الأئمة كمفتاح لإسلام جديد؟

صدر لأستاذ الدراسات الدينية في جامعة أوسنابروك، رؤوف سيلان كتاب جديد حول الأئمة بعنوان "وعَّاظ الإسلام"، حيث يسلط الضوء على حياة الأئمة اليومية الذين لا يعرف عنهم تقريبًا أي شيء في ألمانيا ، كما يبين دورهم في تعزيز عملية الاندماج. تيلو غوشاس يعرفنا بهذا الكتاب.

صدر لأستاذ الدراسات الدينية في جامعة أوسنابروك، رؤوف سيلان كتاب جديد حول الأئمة بعنوان "وعَّاظ الإسلام"، حيث يسلط الضوء على حياة الأئمة اليومية الذين لا يعرف عنهم تقريبًا أي شيء في ألمانيا ، كما يبين دورهم في تعزيز عملية الاندماج. تيلو غوشاس يعرفنا بهذا الكتاب.

الصورة د.ب.ا
يقول رؤوف سيلان إنَّ معظم خطب الجمعة في ألمانيا تعاني من ضعف كبير في مستواها

​​ يحظى موضوع الأئمة في ألمانيا باهتمام كبير، إذ سمع عن "دعاة الكراهية" القاصي والداني وحتى الأشخاص غير المهتمين، وفي وسائل الإعلام التي تميل إلى الإعادة والتكرار يرد أنَّ الأئمة يشكِّلون حلقة وصل مهمة في تعزيز عملية الاندماج، كما يعتبرون في داخل مجتمعاتهم مثالاً يحتذى به. والموضوع الذي يعالجه رؤوف سيلان في كتابه الجديد ليس موضوعًا جديدًا، ولكن الجديد يكمن في أسلوبه الذي اتّبعه في معالجته؛ إذ يعد أوَّل من حمَّل نفسه مشقة القيام شخصيًا بزيارة لهؤلاء الأشخاص الذين يدور حولهم الكثير من الكلام.

وهذا الكتاب النفيس يتألَّف من أربعين حوارًا أجراها ويتَّضح بسرعة في الكتاب أنَّ الأئمة ليسوا رجال دين آليين لم يكن يدور ببالهم منذ بداية طفولتهم إلاَّ حياة التقوى. وعلى سبيل المثال يتذكَّر بحسرة الإمام إسماعيل زين الذي يبلغ عمره ثلاثة وأربعين عامًا، أنَّه تلقى عروضًا من نوادٍ تركية من الدرجة الأولى، ولكن تحتَّم عليه أن يترك أحلامه في احتراف كرة القدم تذهب أدراج الرياح وبضغط من والده أصبح إمامًا.

أئمة بوظائف متعدِّدة

ومن خلال مثل هذه القصص يساهم الكاتب في إزالة الصور النمطية. ولكن سيلان لا يكتفي بالوصف وحسب؛ بل يقيِّم عمل الأئمة: "لو قدِّر لي مثلما هي الحال في المدرسة أن أقيِّم التقدير العام لمتوسَّط كلِّ خطب الجمعة التي شاهدتها، ستكون نتيجتها ضعيفة؛ فغالبًا لا يبقى للمستمع أي شيء سوى تحمّل الخطبة على مضض".

غلاف الكتاب
اعتمد رؤوف سيلان على أكثر من أربعين حوارًا في كتابة هذا الكتاب الذي يعد أوَّل دراسة ميدانية حول الأئمة في ألمانيا

​​ وفي هذا الكتاب يلمس المرء أنَّ هذه الآراء غير المتشنِّجة تصدر عن شخص مطَّلع. ويعمل رؤوف سيلان أستاذًا للدراسات الدينية في جامعة أوسنابروك الألمانية، ولد في مدينة دويسبورغ لأبوين كرديين، وتعلَّم منهما اللغة التركية، التي تعدّ مفتاحه للمساجد والسلاح الفكري الذي يحمله هذا الأستاذ الحاصل على درجة الدكتوراه في العلوم الاجتماعية.

وسيلان يرسم صورة جماعية لرجال دين، غالبًا ما يتصارعون مع مهام يزيد حملها عن طاقتهم. وهؤلاء الأئمة معظمهم "مستوردون" من تركيا يأتون إلى ألمانيا للإقامة هنا أربعة أعوام، وغالبًا ما يحتاجون هذه المدة للتأقلم مع الحياة هنا. وعلاوة على ذلك، تثقل على كاهلهم أنواع من المهام التي لا يعرفونها من تركيا. وبعكس عملهم هناك، فهم لا يقومون هنا فقط بإلقاء خطبة الجمعة؛ بل يتم طلبهم أيضًا كوعَّاظ ومصلحين في الخلافات الزوجية وكمستشاري ديون ومساعدين في إنجاز المعاملات الرسمية، ويعلقون بالإضافة إلى ذلك بين "فكي كماشة" الجماعة والإدارة.

ألمانيا دولة "إسلامية" تهتم بالرفاه الاجتماعي

ولا يتعامل جميع الأئمة مع هذه المتاعب بالشكل ذاته. وسيلان يقسِّم مجموعات رجال الدين المسلمين إلى أربعة أنواع: منهم "الأئمة البروسيون"، أي الأئمة المحافظين على القيم الذين يشكِّلون حسب رأي سيلان ثلاثة أرباع جميع الأئمة. وهم يؤيِّدون التصوّرات القديمة الخاصة بدور الرجل والمرأة ويركِّزون على السلطة. ولكن من ناحية أخرى لا يتوقَّع منهم اتِّخاذ مواقف متطرفة. وذلك لأنَّ النظام الاجتماعي المتوازن الذي يدعو إليه القرآن، يعدّ من أعلى قيمهم. ويقول أحدهم: "الدولة الألمانية تطلق عليه اسم المساعدة الاجتماعية، ولكنها تقوم من حيث المبدأ بتنفيذ واجب إسلامي". وبالتالي يبدو الإسلام هنا مختلفًا تمام الاختلاف، إذ تعتبر ألمانيا كونها دولة تهتم بالرفاه الاجتماعي من وجهة نظر "الأئمة البروسيين" إسلامية أكثر من تركيا.

تجديد الفكر الإسلامي

رؤوف سيلان  الصورة د.ب.ا
يدعو رؤوف سيلان إلى تعليم الأئمة في ألمانيا ويرى أنَّ اختصاصات تعليم الأئمة في الغرب يمكن أن تعمل حتى على "دفع علوم الفقه في البلدان الإسلامية".

​​ وكذلك يشكِّل الأئمة السلفيون، "دعاة الكراهية"، مجموعة نوعية. ومع أنَّ تصوير سيلان لانزلاقهم إلى التطرّف الديني يبدو مفيدًا ومحزنًا، إلاَّ أنَّ هذا الجزء يعد الجزء الأقل انفرادًا وابتكارًا في هذا الكتاب. فقبل فترة طويلة من صدور كتاب سيلان، حاولت مجموعات من الصحفيين وبتحمس يقارب التحمّس الديني تتبّع سيكولوجيا "دعاة الكراهية" وتطوّرهم المهني، وهنا من الصعب إضافة شيء جديد.

وتختلف الحال تمامًا لدى نوع "الأئمة الهجوميين المثقفين"، الذين يكوِّنون لأنفسهم صورة مستقلة وعقلانية عن الإسلام. ويلاحظ سيلان كيف تنعزل هذه الطليعة من الأئمة عن الجماعات التي يجدونها قديمة الطراز للغاية ويقومون بتأسيس أوساط جديدة خاصة بهم - أوساط يفصلون أنفسهم من خلالها عن غالبية المسلمين الألمان؛ وهذه قوة مجدِّدة، ربَّما لا تنتهي على هذا النحو بشكل تام، لكنها تبقى محدودة جدًا. وهنا تعتبر عبارة أنَّ "الجيل الشاب سوف يصحِّح ذلك" عبارة خاطئة ومؤلمة.

والمخرج الوحيد حسب رأي سيلان يكمن في الغرب الذي يجب عليه تعليم الأئمة بنفسه. ليس من أجل العبث مثلاً ومن جديد بطريقة ما في موضوع الاندماج. وسيلان يهتم بمجمل الموضوع ويطالب بضرورة إعادة الفكر في الإسلام، ويقول إنَّ الأئمة مفتاح لهذا الأمر. ويضيف أنَّه حتى جامعة الأزهر في القاهرة تعد منذ فترة طويلة "متجمِّدة دراسيًا". وحتى إنَّ اختصاصات تعليم الأئمة في الغرب يمكن حسب رؤية سيلان الجريئة أن تعمل في آخر المطاف على "دفع علوم الفقه في البلدان الإسلامية".

تيلو غوشاس
ترجمة: رائد الباش
مراجعة: هشام العدم
حقوق النشر: قنطرة 2010

رؤوف سيلان Rauf Ceylan، وعَّاظ الإسلام Die Prediger des Islam، صدر عن دار نشر هيردر Herder، فرايبورغ 2010.

قنطرة

برامج تأهيل الأئمة في ألمانيا وفرنسا:
تأهيل تتنازعه متطلبات الاندماج والعقليات السائدة في المساجد
انطلقت في ألمانيا وفرنسا بشكل متواز برامج تأهيل أئمة المساجد وتبدو أهدافها متوافقة في البلدين كالتأكيد على اللغة والاندماج، لكن الواقع يظهر أن التجربتين متفاوتتين. منصف السليمي يسلط الضوء على هذه القضية.

نحو اندماج أئمة المساجد في ألمانيا:
برامج تدريبية لتعريف الأئمة بالحياة السياسية الألمانية
في ضوء حقيقة أن معظم أئمة المساجد في ألمانيا هم من الوافدين من تركيا أطلقت ولاية ألمانية برامج تدريبية وتأهيلية لهؤلاء الأئمة لتعريفهم بالنظام الاجتماعي والسياسي في ألمانيا وكذلك العمل على تحسين لغتهم الألمانية من أجل أن تكون المساجد منابر للاندماج الإيجابي. ميشائيل هولينباخ يعرفنا بهذه التجربة.

الإسلام في ألمانيا:
تهويل في الرؤية القائمة تجاه هذا الدين
الصورة: أ ب فيما يتواصل الجدل في ألمانيا حول "المسلمين" و"الإسلام" فإن ذلك يتزامن مع تهميش تام للنظرة القائمة إلى عدد كبير من المشاكل الراهنة كوضع المهاجرين سواء من الزاوية القانونية أو الاقتصادية. مقال بقلم مارك تيركيسيديس.