مدونة الأسرة الجديدة في المغرب

هناك إجماع شبه كامل بين القوى الاجتماعية والسياسية المختلفة في البلاد على أن الإصلاحات القانونية التي تخص حقوق المرأة المغربية ضرورية وتدعم دمقرطة المغرب. تحليل الصحفية مارتينا صبرا

.

أصبح العاشر من تشرين الأول/أكتوبر 2003 يوماً تاريخياً لكثيرمن المناديات بالنسوية وللناشطين في مجال حقوق الإنسان. في هذا اليوم -يوم الجمعة- تكلم الملك محمد السادس عن الإصلاحات التي تخص قانون الأحوال الشخصية. والملك بحسب الدستور هو رئيس الحكومة والقائد الأعلى للجيش وأمير المؤمنين. استهل الملك خطابه الموجه لرعيته كالعادة بقول "شعبي العزيز"، إلا أن ما أعلنه كان خارجاً عن المألوف، لا بل كان إعلان الإصلاح الأكثر عمقاً منذ استقلال المغرب. ومن أهم ما جاء فيه:

1) الزوجة والزوج يتساويان ويشتركان في مسؤوليتهما تجاه الأسرة وفي إدارة شؤون المنزل.
2) الرجل والمرأة متساويان في الزواج بناءً على قرار شخصي حر. ولم تعد المرأة بحاجة لولي أمر، لكن يحق لها أن توكِّل من تشاء. ستُقيد إمكانات تعدد الزوجات للرجل بعد أن كان من حقه أن يتزوج من أربعة نساء.
3) تقييد الممارسة التعسفية للرجل في تطليق زوجته، ولم يعد للطلاق الشفوي ولا للطلاق لدى كاتب العدل أي مفعول قانوني. توسيع حق المرأة في طلب الطلاق. كما يجب أن يوافق على الطلاق من المحكمة العائلية الحكومية، إذا كان الطلب مُقدّما من الرجل أو المرأة.
4) مساواة المرأة بالرجل بالنسبة لسن الزواج، وتحديده بثمان عشرة سنة. الاستثناء ممكن بقرار من المحكمة.
5) يُعترف بالأطفال الذين أنجبوا قبل الزواج، أي أثناء فترة الخطوبة، كأفال الزوجين الشرعيين. ويجوز فرض الفحص الطبي لإثبات الأبوة في حال رفض الأب الإعتراف بأُبوته. ولم يكن هذا جائزاً في المغرب حتى الآن، مما دفع الكثير من الآباء إلى عدم الإعتراف بأطفالهم المولودين بدون زواج، مما ادى إلى زيادة عدد الاُمهات اللواتي يربين أولادهن بمفردهن.

القوانين الدولية والشريعة

أصبحت المرأة المغربية بفضل هذه الإصلاحات -من الناحية النظرية على الأقل- من النساء الأكثر تحرراً في العالم العربي، "نحن أصبحنا في المرتبة الأخيرة في شمال أفريقيا"، كما قالت ساخرة ناديا آيت زاي الجزائرية والحقوقية المنادية بالنسوية، بعد يوم من سماعها خطاب العرش، مضيفة أن "المرأة في الجزائر فقط تحتاج إلى ولي أمر إذا رغبت بالزواج".

يُراعي الملك محمد السادس بإصلاحاته مقاييس القوانين الدولية مع بقائه كرئيس للعلماء في الإطار الإسلامي. هكذا تمكن من إرضاء الجميع، حتى الإسلاميون الذين كانوا يرفضون اي تغيير. وكما قال متحدث عن حزب العدالة والتنمية (PDJ) :

"نحن موافقون على الإصلاحات لأنها تأسست على الإسلام" و " نقبل القانون الجديد لأن قاعدته العائلة وليست المرأة".

أما بشرى عبده التي تبلغ الرابعة والثلاثين من عمرها، وهي الأمينة العامة لجمعية حقوق المرأة في الدار البيضاء (LDDF) ذات التوجهات العلمانية، فقد سُرت بالإصلاحات رغم أنها تدعو لفصل الدين عن الدولة وقالت: "الإصلاح خطوة كبيرة إلى الأمام. لقد ناضلنا لسنوات عديدة، وانتظرنا طويلاً حتى قاربنا فقدان الإيمان بإمكانية التغيير. الآن هناك تحرك ما".

القانون القديم

كان قانون الأُسرة المغربي الذي يعود إلى عام 1957 قائما على تفسير المذهب السُني المالكي. فظلت المرأة المغربية قاصرا بحسب القانون، بالرغم من أن نساء المغرب قد حصلن منذ عام 1956 على حقي الترشيح والانتخاب وعلى حق التعليم المجاني الذي استفادت منه الكثيرات.

ليلى الرحيوي المختصة بعلوم الاتصالات والناشطة السياسية في مجال حقوق الإنسان والتي نظمت منذ العام 2001 في كافة انحاء البلاد الرابطة المنادية بالنسوية "ربيع المساواة"، أوضحت أن مبدأ الزواج كان مبنياً على "مقايضة الطاعة بالإعالة"، ما يعني أن "على الرجل أن يكسب المال وعلى المرأة أن تُطيع، فإن لم تطِع فيحق للقاضي أن يطلقها في اي ظرف".

ظل قانون الأُسرة المغربي متناقضاً ليس مع المواثيق الدولية التي صادق المغرب عليها فحسب بل ومع واقع المرأة والعائلة في المغرب نفسها، إذ أن المرأة هي صاحبة القرار في خُمس العائلات المغربية، وذلك لأنها إما مُطلقة أو أرملة أو لأن زوجها يعمل في المهجر. إضافة إلى أن عدد البرلمانيات في المغرب يصل إلى ثلاثين عضوة على الأقل، ما يمثل عشرة بالمائة من أعضاء البرلمان. الإسلاميون انفسهم أقروا بأن الوقت حان لإدخال إصلاحات.

المرحلة الاستعمارية

النقاش الحاد الذي دار حول طبيعة الإصلاحات أظهر في السنوات الأخيرة عمق الخلاف الاجتماعي والثقافي داخل المجتمع المغربي. نفور علماء المغرب من الغرب والحداثة ذات السمات الأوروبية ليس بجديد، وكان موضوع قانون الأُسرة في مرحلة الاستعمار مسألة حساسة ورمزاً للهوية الإسلامية في المغرب.

وقد أثارت كل محاولة للإصلاح ولو كانت متعثرة حفيظة العلماء الأكثر محافظة كما ازدادت حدة الخلاف مع نمو الإسلام السياسي في المغرب. وعندما عُرف أن البنك الدولي يموِل "المشروع الوطني لإدماج المرأة في التنمية" والذي في إطاره سيُلغى تعدد الزوجات والطلاق الشفهي، حوَّلَ الإسلاميون موضوع قانون الأُسرة الحساس إلى موضوع متأجج على الدوام.

فمنظمة "العدل والإحسان" -أكبر منظمة إسلامية خارج البرلمان والتي تضم مليون عضو بحسب التقديرات- تحت قيادة الشيخ عبد السلام ياسين والحزب الإسلامي العدل والتنمية الممثل في البرلمان وصفا المشروع بأنه مؤامرة إمبريالية أمريكية تسعى لتخريب التراث الإسلامي.

وعلى نفس الوتر لعب المحافظون من القوميين العرب، بالأخص الجناح اليميني في حزب الاستقلال. ويعتبِر محمد طوزي الباحث المغربي في العلوم السياسية أن الإسلاميين يؤججون النقاش في قضية قانون حقوق المرأة لأهداف سياسية: "لا يهم الإسلاميون فحوى قانون حقوق المرأة، وهم يستغلون النقاش كي يبرزوا على الساحة السياسية بهدف الوصول الى السلطة".

تعود شهرة الإسلاميون في المغرب إلى كونهم القوة السياسية الوحيدة التي تضع شرعية النظام الملكي موضع سؤال: "في زمن الرسول لم يكن هناك حكم وراثي أومَلَكية وراثية" كما تقول الطبيبة فاطمة قصيد (27 سنة)، عضوة قيادية في تنظيم العدل والإحسان، " النظام الملكي فُرض على الأُمة بينما على الشعب أن ينتخب حاكمه بنفسه".

سياسة الملك الشاب

يعتقد الخبراء بالسياسة الداخلية المغربية أن اختيار توقيت خطاب العرش التاريخي لمحمد السادس في تشرين الأول 2003 كان متعمدا. وتحديداً بعد التفجيرات الإسلامية المسلحة في الدار البيضاء يوم 16 أيار/مايو 2003 والتي أودت بحياة أربعين شخصاً، مما هز المغرب -الذي كان ينعم بالسلام- حتى النخاع.

كانت المعارضة الإسلامية في موقع الدفاع، مما هيأ اللحظة المناسبة لفرض المشروع عليه. من ناحيته استغرب نور الدين عيوش -صاحب شركة الإعلانات الناجح والداعم المالي لعدة مشاريع نسائية طموحة- ضعف معارضة الإسلاميين، وتساءل مستهجناً: "هل هذا كل شيئ؟ لا إحتجاجات صاخبة ولا عنف؟ ألم يكن إقرار الإصلاحات وارداً قبل عشر سنوات؟

وماذا بعد ذلك؟

في المستقبل ستكون النساء المغربيات -نظرياً على الأقل- هن الأكثر تحرراً في العالم العربي، سوياً مع النساء التونسيات. أما مرحلياً فلن تتمكن اكثرهن من ممارسة حقوقهن، بسبب سوء عمل أجهزة العدل المغربية وبسبب العوز المادي.
فأكثر من ثلثي النساء في المغرب لا يحسّن القراءة والكتابة. وفي بعض المناطق الريفية تصل نسبة الفتيات اللواتي لم يدخلن المدرسة قط الى تسعين بالمئة. وما يقارب نصف الشعب المغربي لا يملك سوى يورو واحد في اليوم ليعتاش به. وفي الأحياء الفقيرة على أطراف مدن المغرب الكبيرة يعيش ملايين البشر تحت ظروف غير لائقة للبشر، بلا ماء نظيف وبدون الرعاية الطبية الأساسية.

إن تعميم المساواة سيساعد بلا ريب على دمقرطة المجتمع المغربي، إلا أن النظام المغربي لن يصبح من تلقاء نفسه أكثر ديمقراطية، إذ أن الإصلاحات ستساعد محمد السادس على ترسيخ الحكم الملكي المُطلق. ستربط به الطبقة الوسطى الليبرالية، ذات الأهمية الأقتصادية، والتي تشعر مثل أجهزة الحكم بتهديدات الأسلاميين.

تبقى إصلاحات محمد السادس لقانون الأحوال الشخصية في المغرب ذات أهمية تاريخية ولفتة شجاعة تُظهر توافق الهوية الإسلامية مع القيم العالمية لحقوق الإنسان. منذ العاشر من تشرين الأول/أكتوبر إستعادت الكثيرات من نساء المغرب الشعور بتحرك ما للمرة الأولى في بلادهن.

بقلم مارتينا صبرا، صحفية ألمانية متخصصة بالعالم العربي
ترجمة يوسف حجازي

خطاب الملك محمد السادس في العاشر من أكتوبر/تشرين الأول 2003