عنصرية بجذور نازية في كرة القدم الألمانية

مع انطلاق كأس الأمم الأوروبية لكرة القدم "بطولة اليورو 2016"، نقرأ على حافلة المنتخب الألماني عبارة "عاش منتخبنا الوطني لكرة القدم". ولكن وفي الوقت نفسه تُوَجَّه في ألمانيا إهانة عنصرية علنية لأعضاء الفريق الوطني الألمان من أصول مهاجرة. المؤرخ الألماني رينيه فيلدانغل يقدم لقراء موقع قنطرة قراءته وحلوله لهذا الظاهرة.

الكاتب، الكاتبة : René Wildangel

يحوم في أوروبا شبح اليمين، الذي يريد إرجاع عقارب الساعة إلى الوراء. يرغب هذا الشبح بتأسيس "الأمة" (الألمانية) على أسس عرقية من جديد، بحيث تتألف تشكيلة "المنتخب الوطني لكرة القدم" من رجال بيض، ينحدرون من رجال ألمان منذ أجيال عديدة. وبلغة الإيديولوجية العنصرية النازية: ألمان آريُّون، أو بلغة ألمانية حديثة وطنانة: ألمان عضويون أباً عن جَدّ.

وها هي تصريحات ألكسندر غاولاند -أحد مؤسسي الحزب اليمني المتطرف "البديل من أجل ألمانيا"- تكفل من جديد للحزب احتلال صدارة وسائل الإعلام. إِذْ يدعي غاولاند في حديث لصحيفة فرانكفورتر ألغمانية: "أن غالبية الشعب الألماني لا ترغب بمجاورة لاعب المنتخب الوطني جيروم بواتينغ -المنحدر من أم ألمانية وأب غانيّ- في المسكن. بعبارة أخرى: لا نريد ألماناً سُوداً في المنتخب الوطني. مع العلم أنه وبالنسبة لحزب البديل وجمهوره، فإن كلمتي "ألمان" و"سود" لا يتماشى بعضهما مع بعض، كما لا يتماشى الإسلام مع ألمانيا، وفق اعتقاد الحزب.

وبناء على منطق التفكير السابق، شنت رئيسة حزب البديل، فراوكِه بيتري، هجوماً غوغائياً على صانع ألعاب المنتخب الوطني مسعود أوزيل، لأن الأخير حج إلى مكة كما يفعل الملايين من المسلمين. ترمز صورة أوزيل بملابس الإحرام لكل من بيتري وغاولاند نهاية وسقوط الحضارة الغربية.

بعد تصريحات غاولاند السابقة بخصوص السكن بجوار جيروم بواتينغ، انطلقت تصريحات كثيرة متضامنة مع بواتينغ، ومن النادر وجود شخصية مشهورة، لم تعلن عن رغبتها بمجاورته في السكن. هذا التناقض الكبير كان هاماً لإظهار أن غالبية الألمان ترفض عنصرية حزب "البديل من أجل ألمانيا" العلنية.

جار أجنبي

ولكن بعض ردود الفعل المدافعة عن بواتينغ تستحق التفكير فيها. فقد قال وزير الداخلية، توماس دي ميزيير، إن بواتينغ "نموذج للاعب المحترف"، كما وصفه نجم المنتخب الألماني في النصف الثاني من السبعينيات والنصف الأول من الثمانينيات والرئيس الحالي لنادي بايرن ميونخ، كارل-هاينتس رومنيغه، بـ"الإنسان الرائع والقدوة كلاعب كرة قدم محترف". لا تتعلق العنصرية بشخص مَن تتم إهانته عنصرياً. وعندما يتم توجيه الإتهام لغولاند بـ"معاداة الأجانب"، فهذا يشير إلى أن جزءاً من المجتمع الألماني لا يزال يشعر أن الألمان من ذوي البشرة غير البيضاء على أنهم "أجانب".

Plakat Solidarität mit Boateng wähend des Freundschaftsspiels Deutschland gegen die Slowakei, Foto: picture-alliance/dpa/C. Charisius
Salonfähiger Rassismus: AfD-Vize Alexander Gauland hatte der "Frankfurter Allgemeinen Sonntagszeitung" über Jérôme Boateng gesagt: "Die Leute finden ihn als Fußballspieler gut, aber wollen einen Boateng nicht als Nachbarn haben." Die Äußerungen hatten einen Sturm der Entrüstung ausgelöst.

وبدلاً من التركيز على موقف غولاند البُنّي( يرمز الللون البني إلى النازية، فقد كان هو لون الزي الرسمي لـ"كتيبة العاصفة"، (إس أ)، الجناح شبه العسكري للحزي النازي). دار النقاش عما إذا كان بواتينغ جار جيد أم لا. وأجريت استطلاعات رأي في عموم البلاد للسؤال عمن يريد أن يكون جاراً  لبوتينغ. منذ متى يُسأل المرء عمن يريد أن يكون جاراً له؟ والحقيقة الـمُرّة بخصوص الجيران في ألمانيا هي التالية: يتعرض الألمان من غير ذوي البشرة البيضاء، والتي تشير لون بشرتهم وأسماؤهم إلى خلفيات مهاجرة، إلى التمييز ضدهم في المسكن وسوق العمل، بحسب ما خلصت إليه الدراسة. فألمان كُثُرٌ من ذوي البشرة غير البيضاء (أو الذين يشذون بشكل أو بآخر عن "المعيار" المزعوم) يعايشون في كُلّ يوم من حياتهم اليومية ما عبرت عنه أفكار غاولاند من أشكال العنصرية المتفشية.

وهذه ليست المرة الأولى، التي يتعرض فيها جيروم بواتينغ للإهانة العنصرية، خلال مسيرته الرياضية. ففي سبتمبر/ أيلول 2013، في التصفيات المؤهلة لكأس العالم، وُجهت له الإهانة من الجمهور على مدرجات ملعب جزر فارو في الدنمارك. آنذاك تجاهل بواتينغ الإهانة، مع أنه انخرط بنفسه في محطات أخرى في الكفاح ضد العنصرية.

وهذه المرة، أيضاً، لم يرغب بواتينغ بالرد على استفزازات غاولاند العنصرية، غير أنه أوضح أن العنصرية اليومية في ألمانيا "لا تزال حاضرة ومنذ فترة بعيدة". وأغضبه أيضاً، أنَّ "مثل هؤلاء الأشخاص"، وعن طريق إهانته، "تُسلَّط عليهم الأضواء ويحصلون على منابر إعلامية".العنصرية المُعاشة في الحياة اليومية

ولكن ماذا لو لم يكن بواتينغ قدوة للاعبي كرة القدم المحترفين، أو لم يكن "نموذجاً للاعب المحترف"؟ بإمكاننا العثور على الجواب من خلات القصة المعبرة للإخوة الثلاثة بواتينغ: جيروم وجورج وكيفن-برينس. وضع الصحفي ميشائيل هوريني قصة الإخوة الثلاثة في كتاب يحمل عنوان "الإخوة بواتينغ". الإخوة الثلاثة هم إخوة غير أشقّاء، من أب واحد ومن أمّيْن اثنتين. كان جورج لاعبا موهوباً، غير أنه ضل الطريق وتورط في مشاكل حي فيدنغ البرليني، ذي الغالبية المهاجرة، ودخل مدة من الزمن السجن. كان حظ جيروم أفضل، فقد نما وترعرع في حي فيلمرسدورف البرليني البرجوازي الراقي. تعرف جيروم على كرة القدم مع أخويه في "غيتو" حي فيدنغ وأضحى ملعب كرة القدم المُسوّر، الذي مارسوا فيه كرة القدم لساعات طويلة، بمثابة الرابط بين الإخوة، الذين نشأوا وترعرعوا في عوالم مختلفة.

عانى الإخوة الثلاثة من العنصرية، غير أن كل واحد منهم تعامل معها بشكل مختلف. لاقى كيفن-برينس، اللاعب الموهوب ولكن الفوضوي وصاحب الأنا العملاقة (معتد جداً بنفسه)، صعوبات ومنذ البداية في ألمانيا. إذْ تم استبعاده عام 2009 من تشكيلة المنتخب الوطني تحت سن 21 عاماً،

هذه التشكيلة -التي ضمت حينئذٍ مسعود أوزيل وسامي خضيرة وماتس هوملز وأخاه جيروم بواتينغ- أحرزت بعد خمس سنوات لقب كأس العالم عام 2014 في البرازيل.

قرر كيفن-برينس شق طريق آخر واللعب بالمنتخب الغاني لكرة القدم، بلد مسقط رأس أبيه. بعدها بمدة، تحول كيفن-برينس إلى شخص مكروه جداً في ألمانيا بعد أن عرقل وتسبب بإصابة قائد المنتخب الوطني والهدّاف الألماني ميشائيل بلاك عام 2010 في نهائي كأس إنكلترا لكرة القدم، قُبيل انطلاق نهائيات كأس العالم عام 2010 في جنوب إفريقيا، مما حال بين بلاك والمشاركة في النهائيات.

هبت عاصفة من السخط، وخصوصا على شبكة الإنترنت، على كيفن-برينس وحملت معها سيلاً من عبارات الإهانة العنصرية. ومن جانبه، رد كيفن-برينس بشن هجوم على العنصرية المتفشية في ألمانيا وإنكلترا وإيطاليا، حيث أنه تعرض للعنصرية في هذه البلدان. ففي يناير/ كانون الأول 2013 بعث بإشارة حازمة في مباراة ودية لفريقه أيه سي ميلان، عندما قام بتسديد الكرة باتجاه جمهور الخصم، المطلق للصيحات العنصرية، ثم خلع قميصه الرياضي وغادر الملعب، ثم تبعه كامل الفريق في خطوة تضامنية. فمن يرغب من الألمان بأن يكون جاراً لكيفن-برينس المتمرد هذا؟

لا يحتاج المرء للرد على فكرة "العنصرية" المجنونة والغريبة، والتي تقول بضرورة انتقاء المنتخب الوطني (المانشافت) المُنتقى على أسس عرقية صافية. بيد أنه جدير بالملاحظة أنه في ألمانيا، واليوم، يتم إطلاق مثل هذه الأفكار علانية وبلا خجل.

اليوم وبعد حوالي 80 عاماً من التنكر للهوس العنصري، الذي تعرض له اليهود الألمان وغيرهم من ضحايا العنصرية، يصبح جزءاً وازناً من المجتمع الألماني عنصرياً من جديد، وأين؟ في مضمار الرياضة وكرة القدم تحديداً. للتاريخ نُذَكّر بـ"الفقرة الآرية"(القانون الصادر عام 1933 في العهد النازي لتطهير المؤسسات الألمانية والحياة العامة من كل من لا يحمل دماً آرياً صافياً) تم استبعاد اليهود الألمان من الأندية الرياضية. (فهل يعيد التاريخ نفسه؟!!!؟؟؟)

ونذكر للتاريخ هنا أيضاً قتل لاعب المنتخب الوطني لكرة القدم، اليهودي الألماني يولياس هيرش، في معسكر الاعتقال النازي في أوشفيتس خلال جرائم الإبادة الجماعية (الهولوكست). من المؤكد أن تصريحات غاولاند بعيدة كل البعد عن هذا، ولكن في العمق فإن أسس تصريحاته هذا تنطلق من الإيديولوجية الإثنية-العرقية والعلمية الزائفة والعنصرية، التي كانت سائدة في القرن التاسع عشر وبدايات القرن العشرين، وكما نشهدها اليوم في الأفكار المبهمة لشخص مثل تيلو ساراتسين.

Mannschaftsfoto DFB Nationalelf; Foto: Imago/Pressefoto Baumann
"Nicht Migrationsgeschichten, nicht die Herkunft, nicht die Religion sollte die Identität von Fußballern fremdbestimmen. Für die deutsche Nationalmannschaft selbst gibt es sowieso nur zwei eindeutige Aufnahmekriterien: einen deutschen Pass – und das Talent zum Kicken", schreibt Wildangel.

لا بد من معالجة جدية ناجعة

هناك عدة محاولات إيجابية ومنذ سنوات في عالم كرة القدم لمواجهة العنصرية. فمن المفترض أنه في صيف عام 2006 ومع نهائيات كأس العالم في ألمانيا، بدأت مرحلة جديدة من حياة المنتخب الوطني (المانشافت)، فقد تألف المنتخب منذ ذلك الحين من لاعبين من أصول ومنابت متعددة.

وفي ذلك الوقت في حي كرويتسبيرغ البرليني، دافع صاحب مطعم وجبات خفيفة ألماني-عربي عن علم الدولة الألمانية في وجه الفاشيين، الذين أرادوا إنزال العلم. وبالتأكيد سينزل لاجئون سوريون، هذا الصيف، ويقفون وسط الجموع ويلوِّحون بالأعلام الألمانية لتشجيع المنتخب الألماني. ولكن هنا من الأفضل عدم الحديث عن القصص المبكية للاندماج الناجح، طالما أن البرلمان الألماني يشدد قوانين اللجوء، وتُخفَّض قيمة المساعدات الاجتماعية للاجئين، ويعاني يومياً الكثير من طالبي اللجوء على الحدود الخارجية المُسوِّرة لأوروبا.

ومن جانبه، يتعين على الاتحاد الالماني لكرة القدم الرد بحزم أكبر على التجاوزات العنصرية. فلا يكفي تقديم المنتخب الوطني للرأي العام على أنه منتخب يلعب فيه لاعبون من أصول ومنابت إثنية ودينية متعددة. بالتأكيد فإن مسعود أوزيل أو سامي خضيرة أو لوكس بودولسكي يشكلون أمثلة يُحتذى بها في هذا المضمار، ولكن هذا الواجب ينسحب أيضاً وبالمثل على توماس مولر أو مانويل نوير.

يجب ألا يخضع انتقاء لاعبي كرة القدم وهوية الفريق الوطني لاعتبارات الأصل والمنبت والدين والاتجاه الجنسي - فالمثلية الجنسية هي آخر مُحرَّم في عالم كرة القدم.

للعب في المنتخب الوطني الألماني لكرة القدم (المانشافت) هناك اعتباران اثنان، لا ثالث لهما: حمل الجنسية الألمانية والموهبة الكروية.

 

رينيه فيلدانغل

الترجمة من الألمانية: خالد سلامة

حقوق النشر: موقع قنطرة ar.Qantara.de 2016