحرب على العراق كانت مدرجة ضمن خطط المحافظين الجدد الخاصة بـ"عملية نشر الديموقراطية" في الشرق الأوسط وتغيير معالمه. حددت هذه الخطط شكلاً من "انتشار عملية نشر الديموقراطية"؛ حيث كان يفترض أن يتم نشر الديموقراطية انطلاقًا من العراق لتشمل كذلك الدول العربية التي يسود فيها حكم مستبد أو شمولي بالإضافة إلى إيران - وأن تضمن دائمًا الاستقرار السياسي في هذه المنطقة المضطربة.

عراقيات عند مركز اقتراع في أربيل، الصورة: أ.ب
على الرغم من إجراء انتخابات ديموقراطية إلا أن أقطاب المشهد السياسي العراقي لم تستثمر ذلك بطريقة إيجابية

​​
لقد تبيَّن أنَّ العراق - الذي يعتبر تكوينًا مصطنعًا خاليا من أي ارتباط وطني وانسجام داخلي بالإضافة إلى معاناته من الانقسامات الطائفية والثقافية والعرقية البالغة، ليس البلد الوحيد الذي أثبت بسرعة أنَّه يشكِّل أرضًا لا تصلح لهذه التجربة الديموقراطية.

كذلك كانت هناك شكوك كبيرة بمصداقية هذه الرسالة الديموقراطية في فترة التحضير للحرب على العراق. إذ لم يكن بالإمكان التغلّب على الانطباع بأنَّ رسالة الديموقراطية هذه هي مجرد ذريعة لشن الحرب التي كانت موضوع خلاف بالنسبة للقانون الدولي - بعد أن تبيَّن أنَّ كلَّ الأسباب الأخرى لخوض الحرب كانت واهية ومجهَّزة من قبل.

بذرة لنشر الديموقراطية

لا ريب في أنَّ توجيه الانتقاد إلى سذاجة خطط المحافظين الجدد يعتبر أمرًا صحيحًا - خاصة فرضياتها ومقارناتها المضللة. وفي هذه الأثناء لم يعد هناك شكّ في أنَّ فرضيات الولايات المتحدة الأمريكية الخاصة "بتحرير العراق" وبالمقارنات المضللة مع المانيا بعد الحرب العالمية قد أثّرت في خطط غزو العراق ونظام ما بعد الحرب كما أدَّت إلى سياسة الاحتلال المماطلة والسطحية والمتناقضة التي تتبعها الولايات المتحدة الأمريكية.

لا يمكن - على الرغم من صحة هذا الانتقاد- اتِّهام المحافظين الجدد في الولايات المتحدة الأمريكية بأنَّ تحليلهم للمشكلة الأساسية وللحصار المعروف في منطقتي الشرق الأدنى والشرق الأوسط كان خاطئًا. بل على العكس من ذلك، إذ لا يمكن كذلك في يومنا هذا تفنيد الرأي الذي يفيد بأنَّ فترة الستين عامًا من السياسة الواقعية كانت تحافظ على حياة الأنظمة المستبدة.

نجاحات أولية

للمرة الأولى استجابت واشنطن رسميًا للرغبات التي طالبت بها هذه المنطقة بالذات من أجل إيجاد إصلاحات جذرية تسير باتجاه الديموقراطية وبناء دولة القانون؛ وحتى أنَّه ظهر لحين وكأنَّما صارت بعض النخب التي تصنع القرار في الولايات المتحدة الأمريكية تتنصَّل بحذر من أولويات الاستقرار التي كانت قائمة حتى ذلك.

وفي الحقيقة لقد بدى في منتصف عام 2005 وكأنَّ هذه الخطط ستحظى بالنجاح وأنَّ نظرية جورج دبليو بوش حول انتشار الديموقراطية تتفق مع الواقع؛ ففي لبنان أجبرت "ثورة الأرز" الحكومة الموالية لسورية على الاستقالة. وفي مصر ترشَّح للمرة الأولى العديد من المرشحين في الانتخابات الرئاسية التي أجريت في السابع من أيلول/سبتمبر 2005 وأعيد فيها انتخاب الرئيس حسني مبارك.

الديموقراطية باعتبارها هدفًا

بيد أنَّ الآمال في نشر الديموقراطية في المنطقة باءت بالفشل أيضًا في المثلث السنِّي في عراق ما بعد الحرب. وكلما كانت الحال تزداد صعوبة بالنسبة للأمريكيين في عراق ما بعد الحرب، كلما كان يزداد خوفهم من زعزعة الاستقرار. اكتشف الممثلون الفعليون المحليون وضع الولايات المتحدة الأمريكية الحرج وازدادت ثقتهم بأنفسهم كما تمكَّنوا من التصدي لمطالب الإصلاحات في الداخل.

في الحقيقة لقد نجح المحافظون الجدد الأمريكيون في إدراج موضوع الديموقراطية في المنطقة العربية على الأجندة السياسية، كما بدأت تترسَّخ ثقافة حوار عربية داخلية جديدة من نوعها وحجمها.

والآن تعود إدارة الولايات المتحدة الأمريكية إلى اتّباع السياسة الواقعية القديمة بسبب الفشل في العراق ونتائج الانتخابات الأمريكية. بيد أنَّ هذا لا يمكن أن يكون الدرس الذي أخرجته التجارب في عراق ما بعد الحرب. من الأجدر أن يكمن هذا الدرس في الاعتراف بأنَّ التحول من الأنظمة الديكتاتورية إلى الديموقراطية يعتبر عملية صعبة وطويلة الأمد، يشترط لبدئها إدراك الواقع وفهمه. لهذا السبب من الضروري جدًا أن يتم التوصّل إلى إجماع غربي على أساليب دعم الديموقراطية - لا سيما وأنَّ النجاح في نشر الديموقراطية بسرعة يبدو أنَّه سيبقى غير واقعي، مثلما تظهر ذلك بوضوح التجارب الأوروبية.

لؤي المدهون
ترجمة: رائد الباش
دويتشه فيله 2008

قنطرة

الشرق الأوسط
وقواعد جيوسيايسية
يقدم الباحث الألماني فولكر بيرتيس تحليلا لموازين القوى في المنطقة العربية بعد مرور سنة على سقوط النظام العراقي. ما هو دور الدول المجاورة الآن؟ وهل هناك أمل في أن تستعيد الجامعة العربية نشاطها الدبلوماسي؟

إعدام صدام حسين:
سياسة حبل المشنقة
تم قبل أيام إعدام الرئيس العراقي السابق صدام حسين، وهو حدث أثار ردود أفعال كثيرة على مستوى العالم كله. الصحفي توماس أفيناريوس كتب عن خطأ جعل المشنقة وسيلة لحل الصراعات السياسية والعواقب المترتبة عليه.

مع وزير الهجرة السويدي توبياس بيلستروم:
على الاتحاد الأوروبي تقاسم المسؤولية!
يطالب وزير الهجرة السويدي، توبياس بيلستروم الاتحاد الأوروبي بوضع سياسة هجرة مشتركة ويناشد الدول الأعضاء بتقاسم أعباء تدفق اللاجئين العراقيين. أجرت المقابلة بيترا تابيلينغ