أركيولوجيا الإيروتيكا في العالم العربي والإسلامي

"كتاب الوشاح فى فوائد النكاح" -منسوب لعالم مصري من القرن الـ 15: جلال الدين السيوطي- يستكشف تعدد شركاء الجنس في ظل قيود مجتمعية بالعالم العربي-الإسلامي. فيه سيناريوهات شهوانية تثير تخيلات ذهنية. ورغم اشتراك السيوطي في "تفسير الجلالين" -تفسير سُنِّي كلاسيكي للقرآن- فهو عالم إيروتيكا وفير الإنتاج بعقلية متحررة جنسياً. الناقد شريف دعيميش يقارن لموقع قنطرة بين الشرق والغرب عبر هذا الكتاب وترجمته.

الكاتبة ، الكاتب: Sherif Dhaimish

بعد عقد أو ما شابه من ترجمة المستشرق الشهير ريتشارد بيرتون لكتاب محمد بن محمد النفزاوي "الروض العاطر في نزهة الخاطر (1886)"، أصبح مترجم آخر مجهول أول من قدّم وقيّم نقدياً للجماهير الناطقة بالإنكليزية نصاً شرق أوسطي آخر مثيراً للجدل وغامضاً: "كتاب الوشاح فى فوائد النكاح" أو "الإيضاح في علم النكاح بالتمام والكمال"، وهو مجموعة من الإيروتيكيا من القرن الخامس عشر الميلادي.  وعلى الرغم من وجود الكثير من الخلاف حول مؤلف العمل، سواء في أوساط الباحثين الغربيين أو الشرق أوسطيين على مر القرون، فإنه يُنسب الفضل في "كتاب الوشاح فى فوائد النكاح" في أيامنا هذه إلى عالم مصري من القرن الخامس عشر يُدعى جلال الدين السيوطي (1445-1505). ورغم أن أكثر ما قد يكون معروفاً بتأليفه هو اشتراكه في "تفسير الجلالين"، التفسير السني الكلاسيكي للقرآن، فقد كان السيوطي أيضاً عالم إيروتيكا وفير الإنتاج، كتب ما يزيد عن ثلاث وعشرين دراسة حول مختلف جوانب الفنون الجنسية. 

"بائعة فخار مصرية بالقرب من الجيزة" لِـ إليزابيث جيرشهاو باومان، عام 1876.
الأنوثة الوحشية: وعاء لملذات الذكر، وغالباً ما يُذكر "تعدد شركائها الجنسيين" على أنه من أعراض فساد واعتلال أنثوي. وقد استُخدِم إضفاء طابع فرط النشاط الجنسي هذا على الأنثى الشرقية كاستراتيجية بلاغية لزيادة الطبيعة الملائكية لنظيرتها الغربية.

وتمثل عشرات القصص التي يقدّمها في "كتاب الوشاح فى فوائد النكاح" استكشافاً لتعدّد شركاء الجنس في ظل القيود المجتمعية في العالم العربي-الإسلامي، باستخدام سيناريوهات فاجرة وشهوانية لتحفيز وإثارة التخيلات في عقل القارئ. كما تستكشف قصصٌ صريحة ومبتذلة في بعض الأجزاء -مثل "التحول الغريب الذي حلّ بشوكة مؤمن"- المحرّماتِ الجنسية في الثقافة الإسلامية. ففي هذه الحكاية، يصلي رجل إلى الله لعلاج ضعف الانتصاب لديه، وتتحقق رغبته. وحين تواجه زوجته براعته الفائقة في "ليلة القدر"، تخبره فوراً: "إذا استمر سلاحك هذا هكذا، فيجب أن تنطق أمامي كلمات الطلاق، وتتركني لأذهب". وذلك لأن عضوه الذكري الآن "مستقيم كعمود لن يُظهِر مرونة، ولن يُظهر نفسه قادراً على قوة الليونة والحركة، ولا على الراحة". ولا ينبغي القول إن الرجل فشل في الربح في ليلة القدر. "الاستغلال الجنسي" في القرن الخامس عشر الميلادي أما قصص أخرى مثل "المرأة التقية وما حصل لها من الخلف" فلا لبس في محتواها إلى حد ما. كما تختلف العروض في الطول: من بضع جمل إلى بضع صفحات، ولكنها كلها تنبع بشكل واضح من عقل متحرر جنسياً. وهذه القصص، التي تجري داخل أوساط اجتماعية ومحلية عادية، هي شبيهة بأفلام الاستغلال الجنسي البريطانية في سيتينيات وسبعينيات القرن الماضي، التي أتاحت للعامة تخيّل اللقاءات الجنسية اليومية؛ ولكن هنا يُستبدَل منظفُ الزجاج وبائعُ الحليب الشبق ببائعِ زيت الزيتون، والمومسِ والفلاح.وفي سلسلة من ثلاثمئة نسخة فقط، سعى المترجم -المعروف فقط بـ "البوهيمي الإنكليزي"- إلى تقييم العمل بشكل نقدي ووضعه في سياقه الأدبي والتاريخي. فبالإضافة إلى مقدمة شاملة، ضمّ الإصدار أيضاً قسماً واسعاً بعنوان "تذييلات"، يقدّم مَلاحقاً لملاحظات ونصوص قصيرة إيروتيكية أخرى، بما في ذلك مقالة لريتشارد بيرتون حول اللواط (والتي ترد أيضاً في ترجمته عام 1885 لليالي العربية [ألف ليلة وليلة]). وقد نُشِرت هذه الطبعة من كتاب الوشاح فى فوائد النكاح أولاً في أواسط بيل إيبوك (الزمن الجميل)، وهي فترة ممتدة بين نهاية الحرب الفرنسية-البروسية [الألمانية] في عام 1871 وبداية الحرب العالمية الأولى في عام 1914. كانت فرنسا وأوروبا الغربية بصفة أعم، مفعمة بالتفاؤل، وكانت المثاليات الأوروبية الشاملة، تجتاح القارة. بيد أن المواقف تجاه الجنس، بقيت محافظة نسبياً. 

"مهمة المرأة: الرفيق إلى الرجولة" لِـ جورج إلغار هيكس.
يكتب دعيميش عن الأعراف الجنسية في بيل إيبوك (الزمن الجميل): "فوفقاً لإدوارد سعيد، كانت أوروبا تعاني من "برجزة متزايدة"، مشيراً إلى مأسسة الجنس؛ أما الشرق، من ناحية أخرى، فأصبح على ما يبدو مكاناً يمكن للمرء فيه أن يبحث عن تجارب جنسية خليعة مرفوضة في أوروبا".

 

قُيِّدت الجنسانية وحُمِّلت بالذنب - اعتُقِد أن ممارسة العادة السرية تضر بالصحة العقلية والبدنية، وكان يجري الحديث عن الجماع بوصفه فعلاً رصيناً لا ينبغي أن ينحرف إلى أي مسارات غريبة. كما كانت الفكرة السائدة أن قذف الذكر خارج الجنس الزوجي يُسبّبه "نَزُّ المني" [المَذي: سائل يخرج من الذكر عند الملاعبة والتقبيل]؛ وأولئك الذين شُخِّصوا بذلك كانوا يُجبَرون على الختان أو الخصي أو ارتداء حزام العفّة، وهو نوع من درع معطِّل للعضو الذكري فقط. استقطاب جنسانية الأنثى مالت جنسانية الأنثى إلى أن تكون مُستقطبة: إما ملائكية أو وحشية. وقد قُدِّسَتْ هشاشة المرأة الفكتورية وطُهرُها في العبارة النمطية "ملاك البيت"، وهي صورة عُمِّمت على نطاق شعبي من خلال القصيدة السردية لكوفنتري باتمور التي نشرها في عام 1854 تحت العنوان ذاته. وعُدَّتْ الأنثوية المكرَّسة للحياة المنزلية عظيمة وكانت جنسانيتها عملية. ومن ناحية أخرى، كانت الأنوثة الوحشية وعاءً لملذات الذكر، وغالباً ما يُذكَر "تعدد شركائها الجنسيين" على أنه من أعراض فساد واعتلال أنثوي. وقد استُخدِم إضفاء طابع فرط النشاط الجنسي هذا على الأنثى الشرقية كاستراتيجية بلاغية لزيادة الطبيعة الملائكية لنظيرتها الغربية. ويرفض إدوارد سعيد، في كتابه المؤثر "الاستشراق" (1979)، الاعتراف بالمؤلفين المذكورين لإرساء الأُسس للثنائية الثقافية المؤذية: شرق/غرب. فوفقاً لسعيد، كانت أوروبا تعاني من "برجزة متزايدة"، مشيراً إلى مأسسة الجنس؛ أما الشرق، من ناحية أخرى، فأصبح على ما يبدو مكاناً يمكن للمرء فيه أن يبحث عن تجارب جنسية خليعة مرفوضة في أوروبا. في تعليقه ومقاله الافتتاحي، يصور البوهيمي الإنكليزي "علم الجنس الشرقي" بوصفه بديلاً للخليعين/المتعيين (مذهب المتعة) الطموحين. وفي غضون هذه العملية، يقدّم بعض الادّعاءات الجريئة بصورة لا تصدّق؛ بل جريئة جداً في الحقيقة، وكأنما ليضفي بعض الشك على صلاحيتها.فهو يقارن -أو بالأحرى يستقطب- مواقف الشرق والغرب تجاه الجنس والزواج، بما في ذلك تعدد الزوجات: "بعيداً عن كون [مكان] الحريم سجناً للزوجات، فهو مكان حرية، حيث يُعامَل الزوج على أنه متطفّل"، مستنتجاً أن ذلك يمكّن ويحرّر النساء وأنه ليس "مِطفَأة الحب" التي تُدرَك في الغرب بأنها ولا حتى ينبغي أن تُربَط بعقلية رجعية. تمرد ثقافي شخصي بيد أنه يصعب الجزم إن كان يؤمن حقاً بتأكيداته الخاصة به، التي، وفي بعض الأحيان، في رفعها للشرق على الغرب، تبدو مُحفَّزة أكثر بالرغبة في التمرد ضد مجموعة القوانين السائدة لثقافته الخاصة، وليس بتقديم صورة دقيقة لثقافة أجنبية. ولا يقتصر البوهيمي الإنكليزي على الشرق فقط في بحثه حول الجنسانية. بل يقدّم نظرة متعمّقة في العادات الجنسية للأراضي الأخرى التي يدّعي أنه سافر إليها وبحث فيها بصورة واسعة بوصفه ممارساً سابقاً للطب: من لوانغو إلى الأزتك، ومن بارغواي إلى ساموا، ومن أوروبا إلى شبه الجزيرة العربية ، فيصف التنوع في المعاني المرتبطة بفقدان المرأة لعذريتها. قد تبدو المنهجية المختلطة المطبقة للحصول على هذه البيانات عتيقة اليوم، ولكن استنتاجه معاصر بصورة لافتة للنظر. 

 لو أن الرجال في اختيار شريكة حياتهم شدّدوا على عذرية القلب وطُهر الروح، بدلاً من البحث بكثير من الفضول المرضي عن بقع الدم على الملاءات أو على الملابس الداخلية، فكم من خيبات أقل سيجدون في الزواج، وأكثر بكثير من ذلك: سعادة حقيقية! جُذِب البوهيمي الإنكليزي إلى الشرق من خلال النصوص المغرية التي كان مولعاً بها بشدة، والتي أدت به بشكل حتمي إلى ترجمة "كتاب الوشاح فى فوائد النكاح"، رغم أنه لا يعدو عن كونه مجرد مجموعة قصص إباحية، وبصرف النظر عن مقدمته، وحواشيه الغزيرة أو القيمة المستقلة للمجموعة بالنسبة للناقد، فإن كتاب الوشاح فى فوائد النكاح يبقى واحداً من أفضل الأمثلة الأدبية على العبثية وراء ما كان ذات يوم حقل دراسة مزدهر، ومع ذلك حقلاً إشكالياً إلى حد كبير.   شريف دعيميشترجمة: يسرى مرعيحقوق النشر: موقع قنطرة 2018ar.Qantara.de