كتاب "لا مثيل له" حول تاريخ الفن العربي الحديث

عمل جماعي فيه مئات الصفحات الورقية، يُبرِز -عبر بيانات ورسائل ومقابلات ومقالات ومذكرات وتعليقات- فنونا حداثية عربية في حقبة تاريخية ممتدة منذ عام 1882 حتى نهاية الحرب الباردة، مستكشفًا مفهوم حداثة الفن خارج الغرب بنصوص مترجمة لأول مرة إلى الإنكليزية، ويتناول قضايا عربية أساسية كالنكبة والفترة الاستعمارية وتأثيرها على اللوحات الفنية، مثيرًا ضجة كبيرة. لينا بوب تعرفنا بهذا الكتاب بعين نقدية.

الكاتبة ، الكاتب: Lena Bopp

كتاب لا مثيل له في العالم العربي تم تقديمه في بيروت. هذا الكتاب هو حلم، مثلما وصفه شخصٌ من الجمهور، وهو كذلك عملٌ انْتُظر صدوره سنوات طويلة، مثلما قالت عنه زينة عريضة، مديرة متحف سرسق، الذي لم يأته الوسط الفنِّي من بيروت وحدها من أجل رؤية الكتاب الواقع في نحو خمسمائة صفحة بعنوان "الفنّ الحديث في العالم العربي: وثائق أساسية".

يجمع هذا الكتاب أكثر من مائة نصّ، الهدف منها هو إظهار الشكل الذي أخذته الحداثة كحقبة من تاريخ الفنّ في العالم العربي. ويحتوي على بيانات من الفنَّانين ورسائل ومقابلات ومقالات ومذكِّرات وتعليقات تم تركها في كتب زوَّار المعارض، ويشمل فترة زمنية تمتد منذ عام 1882 حتى نهاية الحرب الباردة.

ويحتوي بالإضافة إلى مقال بقلم أسامة مقدسي حول تاريخ الدول العربية، يُلخِّص قبل كلِّ شيء الأدوار التي كان قد لعبها الأوروبيون والأمريكيون وبحدة ملحوظة، وفيه أيضًا بعض المقالات الأدبية الثانوية القصيرة الأخرى.

ولكنه يحتوي في الغالب على مصادر أصلية، يُنشر الكثير منها لأوَّل مرة باللغة الإنكليزية. وباختصار، فإنَّ هذا الكتاب هو صيغة لطموح كبير دافعت عنه المحرِّرات الثلاث بحكمة عندما عرضن عملهن هذا أمام جمهور من خبراء الفنّ في صالة مكتظة.

مرجع أساسي للفنّ العربي الحديث. يجمع هذا الكتاب أكثر من مائة نصّ، الهدف منها هو إظهار الشكل الذي أخذته الحداثة كحقبة من تاريخ الفنّ في العالم العربي. ويحتوي على بيانات من الفنَّانين ورسائل ومقابلات ومقالات ومذكِّرات وتعليقات تم تركها في كتب زوَّار المعارض، ويشمل فترة زمنية تمتد منذ عام 1882 حتى نهاية الحرب الباردة.
Grundlagenwerk der modernen arabischen Kunst. Das Buch versammelt gut einhundert Texte, die zeigen sollen, welche Gestalten die Moderne als kunstgeschichtliche Epoche in der arabischen Welt annahm. Es enthält Manifeste von Künstlern, Briefe, Interviews, Essays, Tagebucheinträge und Kommentare, die in Gästebüchern von Ausstellungen hinterlassen wurden, und umfasst einen Zeitraum, der von 1882 bis zum Ende des Kalten Krieges reicht.

بدلاً من وصفهن كتابهن كمرجع أساسي مستقبلي، الأمر الذي يمكن تبريره من الناحية الموضوعية، فقد ركَّزت مؤرِّخات الفنِّ الأمريكيات الثلاث، أنيكا لينزن وسارة روجرز وندى شبُّوط على عملهن الذي كلفهن عدة سنوات.

موضوعات رئيسية تاريخية

من المعروف أنَّ كلَّ كتاب يفعل الشيء نفسه، ولكن في العالم العربي يواجه المرء أثناء البحث عن المصادر مشكلات خاصة: لا يوجد سوى القليل من الأرشيفات وأنظمة ببليوغرافية نادرة، وشبكة متفرِّقة نسبيًا من الجامعات والمؤسَّسات البحثية، وفي بعض الأحيان هناك افتقار إلى فهم بسيط للصعوبات التي يواجهها المؤلفون أثناء البحث عن أصحاب حقوق النشر.

تحدَّثت ندى شبوط عن فشل بعض محاولات الحصول على إذن من السلطات العراقية لإعادة طبع أعمال من أربعينيات وستينيات القرن العشرين.

حول هذه الأعمال قالت ندى شبوط: "هي الآن موجودة لدينا، لأنَّ لا أحد يريدها". وأضافت أنَّ العديد من هذه الأعمال، سواء كانت نصوصًا أو صورًا ، موجودة أيضًا ضمن مجموعات خاصة غير مسجَّلة في أي مكان ولا يمكن الوصول إليها إلَّا من خلال استخدام اتصالات وعلاقات خاصة.

وبالتالي فقد تمت الإشادة بهذا الكتاب مرارًا وتكرارًا كمشروع جماعي عظيم، أو مثلما قال أحدهم أثناء تناول المشروبات على الشرفة في أمسية صيفية: في الأساس ساهمت المجموعة كلها في هذا الكتاب.

تبدأ مجموعة المصادر مع العلامة البيروتي بطرس البستاني، الذي قدَّمت موسوعته الصادرة في عام 1882 أوَّل تعريف عصري للرسم باللغة العربية.

يوجد في هذا الكتاب أيضًا انعكاس مثير للاهتمام من الإمام المصري محمد عبده، الذي أشاد في مطلع القرن العشرين بفائدة استخدام الصور من أجل التعليم وعارض بالتالي حكم تحريم التصوير السائد في الإسلام.

ترد في الكتاب نصوصٌ من فنَّانين معروفين مثل الفنَّان اللبناني قيصر الجميل، الذي أعلن في سنة استقلال لبنان (1943) حالة الفنون التشكيلة كمقياس لتطوُّر الأمة. وكذلك شاكر حسن آل سعيد، الذي شارك في تأسيس "جماعة بغداد للفنّ الحديث" في أوائل الخمسينيات.

يتناول هذا الكتاب قضايا أساسية في العالم العربي: مثل الهزيمة العسكرية، التي سبقت تأسيس دولة إسرائيل عام 1948 وانحفرت "كنكبة" في ذاكرة العرب الجماعية.

ويعرض كذلك تأثير الاستعمار، مثل تأثير الفرنسيين على المجتمع اللبناني أو الجزائري وبالتالي على لوحاتهم.

انعدام الأساس

ومع ذلك يبذل الكتاب قصارى جهده ليتجنّب الظهور في مظهر مختارات من نصوص غير مترابطة. يمكن بطبيعة الحال استخدامه كمرجع، وبما أنَّ النصوص مرتبة في أغلب الأحيان بطريقة تربط بعضها ببعض، فيمكن مطالعته بسهولة - على الرغم من الشعور أحيانًا أثناء القراءة بالسير في ممر ضيِّق عبر مملكة يمكننا تصوُّر أبعادها، ولكن نكاد لا يمكننا فهمها.

غلين دي. لوري، مدير متحف الفنّ الحديث في نيويورك. Foto: AP
Nach Darstellung von Glenn D. Lowry, Direktor des MoMA, sei der Band über die arabischen Länder ein weiterer Versuch, "sich anhand von Quellentexten auf die Welt einzulassen".

لا يقدم هذا الكتاب أي تحديثات للسياق، باستثناء المقدِّمات الموجزة التي لا تتجاوز بضعة سطور في فصوله. فهو يترك الخلفيات أو السياقات مفتوحة، يجب معالجتها أو البحث عنها في غوغل، من دون أن يكون المرء متأكِّدًا من العثور على أية معلومات على الإطلاق حول موضوعات معيَّنة.

وإلى هذا الجانب بالذات تم توجيه الانتقاد الأوَّل: فقد قال البعض إنَّ هذا الكتاب مثل مَنْ يبني بيتًا ويبدأ بنوافذه. فهو يفتقر للأساس.

أو لنقل: كيف يمكننا الحكم على أهمية المصادر عندما لا نعرف سوى النزر اليسير حول الكثير من الفنَّانين وحول أعمالهم والصلات المحتملة بينهم؟ ذلك لأنَّ الأبحاث الأساسية حول تاريخ الفنِّ في البلدان العربية لا تمثِّل في الواقع أي نظام يمكن أن تكون قد خُصِّصت له في العقود الأخيرة طاقات كبيرة، ناهيك عن الموارد المالية.

دعوة للتأمل الذاتي

لذلك يبدو أنَّ هناك مشكلة أخرى لها ما يبرِّرها أكثر. لقد صدر كتاب "الفنّ الحديث في العالم العربي" عن متحف الفنّ الحديث في نيويورك وهو الجزء الثامن من سلسة تسمى "وثائق أساسية"، تسعى إلى استكشاف ما الذي كان مفهومًا عن الحداثة خارج العالم الغربي - وغالبًا بالتحديد من خلال النصوص الرئيسية المترجمة، لأوَّل مرة، إلى الإنكليزية.

تتضمَّن هذه السلسلة كتبًا حول مناطق من بينها أوروبا الشرقية واليابان والصين. والكتاب المخصَّص للدول العربية يمثِّل الآن محاولة أخرى "للانفتاح على العالم باستخدام النصوص من مصادرها"، مثلما قال بصيغة نبيلة في بيروت السيِّد غلين دي. لوري، مدير متحف الفنّ الحديث في نيويورك.

ولكن من الممكن بطبيعة الحال أن يحدث عكس ذلك تمامًا: أي أن يتبع القُرَّاء في جميع أنحاء العالم متحف الفنِّ الحديث في نيويورك وأن يأخذوا الاختيار الوارد في هذا الكتاب لمجموعة فنَّانين وصراعات، تم تحديدها تحت رعاية هذه المؤسَّسة المرموقة، كمعيار ليس فقط من أجل أبحاث أخرى.

ألم يكن المتحف سيساعد بعد ذلك في تشكيل مرجع أساسي لم يكن موجودًا حتى ذلك الحين إلَّا في الخطوط العريضة فقط؟ رفضت مؤلفات الكتاب وكذلك غلين دي لوري هذه الفكرة. وقال لوري إنَّهم قدَّموا معلومات أساسية يمكن بمساعدتها التفكير في ما يجب أن يكون عليه المرجع الأساسي. وقد صدَّقه المعنيون على الفور عندما قال إنَّه يفضِّل أن يُفهم هذا الكتاب كبداية، كدعوة للتأمل والاستمرار في البحث. لكن يبدو من الصعب تصديق أن هذا ما سيحدث في الواقع.

 

 

لينا بوب

ترجمة: رائد الباش

حقوق النشر: صحيفة فرانكفورتر ألغماينه تسايتونغ /  موقع قنطرة 2018

ar.Qantara.de