الانخراط بدلا من العزلة

تحاول داليا مجاهد، المديرة التنفيذية لمركز غالوب للدراسات الإسلامية ومستشارة الرئيس الأمريكي، باراك أوباما، لشؤون الأديان، في هذه المقالة الإجابة عن عدد من الأسئلة التي تتعلق بمدى معرفة الأمريكيين بالإسلام والمسلمين والعوامل التي تجعل التحامل أو التسامح أكثر احتمالاً.

أوبا في  إفطار رمضاني في البيت الأبيض، الصورة: ا.ب
تقول داليا مجاهد إن الدراسة التي أجراها معهد غالوب أظهرت أن نظرة الأمريكيين نحو الإسلام والمسلمين قد تحسّنت بشكل عام خلال السنتين الماضيتين.

​​ سوف يحدد الشعب الأمريكي وانفتاحه على المجتمعات المسلمة من نواحٍ عديدة مستوى النجاح الذي تحققه مبادرة الرئيس أوباما للانخراط العالمي، والتي كان قد أطلقها يوم تنصيبه قبل سنة واحدة عندما نادى إلى "طريق جديد إلى الأمام" مع المسلمين. سوف يعتمد التغيير إلى درجة بعيدة على الكيفية التي يفكر فيها الأمريكيون. لذا فمن المهم جداً إدراك وفهم وجهات النظر الأميركية حول الإسلام والمسلمين.

ما مدى معرفة الأمريكيين بالإسلام والمسلمين؟ ما هي الميزات التي تُعرِّف المسلمين في معظم العقليات الأمريكية؟ وربما يكون السؤال الأهم هو، ما هي العوامل التي تجعل التحامل أو التسامح أكثر احتمالاً؟ تلقي دراسة جديدة نشرها الأسبوع الماضي مركز غالوب للدراسات الإسلامية الضوء على هذه الأسئلة وكثيرة غيرها. فيما يلي نتائج اكتشفناها عندما أجرينا مقابلات مع عينة ممثلة للأمريكيين مكونة من ألف شخص حول وجهات نظرهم المتعلقة بعدد من المجتمعات الدينية، مع تحليل معمق لوجهات نظرهم حول الإسلام والمسلمين.

نتائج مثيرة

خطاب أوباما في القاهرة، الصورة: ا.ب
شكل خطاب أوباما من القاهرة تحولا في العلاقات بين العالم الإسلامي وأمريكا، وفق ما يراه عدد من المراقبين

​​

هناك احتمال أكبر بأن يعترف الأمريكيون أنهم يشعرون بالتحامل ضد المسلمين مقارنة بأي مجتمع ديني آخر قام مركز غالوب بدراسته. يعترف 43 في المائة من الأمريكيين بأنهم يشعرون ببعض التحامل تجاه المسلمين. وتعدّ هذه النسبة أكبر من ضعف عدد الذين يعبّرون عن بعض التحامل تجاه اليهود أو البوذيين أو المسيحيين.

أوضحت النتائج كذلك أن كون المرء متحاملاً ضد اليهود يجعله أكثر احتمالاً لأن يعبّر عن التحامل ضد المسلمين، بشكل أكثر من أي عامل قمنا بدراسته. ومن بين كافة المتغيرات التي قمنا بدراستها، والتي تتراوح بين العمر إلى التعليم إلى وجهات النظر، فإن العامل الأكثر ارتباطاً بالتحامل المعادي للإسلام ليس هو مستوى التعليم، أو ما إذا كان الشخص يعرف مسلماً أو حتى رأي الشخص بالإسلام، وإنما هو التحامل ضد اليهود.

وتقترح هذه النتائج أن المشاعر المعادية للسامية وللإسلام هي ظواهر مترابطة، وأنه يتوجب على المنظمات التي تحارب هذه الأمراض المجتمعية أن تعمل أكثر مع بعضها بعضاً، حيث يبدو أنها تحارب من أجل هدف مشترك. إن الحضور المتكرر للصلاة يقلّل من احتمال أن يعبّر الأمريكيون عن تحامل متطرف تجاه المسلمين إلى النصف. فعلى سبيل المثال، فإن الحضور إلى الكنيسة بشكل متكرر يجعل الشخص أقل احتمالا وليس أكثر احتمالاً لأن يعبّر عن تحامل ضد المسلمين.

علاقة المرأة بالرجل في نظر المسلمين

أظهرت الدراسة كذلك أن التحامل أو عدم وجوده هو أمر مرتبط برأي الشخص في الإسلام أكثر مما هو مرتبط بما إذا كان الشخص يعرف مسلماً بصورة شخصية. وإذا لم يكن الشخص يعرف مسلماً بصورة شخصية، فإن ذلك يجعله أكثر احتمالاً لأن يعبّر عن التحامل ضد المجموعة. ولكن ولعله أمر يثير الدهشة، فإن معرفة مسلم لا يزيد من احتمالات أن يعبر الشخص عن عدم التحامل. ما تقترحه هذه النتائج هو أن معرفة شخص مسلم قد تساعد على تلطيف التحامل المتطرف، ولكنها ليست كافية لإزالة هذا التطرف بصورة كاملة.

نشاطات منظمة كير، الصورة: ا.ب
"تريد غالبية كل من الأمريكيين ومسلمي العالم الانخراط بدلاً من العزلة، وهي عملية تبدأ في البيت، من خلال المزيد من التفهّم لوجهات نظرنا"، وفق مجاهد

​​ وتخبرنا نتائج دراستنا كذلك أن وجهات النظر الأمريكية حول ما يفكر به المسلمون تختلف أحياناً إلى حد بعيد عما يفكر به المسلمون فعلاً. يعتقد نحو ثمانية من كل عشرة أمريكيين (81%) أن معظم المسلمين لا يقيمون وزناً للمساواة بين المرأة والرجل. إلا أنه وحسب أبحاث مركز غالوب في المجتمعات ذات الغالبية الإسلامية حول العالم، يعتقد غالبية المسلمين، بمن فيهم 85% من السعوديين و89% من الإيرانيين أنه يجب أن يتمتع كل من الرجل والمرأة بحقوق قانونية متساوية.

ولكن هناك ما هو إيجابي...

ورغم ما قد يبدو من نتائج سلبية، تشير الدراسة إلى أن وجهات نظر الأمريكيين نحو الإسلام والمسلمين تحسّنت بشكل عام خلال السنتين الماضيتين. إضافة إلى ذلك، يقول نحو سبعة من كل عشرة أمريكيين أيضاً أن تفاعلاً أكبر بين الغرب والمجتمعات المسلمة يشكّل فائدة أكثر من التهديد. ويتشارك غالبية المصريين والسعوديين والإندونيسيين بهذا الرأي. واقع الأمر أنه بشكل عام، فإن تقبّل المسلمين للولايات المتحدة وقيادتها آخذ بالارتفاع.

داليا مجاهد، جامعة وسكونوسين
داليا مجاهد، المديرة التنفيذية لمركز غالوب للدراسات الإسلامية والمؤلفة المشاركة مع جون إسبوزيتو لكتاب "من يتكلم نيابة عن الإسلام؟ ما يفكر به فعلاً مليار مسلم" (غالوب 2008).

​​ تُظهر هذه الدراسة في نهاية المطاف أن وجهات النظر ليست دائمة، وهو أمر واعد، إلا أن الجمهور بحاجة للتثقيف في مجال المعتقدات الدينية المسلمة. فعلى سبيل المثال، فإن الأمريكيين الذين يعتقدون أن معظم المسلمين يساندون الحقوق المتساوية بين الرجل والمرأة هم أكثر احتمالاً بنسبة الضعف لأن يعبّروا عن عدم التحامل ضدهم، الأمر الذي يشير إلى حاجتنا إلى المزيد من الوعي بحقيقة أن معظم المسلمين في كافة أنحاء العالم يساندون المساواة بين المرأة والرجل. ونعلم كذلك من نتائج الدراسة أن التحامل لا يقتصر على مجموعة واحدة، ما يخلق فرصة للمزيد من الشراكة بين الديانات للمساعدة في التعامل مع هذه القضية. تريد غالبية كل من الأمريكيين ومسلمي العالم الانخراط بدلاً من العزلة، وهي عملية تبدأ في البيت، من خلال المزيد من التفهّم لوجهات نظرنا.

داليا مجاهد
حقوق النشر: خدمة الأرضية المشتركة الإخبارية/ قنطرة 2010

داليا مجاهد هي المديرة التنفيذية لمركز غالوب للدراسات الإسلامية والمؤلفة المشاركة مع جون إسبوزيتو لكتاب "من يتكلم نيابة عن الإسلام؟ ما يفكر به فعلاً مليار مسلم" (غالوب 2008). وهي أيضاً مستشارة الرئيس الأمريكي، باراك أوباما، لشؤون الأديان.

قنطرة

داليا مجاهد - مستشارة أوباما للشؤون الإسلامية:
صوت المسلمين في واشنطن وصورة التوافق بين الإسلام والحداثة
داليا مجاهد عضو في المجلس الاستشاري لشؤون الأديان الذي تم تشكيله من قبل الرئيس الأمريكي باراك أوباما. وهذه المستشارة المسلمة ترى أن الخطاب الذي ألقاه أوباما في القاهرة ما هو إلا مجرَّد البداية في عملية تفاهم طويلة الأمد. أميرة الأهل تعرِّفنا بهذه المستشارة ذات الأصول المصرية.

أوباما والعالم الإسلامي:
قطيعة مع الحقبة البوشية... إشارات تصالحية
جددت المقابلة التي أجرتها قناة العربية مع الرئيس الأمريكي الجديد باراك أوباما الآمال في بداية عهد جديد في العلاقات الأمريكية مع العالم الإسلامي. غير أن كسب ثقة العالم الإسلامي يستوجب سياسات بعيدة المدى كما يرى عدد من الخبراء. شمش العياري رصدت آراء بعض المحللين حول آفاق السياسة الخارجية الأمريكية تجاه العالم الإسلامي.

ردود أولية سريعة على خطاب أوباما في القاهرة:
خطاب علاقات عامة أم خطاب للتطبيق؟
لقي خطاب أوباما بالمجمل ترحيبا عربيا واسعا، من حيث طبيعة النبرة الجديدة المنفتحة على المسلمين والدعوة إلى تدشين مرحلة جديدة في العلاقات بين الولايات المتحدة والعالم الإسلامي، والآن ينتظر العالم العربي أن تتحول هذه الكلمات إلى أفعال. أميرة الأهل حضرت خطاب أوباما في القاهرة وسجلت هذه القراءة..