الكوميديا الساخرة تكَرِّس التآلُف وتمد جسور التفاهم بين الأديان

للمرة الثالثة يقيم الفنَّان الكوميدي يورغن بيكر أمسية في مسجد المركز الإسلامي بمدينة دويسبورغ الألمانية حول الأديان، بأسلوب ظريف مفعم بروح الفكاهة، لتجمع الضحكة المشتَركة الناسَ على اختلاف أديانهم وتكسر الجليد فيما بينهم وتشجِّعهم على التحاوُر. لاورا أوفرماير حضَرَت الأمسية وتطلعنا على فحواها.

الكاتبة ، الكاتب: Laura Overmeyer

يقول مَثَلٌ معروف في مدينة كولونيا "كلّ مُهَرِّج يختلف عن الآخر"؛ أي كل إنسان يختلف عن الآخر من حيث القناعات والتوجُّهات. وقد جعل أهالي منطقة نهر الراين الألماني هذه الفكرة التي تعبِّر عن التسامح شعارًا أساسياً لهم، بل ووجدت مكانًا لها في دستور هذه المنطقة حتى وإن كان إدراجها في الدستور تمَّ كمادة إضافية.

وها هو الفنَّان الكوميدي يورغن بيكر، الذي يُعَدّ حجر أساس فنّ الكباريه والمسرح الفُكاهي في مدينته كولونيا الألمانية، يتَّبع مفهوم هذا الشعار، موسّعاً مجال التآلُف بين الناس ليتجاوز آفاق التسامح الذي يشيع عادةً في أوساط المشاركين في كرنفال كولونيا المفعم بالمشروبات الكحولية، وذلك من خلال اهتمامه بحوار الحضارات والتحاوُر بين الأديان.

ويتساءل يورغن بيكر: كيف يمكن للأديان أن تتقارب بشكل أفضل وبصورة فكاهية مرحة؟ لا سيما وأنَّ الضحكة المشتركة تجمع الناس وتكسر الجليد فيما بينهم وتشجِّعهم على بدء الحوار والنقاش.

لقد تعلَّم المسيحيون الغربيون في الأعوام الأخيرة، في ألمانيا مثلاً، استخدام السخرية من الذات، وصار "مسرح الكنيسة الساخر"يتمتَّع في أوساطهم بشعبية متزايدة. كما عُرِفَت التقاليد اليهودية في ألمانيا منذ القِدَم "بروح فكاهتها باللهجة اليديشية". ولكن في الإسلام تبدو الصورة العامة أكثر صرامةً وجديَّة.

يورغِن بيكَر أمام مسجد المركز الإسلامي في حيّ ماركسلو بمدينة دويسبورغ الألمانية. WDR
روح الفكاهة سبيل للحوار - يسعى الفنَّان الكوميدي يورغن بيكر من خلال مسرحه الساخر "كوميديا ساخرة على أعتاب المآذِن" إلى المساهمة في الحوار بين الأديان والثقافات ومواجهة الصور النمطية الشائعة حول المهاجرين.

​​

مع المسلمين

ولكن مع ذلك رأى يورغن بيكر أنَّ الجميع قادرون على التعلّم وأنه ينبغي أيضًا إثبات ذلك، وتساءل لماذ لا يقوم بإحياء أمسية مسرحية ترفيهية في أحد المساجِد، تَسخَر من الصور النمطية وتسعى للمزيد من التفاهُم؟ وهكذا وُلِدَت فكرة "كوميديا ساخرة على أعتاب المآذِن".

وفي هذا السياق أقام مسجد المركز الإسلامي في مدينة دويسبورغ يوم الثلاثاء الماضي وللمرة الثالثة أمسية وصفها يورغن بيكر وصفًا دقيقًا للجمهور بقوله إنها: "ستجعلكم تخلعون أحذيتكم"، في إشارة منه إلى الدخول إلى المسجد.

سَجَّلَت قناة التلفزيون الألماني لولايات غرب ألمانيا WDR الفعالية وعرضتها في يوم السبت الأوَّل من شهر كانون الأوَّل/ ديسمبر 2012. وجدير بالتنويه أنه لم يتم إحياء الأمسية في داخل المكان المخصَّص للصلاة، بل في صالة المنتديات واللقاءات الواقعة في الطابق السفلي للمسجد.

وعلى الأرجح أنَّ هذه هي أوَّل زيارة لمسجد بالنسبة لمعظم الحضور الذين كان أغلبهم من الألمان. وأحيا هذه الأمسية أربعة فنَّانين مسرحيين من أصول تركية - وجميعهم يتقنون السخرية من الصور النمطية الشائعة حول الأجانب في ألمانيا. وفي هذا العمل لا يمكننا أن نتوقَّع الحصول على معلومات دينية أو ثقافية عميقة، بل هو عمل ترفيهي ممتع.

حوار الأديان بطريقة مختلفة

وقد ظهر بوضوح عندما دعا يورغن بيكر ثلاثة ممثِّلين عن الأديان السماوية الثلاثة (الإسلام واليهودية والمسيحية) إلى الحديث على المسرح أنَّ الأعمال الترفيهة ذات المستوى الرفيع وكذلك الحوار وروح الفكاهة من الممكن أن يتوافق بعضها جيداً مع بعض.

وأقيمت بعد البرنامج الترفيهي ندوة شاركت فيها زهرة يلماز، رئيسة منتدى اللقاء في مسجد المركز الإسلامي، والممثِّلة والمخرجة اليهودية أدريانا ألتاراس، بالإضافة إلى العالم اللاهوتي مانفريد لوتس الذي يعمل طبيبًا ومديرًا لمستشفى ألكسيانر الكاثوليكي في مدينة كولونيا.

وقد نوقشت وعلى نحو ممتع أوجه الاختلاف والقواسم المشتركة، وكذلك المبادئ والآراء بالإضافية إلى نقاط التنازُع والترابُط- وتم تناول هذه الموضوعات من وجهة نظر "المتديِّنين" وكذلك أيضًا من وجهة نظر المراقبين المنتقدين. وامتزج كلّ ذلك بروح الفكاهة وتعليقات ظريفة مضحكة، وخاصة من جانب المشرف على الندوة الذي يقف على "أرض محايدة" دينيًا.

وتم طرح موضوع النقاشات والخلافات الاجتماعية، مثل الحروب الدينية (وكان السؤال المطروح "إذا كان للأديان جذور مشتركة، فما سبب تضاربها الدائم؟")، وأيضاً موضوع التظاهُر بالحشمة الدينية (وقيل مثلاً: "الرغبة تعني فقدان السيطرة وكذلك الضحك والفكاهة يعنيان نوعًا من فقدان السيطرة").

وتطرَّق الحديث أيضًا إلى التطوّرات الجديدة الطارئة على الأديان، ووصفها لوتس مانفريد بأنَّها "دين بديل". وفي هذا الصدد طرح السؤال التالي: هل يمكننا على سبيل المثال وصف مشجِّع متحمِّس لنادي إف سي كولونيا بأنَّه من أتباع ديانة ما؟

وحول ذلك قال يورغن بيكر إنَّ "المشجِّع المتحمِّس على أية حال يغنِّي ويبكي ويصلي على الأقل تمامًا مثلما يفعل البعض في الصلاة". وتقبَّل ممثِّلو الأديان الثلاثة وجود مثل هذه الولاءات البديلة، غير أنَّهم كانوا متّفقين مع مانفريد لوتس في رأيه: "أنا أؤمن بإله واحد أحَد وكلّ شيء آخر لا يعنيني".

كما تناوَلَ النقاشُ أيضًا موضوع الختان الذي كَثُر حوله الجدل في ألمانيا. وأقرَّت الممثِّلة عن الديانة اليهودية أدريانا ألتاراس بأنَّ الأفضل ضمن سياق الجدل الدائر حول موضوع الختان في ألمانيا أن يتم نقاش هذا الموضوع داخل الدين، ولكن من المهم أيضًا أن لا يتم فرض مثل هذه الدوافع من الخارج، بل ينبغي أن تأتي من الداخل.

يورغِن بيكَر وأدريانا ألتاراس ومانفريد لوتس وزهرة يلماز في مسجد المركز الإسلامي. WDR
الضحكة المشتركة تجمع الناس وتكسر الجليد وتشجِّع على بدء الحوار - أقرَّت زهرة يلماز (أقصى يمين الصورة) بأنَّ هناك حاجة للعمل فيما يتعلق بالتفكير في الذات وروح الفكاهة، بينما تعتقد أدريانا ألتاراس أنَّ روح الفكاهة باللهجة اليديشية تطوَّرت ردًا على قواعد الديانة اليهودية الصارمة.

​​

الحاجة إلى التجديد

وأخيرًا وضعت أدريانا ألتاراس النقاط على الحروف من خلال قولها إنَّ "جميع الديانات بحاجة إلى التجديد". وأقرَّت بأنَّ هناك حاجة للعمل في مجالات كثيرة، وخاصة فيما يتعلق بالتفكير في الذات وروح الفكاهة، وقالت: "الأجدر بكلِّ ديانة في الواقع أن تتحمَّل قدرًا أكبر بقليل من روح الفكاهة. والأديان طاعنة في القدم وبإمكانها تحمّل ذلك".

وعلى ذلك علّق مانفريد لوتس بقوله إنَّ لروح الفكاهة والأديان قواسم مشتركة كبيرة: "ومن خلالهما ينظر المرء إلى أي وضع من الخارج"، أو بحسب تعبير يورغن بيكر: من خلالهما ينظر المرء إلى الأمور بشكل مختلف عما يوحي به العقل.

وخرجنا من هذه الأمسية بمعرفة أخرى مفادها أنَّ كلَّ ديانة يمكنها بهدوء أن تستفيد قليلاً من الديانة الأخرى. وهكذا أقرَّ مانفريد لوتس بأنَّه معجب بثقافة النقاش اليهودية (وعلى حد وصفه "تجد يهوديَين اثنين بثلاثة آراء") وهو معجب أيضًا بالانضباط في الإسلام الذي تبرزه المواظبة على الصلاة.

ذكرت زهرة يلماز أنَّ الإسلام بحاجة من دون ريب لقدر أكبر قليلاً من صورة الله الرحيم المحب، وذلك لأنَّ التصوّر الشائع عن الله في الإسلام أنَّه شديد العقاب.

ومن ثم خلصت زهرة يلماز إلى أنَّه من الأجدر في الواقع أن يحدِّد كلّ شخص بنفسه الطريق الأنسب بالنسبة له - سواء كان ذلك مع أو من دون الدين.

وذلك لأنَّ كلَّ إنسان لديه شيء إلهي وبناءً على ذلك فهو يستحق الاحترام، على حد تعبير هذه السيدة المسلمة. ومن ناحيته عبَّر يورغن بيكر عن هذا النداء من أجل التنوّع الديني بكلماته وبلهجة مدينته كولونيا: "كلّ مهرج يختلف عن الآخر"، أي أن لكل إنسان قناعاته وتوجُّهاته.

 

لاورا أوفرماير
ترجمة: رائد الباش
تحرير: علي المخلافي
حقوق النشر: قنطرة 2012

عرضت قناة التلفزيون الألماني الغربي WDR تقريرًا عن أمسية "كوميديا ساخرة على أعتاب المآذِن" ضمن سلسلة "ألمانيا ورشة بناء"  في الأوَّل من شهر كانون الأوَّل/ديسمبر 2012 الساعة 21:45.