سياسة "القوة الناعمة" لإحلال السلام في أفغانستان

على الرغم من انتقادات حزب العدالة والتنمية الإسلامي الحاكم في تركيا للعمليات التي يقوم بها حلف الناتو في أفغانستان، إلاَّ أنَّ تركيا ظلت تشارك في مهمات حلف شمال الأطلسي في هذا البلد ولكن في إطارها المدني وسط رغبة في زيادة مساعدتها له في إعادة الإعمار. جيم سي يلقي الضوء على الدور التركي في أفغانستان.

الوجود التركي في أفغانستان، الصورة: د.ب.أ
تركيا لا تسعى فقط إلى المشاركة في العمليات العسكرية في أفغانستان، بل أيضا إلى القيام بدور الإعمار

​​ شاركت أنقرة منذ البداية في العمليات التي يخوضها حلف الناتو في أفغانستان. وقرار مشاركتها في هذه العمليات اتَّخذته حكومة يسار الوسط بزعامة بولنت أجاويد، بعد هجمات الحادي عشر من أيلول/سبتمبر 2001. وبعد ذلك بعام واحد تولى حزب العدالة والتنمية الإسلامي مسؤولية الحكم، ولكنه ظلّ متمسكًا بالتزامات بلاده تجاه حلف الناتو، على الرغم من انتقاداته لهذه العمليات. وحتى إنَّ تركيا تولت في هذه الفترة ولمرتين قيادة قوة المساعدة الأمنية الدولية (ISAF) في أفغانستان.

لكن مع ذلك اهتمت أنقرة كثيرًا بعد عام 2002 بعدم مشاركة جنودها في العمليات القتالية. ولم يكن سبب ذلك يعود على سبيل المثال إلى خسائر تكبَّدها الجيش التركي، حيث لم تحدث تقريبًا أي هجمات على الجنود الأتراك؛ بل لأنَّ تركيا كانت تحاول وضع عملها في أفغانستان ضمن إطار تاريخي ولأنَّها كانت تحاول التأكيد على ما لها من قواسم مشتركة مع التاريخ الأفغاني.

وبدأت هذه القواسم المشتركة بعد فترة قصيرة من الحرب العالمية الأولى. وفي البدء طلبت أفغانستان المساعدة من الأتراك؛ فبعد الحرب العالمية الأولى وعندما كان يريد الحلفاء، أي المملكة المتَّحدة وفرنسا وروسيا، تقسيم المناطق التي تسكنها غالبية تركية داخل الدولة العثمانية إلى مناطق نفوذ، احتج الملك أمان الله خان، ملك ومؤسس ما يعرف في يومنا هذا باسم أفغانستان. وتضامن مع المقاومة التركية التي ظهرت في هضبة الأناضول تحت قيادة مصطفى كمال أتاتورك، والتي انبثقت عنها الجمهورية التركية. وهذه الوقفة ما تزال غير منسية هناك حتى يومنا هذا.

وفي العقود التالية عمل في أفغانستان الكثير من الأطباء والضبَّاط والأساتذة والمدرِّسين الأتراك. كما أنَّ تركيا قدَّمت لأفغانستان مساعدات في إنشاء كلّ من جامعة كابول والأكاديمية العسكرية الأفغانية وكذلك المعهد العالي للموسيقى.

مساعدات تنموية بدل المساعدات العسكرية

الصورة دويتشه فيله
قاعدة إنجرليك الجوية في جنوب تركيا - مركز لإيصال الإمدادات إلى قوة المساعدة الأمنية الدولية (ISAF) في أفغانستان.

​​ واليوم يوجد ثمانمائة جندي تركي في العاصمة الأفغانية كابول وفي ولاية وارداك الأفغانية. بيد أنَّ سياسيي الحزب الحاكم يعتقدون أنَّ زمن العمليات العسكرية قد انتهى. ويقول سوات كينيكليوغلو، نائب رئيس لجنة الشؤون الخارجية في البرلمان التركي والناطق الرسمي الخاص بالسياسة الخارجية في حزب العدالة والتنمية الحاكم في أنقرة: "نحن نتمنَّى أن يحقِّق حلف الناتو الأمن هناك وينسحب على مراحل". ويضيف: "لكن علاقتنا الخاصة مع أفغانستان يمكن أن تقودنا إلى تطوير طريقة مختلفة في التعامل، بغض النظر عمَّا سيفعله الغرب في المستقبل".

وعندما يتحدَّث السياسيون والخبراء الأتراك عن تطوير "طريقة مختلفة في التعامل"، فعندها يرد في العادة بعد ذلك مباشرة مصطلح "القوة الناعمة". والمقصود بذلك هو رغبة الأتراك على سبيل المثال في بناء المزيد من المدارس والمستشفيات؛ فمن المفترض أن يتم تعليم المواطنين الأفغان وتقديم الرعاية لهم بشكل أفضل. والمطلوب لذلك أن يكون للشركات التركية الخاصة استثمارات في البنية التحتية الأفغانية.

وهذه المساعدة المباشرة سوف تأتي مباشرة في صالح المواطنين الأفغان وتعزِّز كذلك تعاطف الأفغان مع تركيا، مثلما يقول الأستاذ قمر قاسم من المنظمة الدولية للأبحاث الاستراتيجية USAK التركية: "المدارس التي تم تأسيسها من قبل الأتراك وكذلك أنشطة الشركات التركية، كلّ هذا يمكن أن يعتبر بطبيعة الحال بمثابة "قوة ناعمة" تركية. وعندما تساهم هذه المساهمات هناك في قطاعي التعليم والصحة، فعندئذ سوف يعزِّز ذلك صورة تركيا الإيجابية في أفغانستان".

نجاحات ملموسة

وفي كلِّ يوم يتلقَّى نحو تسعمائة مواطن أفغاني مساعدات في المستشفيات التي تم بناؤها من قبل تركيا. والعلاج في هذه المستشفيات مجاني. وفي الثمانية أعوام الماضية تمكَّن نحو ثمانمائة ألف مواطن أفغاني من الحصول على مساعدات طبية. وفي أربع وثلاثين مدرسة تركية يتعلَّم أكثر من خمسين ألف طفل أفغاني القراءة والكتابة؛ والكثيرون منهم يتعلَّمون اللغة التركية.

إعادة الإعمار في أفغانستان، الصورة دويتشه فيله
وزير الخارجية التركي، أحمد داوود أوغلو يؤكِّد على أهمية أفغانستان من الناحية الاقتصادية

​​ ولكن مع ذلك من المفترض أنَّ هذا ليس كلّ شيء؛ إذ تنوي تركيا بناء خمسة وثلاثين مستوصفا آخر ومدرسة أخرى. وهنا تسعى تركيا من خلال ذلك إلى جذب الأقليَّات العرقية التي يعتبر الكثيرون من أبنائها من الشعوب التركية وبذلك أيضًا إلى جذب أفغانستان إلى سياسة تتوجه نحو تركيا في منطقة آسيا الوسطى. ولكن علاوة على ذلك يؤكِّد وزير الخارجية التركي، أحمد داوود أوغلو أنَّ لبلاده مصالح اقتصادية في أفغانستان.

وفي كتابه الذي يحمل عنوان "العمق الاستراتيجي" يعلِّق أهمية كبيرة على منطقة آسيا الوسطى وأفغانستان. ويقول إنَّه لا توجد هناك فقط ثروات معدنية كبيرة، بل إنَّ هذه المنطقة تعدّ من وجهة النظر التركية في غاية الأهمية كونها أيضًا تشكِّل طريقًا للتجارة ونقل الطاقة إلى آسيا. وكذلك يبيِّن أحدث مشروع من مشاريع البنية التحتية أنَّ تركيا مصرة في سعيها إلى تحقيق مصالحها الاقتصادية. فمن المقرَّر إنشاء خط سكك حديدية يصل من باكستان مرورًا بأفغانستان وإيران إلى تركيا.

تركيا باعتبارها مرشدًا سياسيًا

ويقول أستاذ العلوم السياسية، قمر قاسم إنَّ هدف تركيا السياسي هو تحقيق الأمن والاستقرار في أفغانستان والقضاء على المقاتلين من غير الأفغان، أي القضاء على مقاتلي تنظيم القاعدة. ويضيف أنَّ أنقرة تنظر إلى نفسها باعتبارها عقلاً مدبِّرًا لاستراتيجية حلف الناتو الحالية في أفغانستان. ويقول الأستاذ قاسم إنَّ هذه الاستراتيجية تم تخطيطها في إسطنبول وقد تم إقرارها فيما بعد في مؤتمر لندن حول أفغانستان.

ويقول وزير الخارجية التركي إنَّ هناك مشاورات تدور بصورة منتظمة بين كلّ من تركيا وباكستان وأفغانستان وتعود أيضًا إلى مبادرة تركية. وضمن إطار هذه المشاورات يجتمع رؤساء هذه الأقطار الثلاثة وبعض النوَّاب البرلمانيين وكذلك ضبَّاط عسكريون بالإضافة إلى رؤساء أجهزة مخابراتها.

ويقول الخبير في شؤون السياسة الخارجية، سوات كينيكليوغلو إنَّ "أفغانستان وباكستان تثقان بتركيا. ولا يشكِّك أي منهما في حسن نوايانا". ويعود سبب ذلك قبل كلِّ شيء إلى عدم وجود ماضٍ استعماري لتركيا في أفغانستان، ولذلك يتم تقدير مبادرة الحوار التركية كثيرًا في أفغانستان، حسب كينيكليوغلو.

جيم سي
ترجمة: رائد الباش
حقوق النشر: قنطرة 2010

قنطرة

وار مع وزير الخارجية التركية الأسبق حكمت تشيتين حول أفغانستان:
"الغرب لا يفهم طبيعة المجتمع الأفغاني"
أين تكمن المشكلات الكبرى في عملية إعادة إعمار أفغانستان وما الأخطاء التي ارتكبتها الدول الغربية في تعاملها مع الصراع الأفغاني؟ وما سر متانة العلاقات بين تركيا وأفغانستان؟ وزير الخارجية التركية الأسبق والذي عمل أيضا ممثلا سابقا لحلف شمال الأطلسي "ناتو" في أفغانستان، حكمت تشيتين، يتحدث عن هذه القضايا وغيرها في حوار مع عائشة كارابات.

إستراتيجية الولايات المتحدة الجديدة في أفغانستان:
الدول الإسلامية مفتاح حل عقدة حركة طالبان الأفغانية
ينبغي للإدارة الأمريكية كسب مساندة الدول الإسلامية في الحرب في أفغانستان، ذلك لأن هذه البلدان قادرة على تقديم التشريع الضروري لبناء دولة جديدة وهذا ما لا تستطيعه الولايات المتحدة، بحسب توماس أفيناريوس في تعليقه الآتي.

دير "مجلس سنليس" إيمانويل رينرت:
الأمر يتعلق بالتنمية وليس بمكافحة المخدرات
الأمر يتعلق بالتنمية وإعادة بناء أفغانستان إقتصاديا"" تشكل زراعة الأفيون ستين بالمائة من إجمالي الدخل القومي الأفغاني ولم يكتب حتى الآن لإية مبادرة بالنجاح للحد من زراعة الأفيون والتجارة بها وبمشتقاتها. هل يمكن أن يكون السماح الرسمي بزراعة الأفيون وإخضاعه لمراقبة الحكومة في أفغانستان هو الحل؟ حوار مع إيمانويل رينرت