سيطرة الحوثيين على صنعاء...ثورة مضادة وأجندة خارجية؟

يرى الخبير السياسي اليمني محمد جُميح في حواره التالي مع شمس العياري أن من عوامل سقوط صنعاء في أيدي المتمردين الحوثيين في سبتمبر/ أيلول 2014 هو كل من انضم إليهم كالرئيس السابق علي عبد الله صالح ونظامه ومؤيديه وحلفائه القبليين ومواليه في المؤسسة العسكرية وكل من له ثأر من العهد السياسي التوافقي الذي تشكل بعد ثورة 2011 الشبابية، إضافة إلى عدم إتمام إعادة هيكلة القوات المسلحة والأمن وعدم الخروج بسرعة من المرحلة الانتقالية واستمرار الانقسام السياسي بين أحزاب حكومة الوحدة الوطنية الانتقالية، مشيرا إلى بروز الدور الإيراني وتراجع الدور السعودي في اليمن.

الكاتبة ، الكاتب: شمس العياري

كيف ترى سيطرة الحوثيين على العاصمة اليمنية صنعاء؟

محمد جميح: سقوط صنعاء في يد ميليشيا المتمردين الحوثيين تحول دراماتيكي. كانت المؤشرات تشير إلى ذلك. لكن السرعة التي حصل بها السقوط هي العلامة المميزة، لأن مدنا أخرى مثلا عمران، شمالي صنعاء، كانت قد سقطت وكان على الحكومة أن تتحسب لسقوط صنعاء، ذلك أن عمران هي العتبة الأخيرة للوصول إلى صنعاء.

إذن كيف تفسر سرعة سقوط صنعاء في يد الحوثيين ؟

محمد جميح: هناك عدة عوامل أدت إلى سقوط صنعاء، بينها عوامل ربما غير واضحة. لكن العنوان الأبرز فيما جرى هم الحوثيون أنفسهم. وهناك عناوين فرعية وتفصيلية كثيرة متشعبة تحت هذا العنوان، من بينها الرئيس السابق علي عبد الله صالح ونظامه ومؤيدوه وحلفاؤه القبليون وحلفاؤه داخل المؤسسة العسكرية وكل من له ثأر من العهد السياسي الحالي من الذين تم إقصاؤهم أو الذين لم ينالوا شيئا من الكعكة لينضموا للحوثيين.

هناك عدد كبير من العوامل أدت إلى تشكل الوضع الجديد في صنعاء وليس العامل الحوثي هو الوحيد وإن كان الظاهر على السطح. لكنّ هناك مزيجا من العامل القبلي والعامل السياسي والعوامل الحزبية وعدم إتمام عملية الهيكلة بالنسبة للقوات المسلحة والأمن هي التي أدت أيضا - ضمن مجموعة عوامل - إلى هذا الوضع. عدم الخروج بسرعة من المرحلة الانتقالية واستمرار الانقسام السياسي بين المؤتمر الشعبي وحلفائه واللقاء المشترك وشركائه ووجود أيضا انقسامات قبلية وانقسامات عسكرية، كل ذلك أدى إلى تهيئة التربة الخصبة لظروف معينة أدت إلى سقوط صنعاء بيد الحوثيين.

زعيم التمرد الشيعي في اليمن عبدالملك الحوثي في خطاب ألقاه ونقل عبر شاشات عملاقة أمام مؤيديه في وسط العاصمة اليمنية
أعلن زعيم التمرد الشيعي في اليمن عبدالملك الحوثي بتاريخ 23 أيلول/ سبتمبر 2014 ما وصفه بـ "انتصار الثورة" بعد أن سيطر أنصاره بشكل شبه تام على صنعاء، وذلك في خطاب ألقاه ونقل عبر شاشات عملاقة أمام مؤيديه في وسط العاصمة اليمنية.

إلى أي مدى يمكن أن نتحدث عن دور لدول الجوار على غرار إيران والسعودية فيما يحصل في اليمن؟

محمد جميح: كل ما سبق ذكره يعد ضمن العوامل الداخلية، لكن بالتأكيد هناك عوامل خارجية. العامل الإيراني يبدو هو الأبرز والأقوى وموجود الآن في اليمن عن طريق وكلائهم الجدد - إن جاز التعبير - في اليمن. والعامل السعودي فيما يبدو أنه بدأ يتراجع. المتابع للحضور السعودي في اليمن يجد أن السعودية انشغلت مؤخرا بملفات أخرى ولم تعد تعطي لليمن الأولوية الأكبر. وهو كان خطأ استراتيجيا بالنسبة للسياسة الخارجية السعودية، حيث أنها ركزت اهتمامها بمصر وبالملفين السوري والعراقي وكأنها استهانت بالملف اليمني.

الحوثيون هم خصوم أساسيون للسعودية دخلوا معها في حرب وهاجموا حدودها ودخلت معهم في حرب وهم أيضا حلفاء إيران التي تعد الخصم اللدود للدول السنية في المنطقة. واليوم الحوثيون وإيران في صنعاء وبالتالي نفهم مدى الارتباك السعودي من خلال تصريحات المسؤولين السعوديين والخليجيين بشكل عام الذين فوجئوا بسقوط صنعاء ويبدو أن هذا التطور قد أربك جميع حساباتهم. وربما أنهم بدءوا يدركون الأخطاء التي ارتكبوها في سياستهم الخارجية من خلال عدم الاهتمام بشكل مباشر وكبير بالملف اليمني وإعطاء الأولوية لملفات أخرى على حسابه.

هل تعتقد أن تدخل السعودية في اليمن هو محاولة لاحتواء الأزمة حتى لا يحتذي شيعة القطيف مثلا بالحوثيين في اليمن؟

محمد جميح: وجود الشيعة في السعودية لا يقتصر على القطيف فحسب، بل إنهم موجودون أيضا على الحدود السعودية اليمنية. والشيعة الموجودون في القطيف شيعة إمامية اثني عشرية بالمصطلح الديني أي على نفس منهج إيران أي ولاية الفقيه، لكنّ هناك أيضا نوعا من الشيعة على الحدود اليمنية السعودية وهم الإسماعيليون وربما يشكل ما حدث في اليمن عامل تحفيز للشيعة في جنوب السعودية إلى جانب شيعة القطيف. أعتقد أن السعودية أدركت الخطأ، هي تحاول أن تفعل شيئا على المستوى السياسي، لكن الإشكال يكمن في أن السعودية منخرطة في التحالف الدولي ضد "تنظيم الدولة الإسلامية" في العراق وسوريا وداخلة في هذه المعركة ولا أدري ماهي الخيارات المتاحة للسعودية في هذه المرحلة فيما يتعلق باليمن.

صنعاء
أعرب مجلس الأمن الدولي (29 آب/ أغسطس 2014) عن قلقه إزاء مواصلة الحوثيين وأطراف أخرى تأجيج الصراع في شمال اليمن، في محاولة لعرقلة عملية الانتقال السياسي. وأثناء قراءة البيان، أشار السفير البريطاني ورئيس المجلس للشهر الحالي، مارك لايل غرانت، إلى القرار رقم 2140 الذي تضمن تدابير عقابية محددة الهدف ضد الأفراد والكيانات الذين يشاركون في أعمال تهدد السلم والأمن والاستقرار في اليمن أو يقدمون الدعم لها. وجاء في البيان: "يعرب مجلس الأمن عن بالغ قلقه إزاء تدهور الحالة الأمنية في اليمن في ضوء الأعمال التي نفذها الحوثيون بزعامة عبد الملك الحوثي ومن يدعمونهم لتقويض عملية الانتقال السياسي والأمن في اليمن".

هل تتوقع تدخلا عسكريا سعوديا في اليمن كما شهدناه في البحرين عام 2011، عندما قررت دول مجلس التعاون الخليجي إرسال قوات "درع الجزيرة" عقب الانتفاضة التي قادها الشيعة هناك؟

محمد جميح: لا، هذا مستبعد بشكل كبير. وإذا نظرنا إلى التدخل العسكري البري بشكل خاص وعلى المدى القريب لا أعتقد أن يكون هناك تدخلا عسكريا في اليمن. ربما يكون هناك نوع من الدعم السياسي إذا استمرت سيطرة الحوثيين على اليمن وعلى بقية المحافظات، فإن خيارات السعودية سوف تتضاءل. الجهة الوحيدة التي يمكن للسعودية أن تتدخل فيها هي من خلال دعم الحكومة الحالية، دعم الرئيس اليمني. لكن يبدو أن الرئيس اليمني الآن في مرحلة من الضعف، بحيث أنه ربما لا تعول عليه السياسة السعودية كثيرا لأن يكون حليفا لها في صد الحوثيين.

هل تنذر سيطرة الحوثيين على العاصمة صنعاء بقيام حرب أهلية في اليمن؟

محمد جميح: ربما. هناك مخاوف كبيرة من أن يتكرر السيناريو العراقي في اليمن، لأن الشيعة عندما سيطروا على الحكم في العراق وأقصوا المناطق السنية شعر أبناء هذه المناطق في غرب العراق ووسطها بالتهميش. وعلى الرغم من أنهم شكلوا صحوات خلال الاحتلال الأمريكي للعراق واستطاعوا في مراحله الأخيرة أن يدحروا تنظيم القاعدة بشكل كبير، إلا أنهم شعروا بما وصفوه بـ"غدر وخيانة" الأمريكيين وحكومة بغداد (برئاسة نوري المالكي) لهم ولتضحياتهم ضد تنظيم القاعدة. ووجد تنظيم القاعدة، الذي هو الآن ممثل في تنظيم "الدولة الإسلامية"، حاضنة شعبية كبيرة في مناطق السنة وأصبحت العشائر العراقية السنة تقاتل إلى جانب تنظيم القاعدة. وهذا ما يخشى منه في اليمن، أي أن يزداد تهميش المناطق المهمشة أصلا وتنتفض هذه المناطق ويستفيد تنظيم القاعدة من الغبن والاحتقان الشعبي الموجود لدى الكثير من اليمنيين ويوظفه في حربه ضد الوضع القائم في اليمن.

 

حاورته: شمس العياري

حقوق النشر: دويتشه فيله 2014

 

الدكتور محمد جميح، صحفي خبير في الشؤون اليمنية مقيم في لندن