خمس سنوات على حرب تموز – ''نصر إلهي'' أم شرعنة ''لوصاية السلاح'' ؟

سنوات خمس مرت على حرب تموز بين إسرائيل وحزب الله، تلك الحرب التي غيرت من شعارات انقسام اللبنانيين ومنحتها اتجاهات جديدة، انعكست في سلسلة من التطورات السياسية والأمنية. دارين العمري من بيروت سألت البيروتيين عن رؤيتهم لهذه الحرب.



مع مرور خمس سنوات على حرب تموز 2006 تبقى رؤية اللبنانيين لهذه الحرب منقسمة بين مؤيد لها على اعتبار أنها "نصر من عند الله" ومعارض لها التزاماً ًبشعار "لا لوصاية السلاح". وبين 12 تموز 2006 واليوم امتدت سلسلة تطورات وأحداث سياسية وأمنية، عمقت الشرخ السياسي الحاصل بين اللبنانيين، المناصرين لفريق "14 آذار" والمناصرين لفريق "8 آذار"، لتضع البلد على ما يشبه حافة الحرب الأهلية بعد أن سجلت نجاحات وإخفاقات للفريقين معاً.

اليوم وفي الذكرى الخامسة لحرب تموز، لا يمكن للبنانيين إلا أن يتذكروا ما جرى خلال السنوات التي تلت الحرب بداية بالاغتيالات السياسية، إلى اعتصام قوى الثامن من آذار في ساحة رياض الصلح لعام ونصف، والإشكالات المتنقلة بين مناصري "حزب الله" ومناصري “14 آذار" في عدد من المناطق اللبنانية، وصولاً إلى أحداث 7 أيار، حين سيطر عناصر من حزب الله على بعض المواقع في بيروت، واتفاق الدوحة. ومن ثم فوز فريق "14 آذار" في الانتخابات النيابية خلال العام 2009، واستقالة وزراء قوى الثامن من آذار من الحكومة في عام 2011، وتشكيل حكومة جديدة برئاسة نجيب ميقاتي. والأحدث هو القرار الاتهامي الصادر عن المحكمة الدولية الخاصة بلبنان، والذي اتهم أربعة من عناصر "حزب الله" باغتيال رئيس الحكومة السابق رفيق الحريري.

الضاحية الجنوبية.. "كلنا فداء السيد"

الصورة ا ب
نازحون اضطروا لترك منازلهم في خضم الحرب التي لم تسلم منها بنية لبنان التحتية

​​في الضاحية الجنوبية في بيروت، مشهد جديد يختلف عن مرحلة ما بعد حرب تموز، فإعادة الإعمار غيّرت الصورة القديمة للمنطقة، التي كانت مصنفة من ضمن حزام البؤس في لبنان، إذ بدأت تنتشر فيها المقاهي والمطاعم ومراكز التسوق. والأبنية التي تهدمت خلال حرب تموز، ارتفعت مكانها أبنية جديدة وعاد سكانها إليها. فضاحية البؤساء تحولت بعد حرب تموز في مركزها وأطرافها القريبة من بيروت من حارة حريك إلى بئر العبد إلى منطقة الطبقة الوسطى لأبناء الطائفة الشيعية، فيما الجزء الجنوبي منها، أي منطقة حي السلم وأطراف المطار، ما زال يشكل حزام البؤس.

حركة عادية وازدحام سيارات نقل الركاب بأسعار رخيصة ودراجات نارية تتحرك بكثافة في الضاحية الجنوبية أكثر من أي منطقة لبنانية أخرى. الجو العام في المنطقة التابعة أمنياً لحزب الله لا يوحي بأن هناك تحضيرات للذكرى الخامسة لحرب تموز كما يجري سنوياً. وفيما انشغل سبعة شبان بتعليق لافتة ضخمة شعارها "النصر الإلهي" فوق جسر بئر العبد، انهمك عاملون في إحدى المطابع الكبيرة بطباعة صور الأمين العام لـ"حزب الله"، السيد حسن نصر الله، والقائد العسكري عماد مغنية الذي اغتيل في دمشق قبل أعوام. وفي مطبعة أخرى يتم طباعة رايات للحزب تحضيراً للإحتفاء بالذكرى الخامسة لحرب تموز، وهذا أكثر ما يعرف عن احتفالات هذه الذكرى.

الصورة د ب ا
"بدلاً من أن ينفتح اللبنانيين على بعضهم البعض ويجروا حواراً، ازدادت الهوّة بينهم بعد الحرب وتحول حزب الله إلى قوة خارجة عن السيطرة"

​​تجلس الحاجة زينب عياش في بيت ابنها، الذي أُعيد تشييده بعد أن دمرته الحرب، ويتجمع حولها أحفادها الستة. تروي الحاجة كيف أنها رفضت النزوح إلى بيروت كبقية جيرانها وأقاربها هرباً من الحرب، فبرأيها "نحن شعب مقاوم لا نترك أرضنا للعدو". بعد الحرب زادت قناعتها بـ"حزب الله" القادر أن يدافع عن أهله ويحميهم من أي ضرر. وتشير عياش قائلة: "نحن نوافق على كل ما يقوله ويراه السيد نصر الله"، مضيفة "صحيح خسرنا أملاكنا ولكن أعدنا بناء كل شي وعادت بيوتنا أحلى من قبل، والحزب لم يتركنا في الشوارع".

جارتها أم حسين في المبنى ذاته، فقدت ابناً خلال الحرب أثناء قتاله إلى جانب "حزب الله". تروي أم حسين كيف أنها زارت الأمين العام لـ حزب الله" بعد موت ابنها، فقبلت كتفيه وقالت له "ابني لم يستشهد وهو بوجودك سيبقى إلى جانبي". تؤكد أم حسين أنها ما زالت تؤمن بهذه الجملة، فهي تعتبر أن نصر الله جاء إليها بنصر من عند الله وهو كما تقول "رفع رأسنا بين العرب".


يقف مهدي أمام فرن المناقيش الذي يملكه في منطقة الجناح، لتدخين سيجارة ويراقب المارين ومنهم بعض الزبائن الذي يدخلون فرنه طلباً لمنقوشة تسد جوع بداية نهار العمل. العمل بالنسبة إليه أفضل بكثير من قبل خاصة بفورة العمران التي اجتاحت الضاحية وانتقال سكان جدد إلى المنطقة. "صحيح ما زلنا نخاف من القصف"، يقول مهدي، "ولكننا خرجنا من هذه الحرب أقوى". فالحزب بالنسبة لمهدي يسخر كل إمكانياته لحماية سكان الضاحية. ولمهدي كما معظم أبناء الضاحية موقفاً عدائياً من المحكمة الخاصة بلبنان، فالمحكمة برأيه هدفها القضاء على "حزب الله"، بأمر من "محور الشر أميركا وإسرائيل"، كما يقول، "ولكن لا شيء غير سلاح حزب الله يحمينا". "نحن كلنا حزب الله". ويتبنى مهدي في موقفه من المحكمة الجملة التي قالها السيد نصر الله في خطابه الأخير "الأفضل ألا يحلموا كثيراً، حزب الله لن يسلم المطلوبين الأربعة حتى بعد 300 عام".

لا للحرب.."لا لوصاية السلاح"

من جهة أخرى يبدو موقف مناصري فريق "14 آذار" مختلفاً عن آراء مناصري "حزب الله". فهؤلاء لا يمكنهم إبداء موقفهم من حرب تموز بلا ربط سلاح الحزب بأحداث 7 أيار، وصولاً إلى إسقاط حكومة الوحدة الوطنية التي كان يرأسها سعد الحريري.

رياض من الطائفة الشيعية ولكنه مناهض لـ"حزب الله". يقول إن "سلاح حزب الله هو السبب وراء منع قيام عدالة في لبنان، وهو سلاح للدفاع عن إيران وملفها النووي وليس للدفاع عن لبنان". وبرأيه أن الحزب خلال حرب تموز تسبب بدمار هائل وهو خسّر لبنان سياسياً وأمنياً واقتصادياً. لا يرى رياض في هذا السلاح أكثر من انقلاب على تظاهرة 14 آذار في عام 2005، لإخراج قوى 14 آذار من السلطة . وبرأيه أن هذا كان دافع الحرب على المستوى الداخلي، أما على المستوى الإقليمي فكان فرض ورقة إيران وملفها النووي. والاهم من هذا كله برأيه كما يقول هو استحواذ "حزب الله" على أصوات الطائفة الشيعية، "وأصبحت الأصوات الشيعية المناهضة له قليلة نسبياً وغير مؤثرة على الطائفة ككل".

يؤيده رشيد في موقفه من حرب تموز، تلك الحرب التي أدت برأيه إلى تآكل العلاقة الصحية بين اللبنانيين. ويضيف رشيد بالقول: "بدلاً من أن ينفتح اللبنانيون على بعضهم البعض ويجروا حواراً، ازدادت الهوّة بينهم بعد الحرب وتحول حزب الله إلى قوة خارجة عن السيطرة". وبرأيه فإن حرب تموز أعطت قوة خارقة للحزب لأنه صدق أنه حقق نصراً لم يسبق له مثيل في كل الدول العربية.

"لا لوصاية السلاح"، بهذه الكلمات الحازمة يعبر جورج عن رأيه ويقول "إن إسرائيل عدوتنا جميعاً. لكننا نكره توجيه السلاح إلى بيروت كأنها إسرائيل". ويؤكد جورج أنه والعديد من أمثاله لا يستطيعون أن ينسوا أحداث 7 أيار، فحزب الله برأيه تحول إلى أمر واقع أكثر من الدولة اللبنانية ليكرر موقفه "لا للسلاح ونعم للحرية والاستقلال".

انتهت حرب تموز وحملت في داخل الهدوء الذي أعقبها، تناقضين الأول احتمال مرحلة سلم طويلة، مقابل توتر داخلي يتفجر في صورة إشكالات مختلفة، والأحداث لم تزد الانقسام بين اللبنانيين فحسب، وإنما جعلت مواقفهم أكثر حدة وتطرفاً كل بحسب الفريق الذي يؤيده. فمن يؤيد مشروع "حزب الله" ازداد تأييداً له، ومن يؤيد فريق "14 آذار" التزم أكثر بمواقف فريقه.


دارين العمري – بيروت
مراجعة: عماد غانم
حقوق النشر: دويتشه فيله 2011