قضية خاشقجي - خوف بن سلمان من الإخوان المسلمين

إنْ كان الصحفي السعودي جمال خاشقجي قد تعرض للاختطاف أو حتى للقتل فهذا تصعيد خطير في معركة الحكومة السعودية ضد الأصوات المنتقدة. وفي هذه الحالة يجب على الغرب أن يرد ردا حازما مشابها لرده على الحكومة الروسية بعد حادث مدينة سالزبوري البريطانية، بحسب ما يرى الباحث الألماني غيدو شتاينبيرغ في تحليله التالي.

الكاتبة ، الكاتب: Guido Steinberg

في بداية شهر تشرين الأوَّل/أكتوبر 2018، اختفى الصحفي السعودي البارز جمال خاشقجي في إسطنبول. وبينما تقول السلطات التركية ويقول مساندو خاشقجي إنَّه قد تعرَّض للاختطاف وربما حتى للقتل أثناء زيارته القنصلية السعودية في إسطنبول، تقول الحكومة السعودية إنَّه قد غادر القنصلية بأمان.

ومع ذلك لا يوجد تقريبًا أيّ مراقب محايد يمكن أن يُصدِّق تأكيدات الرياض، لأنَّ هذا الحادث الذي وقع في تركيا يرتبط بحملة غير مسبوقة حتى ذلك الحين ضدَّ معارضين سلميين، تصاعدت حدّتُها منذ منتصف عام2017، وقرَّر بسببها جمال خاشقجي الانتقال إلى المنفى في الولايات المتَّحدة الأمريكية.

الكثير من السعوديين يرحِّبون بالإصلاحات التي بدأها ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، ولكن لديهم تحفُّظات على التحوُّل الديكتاتوري المرتبط بهذه الاصلاحات. يعدُّ جمال خاشقجي مِنْ مَنْ يجادلون بهذه الطريقة. ففي مقال لصحيفة "واشنطن بوست" نُشر في الثامن عشر من أيلول/سبتمبر 2017، كتب أنَّه لا يعارض الحكومة السعودية، وأنَّه يتمنَّى لها أن يتحقَّق على أرض الواقع برنامج إصلاحاتها الاقتصادية المسمى "رؤية 2030".

ولكنه عبَّر عن أسفه أيضًا لأنَّ وطنه لم يكن دومًا قمعيًا إلى هذا الحدّ مع المثقَّفين وعلماء الدين مثلما باتت الحال في الأشهر الماضية، أي في الوقت الذي بدأ فيه محمد بن سلمان بتوسيع سلطته المطلقة من دون أية اعتبارات.

كلُّ مَنْ ينتقد الحكومة عرضة للخطر

متظاهرون في تركيا مطالبون بإخلاء سبيل جمال خاشقجي.  Foto: picture-alliance/AP
Demonstranten in der Türkei fordern seit Tagen die Freilassung des saudischen Journalisten: Jamal Khashoggi, der unter anderem für die "Washington Post" arbeitet, lebte im vergangenen Jahr im Exil in Washington. Er fürchtete Vergeltungsaktionen für seine kritischen Artikel, die etwa in der "Washington Post" und im britischen "Guardian" erschienen. Immer wieder hatte der 59-jährige die Politik des Kronprinzen Mohammed bin Salman, die saudische Militärintervention im Jemen und die Blockade gegen das Golfemirat Qatar kritisiert.

نشر خاشقجي هذا المقال المعبِّر عن رأيه ردًّا على موجة اعتقالات بدأت بعد أن كانت القيادة السعودية والإماراتية قد فرضتا في الخامس من حزيران/يونيو 2017 حظرًا على دولة قطر. وكان أبرز ضحايا هذه الاعتقالات سلمان العودة، وهو عالم دين وداعية إسلامي تمتد شهرته إلى أبعد من حدود المملكة العربية السعودية، رفض أن يعلن على الملأ عن دعمه مسار الحكومة. وقد كتب بدلاً عن ذلك على موقع تويتر أنَّه يأمل أن تتصالح قيادة المملكة العربية السعودية وقطر، وإثر ذلك تم اعتقاله.

سلمان العودة مقرَّب - مثل كثيرين اعتقلوا في ذلك الحين - من جماعة الإخوان المسلمين المحظورة في السعودية باعتبارها تنظيمًا إرهابيًا، بيد أنَّه دافع بوضوح عن مواقف أكثر ليبرالية في كتاب أثار الكثير من الاهتمام حول الربيع العربي عام 2012. ومع ذلك فهو لم يعد في السنوات التالية يُعبِّر عن رأيه إلَّا بشكل نادر حول القضايا السياسية، بحيث أنَّ اعتقاله في شهر أيلول/سبتمبر 2017 كان مفاجئًا. 

ولكن لقد كان الأمر الأكثر إثارة للدهشة والمفاجأة هو انتشار خبر بعد عام يفيد بأنَّ المدَّعي العام قد طالب في قضية سلمان العودة بعقوبة الإعدام، لأسباب من بينها قيامه بنشاطات في جماعة الإخوان المسلمين. وعلى الأقل منذ ذلك الحين بات يجب على أي شخص مختلف في الرأي أن يضع في حسابه أنَّ كلَّ شخص في خطر حينما ينتقد الحكومة السعودية.

يعود سبب هذا النهج الصارم في قضية سلمان العودة إلى العلاقة الشائكة بين المملكة العربية السعودية وجماعة الإخوان المسلمين. فمنذ أن ظهر أنَّ هذه الجماعة ستصبح هي الرابح الأكبر في الربيع العربي داخل مصر وتونس، بدأت الرياض العمل على كبح جماح هذا التنظيم. 

وباتت المملكة المحافظة تخشى من احتمال أن يتحوَّل هؤلاء الإسلاميون إلى خطر يهدِّد استقرار النظام. وفي هذا الصدد تسير الرياض على خطى دولة الإمارات العربية المتَّحدة، التي كانت قد قرَّرت قبل السعودية بعدة أعوام سحق الإخوان المسلمين لديها. 

أدارت الدولتان الخليجيتان سويةً في شهر تمُّوز/يوليو 2013 انقلاب الجيش المصري على جماعة الإخوان المسلمين الحاكمة، ومن جانبها وضعت المملكة العربية السعودية هذه الجماعة في شهر آذار/مارس 2014 على لائحة الإرهاب السعودية. وهذا يرتبط بقضية جمال خاشقجي بصفته صحفيًا لديه علاقات ودِّية مع الكثير من الإخوان المسلمين، وكذلك لأنَّه كان مقرَّبًا من هذه الجماعة على الأقل في شبابه.

وعلى الأرجح ترى القيادة الجديدة في الرياض فيه حلقة وصل محتملة بين الإسلاميين وخصوم ولي العهد داخل الأسرة السعودية الحاكمة، ذلك لأنَّ جمال خاشقجي كان يتمتَّع في الماضي بالحماية من قبل أمراء بارزين داخل أسرة آل سعود، وكان ذلك آخر مرة من قبل رجل الأعمال الوليد بن طلال، الذي كان يخطِّط معه حتى عام 2016 إنشاء قناة تلفزيونية. ولكن الوليد بن طلال أصبح واحدًا من أشهر ضحايا حملة ولي العهد السعودي مكافحة الفساد.

الصحفي السعودي جمال خاشقجي.  Foto: Reuters/Middle East Monitor
Rätselhaftes Verschwinden: Anfang Oktober 2018 verschwand der prominente saudische Journalist Jamal Khashoggi in Istanbul. Während türkische Stellen und Khashoggis Unterstützer vorbringen, er sei während eines Besuchs im saudischen Konsulat verschleppt und vielleicht sogar ermordet worden, sagt die saudische Regierung, er habe die Vertretung unbehelligt wieder verlassen.

منذ نزع سلطة العديد من الأمراء السعوديين البارزين، بات من المرجَّح أن يكون لديهم حساب مفتوح مع ولي العهد. وعلاوة على ذلك، وبما أنَّ جمال خاشقجي يحظى باحترام كبير لدى المعارضة الليبرالية، فقد حوَّله هذا إلى تهديد في نظر أصحاب القرار في الرياض.

الرياض تضر علاقتها مع حلفائها الغربيين

وعلى هذه الخلفية فإنَّ موقع الحدث لم يأتِ مصادفة. فتركيا أصبحت ابتداءً منذ عام 2011 مع قطر من أهم الداعمين لجماعة الإخوان المسلمين في المنطقة وقد وفَّرت الملاذ للعديد منهم منذ عام 2013.

وبالنسبة لجمال خاشقجي فقد أصبحت تركيا منذ عام 2017 من الأماكن القليلة التي يمكنه دخولها من دون أن يقلق في منطقة الشرق الأوسط. وفي المقابل تدهورت العلاقة بين الرياض وأنقرة بشكل ملحوظ. ولذلك قد يكون ردُّ الحكومة التركية غير مهم بالنسبة للمملكة العربية السعودية. كذلك لن تعطي تركيا لانفراج العلاقات اهتمامًا كبيرًا ما سيجعل ردها على أي اختطاف لجمال خاشقجي ليس هادئا.

غير أنَّ هذه الأحداث تسبب مشاكل لحلفاء السعودية. فالولايات المتَّحدة الأمريكية تراهن منذ عام 2017 على تحالفها الوثيق مع محمد بن سلمان، الذي يجمعها معه عداؤها لإيران. 

أما ألمانيا فقد أنهت للتو أزمة دبلوماسية مع الرياض، كانت قد بدأت تضر بالشركات الألمانية في المملكة العربية السعودية.

إذا تأكَّد أنَّ الحكومة السعودية اختطفت وقتلت معارضين فوق تراب دولة تابعة لحلف الناتو، فعندئذ يجب على حلفائها التعبير عن استيائهم. وهنا تفرض المقارنة نفسها بين قضية جمال خاشقجي ومحاولة اغتيال الجاسوس الروسي السابق سيرغي سكريبال في بريطانيا، التي يقوم الغرب بمحاسبة موسكو عليها.

يجب أن يكون ردُّ التحالف الغربي حينئذ صارمًا مثل ردِّه بعد حادث محاولة اغتيال هذا الجاسوس الروسي في مدينة سالزبوري البريطانية. ومن الممكن أن يكون على الأقل طرد الدبلوماسيين السعوديين إجراءً محتملًا ومناسبًا من دون شكّ.

 

 

غيدو شتاينبيرغ

ترجمة: رائد الباش

حقوق النشر: موقع قنطرة 2018

ar.Qantara.de



غيدو شتاينبيرغ، باحث مختص في الدراسات الإسلامية، يعمل في المعهد الألماني للدراسات الأمنية والدولية في برلين(SWP) في مجالات من بينها المملكة العربية السعودية.

نُشر هذا المقال أوَّلًا على موقع المعهد الألماني للدراسات الدولية والأمنية تحت عمود "بالمختصر".