محفوظ الثاني أم محطم التابوهات؟

بعد صدور الترجمة الألمانية من رواية "شيكاغو" قام علاء الأسواني صاحب رواية "عمارة يعقوبيان" بجولة في ألمانيا للتعريف بروايته هذه، وقد استهل جولته بقراءة في مهرجان كولوينا للأدب، أكبر مهرجان أدبي في أوروبا. سمير جريس التقاه هناك.

علاء الأسواني، الصورة: سمير جريس
الدين والجنس والسياسة تابوهات كسرتها كتابات الأسواني باحتراف وخفة

​​كانت القاعة ممتلئة بعد أن بيعت كل التذاكر. نصف ساعة قبل بدء القراءة في كولونيا كان كثيرون، عرب وألمان، يجلسون في القاعة بانتظار مؤلف "عمارة يعقوبيان". في مهرجان كولونيا للأدب Lit.Cologne. كان الأسواني هو الكاتب الوحيد في المهرجان الذي يكتب بلغة الضاد. عندما دخل القاعة استقبله الحاضرون بتصفيق طويل. رد الرجل الضخم الأسمر البشرة على التحية بابتسامة مهذبة تكاد تكون خجولة. ولكنه عندما بدأ يقرأ من "شيكاغو" ويجيب عن الأسئلة المطروحة، لم يعد الحاضرون يرون رجلاً خجولاً، بل كاتباً واثقاً من نفسه وفخوراً بنجاحه.

عميد جديد للأدب العربي؟

يمثل علاء الأسواني ظاهرة فريدة في الأدب العربي. بروايته "عمارة يعقوبيان" حقق الأسواني نجاحاً جماهيرياً مذهلاً لم يصل إليه كاتب عربي آخر، إذ بيعت منها خلال خمس سنوات ما يزيد عن 150 ألف نسخة في المنطقة العربية، وهو رقم لم يصل إليه عميد الرواية العربية نجيب محفوظ.

من الممكن تشبيه الأسواني فيما يتعلق بالنجاح الجماهيري بالكاتب الألماني باتريك زوسكيند الذي حقق نحاجاً أسطورياً بروايته "العطر" التي بيع منها ما يزيد عن 15 مليون نسخة. غير أن نجاح الأسواني يبقى مدهشاً في منطقة ترتفع فيها نسبة الأمية، وتتدنى فيها القراءة بشكل عام. ولهذا لا تزيد عدد نسخ الأعمال الأدبية التي تطبعها دور النشر العربية في العادة عن 2000 نسخة توزع عبر عدة سنوات.

وإذا كان معظم الكتاب العرب يقتاتون من مصدر رزق آخر غير الأدب، فباستطاعة الروائي المصري أن يعيش من دخل رواياته، لكنه فضل أن يبقى طبيباً. درس الأسواني طب الأسنان في القاهرة وشيكاغو، وعن كل مدينة كتب رواية حققت أعلى المبيعات.

 غلاف رواية شيكاغو
غلاف رواية شيكاغو تصور حنين المصريين المقيمين في أمريكا إلى الوطن

​​"منذ اليوم الأول لي في جامعة إلينوي"، هكذا بدأ الأسواني حديثه في كولونيا، "عرفت أنني سأكتب يوماً ما رواية عن هذه المدينة التي تمثل بوتقة فريدة لانصهار الثقافات وامتزاجها." في عام 2007 نقل الطبيب فكرته إلى الورق، فصدرت رواية "شيكاغو" التي تتحدث عن المهاجرين المصريين هناك. و"شيكاغو" – مثل "عمارة يعقوبيان" – رواية بانورامية، تحفل بالشخصيات والمصائر، فنقابل هناك مبعوثين وأساتذة مصريين، كما نتعرف إلى الأساتذة الأمريكيين وأفكارهم؛ بعض المصريين يعيش منذ عقود ويشعر بنفسه أمريكياً، والبعض الآخر ما زال يعذبه الحنين إلى الوطن، والجميع تحت رقابة المخابرات المصرية.

سر النجاح؟

بمهارة وخفة يخترق الأسواني التابوهات العربية الثلاثة الشهيرة: الدين والجنس والسياسة. روايات الأسواني تحفل بوصف مسهب لمشاهد جنسية، مِثلية وغيرية، كما تحفل بالنقد اللاذع لما تشهده مصر من تدهور سياسي واجتماعي، من فساد وإثراء غير مشروع وأصولية وادعاء للتقوى. موهبة الأسواني تتجلى في قدرته على تناول موضوعات الساعة باختصار جذاب وبلغة بسيطة. ولذلك فمن البدهي أن رواياته ليس بها مكان للدقة، أو للتطور السيكولوجي المقنع. روايات الأسواني تجنح نحو التعميم والتنميط، كما أنها تكتظ بالمشاهد الميلودرامية، وهو ما دفع الناقد الألماني أندرياس بفليتش إلى تشبيه "عمارة يعقوبيان" بالمسلسل التلفزيوني الألماني الشهير "ليندن شتراسه"

جوائز رفيعة

عندما صدرت "عمارة يعقوبيان" بالألمانية احتفى بها معظم النقاد، بل وشبه عديدون الأسواني بالأديب الكبير نجيب محفوظ. غير أن ما يلفت النظر في معظم المقالات الألمانية التي تناولت الرواية هو النظر إليها باعتبارها وسيلة لفهم الظروف السياسية والاجتماعية في مصر، أي اعتبار الرواية مفتاحاً لفهم مجتمع عربي إسلامي، وبالتالي الإجابة عن السؤال: كيف يتحول الإنسان إلى إرهابي.

لم تُمتدح الرواية باعتبارها أدباً إنسانياً عظيماً، بل كبديل للدراسات السياسية والاجتماعية. ولذلك، لم يكن غريباً أن يحصل الأسواني في فيينا على جائزة "الكتاب السياسي"، وهي جائزة حازتها من قبله شخصيات مثل نيلسون مانديلا وكوفي أنان. كما لم يكن غريباً عدم وصول "شيكاغو" إلى القائمة المصغرة التي ضمت ست روايات تنافست للحصول على جائزة "بوكر" العربية.

كل العوامل السابق ذكرها ساهمت في نجاح الأسواني الكبير في مصر ولبنان والمغرب، أو في فرنسا وإيطاليا وألمانيا. ولكن، إلى متى ستستمر ظاهرة الأسواني؟ وهل تعبر رواياته عن موهبة حقيقية؟ الأكيد أن الروائي المصري يستطيع أن ينال إعجاب مئات الآلاف من القراء في العالم وأن يأسرهم حتى ينتهوا من قراءة روايته، والأكيد أنه لم يستهلك موهبته بعد، كما تنبأ كثيرون في العالم العربي بعد صدور "عمارة يعقوبيان". ما زال الأسواني ممتلئاً بالأفكار الجديدة المتحمسة، وهو الآن – كما أعلن في كولونيا – بصدد كتابة روايته الثالثة.

سمير جريس
حقوق الطبع: قنطرة 2008

قنطرة

المستشرقة الإيطالية إيزابيلا كاميرا دافليتو:
"بعد معرض فرانكفورت لم يتغير شيء!"
في الحوار التالي تتحدث المستشرقة الإيطالية إيزابيلا كاميرا دافيلتو عن مدى رواج الأدب العربي في إيطاليا وأوربا وتقييمها لفن الرواية العربية ورؤيتها للاتجاهات الحديثة في الأدب العربي وعن موضوع دعم العرب ترجمة أدبهم إلى اللغات الأوروبية.

رواية "غرفة في دار الحرب"
إرهابي ألماني في مصر
صدر مؤخرا للكاتب الألماني كريستوف بيترز رواية بعنوان "غرفة في دار الحرب" تروي قصة شاب ألماني يعتنق الإسلام ويتورط في عملية إرهابية في مصر ويحكم عليه بالإعدام. مراجعة كتبتها دانييله رافائيله غامبون لهذه الرواية.

أطفال الجهاد - الجيل الجديد من الإرهاب الإسلاموي في أوروبا
إشكاليات الهوية
كميّات كبيرة من الإصدارات تتناول "الأصولية الإسلامية" و"الإسلاموية" أو "الإرهاب الإسلاموي" - منها ماهو جيّد أو أقلّ جودة. صدر الآن لسعاد مخنت وكلاوديا ساوتر وميشائيل هانفيلد كتاب بعنوان "أطفال الجهاد"، يعالج ظاهرة الإرهاب الإسلاموي ويحاول تفسير هذه الظاهرة. مراجعة بقلم يورغن إندريس.