وجوه جديدة لمحلات عمان التقليدية ومتاجرها العريقة

لم يلقَ "التصميم الدعائي" ما يستحقه على واجهات المحلات الصغيرة في الأردن، حيث يندر وجود الشعارات المصمَّمة تصميمًا خاصًا والكتابة بحروف مخططة وكذلك بطاقات العمل، خاصة بالنسبة للحرفيين والقائمين على المتاجر التقليدية والمشاريع الصغيرة، الذين لا توجد لديهم ميزانية للدعاية. ولذلك قام مصمما جرافيك شابان في عمان بمساعدة أصحاب المحلات الصغيرة بابتكارات وأفكار جديدة. دانييلا شرودر تسلط الضوء لموقع قنطرة على الفن والتصميم الدعائي في الأردن.

الكاتبة ، الكاتب: Daniela Schröder

على واجهة المحل الضيقة أُلصق شعار ملفت للنظر. يشاهَد على هذا الشعار في الأعلى والأسفل كتابة بحروف مخططة: "مخيطة - منذ عام 1957" وباللغتين العربية والإنكليزية. تحيط هذه الكتابة بصورة نصفية مرسومة في الوسط لرجل بشارب ويرتدي قبعة كاروهات رجالية.

وفي داخل هذا المحل، وهو خليط من الأقمشة والخيوط والمقصّات والدبابيس والرسومات، يجلس خلف ماكينة الخياطة خالد - الرجل ذو القبعة الكاروهات. ومحله هذا يقع في جبل النزهة، إحدى المناطق الفقيرة في العاصمة الأردنية عمّان، حيث يعمل هناك منذ عقود من الزمن. لا تبدو هذه الـمَخْيَطة قديمة هذا القدم - فهي عبارة عن محل بسيط كان غير ظاهر للعيان، مثل الكثير من المحلات الأخرى في زقاق مكتظ بواجهات المباني الرمادية. ولكن بعد ذلك ظهر الشعار الذي تتوسطه القبعة وأصبحت مخيطة خالد الصغيرة تجذب أهالي المنطقة.

شعار خاص وكتابة بحروف مخططة - صحيح أنَّ هذا مظهر جذّاب بالنسبة لأي "محل تقليدي يعمل فيه رجل واحد"، ولكنه في الواقع باهظ الثمن. ولذلك يسعى كلّ من حسين الأزعط (32 عامًا) وعلي المصري (27 عامًا)، وهما مصمما جرافيك من عمان، إلى تغيير هذا الواقع. وتكمن استراتيجيتهما في إعطاء متاجر الأهالي ومحلاتهم العريقة وجهًا جديدًا، بشعارات خاصة وكتابة بحروف مخططة، تعتمد على طبيعة أصحاب هذه المحلات واحتياجات محلاتهم. ولا تكلف أصحاب المحلات أي شيء.

أعمال حرفية مهدّدة بالانقراض 

Logo für Khaleds Schneiderei; Foto: Essa Almasri/Wajha
Wappen im Retro-Look: Dabei sollte das Markenzeichen des Inhabers im Mittelpunkt stehen: Khaleds Mütze

يقول حسين الأزعط إنَّ مظهر المحل لم يكن يلعب حتى ذلك الحين أي دور بالنسبة لأصحاب المحلات مثل الخياط خالد، ويضيف: "يعتبر الأثر الاقتصادي الذي يتركه التصميم، أي تأثيره على الزبائن والمشترين، أمرًا غير معروف بالنسبة لأصحاب المحلات الصغيرة".

لكن الحال كانت مختلفة في الماضي. فقد شكّلت حقبة الخمسينيات والستينيات في عالم الأعمال العربي فترة ازدهار بالنسبة للخطاطين ورسامي القارمات واللافتات، الذين يعتبرون روّاد مصممي الجرافيك في يومنا هذا. ولكن مع عصر الكمبيوتر انقرضت هذه الحرفة اليدوية، وحلّ الكمبيوتر محلّ الفنّ. "وهكذا نشأت فوضى همجية من الكتابة والرموز"، مثلما يقول حسين الأزعط. بحيث أنَّ عمان باتت تعاني اليوم "من التلوث البصري".

ومنذ عامين يعمل مصمم الجرافيك حسين الأزعط مع زميله علي المصري على محاربة هذه المشكلة. بدأ ذلك مع خالد، الخيّاط في جبل النزهة. وفي هذا الحي تربى حسين الأزعط، ووالداه لا يزالان يعيشان هناك. يقول إنَّ "تضييق القمصان أو توسيعها وتقصير السراويل عمل غير مكلف كثيرًا في هذه المنطقة وخالد كان لا يكسب إلاَّ ما يكفيه لدفع إيجار محله". ويضيف: "في نهاية المطاف سألنا أنفسنا: كيف يمكننا مساعدته بمعرفتنا في التصميم وخبرتنا في ابتكار العلامات التجارية؟"

اللعب بالخط

وكان جوابهما: يجب أن يصبح محل خالد واضحًا للعيان، فواجهته بحاجة إلى شعار. وهكذا قام المصممان بتصميم شعار بشكل مستوحى من الماضي، ولكنه يركّز مع ذلك على السمة المميّزة لصاحب هذا المحل، أي قبعته. وكذلك تم تصميم نوع الخط تصميمًا خاصًا، رسمت حروفه بشكل يذكّر بالأقمشة. وحول ذلك يقول علي المصري: "يمثّل اللعب بالخط، أي إحياء الخط العربي، العنصر الأساسي في عملنا".

ترك مظهر محل الخياطة الجديد تأثيرًا سريعًا، مثلما يقول حسين الأزعط ويضيف أنَّ الجميع في الجوار صاروا يتحدّثون فجأة حول مخيطة خالد: "لكن هذا الاهتمام الجديد لا يعني بالنسبة له مجرّد زيادة في العمل وحسب، بل يعني قبل كلّ شيء احترامًا واعترافًا. فمن خلال عملنا شعر بتقديره وتقدير عمله مرة أخرى". بالنسبة لهذا الثنائي المبدع كان ذلك دليلاً على أنَّ التصميم لا يحقّق فقط هدفًا تجاريًا، بل يحقّق كذلك هدفًا اجتماعيًا.

وبعد أن حققا بسرعة نجاحًا في عملهما لمحل الخياطة، أسسا في عام 2012 مبادرة "واجهة"، وهي مشروع تصميم مستقل لمساعدة أصحاب المحلات الصغيرة. وفي هذا الصدد يقول حسين الأزعط: "الواجهة هي أوّل ما يقابل الزبون في أي محل. كما أنَّ واجهة أي محل تعتبر وسيلة اتصال تمكّن صاحب المحل من التواصل مع المارة".

إشارات في كل مكان

ولكن بالنسبة للحلاق أبو أحمد كانت هذه مشكلة. حيث لا توجد لمحله واجهة أمامية، لأنَّه مخفي داخل واحد من عشرات ممرات الدرج الضيّقة، التي تربط عمان القديمة بالمناطق المجاورة. ومع ذلك أوجد حسين الأزعط وعلي المصري حلاً لهذه المشكلة من خلال استخدامهما الممر نفسه كواجهة للمحل. فقد قاما برش كتابات على درجات الممر وعلى الجدران، وكذلك إشارات كتب عليها: "حلاق على بعد كذا متر من هنا" في ست لغات، بالإضافة إلى رش بعض الرموز على الجدران في المنطقة المجاورة مثل المقص والمشط وماكينة الحلاقة. وأوجدا من خلال ذلك طريقًا تؤدّي من مختلف الاتّجاهات إلى صالون الحلاقة.

والحلاق أبو أحمد، وهو رجل فلسطيني يبلغ عمره خمسين عامًا يمارس مهنة الحلاقة الرجالية في هذا المحل منذ عشرة أعوام، متحمّس لمظهر محله الجديد ولتأثيره. وحول ذلك يقول: "منذ أن تم وضع الإشارات والقارمات صار يأتي إلى محلي المزيد من الزبائن، وفي الآونة الأخيرة صار يأتي حتى السيّاح".

يافطة جديدة لمحل الخياط أحمد في عَمَّان. Foto: Essa Almasri/Wajha
Lichtblick im Schildermeer der jordanischen Hauptstadt: Abu Ahmad, ein 50-jähriger Palästinenser, der den Herrensalon seit zehn Jahren betreibt, schwärmt von der neuen Optik seines Geschäfts.

لكن في الواقع لم يكن لهذا الحلاق أي حق في تحديد شكل التصميم، مثلما هي الحال في كثير من مشاريع "واجهة": إذ لا يُسمح لأصحاب المحلات حتى بإلقاء نظرة على التصميم النهائي، مثلما يقول علي المصري: "نحن خبراء التصميم. نقوم بوضع التصميم الذي نراه مناسبًا. وعلى هذا النحو تمامًا نقوم بتنفيذه". وحتى الآن أثبتت هذه الاستراتيجية نجاحها. وهذا يعود إلى مبدأ بسيط مفاده أنَّ أصحاب المحلات يحصلون على تصميم يلعبون فيه الدور الرئيسي.

وينجح هذا العمل لأنَّهما يحاولان معرفة طبيعة كلّ شخص من أصحاب المحلات. وحول ذلك يقول حسين الأزعط وعلي المصري: "نحن نقوم بطرح أسئلة حول عائلته وهواياته وحول رغباته وأحلامه". وعلى سبيل المثال لقد ذكر صاحب محل لبيع الكتب أنَّ صيد السمك يعتبر أحب شيء إليه. وهكذا صمّم من أجل محله هذان المصممان شعارًا، يظهر فيه رجل يصطاد السماك. يتناسب مع الصيد أو مع الكتب الجديدة.

وفي حين انحصر مشروع التصميم في محل الخياطة على الواجهة الأمامية فقط، ابتكر حسين الأزعط وعلي المصري لمحل بيع الكتب "هوية تجارية" كاملة - ولكن بسعر منخفض. فقد صمما له مجموعة كاملة ذات طابع واحد، تمتد من بطاقات العمل وورق الرسائل وحتى العلامات التي توضع في الكتب لتحديد مكان القراءة - والآن يتولى صاحب هذه المكتبة بنفسه طباعة كلّ شيء.

خدمات إبداعية مجانية

يقدّم المصممان حسين الأزعط وعلي المصري أفكارهما الموضوعة بشكل فردي وخدماتهما الإبداعية لأصحاب المحلات الصغيرة مجانًا. تعدّ التكاليف المادية قليلة، بالإضافة إلى أنَّ هذين المصممين يعملان في هذه المشاريع إلى جانب عملهما العادي في مكتب تصميم. ومع ذلك يستفيد المصممان الشابان أيضًا من مشروعهما هذا، لأنَّه من ناحية يصنع لهما اسمًا في المدينة وفي المشهد الدعائي، ومن ناحية أخرى لأنَّه يبدو بمثابة تدريب مستمر وذلك بسبب تتعاونهما مع غيرهما من المبدعين الآخرين، على سبيل المثال مع أقدم خطّاط ورسّام في عمان.

ما يقوم بتصميمه المصممان على الكمبيوتر، يقوم هو بتنفيذه بالفرشاة والطلاء ليخرجه على شكل قارمة محل تقليدية مصنوعة من الحديد. يقول علي المصري: "كنا قد عرضنا له تصاميمنا على شاشة الهاتف الذكي وشرحنا فكرتنا". ثم يضيف: "لقد كان ذلك صدامًا بين الثقافات وكان في بعض الأحيان أمرًا مرهقًا. وفي الوقت نفسه تعلمنا الكثير، وهذا يساعدنا الآن أكثر في عملنا اليومي".

وفي هذه الأثناء تواصل مبادرة "واجهة" نموها، والمشروع التالي المخطط إنجازه هو مخبز، ثم يليه محل بقالة وكذلك محل نجارة وورشة حدادة - وجميعها محلات لا تسير بصورة جيدة وتتم إدارتها من قبل أصحابها، الذين يعرفهما حسين الأزعط وعلي المصري عن طريق العائلة أو الأصدقاء. "أن تكون مصممًا ليس مجرّد مهنة وحسب"، مثلما يقول حسين الأزعط: "فالمصمم مسؤول أيضًا عن المحيط الذي يعيش فيه". لن تستطيع مبادرة "واجهة" تغيير العالم، ولكنها ستغيّر واجهات عمان.

 

 

دانييلا شرودر

ترجمة: رائد الباش

حقوق النشر: قنطرة 2014