الديموقراطية في البحرين

تُطرح عملية الإصلاح البحرينية في وسائل الإعلام الغربية والعربية على أنها نموذج ناجح للتحول الديموقراطي في المنطقة. تقدم أوتا ديفيكا ماينل تحليلا لهذه العملية وتتساءل عن تأثيرها على الشيعة في المنطقة، لا سيما في العراق.

الانتفاضة البحرينية وعملية الإصلاح السياسي في البحرين
بقلم الدكتورة أوتا ماينل

هل تصبح الإمارة البترولية نموذجاً لبناء الديمقراطية ؟

تعتبر البحرين منذ عهد الاستعمار البريطاني قاعدة هامة بالنسبة للمصالح الاستراتيجية الغربية في منطقة الخليج. فالمنامة كانت ميناءً رئيسياً للبحرية البريطانية، كما أنها اليوم مقر القيادة المركزية للأسطول الأمريكي الخامس، إضافة إلى كونها نقطة ارتكاز مجهزة ومستخدمة من قبل السلاح الجوي الأمريكي. من هنا، فإن هذا البلد الصغير يضطلع بدور كبير في لعبة توازنات القوى الجيوستراتيجية بالمنطقة.

فبعد اكتشاف أكبر احتياطيات للبترول في العالم في هذه المنطقة في الثلاثينات من القرن الماضى، بدأت محاولات أمريكية للتأثير في مقدرات الشرق الأوسط . هذه المحاولات- والتي تطورت وترسخت على امتداد السنين التالية- وجدت في البحرين نقطة انطلاق لها حيث اكتشف البترول في مرحلة مبكرة نسبياً بعد العراق وإيران. ومصير المنامة لا يرتبط فقط بالمساندة الأمريكية وإنما يعتمد بشكل كبير على الدعم المالي للمملكة العربية السعودية . وتجدر الإشارة هنا إلى أن المملكة أو" الشقيقة الكبرى " – التي يربطها بالبحرين جسر على الخليج العربي – تعاني حالياً أيضاً من عدد كبير من الصعوبات السياسية الداخلية والإختلالات الاقتصادية الهيكلية، الأمر الذي لا تجد معه نفسها في حالة تسمح لها بالقيام بمعارضة فعالة للانخراط المتزايد لكل من البحرين وقطر في التحالف العسكري الذي تقوده الولايات المتحدة.

أما بالنسبة للحكومة البحرينية فتعتبر مساحة المناورة ضيقة، فالمنامة مصنفة منذ عام 2002 في واشنطن كحليف قوي خارج الناتو غير أنه من شبه المؤكد أن المظاهرات والمعارضة في الأوساط الشعبية لدور البلاد المتزايد كحليف قريب لواشنطن سوف تتزايد في الفترة القادمة.

اهتمام الباحثين الغربيين

يمكن القول إن هذه الإمارة البترولية لم تجد نصيباً كبيراً من اهتمام الباحثين في الغرب. فمعظم الناس لا يكادوا يعرفون شيئاً عنها. وكان الغالب أن يخصص للإمارة المتكونة من عدة جزر ويربطها بالسعودية جسر، فصل لا أكثر في إطار دراسة عن منطقة الخليج بصفة عامة. وحتى الأعمال القليلة التي اهتمت بالبحرين بشكل مركز، نشرت قبل الإضطرابات التي اجتاحت البلاد في منتصف التسعينات بوقت طويل، تلك الإضطرابات التي يطلق عليها ناشطوها مصطلح "انتفاضة" والتي حصلت على اهتمام محدود سواءاً على المستوى الإعلامي أو الأكاديمي ، في حين أنها تعتبر الدافع الأساسي الذي جعل الحكومة البحرينية – الواقعة بشكل كبير تحت تأثير المعايير القبلية فيما يتعلق بطريقة الحكم –لأن تقوم بإصلاحات سياسية من أجل إعادة السلام الداخلي للبلاد إلى سابق عهده، خاصة في ظل الأزمة الحالية التي تعيشها منطقة الشرق الأوسط وهى في حد ذاتها مجال خصب للتحليلات والدراسات السياسية.

غضب شعب محبط

نموذج البحرين أحسن مثال على أن شعوباً محبطة يمكن أن تشكل خطراً حقيقياً على أنظمة متسلطة. فالغضب على النظام الحاكم نما بالتوازي مع الانحطاط المتواصل للوضع المعيشي والسياسي وهو موقف متفجر لم يفلح في إخماده سوى تنازلات من جانب هذا النظام. ومن النموذج البحريني يتضح أيضاً أن الشيء الوحيد الذي يمكن أن يفضي إلى استقرار اجتماعي داخلى هو استعداد النخب الحاكمة للتخلى عن قمعيتها الشديدة تجاه شعوبها والسماح لهذه الشعوب بالمشاركة في العملية السياسية حتى وإن كان ذلك في نطاق محدود نسبياً.
الأمر من وجهة نظري لا يخلو من دلالات مثيرة للاهتمام بالنسبة لتحليل الأوضاع في دول أخرى في المنطقة حيث تسود بصفة عامة خصائص هيكلية متشابهة لأنظمة سلطوية لدرجة أصبحت معها "الدولة القمعية الحديثة" – استخداماً لتعبير الأكاديمي الألماني بيتر بافيلكا – هى النموذج الهيكلي المسيطر في المنطقة.

قد يُطرح هنا، أن البحرين لا يجوز أن تكون نموذجاً تستخلص منه نتائج تحليلية يمكن تعميمها على مناطق أخرى في العالم العربي وذلك بسبب كون معظم السكان البحرينيين من المسلمين الشيعة. بلا شك فإن تاريخ الشيعة الخاص إضافة إلى تكوينهم على المستوى العقائدي إنما يدل على استعداد عال نسبياً للانتفاضة والثورة على أوضاع يرونها ظالمة. ودون تاريخ طويل من التعرض للاضطهاد والتهميش في البحرين فإن من المشكوك فيه أن الشيعة كانوا سيظهرون هذا القدر من قوة إرادة المقاومة ضد عنف وقمع الدولة. غير أنني أميل إلى أن النتيجة التي وصل إليها التحليل السابق يمكن أن تسري أيضاً على البلدان التي تتكون شعوبها من غالبية سنية، حيث تظل احتمالات الصدام الاجتماعي في ارتفاع مستمر إضافة إلى زيادة لا تتوقف في عدد الذين ينتمون إلى فئات اجتماعية مهمشة.

إن البحرين بالنسبة لي يمثل Mikrokosmos (وحدة قياس صغيرة ممثلة) يمكن بسبب صغر حجمه أن يتم تحليله واستخلاص النتائج منه بشأن الـ Makrokosmos (الكل) من حوله. كذلك فإن تحليل الانتفاضة البحرينية – التي قام بها الشيعة بشكل أساسي – يمكن أن يساعد في محاولة فهم الأوضاع بالنسبة لشيعة العراق، فلو أن النتائج الصحيحة كانت قد استخلصت من تحليل الانتفاضة في البحرين لكان من الممكن لمختلف مستويات اتخاذ القرار في واشنطن أن تأخذ العبر بشكل أفضل فيما يتعلق برد الفعل المحتمل لشيعة العراق تجاه احتلال عسكري أمريكي للعراق تسفر عنه حرب الخليج الثالثة . فقمع الزعماء الدينيين والقبض عليهم في البحرين أثبت أنه يأتي برد فعل عكسي. ففي هذه الحالات فإن ما جرى هو أن أنصار هؤلاء الملالى قد تضاعفوا واعتمدوا على العنف عندما قُبض على زعمائهم الروحيين أو تم نفيهم. وقد أدى هذا الفراغ في المرجعية الدينية أيضاً إلى زيادة نسبة التطرف بين الفئات الشابة وخروجها على نطاق سيطرة الجماعات الدينية أو السياسية.ومع الازدياد المضطرد في الاستعداد للشهادة، تصاعد العنف وأصبح خارج نطاق التحكم رغم كل الإجراءات القمعية.
كذلك فإن النموذج اللبناني تحت الإحتلال الإسرائيلي أوضح بجلاء أن تضييق مساحة الحرية الدينية للشيعة واغتيال رجال الدين الشيعة كان خطأ فادحاً. اسحق رابين على سبيل المثال علّق بندم شديد، أن الغزو الإسرائيلي للبنان أخرج المارد الشيعي من زجاجته. فقد أعلن رابين أن لدى الشيعة قابلية إرهابية لم تكن إسرائيــل قــد رأت مثلها حتى ذلك الحـين، وكــانت كلماتـــه واضحــة حــين قــال : " اذا كانت نتيجة الحرب في لبنان أننا استبدلنا إرهاب منظمة التحرير الفلسطينية بإرهاب شيعي الطابع، فإننا نكون قد ارتكبنا أكبر أخطاءنا في حربنا ضد الإرهاب".

في الأسابيع الأخير أعلن زعماء روحيون شيعة في العراق أكثر من مرة أمام عشرات الآلاف من الأنصار والمؤيدين أنهم لن يقبلوا الاحتلال الأمريكي للعراق. كذلك يمكن سماع أصداء أصوات مماثلة تترد في طهران.ومن جانبها فإن الولايات المتحدة أعلنت استبعادها لإمكانية السماح لحكومة إسلامية بالوصول إلى الحكم في العراق. هذان الموقفان يبدوان على تضاد مستمر غير قابل للحل. من وجهة نظري، فإنه من المحتمل جداً أن نشهد "انتفاضة" عراقية يهب فيها أجزاء كبيرة من السكان الشيعة العراقيين. وإذا هاجمت الولايات المتحدة إيران بالفعل، فإننا سنرى انتفاضة للشيعة في كافة أنحاء العالم العربي.

إن عملية الإصلاح البحرينية – والتي تُقدم في وسائل الإعلام الأمريكية ومثيلاتها العربية بأنها نموذج ناجح للتحول الديموقراطي في المنطقة – يمكن أن تكون ذات إفادة عالية فيما يتعلق بفرص وكيفية إنجاح إدماج الشيعة العراقيين في النظام السياسي المزمع إنشاؤه بعد صدام حسين. ولعل الإخفاقات التي رصدت في البحرين يمكن ان تفيد كثيراً في هذه الحالة. لهذا فإنه من الأهمية بمكان – خاصة في هذه المرحلة – تحليل التطورات السياسية الأخيرة في البحرين.

إن الهدف المركزي لورقتي البحثية عن البحرين هو تحليل العوامل المتشابكة والمتداخلة التي أدت إلى إندلاع موجة الإضطرابات في الفترة بين عام 1994 وعام 1997 وهو هدف طموح من الناحية الأكاديمية وأنا أدرك هذا .انتفاضة صغيرة

إن تعبير "الانتفاضة" الذي يحتوى على إيحاء سياسي قوي بثورة مشروعة ضد الظلم يعتبر حالياً تعبيراً محورياً في العالم العربي، تنبع منه قوة عاطفية جاذبة. ويعد من نافلة القول بالتأكيد أنه لا يمكن مقارنة الانتفاضة الفلسطينية بالانتفاضة البحرينية. لعله من الجائز أن نطلق عليها "انتفاضة صغيرة"mini Intifada)) فقد استخدمت أساليب أقل عنفاً فلم يصل الأمر مثلاً إلى استخدام أسلوب العمليات الانتحارية – برغم ما قيل عن أنه توجد قوائم من المتطوعين المستعدين للقيام بها في البحرين. وكان النموذج السائد للأحداث هو أن يتجمع عدد من الشباب بصورة عفوية في القرى ومن ثم يقومون بتنظيم مسيرات ويستخدمون عبوات الألوان لكتابة الشعارات على الجدران إضافة إلى إشعال النار في أكوام من القمامة وتفجير اسطوانات الغاز.
حتى عندما تطورت الأمور إلى سلسلة من إضرام النيران في محطات توزيع للكهرباء ومحلات تجارية إضافة إلى القيام ببعض التفجيرات في فنادق فخمة، فإن الشيء الملفت دائماً هو أن هذه الأعمال لم تسفر عن ضحايا في صفوف الشعب البحريني. بيد أن الحكومة ردت بشدة، حيث تعرضت مجموعات كبيرة من المواطنين للاحتجاز وتم إغلاق قرى بأكملها وإغراقها في سحب كثيفة من الغازات المسيلة للدموع بواسطة المروحيات، إضافة إلى نفي بعض الزعماء الروحيين من الشيعة

سبب اندلاع الانتفاضة

وكانت الاضطرابات قد اندلعت عندما تم تجاهل عريضة مقدمه لأمير البحرين آنذاك الشيخ عيسى بن سلمان آل خليفة تطالب بإعادة البرلمان المنحل منذ عام 1975 وكذلك إعادة العمل بالدستور المتوقف. وقد وقّّع هذه العريضة المقدمة من السنة والشيعة معاً حوإلى 25000 شخص. واذا ما أخذنا في اعتبارنا أن عدد السكان كان يبلغ آنذاك 600000 - إضافة إلى كون ثلثهم من الأجانب- سنجد أن هذا العدد يمثل نسبة عالية من السكان؛ وعندما رفض الأمير قبول العريضة فإن ذلك كان ما أثار الاستياء، خاصة في أوساط الشباب الذين توصلوا من خلال هذا الرفض إلى أن ذراع النظام لن يتأتى سوى من خلال العنف. وقد ظل مطلبا الدستور والبرلمان إضافة إلى حل فعال لمشكلة البطالة المتفشية بصفة خاصة بين الشيعة هي المطالب المحورية للناشطين طوال فترة الانتفاضة. بيد أنه لم يتم أبداً في اي مرحلة المطالبة بإقامة حكومة إسلامية، الأمر الذي عكسته الطبيعة المعتدلة للشعارات التي كانت ترسم على الجدران.
ورغم هذا فقد تم تصوير ناشطي انتفاضة البحرين منذ البداية على انهم مخربين وإرهابيين. وفي وقت لاحق كان الادعاء بوجود مؤامرة لتنفيذ انقلاب دولة بمساندة إيرانية.

لقد سألت نفسى مراراًً عما دفع الناشطين للانخراط المتكرر في معارضة النظام، برغم أن هذا كان يعني تعرضهم لاعتقال فوري وقضائهم لأعوام كثيرة وراء قضبان السجون المكدسة وتعرضهم بداخلها للتعذيب المنهجى المنظم. كل هذا رغم محدودية الامل في ذلك الوقت في تحقيق شىء في مواجهة سلطة الدولة القوية.
بالنسبة لأسباب وبواعث الصراع بين الأغلبية الشيعية وقبيلة آل خليفة والمرتبطين بها، فقد وجدت كثيراً من الأجوبة التي تمخضت عن البحث في تاريخ هذا البلد. غير أن كل هذه الأجوبة جعلت التوصل إلى نتيجة مفادها أن "غضب" اللاعبين الأساسيين على الساحة على النظام الحاكم، هو العنصر الأساسي الذي أدى إلى اندلاع الانتفاضة. ولعل هذه الإجابة هى الأقرب لتفسير سبب قيام النشطاء بمواجهة ما يعلمون أنه قد يكون عاقبة أعمالهم نفسيا بنوع من الغضب الداخلي الذي جعلهم يدركون كم هم مستعدين لدفع ثمن غال من أجل تنفيث هذا الغضب. ومن هنا تم وضع فرضية أن " الغضب " هو الباعث الاساسي لانتقال أمور السياسة إلى الشارع، الأمر الذي يرفعه إلى مصاف العوامل السياسية التي تزداد أهمية باستمرار في ظل الأزمة الحالية في منطقة الشرق الأوسط.

لقد أدرك السياسيون والمثفقون أهمية "الغضب" كعامل سياسي في تكوين الحركات المعارضة المستعدة لاستخدام العنف. ومن هنا فإن سياسيين سعوديين بارزين أرجعوا سبب اندلاع الانتفاضة الفلسطينية إلى الغضب والحيرة السائدة هناك وحذروا من أن المنطقة بأسرها يمكن أن تشتعل فيها النيران. ومن هنا أيضاً فان الكاتبة الهندية أروندهاتى روى تمثل وجهة نظر شائعة مفادها أن "الغضب" هو المفتاح الأساسي لفهم الهجمات الإرهابية في 11 سبتمبر/أيلول. كذلك فإن عالمة الاجتماع المغربية فاطمة مرنيسي تصف الصعود الأصولي في أوساط الشباب بأنه صرخة احتجاج ضد التهميش، والاستبعاد من المعرفة، والعمل والمشاركة السياسية. وتؤكد مرنيسي على أن هذه الصرخة تنبع من خوف هؤلاء من أن تنساهم الحداثة والفرص التي تتيحها والتي تظهر للعيان في مناطق أخرى من العالم. ومن هنا فإن الكتابة قد أسست للصلة بين الغضب والخوف.

لماذا الغضب؟

بهذا، يكون التساؤل المحوري لهذا العمل قد تم تعديله في اتجاه التساؤل عما أطلق شرارة الغضب لدى من نشطوا في الانتفاضة وتوضيح الشعورالداخلي لهؤلاء المشاركين. إن السببين الأساسيين وراء إطلاق هذا الغضب المكبوت في اعتقادي هما سوء استخدام السلطة من قبل النخبة الحاكمة وغياب العدالة في توزيع مصادر الثروة والموارد الاقتصادية. هذا الاعتقاد يدفعنا إلى صياغة الفرضيتين الآتيتين والواحدة منهما تنبنى على الأخرى:
1) أن الغضب الذي استشرى في البحرين إنما يعد نتيجة لما يمكن تسميته بــ "ثقافة الخوف" والتي يعد من أهم خصائصها الإذلال الشديد الذي تعاني منه الأكثرية الشيعية في البلاد.
2) ومن هنا فإن القول يجوز بأن الصراعات في البحرين هي صراعات على السيطرة برغم أن لها أبعادا دينية وإثنية.

ومن أجل تحليل هذا النظام السلطوي– الذي هو في جوهره نظام قبلي – فقد اعتمدت على نظريتَي "الدولة التابعة" ونظرية "الدولة الأبوية". والنظريتان يمكن الاعتماد عليهما في حالة البحرين ويمكن القول إن حالة البحرين تعد تطبيقاً للنظريتين. إن النظر إلى مشاكل البحرين من منظور يعتمد على هاتين النظرتين وضّح بجلاء أن هذه المشاكل تحولت إلى خصائص مكتسبة للنظام. من هذا مثلاً تمركز القوة والسلطة في يد الأسرة الحاكمة، وكذلك الاختلالات الهيكلية في النظام الأبوي متمثلة في الفساد المستشرى واضطهاد فئات معينة. وهذه الاختلالات جزء أساسي من التكوين القبلي والذي تنبني عليه هذا النوع من الأنظمة والمجتمعات ذات الطابع الأبوي. كذلك فإن حالة الاغتراب الثقافي والسياسي التي تسود داخل المجتمع تعتبر صفة مميزة لهذا النوع من الأنظمة.

وبالرغم من أن البحرين يختلف عن جيرانه في نواح كثيرة غير أن هذا البلد يعتبر نموذجاً كلاسيكياً للدولة التابعة والذي أشار بافيلكا إلى قابليتها للتعرض للأزمات. إن غياب الأساس الشرعي – اذا ما أردنا استخدام كلمات خلدون النقيب – تم تعويضه من خلال إرهاب الشعب. إن التحليل التاريخي لكيفية حكم آل خليفة قد بينت عدداً من بواعث الصراع الحالي وجذوره والتي لا يتسع المجال في هذا العرض القصير للتبحر فيها.

العقلية الجماعية

ان الأمر المحوري هنا يبدو لي أن هناك صداماً قد حدث بين رؤيتين كل منها لها أساسها الأيديولوجي والديني الذي لا يمكن التوفيق بينهما وذلك بصفة أساسية لعدم وجود إرادة سياسية لدى النخبة الحاكمة لإدماج الشيعة ومحاولة القضاء على تهميشهم.
ومن أجل استخلاص النتائج حول الأساس العاطفي الذي ارتفع عليه الصراع وتأجج فـقد استخـدمت قاعـــدة أو مــبدأ " العقلـية الاتصالية " أو "العقـلية الجماعـــية" التي تلعب مكوناتها دوراً أساسياً في تكوين الهوية بالنسبة للمجموعات الإثنية. ان مكونات العقلية الثقافية والاتصالية – كما فرق بينهما يان أسمان –عند أتباع المذهبين الشيعي والسني في البحرين بالفعل مختلفة اختلافاً جذرياً. فأساس تكوين العقلية الثقافية عند الشيعة يتمثل في خسارتهم للمعركة السياسية على خلافة النبى محمد والتي مثلت نقطة البداية لتكوين ما سمي بالشيعة. إن المثل الأخلاقية والشرعية المؤسسة على الأهلية الدينية تبرز بشكل واضح في الفهم الشيعى للإسلام. وقد ترسخت الهوية الثقافية والدينية للشيعة من خلال تحديدهم كطبقة فقيرة وغير متعلمة وغالباً ما تقبع في قاع المجتمعات العربية. وفي حين أن العقلية الثقافــية للشيعة بصـفة عـامــة متأثـــرة للغايــــة بتحـديــدهــا لذاتها في بوتقة "المجرد من حقه" فإن العقلية الاتصالية للشيعة في البحرين تحتوى على مشاهد مخيفة مما عاشته الأكثرية الشيعية في البلاد من التعرض لقهر الدولة وقمعها وأساليب التعذيب وحتى الاغتصاب من أجل إذلالها. وتوجد الكثير من الروايات بهذا الخصوص من تقارير الموظفين البريطانيين إبان العهد الإستعماري.

إن هذين العاملين في الوعي الجماعي لدى الشيعة والذين يتمحوران حول فكرة التعرض للهزيمة أو القهر قد لعبا دوراً هاماً في تقوية وتغذية أحدهما للآخر مما أدى إلى تكون هوية تحتل فيها فكرة التعرض للظلم والثورة ضده إلى فكرة مركزية. إن هذا الوعي بتكوينه السابق ذكره يمكن من خلاله تفسير ما حدث، ويمكن اعتباره مقدمة وأساس للهّبة التي قام بها الشيعة في البحرين. ولعل القول يجوز بأن هذه التكوينات العاطفية داخل الوعي الشيعي قد تم تفعيلها بمجرد اندلاع الاضطرابات. ومنذ ذلك الحين فإن الاتصال اليومي أصبح خاضعاً لتطورات الأحداث الخاصة بالانتفاضة. وعندما استخدمت قوات الأمن التابعة للدولة - ومعظمها من الباكستانيين- الأساليب العنيفة ضد مواطني القرى الشيعية في بداية الانتفاضة ، فإن الشعور الكامن في العقل الباطن لدى الكثير من الشيعة البحرينيين بالتعرض للذل والاضطهاد تحت الحكم غير الشرعي لآل خليفة لعشرات من السنين قد اشتعل وانتشر كالنار في الهشيم.

كذلك فقد أسهم الأسلوب الذي اتبعته الدولة ضد الزعماء الدينيين من الشيعة والذين انتقدوا هيكل توزيع السلطة في البلاد، في أحداث حالة من الدهشة المستنكرة في أوساط اتباعهم مما أدى إلى زيادة عدد الناشطين المستعدين لاستخدام العنف. وأدى اعتقال أو نفي عدد من هؤلاء الزعماء إلى زيادة استعداد أنصارهم للتضحية بأنفسهم من اجل أهداف الانتفاضة. وقد ساهمت ممارسات من نوع تطويق حرية تجمع الشيعة في مساجدهم ومراكزهم الاجتماعية التي تم إغلاقها أو هجرها، أو التدخل بالمنع أو الاعتراض على تشييع ضحايا التعذيب، ساهمت بشكل كبير في تفاقم العنف. وبعبارة أخرى فإن العنصر الديني في الصراع هو الذي أدى إلى هذه الدرجة من التعبئة وذلك بسبب ما اتبعته الحكومة من أساليب ضغطت في هذا الاتجاه.الإصلاحات

كانت المسألة بالنسبة اليهم هى الدفاع عن الجماعة الشيعية وكذلك - وإن كان بصورة أقل – تمثل التحزب لانحيازات أيديولوجيــة. ورغم أن الاضطرابات قد خفت حدتها في عامي 1998 و 1999 وذلك بسبب القبض على الكثير من النشطاء ضمن عوامل أخرى، إلا أن الموقف الذي وصل إلى طريق مسدود لم يتغير الا مع وفاة الأمير وانتقال الحكم إلى ابنه الشيخ حمد بن عيسى آل خليفة في مارس 1999. ففي السنة الأولى لحكمه عمل الشيخ حمد على تقوية مركزه في أوساط الأسرة الحاكمة وتأمين مساندتها لعملية الإصلاح الذي كان ينوي القيام به. وفي نوفمبر من عام 2000 أعلن الأمير بصورة مفاجئة نظاماً إدارياً ودستورياً جديداً وعين لجنة مهمتها العمل على صياغة ميثاق (دستور) جديد للبلاد. كذلك أعلن الشيخ حمد عن نيته تحويل البحرين إلى مملكة.

بالنسبة للمعارضة المتواجدة في لندن فقد اعتبرت الإصلاحات المقترحة تفتقر إلى الشرعية واستندت إلى المادة 104 في دستور عام 1973 التي تشترط أغلبية الثلثين من أعضاء البرلمان لتمرير أي تعديل دستوري. وبالتالي فقد أعلنت حركة المعارضة المسماة بــ "حركة الحرية البحرينية" بأنه في غياب البرلمان المحلول فإن التعديلات المقترحة تعتبر غير دستورية. ولعل الخوف الأكبر لدى المتشككين والمنتقدين كان أن يكون هدف التعديلات الجديدة تقوية سلطة الأسرة الحاكمة ليس إلا.
وقدمت اللجنة المكلفة مشروعاً لــ " ميثاق العمل الوطنى" للأمير في ديسمبر/كانون الأول، وأعلن الأخير أن المشروع سيقدم للشعب للتصويت عليه من خلال استفتاء عام. وترافق ذلك مع إعلان الإفراج عن كل المعتقلين السياسيين وكان من بين أوائل المفرج عنهم عدد كبير من زعماء الدين الشيعة والذين ظلوا رهن الاعتقال دون تهمة منذ عام 1996 وكانوا يعتبروا من الشخصيات المحورية في المعارضة أثناء أحداث الانتفاضة. وعندما أعلن هذا المركز للمعارضة الشيعية في البحرين تأييده للإصلاحات، بدأت المعارضة المتواجدة في الخارج في التخلي عن موقفها المتشكك وبدأت بعض عناصرها في العودة إلى البحرين. وبذلك فقد تخلت المعارضة عن الموقف المعارض للإصلاحات باستثناء الجناح الشيعي المتطرف المتواجد في سوريا. وصوتت أغلبية ساحقة من البحرينيين (98.45 %) لصالح الميثاق الجديد الذي نص على برلمان منتخب، وإنشاء ملكية دستورية، وقضاء مستقل وكانت هذه هى المرة الأولى التي تجري فيها عملية تصويت حر في البحرين منذ عام 1973. وفي هذه الأجواء المعبأة بالآمال، تم حل محكمة أمن الدولة والغاء قانون أمن الدولة.

خيبة أمل

ولكن بعد شهور قليلة خفتت الفرحة الآملة وسط تصاعد وانتشار شعور بعدم جدية نية تنفيذ الإصلاحات من قبل الملك. فقد ظل معدل البطالة – الذي قدره بعض المراقبين الغربيين من 25% إلى 45%- على حاله، وكذلك لم يتم أخذ مطالبة الكثير من البحرينيين بإصلاح وتغيير سياسة تسيير سوق العمل بعين الاعتبار. ولذا فقد ظلت هناك ثلة قليلة تستغل ثغرات قوانين العمل لإدخال العمالة الآسيوية الرخيصة إلى البلاد من خلال ما عرف باسم " التأشيرة المجانية" أو FREE VISA . وفي هذا السياق أيضا تجب الاشارة إلى مشكلة الفساد داخل النخبة والتي لم تكن موضوعاً أو هدفاً للاصلاحات المتبناة، الأمر الذي أثار استياءً شعبياً متزايداً. وهكذا فقد خرجت مظاهرات عديدة للمطالبة بفرص عمل. كذلك فقد انتقدت المعارضة عدم وجو شفافية كافية في عملية اتخاذ القرار السياسي وكذلك استمرار العوائق امام حرية ابداء الرأي في وسائل الاعلام. إلى جانب ذلك فقد استمر الوضع فيما يختص باستبعاد الشيعة من تقلد المناصب في وزارة الداخلية أو الجيش على ما هو عليه.

وقد اجتمعت كل اطياف المعارضة في انتقاد إصدار الشيخ حمد دستوراً وطنياً جديداً دون استشارة الخبراء أو أخذ الموافقة الشعبية، ناهيك عن اعتبار أن هذا الدستور قد أخل بالمبادئ الواردة في ميثاق العمل الوطنى ودستور 73.
في أكتوبر من عام 2002 شهدت البحرين، تلك الإمارة السلطوية، انتخابات برلمانية للمرة الأولى منذ ثلاثين عاما تقريبا وكانت نسبة المشاركة فيها ما لا يقل عن 53% من ضمن 250000 مواطن لهم حق التصويت. ورغم استمرار حظر تكوين الأحزاب السياسية فإن هناك مجموعات من المرشحين قد كونت جبهات غير رسمية وتضافرت مع بعضها البعض في إدارة معاركها ودعايتها الانتخابية.

المجموعات المعارضة الأربعة الكبرى دعت قبل الانتخابات البرلمانية إلى مقاطعة صناديق الاقتراع لأن ممثلي الشعب المنتخبين كان يجب عليهم – بخلاف ما جاء في الميثاق – أن يشركوا الأربعين ممثلاً المعينين من قبل الملك في الغرفة البرلمانية الثانية في سلطتهم التشريعية. هذا الهيكل البرلماني (برلمان 1973-1975 كانت غرفة واحدة) سمح للنظام بالاحتفاط بالكلمة الاخيرة على السلطة التشريعية.
بخلاف انتخابات عام 1973 فإن النساء اصبح من حقهن التصويت، غير أن أياً من المرشحات لم تستطع دخول البرلمان. وبالمحصلة فقد تم انتخاب أربعين عضواً في برلمان يتكون من غرفتين فيما اتسم التكوين النيابي بالتوازن بين الإسلاميين والعلمانيين. صحيح أن الانتخابات لم تشهد وجود مراقبين من الخارج غير أن المعارضة قيمتها بأنها كانت نزيهة. وبهذا فقد تحولت الإمارة إلى مملكة مع بداية عام 2002 . وفي حين كانت الحكومة في المرحلة الأولى التي شهدت الإعلان وبدء الاصلاحات تبذل جهداً كبيراً في إدماج خصومها وحتى المصالح غير المنظمة في عملية صنع القرار السياسي، إلا أنها لم تعد تفلح في هذا لاحقاً.
ومع اقتراب الانتخابات العامة والبرلمانية فقد بدا أن استراتيجية الإصلاح قد بدأت تفقد صلاحيتها وفقدت فرص كثيرة للتطور وتنمية التجربة.

تقييم الإصلاح

إذا ما كان الهدف هو البحث عن إصلاحات مناسبة من إجل عبور فترة من الاضطرابات وعدم الاستقرار فإن أوجه القصور في النظام الذي أنتج حالة عدم الرضا وأجج الصراعات يجب أن توضح، وأن تحلل عواقبها المحتملة، وهذا لم يحدث في البحرين. لقد ظل تعبير " الإصلاح" والمقصود به حقيقة امراً عائماً، وربما يرجع ذلك للشعبية المتزايدة للتعبير في حد ذاته في المناقشات الدائرة في المنطقة حالياً. كثير من الناس يختلفون جذرياً فيما يفهمونه من هذا التعبير وقد ظهر هذا في الظرف البحريني بشكل جلي.

فقد تخيل جزء كبير من الشعب شيئا آخر تماماً تحت مسمى " الإصلاح الديموقراطي" عما تخيلته الأسرة الحاكمة. ففي حين أن الأكثرية الشعبية كانت تنتظر مؤسسات ديمقراطية وإيقاف عمليات التعذيب واستخدام القوة المفرطة من أجهزة الدولة، إضافة إلى حرية رأي وتعبير مكفولة، فإن الأسرة الحاكمة كانت أكثر اهتماماً بالاحتفاظ بسلطتها. في الحالة البحرينية أسفرت الأمور في نهاية الأمر عن عقد "ميثاق" بين الأسرة الحاكمة وأجزاء مهمة من المعارضة تم تصويره بأن سلسلة من "المكرمات" التي يجود بها الأمير. وبهذا فقد ترسخ النموذج القديم للدولة "الابوية" التي يعتبر "المستبد العادل" أو " المستبد النزيه" في مركز تكوينها الهيكلي. ولذلك فإن من الصعب توقع أي تعديل تصحيحى في هذا النموذج في الحالة البحرينية. ذلك النموذج الذي تتشكل عليه الأنظمة السياسية وكثير من المكونات الثقافية في هذه يلمنطقة من العالم . ومن هنا يتضح لنا من هذه الحقائق أن الأمر بالنسبة لأمير البحرين لم يكن هو رغبته في إعادة بناء وإصلاح النظام السياسي على أساس من المشاركة الشعبية. ولأنه من الواضح أن النظام لم يكن لدية نيه حقيقية في التغيير النافذ، بما أيد الشك بأن عملية الإصلاح ستقتصر على عدة لفتات رمزية، فإن الكثيرين في البحرين انتقدوا المشروع الإصلاحي لأنه لم يتكون الا من عدة تصحيحات تشبه عمليات التجميل الخارجي.
وقد أيد هذا الاعتقاد أن كثيرين من البحرينيين الذين كانوا مسؤولين عن الانتهاكات الواسعة لحقوق الإنسان في فترة الانتفاضة لم يتم تعريضهم للمسائلة الجنائية. بالعكس من ذلك فإن مرسوماً أميرياً ضمن لهؤلاء عدم التعرض للعقوبة عن أدوار قاموا بها إبان الانتفاضة. وعندما يتم قمع الماضي وجرائمه بهذا الشكل فإن ارتياحاً داخلياً لا يمكن أن يجد له سبيلا إلى نفوس الناس أو حتى محاولة إخماد ما بين الضحايا والمذنبين من ثأر تصبح مستحيلة. إضافة إلى ذلك فقد أمر الأمير وقرر قبل انعقاد البرلمان الجديد بأنه لن يسمح للبرلمان بمناقشة أمور حدثت قبل انعقاد هذا الجهاز التشريعي، مما يعنى أن البرلمان لم يكن له حق مناقشة أو تناول ما حدث إبان فترة الانتفاضة بأثر رجعي وبالتالي عدم قدرته على تناول انتهاكات حقوق الإنسان آنذاك.

نتيجة إيجابية

إن هذه الخطوات تعكس خصائص نفس السياسة التسلطية والمركزية التي كانت سائدة في البحرين قبل الإصلاحات. ولذلك لا يزال الكثير من البحرينيين يعتقدون أن شيئاً لم يتغير وأنه تم الالتفاف حول مطالبهم بشكل احتيالي.
ولكن برغم كل الانتقادات – وهى في محلها – يشار دائماً إلى إطلاق سراح المعتقلين السياسيين وإلى أنه الآن لا يجوز احتجاز أو القبض على متهمين بدون إذن قضائي وبالتالي أصبحت عمليات الاحتجاز التعسفي والاعتقال الجماعي وكذلك اعتقال أفراد أسر المطلوبين بدون ذنب مستحيلة في ظل الوضع القانوني الحالي. وبالتالي فقد تمخض الإصلاح في النهاية عن استبدال تعسف وقمع الأجهزة الأمنية بوجود مجالس محلية وبرلمان. غير أن ممثلي الشيعة لم يمكن كسبهم للتعاون مع الوضع القائم. لذا فإن مشكلة أساسية وهى عدم إدماج الشيعة في الصورة العامة للوضع السياسي تظل قائمة ولم تفلح محاولات التوفيق وتوزيع السلطة المقترح بين كل من النخبة الحاكمة والمعارضة. وبذلك فإن تحويلاً ديمقراطياً نوعياً ومستقراً لم يتحقق.
كذلك يظل هناك قصوراً في مجال التمثيل السياسي للشعب، ومسألة دولة الحق والقانون، ومجال الفصل بين السلطات والشفافية ومكافحة الفساد وحرية الصحافة. ويمكن للاضطرابات والتهديدات الداخلية أن تظهر في النظام الجديد إذا توسعت "الحرب على الإرهاب" في المنطقة واستمر الهبوط في سعر النفط.

من ناحية أخرى فإنه لابد من أن نعتبر إنهاء الانتفاضة وإدخال الإصلاحات يعتبر نجاحاً في إدارة دفة الأمور، ولكن تركت السياسة المتبعة أمر توزيع السلطة وتمركزها في يد الأسرة الحاكمة للآمال غير المحققة. وساهمت الاستراتيجيات المتبعة في استمرار حالة الريبة بين النظام والأكثرية الشيعية وبدا وكأن شيئاً لم يتغير في هذا الخصوص. هذه المعطيات تمثل أسساً صعبة لتقوية الإصلاحات والتي ظلت واقفة بين مطرقة الحفاظ على مكتسبات الأسرة الحاكمة وسندان التحويل الديموقراطي الحقيقي. كما لا يجب أن ننسى أن التبعية السياسية والاقتصادية التي يعتمد عليها بلد مثل البحرين هى في حد ذاتها عائق أمام التطور السياسي والاقتصادى.

فإيقاف آلية السوق بالإضافة إلى عقلية التبعية والعمالة الاقتصادية تقف عوائق شاهقة أمام التنمية الاقتصادية والسياسية.
إن الجواب على التساؤل ما إذا كان عملية التحويل في البحرين قد نجحت، تتوقف على زاوية النظر إلى الأمور. إذا ما اعتبرنا أن الهدف كان إنهاء الانتفاضة وإعادة الاستقرار وتقوية مركز الأسرة الحاكمة وتعاونها مع الولايات المتحدة وترميم هذا الموقف فإن عملية التحول يمكن النظر إليها على إنها ناجحة. غير أنه إذا ما كان الهدف هو إنشاء ديمقراطية حقيقية تتبنى آليات السوق في اقتصادها وتستحق بالفعل لقب الديمقراطية فإن محدودية سياسة الإصلاح لا يمكن التغاضى عنها. ويبقى انتظار الدرجة التي ستستطيع بها المؤسسات الجديدة (البرلمان- المجالس المحلية – منظمات حقوق الإنسان) أن تعمل باستقلالية ويظل الاحتمال قائماً أن تستطيع عملية التحول الديموقراطي أن تخلق لنفسها ديناميكية نابعة من ذاتها لا يفيد معها وضع العوائق أمامها وتكون بهذا قادرة على الاستمرار والتوسع.

ولكن على أي حال يجب التحسب لحقيقة أن ذكريات الظلم (ليس فقط من فترة الانتفاضة) وبالذات في القطاع الشيعي من الشعب البحريني سوف تظل ماثلة في أذهان هؤلاء الذين اكتووا بنيرانها، وذلك لأن فكرة التعرض للظلم – كما بيّنا – هى مكوّن مركزي في الوعي الديني وتكوين الهوية الشيعية وتعريفها لذاتها كجماعة.
بالنسبة لمسألة فتح ملفات الماضي والتي تم التعتيم عليها وعدم السماح بها من أعلى، يبدو احتمال تحقيق العدالة في هذا الخصوص بعيدا. وبالتالي فإن تجاوز الصراعات القائمة على أساس إثني أو عقائدي أو اقتصادي في البحرين لا يمكن توقعه في المستقبل القريب. هذه المشاكل غير المحلولة يمكن لها في ظل تصاعد لغة الصراع ومفرادته في المنطقة ككل إضافة إلى زيادة الانتقادات الموجهة إلى السياسة الإمبريالية للولايات المتحدة، يمكن لهذه المشاكل أن تؤدي خلال السنوات القادمة إلى اندلاع انتفاضة ثانية يمكن أن تجلب عواقب وخيمة ـ كما حدث في الحالة الفلسطينية.

ويتنامى احتمال اندلاع الإضطرابات مجددا إذا ما هب شيعة العراق أو إذا ما حدث تمرد في أوساط الشيعة السعوديين الذين يعيشون في المنطقة الشرقية للمملكة والتي تربطها بالبحرين جسر.

التأثير على الدول المجاورة

إن هناك تناميا ملحوظا ومحسوسا للغضب في العالم العربي على مدى الشهور الأخيرة ويتوقع أن يُبقي هذا الغضب احتمالات الإنفجار مفتوحة. كذلك فإن سياسة القمع يتوقع أن تزيد لمنع هذا الغضب من الإنفجار. ومن هنا يمكن اعتبار الانتفاضة في البحرين ظاهرة قابلة للانتقال إلى بلدان أخرى كثيرة. العراق يقف بوضوح على رأس قائمة هذه البلاد.

شئ واحد مؤكد! فقد استيقظ لدى أناس كثيرين بفعل الحرب مؤخراً وعي سياسي يصعب إبقاؤه تحت السيطرة خاصة بطريقة القمع الهادفة إلى "التعايش من خلال التخبط" الذي تنتهجه النظم الحاكمة في المنطقة. غير أنه لا يمكن انتظار إصابة الأنظمة في المنطقة بنوبة كرم مفاجئ لمجرد أن الكلام عن الإصلاح أصبحت تلوكه الألسنة في كل مكان.
كما أنني غير مقتنعة من أن الولايات المتحدة تريد فعلا إدخال الديمقراطية إلى الشرق الأوسط. ما أراه، هو أننا نعيش زمناً اصبح فيه تعطيل قيم أساسية وإفراغها مما لها من سلطة بسهولة كبيرة ممكنا .إن المناقشة الساخنة هنا في العالم العربي حول الماهية الحقيقية للديمقراطية أو ما يجب أن تكون عليه الديمقراطية والتي تحتل المقدمة على الأجندة السياسية العربية حالياً هى مناقشة لم يدخلها الغرب بنفس التركيز بعد. لقد حان الوقت لكي نطرح جميعا على أنفسنا السؤال حول مدى تمسكنا بالتصور الأمثل للديمقراطية والذي لا يجد في الواقع انعكاساً له على الإطلاق.
.
وختاماً أضم صوتي إلى صوت الأستاذ الدكتور حسن نافعة أستاذ العلوم السياسية بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية بجامعة القاهرة والذي يقول بأن الشعوب العربية سوف يكون عليها الكفاح والمصارعة من أجل نيل هذه التطلعات المرتبطة بالديمقراطية، ليس فقط ضد حكامها وإنما أيضاً ضد إرادة الولايات المتحدة الأمريكية.

ألقت أوتا ماينل هذه المحاضرة في إطار فعالية الهيئة الألمانية للتبادل الأكاديمي في القاهرة في شهر مايو/أيار ويونيو/حزيران الماضيين بعنوان: تجارب الإصلاح وحوار حول أوجه الإصلاح المختلفة فى العالم العربي.

د.أوتا ماينيل من مواليد كالكوتا بالهند. قضت طفولتها فى الشرق الأوسط، درست الفلسفة والعلوم الإسلامية والصحافة فى جامعة برلين الحرة، وحصلت عام 1990 على دبلوم العلوم السياسية. ثم عملت لوكالة الأنباء الألمانية (dpa) فى أماكن عدة آخرها البحرين وأخيرا حصلت على درجة الدكتوراه عام 2001.