ألغام وحب الاستهلاك

كاسل المدينة المعروفة بأكبر معرض للفن الحديث تقدم أعمال فنانين من البلقان الذين يتناولون ماضي وحاضر بلدانهم. تقرير ماريا ريكوتسو

ألغام وحب الاستهلاك

كاسل المدينة التي تلعب دورا بارزا بالنسبة للمشهد الفني العالمي حيث يقام فيها معرض الدوكومينتا، تقدم الآن في قاعة فريدريكيانوم للفن مقطعا عرضيا للفن في الوقت الراهن في بلدان البلقان. تطغي على العرض الذي أشرف على تنظيمه منظم المعارض رينيه بلوك أعمال ذات دافع سياسي تتناول الوضع الراهن، تقرير ماريا ريكوتسو.

تساعد ايلما سولييفيج في إزالة الألغام في وطنها بوسنيا والهرسك. تبلغنا الفنانة بهذا من خلال نصوص وصور فوتوغرافية في مدخل قاعة العرض. تأخذ سولييفيج من الموقع الذي أزيل منه لغم ترابي، ترزمه وتبيعه في مكان آخر، في كاسل في السوق على سبيل المثال - وتنفق هذه النقود في إزالة الألغام من جديد.
تظهر آثار التاريخ القريب مرة بعد أخرى في المعرض. هكذا تترك مايا باييفيج رجالا ملثمين يروون طُرفا وحشية ينعكس فيها العداء الإثني على شاشتين للفيديو. أما لينا تيودورو فقد أقامت منشأة شبيهة بالسوبرماركت: ثبتت على علب مساحيق الغسيل المعروضة مسدسات، كنوع من الهدايا للدعاية في أزمنة الحروب.

توسيع الأفق

ليست الأعمال ذات طابع إعلاني دائما- ولكن تعالج الفنانات والفنانون حاضر وماضي بلدانهم بشكل ملحوظ. يقول رينيه بلوك مدير قاعة فريدريكيانوم للفن: "هذا هو الفرق عما يحدث في أكاديميات الفن عندنا. يعي الفنانون هناك الوضع الخاص، إنهم قد نشأوا في فترات الأزمات - في بلدان مختلفة - وهم يحاولون أن يتخلصوا من ماضيهم ويتغلبوا عليه".
وفي ذلك فإن كلمة "البلقان" في عنوان العرض ليست تعبيرا جغرافيا دقيقا - فالبلقان يشمل هنا بلدانا كثيرة والمقصود هنا في الآخر ليس مساحة الانعكاس الغامضة المعتمة غالبا: "البلقان هو دائما الآخرون"، وفق صياغة لفيلسوف من سلوفانيا.

دعا رينيه بلوك 88 فنانا وفنانة من 12 بلدا واقليما ويريد - تماما طبق مفهوم أحدث معرض للـ "دوكومينتا" - أن يوسع أفقنا ويدخل عوالم التجربة الغريبة في مجال بصرنا. وكان في ذلك قد رأى المشاهد الفنية في كل بلد بدقة. "العمليات مختلفة جدا. أن يقارن المرء مثلا بين التطور المتفجر للمشهد الفني في اسطنبول بالفن في تيرانا. ومع ذلك فقد فوجئنا خلال رحلاتنا بتنوع أساليب تعبير الفنانين الشباب واستقلالهم أيضا." اللغة المستخدمة هي لغة عالمية وهي تتبنى تيارات الحداثة الغربية وتطورها.

الإشارة إلى التناقضات

يعيش ميخائيل ميلونفيج بين باريس وزغرب. في العاصمة الفرنسية استلهم سلسلة من الصور الفوتوغرافية التي تظهر فيها سيارات ذات لمعان فضي: رموز الرخاء الغربي. لكنه وضع في مكان لوحات الأرقام كلمات تشير إلى التناقضات والنزاعات العالمية: فيقرأ المرء هنا "جوع"، "موت"، "كراهية" أو "حرب". يقول ميلونوفيج عن ستراتيجيته: "لم أرد أن أنجز عملا فنيا يرتبط بالتصور المعتم عن البلقان ويظهر مواصفات محلية. لهذا اخترت للغتي الصورية رمزا عالميا معروفا للاستهلاك: السيارات ولوحات السيارات، لأجعل هذا المجتمع على هذا النحو مرئيا من الداخل. استخدمت في ذلك باريس كمجال متحضر - كان يمكن أن تكون أيضا برلين أو اسطنبول. المهم أن رسالتي الفنية المرتبطة بالسيارات مفهومة في كل البلدان - في كل مكان بين ألاسكا وجنوب أفريقيا."

ليست الحرب الموضوع الوحيد

يسمي رينيه بلوك معرضه "ريبورتاجا". وعلى المرء أن يأخذ هذا العنوان الفرعي بجدية. يرى المرء ما اكتشفه بلوك والعاملون معه وجاؤوا به. لا يطرح المعرض نفسه كنظرة عامة دقيقة، وإنما هو أقرب إلى جمع مشكور للمواد يتضمن أعمالا مفاجئة كثيرة. كما أن مساعدة التنظيم ناتاسا بيتريسين جاءت بفنانين وأعمال من كوسوفو إلى كاسل: "هنا ثمة رغبة في تقديم شيء جديد، أن يعمل المرء مع مجتمع ناقد ومتفائل. ليست الحرب هي الموضوع الوحيد. يتناول الفنانون أيضا تاريخ الفن بصورة مستفزة. كتب جاكوب فيري مثلا اسم فنان البوب جيف كونس على ورق مراحيض. يمضي المرء أيضا ساخرا، ولا يكون ملتزما اجتماعيا وسياسيا فقط.

أكثر ممثلي المشهد الفني شهرة في كاسل هو يانيس كونيليس، وتعتبر أعماله أيضا من أكثر الأعمال إثارة للإعجاب: في غرفة ثمة مصباح معلق وحسب. النوافد مغلقة وملصقة. غرفة معتمة في الحرب. أم أن الإنشاء كله بوجه عام تعبير عن عزلة في مكان ما من البلقان؟ ليس ثمة حدود للتفسير في هذا المعرض الذي لا حدود له بالمعنى الحقيقي للكلمة.

ماريا ريكوتسو، دويتشه فيلله 2003
ترجمة سالمة صالح

بإمكانكم الاطلاع على الفنانين المشاركين في المعرض هنا