أمل في المجتمع المدني الصومالي بعد عقدين من الأزمات

لنحو 20 عاما كانت الصومال تعد دولة فاشلة، وفي كتابه "الصومال: قراصنة وأمراء حرب وإسلاميون" يفتش مارك إنغلهارت، الذي عمل لفترة طويلة مراسلاً صحفياً في إفريقيا، عن الأسباب المعقدة التي أدت إلى تفكك هذا البلد الواقع القرن الإفريقي. لاورا أوفرماير تعرض لموقع قنطرة قراءتها التالية لنسخة الكتاب الألمانية.

الكاتبة ، الكاتب: Laura Overmeyer

الصومال بلد يشبه كتاباً غامضاً. يراه البعض بلداً سقط في حالة من الفوضى والعنف بعد ما يزيد عن 20 عاما من غياب حكومة فعلية: دولة قبلية، لا تزال الانتماءات العشائرية فيها فوق الحق والقانون. بينما يصور البعض الآخر الصومال مرتعاً للجماعات الإسلامية المسلحة وموطناً للقرصنة ومركزاً لكوارث المجاعات.

زار مارك إنغلهارت بين عامي 2004 و 2010 هذا البلد الذي تعصف به الأزمات في منطقة القرن الإفريقي عدة مرات وكوّن بنفسه صورة ميدانية عن الأحوال هناك. في كتابه يحاول إنغلهارت تقديم عرض تاريخي للصراعات السياسية والعسكرية المعقدة في الصومال وتحليلها.

بلد بين الإرهاب والفوضى

في بداية كتابه الذي يعد بمثابة تقرير صحفي يصف الكاتب، الذي عمل مراسلاً بإفريقيا لفترة طويلة، الطريق الصعب الذي مرت به الصومال منذ استقلاله عام 1961، ثم حكم سياد بري الديكتاتوري الذي استمر لسنوات طويلة وانتهاءً بطرده على يد جماعات المتمردين عام 1991. وأعقبت ذلك حرب أهلية طويلة استمرت لمدة 13 عاما، وارتبطت بأعمال إرهاب وفوضى: إذ يقاتل أمراء الحرب من أجل السلطة في الدولة والمجتمع، الذي يرعى الجريمة المنظمة، ولا سيما تهريب الأسلحة والمخدرات.

شهدت القرصنة نشاطا ملحوظا هائلا وسرعان ما شكّلت القطاع الاقتصادي الأكثر أهمية في إقليم أرض البنط "بانت لاند" شبه المستقل في شمال شرق الصومال، وهو ما أفزع الكثير من الدول الصناعية الغربية. ونادرا ما يستفيد القراصنة أنفسهم من الفدية التي يطالبون بها، ولكن المستفيد الحقيقي هم الداعمون الأقوياء الذين يقفون وراءهم. كما يحصل زعماء العشائر والسياسيون والإسلاميون وغيرهم من أصحاب النفوذ على نصيبهم من الفدية.

ولا يكفي وجود السفن الحربية الدولية في خليج عدن وحدها للسيطرة على الوضع هناك. ويقول إنغلهارد: "لا غرابة في ذلك! فالسلام النهائي لن يسود عرض البحر، إلا إذا تحقق السلام والاستقرار وبعض الرخاء في الصومال، ولكن لا أحد يريد أن يتحمل العواقب." فالغزو البري يمكن أن يحد من القرصنة بسرعة وفاعلية - ولكن ليس هناك أي جيش غربي يرغب في المخاطرة بحياة جنوده في حرب برية.

شكّلت القرصنة القطاع الاقتصادي الأكثر أهمية في إقليم أرض البنط "بانت لاند" شبه المستقل في شمال شرق الصومال، الأمر الذي أصاب الكثير من الدول الصناعية الغربية بالفزع.

صعود ميليشيا حركة الشباب

شهد مسرح السلطة السياسية تحولاً في شهر يونيو/ حزيران من عام 2006. فقد تمكن "اتحاد المحاكم الإسلامية" من طرد أمراء الحرب من مقديشو. وقد عاد بالفعل الاستقرار والأمن لفترة قصيرة، وتنفس الشعب الصعداء.

المفاوضات التي طالبت أوروبا بإجرائها مع الحكومة الانتقالية التي تشكلت في عام 2004 رفضتها هذه الحكومة رفضا باتا. وتلقت الحكومة دعما من إثيوبيا المجاورة والولايات المتحدة، التي تستحضر دوما فزاعة مخاطر "طلبنة" الصومال.

وبعدها ببضعة أشهر، دخلت القوات الإثيوبية الصومال وقامت بطرد "اتحاد المحاكم الإسلامية"، ما أثار الانتقادات على المستوى الدولي. ويقتبس إنغلهارد كلام الباحث في العلوم الإسلامية علي مزروعي: "لقد ضمن الإسلاميون تحقيق الأمن في الصومال على نحو أفضل بكثير مما كان عليه الوضع قبل أكثر من عقد من الزمان، ولم تكن هناك أية دلائل على أن المحاكم الإسلامية يمكن أن تتحول إلى خطر سياسي".

التدخل العسكري الإثيوبي المثير للجدل من وجهة نظر القانون الدولي أدى بالطبع إلى تطرف الإسلاميين في الصومال وبالتالي تصاعد وتيرة العنف. ويقف جنود إثيوبيا والجنود الصوماليون وكذلك القوات الأوغندية التابعة لبعثة الاتحاد الإفريقي في الصومال (أميسوم) في مواجهة مع الميليشيات الاسلامية، وفي مقدمتهم ميليشيا حركة الشباب، التي تتعاون مع عشائر مختلفة.

وجود القوات الأجنبية أعطى المتشددين الاسلاميين دعما شعبيا في البداية، وحتى نهاية عام 2008 كانت الصومال كلها تقريبا خاضعة لسيطرة الإسلاميين. وفي مايو / أيار 2009 بدأ الصراع على مقديشو، واستمر لمدة عامين وتزايد عدد الضحايا في صفوف المدنيين وكذلك عدد اللاجئين على نحو مأساوي.

الإسلاميون المتطرفون من ميليشا حركة الشباب الإسلامية في حربهم الدفاعية: في صيف عام 2011، نجح التدخل العسكري الذي قامت به القوات التابعة للاتحاد الإفريقي في الصومال (أميسوم) في طرد المقاتلين الإسلامويين من العاصمة مقديشو.

استهداف من قِبَل مَن يعتبِر نفسه مظلوما

يؤكد إنغلهارد أنه: "ربما ليس هناك مكان في العالم في حاجة ماسة إلى المساعدة العاجلة كما هو الحال في الصومال". ووفقا لبيانات الأمم المتحدة فإن هناك أربعة ملايين صومالي في حاجة إلى المساعدة، ولا يتضمن هذا الرقم أكثر من مليوني لاجئ في الدول المجاورة. ما يهدد حياة السكان ليس فقط استمرار الحرب الأهلية، ولكن أيضا نوبات الجفاف والمجاعات المتكررة الناجمة عن تغير المناخ. ففي عام 2011 مات عشرات الآلاف إثر المجاعة التي اجتاحت منطقة القرن الإفريقي.

ولم تواجه المساعدات الإنسانية في الصومال تحديات فحسب كالاضطرار إلى إجراء عمليات طبية جراحية في مناطق يجتاحها العنف، و خطر تعرض الموظفين الأجانب للخطف مثلا، وإنما ظهرت أيضا معضلة سياسية، وعن هذا يقول إنغلهارد: "من يستطيع توفير الغذاء يكسب الشعب إلى صفه سريعا".

وعمال الإغاثة يجب أن يكونوا على الحياد وأن يتعاونوا مع جميع الأطراف. "وإذا بدا لأي شخص وجود أية إشارات على التحيز، يجد عمال الإغاثة أنفسهم سريعا هدفا لنيران هؤلاء الذين يعتبرون أنفسهم مظلومين، بالمعنى الحرفي للكلمة".

كتاب مارك إنغلهارت: "الصومال: قراصنة وأمراء حرب وإسلاميون" هو نظرة نقدية على فشل السياسة الغربية في منطقة القرن الإفريقي.

ينسق معظم الموظفين الأجانب عملهم من نيروبي، ويعتمدون على دعم الموظفين المحليين في الصومال. وهؤلاء الموظفون يتعرضون بدورهم لخطر دائم، إذ يشتبه فيهم في كثير من الأحيان، ولا سيما من قبل الإسلاميين المتطرفين الذين يتهمونهم بالتجسس لصالح الغرب، ويأمرون باستهدافهم وقتلهم.

أبطال صغار

في أغسطس/ آب من عام 2011، تم زيادة عدد أفراد القوات التابعة لبعثة الاتحاد الإفريقي في الصومال (أميسوم)، وبعدها انسحبت الجماعات الإسلامية المسلحة من مقديشو. ولكنهم كانوا آنذاك قد خسروا بالفعل تأييد الصوماليين لهم منذ زمن طويل بسبب تفسيرهم الصارم للشريعة وترويعهم للمدنيين. وفي نفس الوقت اجتاحت القوات الكينية الجنوب، وقاتل الجيش الإثيوبي في وسط الصومال. وفي أواخر سبتمبر/ أيلول 2011 تمت السيطرة على كيسمايو آخر معقل لحركة الشباب الإسلامية.

وبذلك يبدو أنه قد تم القضاء على تهديد الحركات الإسلامية. لكن هل تجاوزت الصومال بذلك الأسوأ بالفعل؟ يعقد إنغلهارد أمله على السكان الشباب المدنيين ويقول: "الشعب الصومالي ينتظر منذ أكثر من عقدين من الزمن كي يعود السلام إلى الصومال. لقد كانوا مثابرين ولكنهم الآن يصرون على التغيير، ولن يكون الطريق سهلا، ولكن الأبطال الصغار يبثون الشجاعة والأمل في أن العقد الثالث بعد هروب سياد بري قد يكون مختلفا عن العقدين السابقين".

هؤلاء الأبطال هم أيضاً من يهدي إليهم إنغلهارد كتابه. بل إنه في كثير من الأحيان ينقل فيه كلاما على لسانهم ويعرض بعضا من قصصهم الفردية الشجية والمؤثرة. مع أن كثرة عدد الآراء قد يسبب الارتباك أحيانا، ولكنه يعطى المصداقية لتقارير إنغلهارد في كتابه.

الملفت للنظر هو نظرة إنغلهارت الناقدة على فشل السياسة الغربية في منطقة القرن الإفريقي، وبخاصة تركيزه على الأخطاء العسكرية والدبلوماسية. ويوضح إنغلهارت أن التدخل العسكري الأمريكي في الصومال في التسعينيات لم يكن هدفه الإطاحة بأمراء الحرب، وإنما كان هدفه تأمين اتفاقيات استخراج النفط المبرمة مع الصومال في عهد سياد بري.

 

لاورا أوفرماير

ترجمة: صلاح شرارة

تحرير: علي المخلافي

 حقوق النشر: قنطرة 2013

 

كتاب مارك إنغلهارت: "الصومال: قراصنة وأمراء حرب وإسلاميون"، دار نشر برانديس & أبسل 2012، 248 صفحة، الرقم التسلسلي العالمي: 978-3-86099-892-2