"مبادلة اللؤلؤ بالفول السوداني"...على الغرب التعاطي إيجابيا مع مبادرة روحاني

تتابع الدول الغربية باهتمام كبير مبادرات الرئيس الإيراني روحاني الهادفة إلى التقارب معها وحل الخلاف حول الملف النووي الإيراني في ظل تمسك الغرب بموقفه المتمثل بضرورة ترجمة إيران كلماتها إلى أفعال. لكن نجاح المفاوضات يحتم على الغرب أيضا إرسال إشارات تقارب ملموسة تجاه إيران، كما يرى الخبير الألماني في الشؤون الإيرانية أولريش فون شفيرين في تعليقه التالي لموقع قنطرة.

الكاتبة ، الكاتب: Ulrich von Schwerin

اجتماعات وزراء خارجية الدول والمكالمات الهاتفية بين رؤساء البلدان أمور معتادة تماما وشائعة في إطار العلاقات الدولية. لكن الاتصال الهاتفي بين الرئيس الإيراني روحاني والرئيس الأمريكي باراك أوباما كان خطوة ثورية بكل ما تحمله الكلمة من معنى بالنسبة للولايات المتحدة وإيران، اللتين تجنبتا أي تواصل بينهما منذ حادثة اقتحام السفارة الأمريكية عام 1979 في طهران.

وختاماً لأسبوع قام فيه الطرفان بعدد من المؤتمرات الصحفية وإلقاء الكلمات وأكدا فيه استعدادهما للتقارب، جاءت المحادثة التلفونية لتعزز الأمل بحدوث انفراجة في الخلاف الدائر حول القضية النووية الإيرانية.

ولكن بقدر ما قد تكون الآمال المرجوة في التوصل إلى اتفاق كبيرة، يبقى خطر حقيقي بالفشل السياسي. فليس من المعروف مدى استعداد روحاني بالفعل لتقديم التنازلات الضرورية من أجل حل المشكلة ومدى استقرار حال سلطته داخل إيران. فضلا عن أن الموقف السائد في الغرب بقي كما كان في السابق، فالغرب يطالب إيران بأن تترجم أقوالها ووعودها إلى أفعال دون أن يكون الغرب نفسه مستعداً لتقديم تنازلات.

هذا الموقف الغربي لا يفتقر في الواقع إلى الحكمة فقط، بل إنه غير مبرَّر حين نأخذ المسار التاريخي للمفاوضات النووية بين إيران والغرب بعين الاعتبار.

فرصة تاريخية للتوصل إلى اتفاق حول الصراع النووي بين الغرب وإيران؟ بعد أول محادثات مباشرة بين رئيسي إيران والولايات المتحدة تبرز آمال في محادثات الملف النووي الإيراني المقررة في منتصف أكتوبر/ تشرين الأول 2013. وقد أوضح الرئيس الإيراني حسن روحاني أنه يجب استغلال الفرصة الحالية للتوصل إلى حل للصراع، ومن جانبها أعربت وزارة الخارجية في طهران استعدادها للتفاوض على نسبة تخصيب اليورانيوم.

مبادلة اللؤلؤ بالفول السوداني

الموقف الغربي يفتقر إلى الحكمة من الناحية التكتيكية، لأن إيران لن تتحرك ولن تقدم تنازلات إلا حين تتلقى مقابلا ملموسا وفوريا لتنازلاتها. ففي عام 2003 تم إهمال حقيقة بديهية في المفاوضات الدبلوماسية حين لم يمنح الأوروبيون إيران، في مقابل تعليقها تخصيب اليورانيوم وموافقتها على عمليات التفتيش المفاجئة، إلا وعودا غامضة.

وعقب ذلك تم في إيران اتهام روحاني نفسه، الذي كان يشغل منصب كبير المفاوضين النوويين آنذاك، بأنه كمن يريد مبادلة حبات اللؤلؤ بحبات الفول السوداني. وبمعرفة ذلك فإن روحاني لن يقع على الأرجح في هذا الخطأ مرة أخرى.

تاريخيا بقي هذا الموقف الغربي مخطئا، لأنه يعني ضمنيا أن إيران وحدها تتحمل مسؤولية فشل التوصل إلى اتفاق. ولكن الغرب يشترك اشتراكا كاملا في تحمل المسؤولية، لأنه فرّط مرارا وباستهتار بفرص التوصل إلى حل بسبب تحفظاته الأيديولوجية ومطالبه التعجيزية.

وحتى بعد تنصيب المحافظ المتشدد محمود أحمدي نجاد في أغسطس/ آب عام 2005 رئيسا لإيران، وهو ما أدى إلى استقالة روحاني من موقعه كمفاوض نووي واستئناف تخصيب اليورانيوم، قدمت طهران عدة مرات مبادرات تهدف إلى التقارب والتوصل إلى حل للصراع.

ومن بين العروض التي قدمتها إيران في فبراير/ شباط عام 2010 تخصيب اليورانيوم إلى مستوى خمسة في المئة فقط، إذا حصلت إيران مقابل ذلك على قضبان وقود لمفاعل الأبحاث في طهران. وفي مايو/ أيار عام 2010 أبرمت إيران اتفاقا مع البرازيل وتركيا لتصدير اليورانيوم المنخفض التخصيب مقابل استيراد قضبان الوقود.

موقف أساسي معطِّل

وحتى في وقت لاحق حين أصبحت إيران قادرة على تخصيب اليورانيوم بمقدار 20 بالمئة، قامت بعرض فرض قيود على التخصيب في مقابل حصولها على قضبان الوقود، لكن الغرب لم يهتم بجميع هذه المقترحات كلياً.

بالتأكيد لم يؤدِّ أي مقترح من هذه المقترحات إلى حل شامل، وبلا شك كان ثمة أيضا ما يدعو الغرب للاشتباه بالنوايا الإيرانية نظرا لرفض طهران التعاون تعاونا كاملا مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية: ولكن السبب الرئيسي الذي جعل الدول الغربية، وفي مقدمتها الولايات المتحدة الأمريكية، ترفض المقترحات الإيرانية هو أن طهران لم تفِ بالمطلب الغربي المتمثل بتخلي إيران الكامل عن تخصيب اليورانيوم. فالغرب يريد التأكد من أن إيران لا تمتلك التكنولوجيا اللازمة لإنتاج اليورانيوم المستخدم في صنع الأسلحة النووية.

استعداد للحوار مع الغرب: بوصفه رئيسا لمجلس الأمن القومي الإيراني في السابق أجرى حسن روحاني مع الغرب في سنوات ماضية بين عامي 2003 و 2005 مفاوضات حول القضية النووية. وفي ذلك الوقت وافق روحاني على تعليق تخصيب اليورانيوم وقَبِلَ بعمليات التفتيش المفاجئة للمنشآت النووية الإيرانية.

لكن إيران تؤكد على حقها في إنتاج الوقود لمفاعلاتها النووية في إطار معاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية. كما باتت حكومة طهران تعتبر مسألة التمكن من إجراء كامل دورة إنتاج الوقود النووي قضية شرف وطني. وفي هذه النقطة لن يتنازل روحاني أيضا ولن يبدي أية ليونة.

وبدلا من استمرار الغرب في الإصرار على مهمة تخصيب اليورانيوم ينبغي عليه أن يدفع باتجاه تبديد إيران لشكوكه القائمة حول الطبيعة السلمية لبرنامجها النووي. وهنا يبرز واجب على إيران الالتزام به دون ريب.

عقوبات غير مناسبة وحرب اقتصادية على إيران

ومن ناحية أخرى يجب عدم نسيان أن للغرب التزاماته أيضا. ففي ضوء حقيقة وجود شكوك غربية مشروعة حول الطابع المدني للبرنامج النووي الإيراني ليس هناك إلى يومنا هذا أي دليل على وجود هدف عسكري لهذا البرنامج، وبذلك تكون العقوبات المفروضة على إيران غير مناسبة.

فهذه العقوبات بلغت من الحدة والحجم مبلغ حرب اقتصادية، لها ما لها من عواقب إنسانية كارثية. ومنذ سريان حظر الغرب على النفط الإيراني في صيف عام 2012 على أقل تقدير وتوقيف معاملاته المالية مع إيران باتت العقوبات أشد إضرارا بالشعب الإيراني من إضرارها بنظام طهران.

ونتيجة للحظر على الصادرات النفطية تراجعت الإيرادات الحكومية تراجعا كارثياً في حين انخفضت قيمة العملة انخفاضا شديداً. فعلى الرغم من التحسن الطفيف، الذي طرأ على الريـال الإيراني منذ تولي روحاني منصبه لا تزال قيمة الريـال تساوي حوالي ثلث قيمته التي كان عليها قبل عامين.

ونتيجة للانخفاض الحاد في سعر صرف الريـال ازداد التضخم ازديادا شديدا. وأضحى السفر في رحلات إلى خارج إيران أمرا بالغ الصعوبة بالنسبة لكثير من الإيرانيين، بل وأمست أموالهم داخل البلاد في أحيان كثيرة تكاد لا تكفي للاحتياجات الضرورية. وحتى أفضل الناس حالاً في إيران باتوا يقولون إن الحياة فيما مضى لم تكن صعبة قط كصعوبتها في العامين الماضيين.

بالإضافة إلى ذلك أصبحت كل القطاعات التجارية الإيرانية تعاني من صعوبات شديدة للغاية بسبب العقوبات المالية. فقد قامت الكثير من الشركات بسحب أعمالها التجارية من إيران. ويعود ذلك إلى خشية بعض هذه الشركات من انتهاك العقوبات المفروضة أو إلى عدم تمكن بعضها الآخر من الحصول على الأموال مقابل مبيعاتها من البضائع.

ومن عواقب ذلك أيضا نقص حاد في الدواء على الرغم من أن المواد الطبية مستثناة استثناءً صريحاً من العقوبات. وبالتالي فإن الادعاءات بأن العقوبات غير موجهة ضد الشعب الإيراني تبدو وكأنها استهزاء صارخ.

تراجع قيمة العملة الوطنية الإيرانية زاد من حدة الأزمة الاقتصادية في أوساط المواطنين الإيرانيين: يدعو الرئيس الإيراني روحاني للتقارب مع الغرب في المسألة النووية من أجل تحقيق رفع العقوبات التي فرضها الغرب على إيران. فقد أدت هذه العقوبات منذ العام الماضي 2012 إلى أزمة اقتصادية هائلة وزيادة التضخم زيادةً سريعة وانخفاض شديد في قيمة العملة المحلية وخلل كبير في القطاعات التجارية الإيرانية.

نهاية بعيدة جدا للعقوبات؟

الأثر الفتاك للعقوبات يكمن كذلك في أن فرضها أسهل من إلغائها، خاصة في الولايات المتحدة حيث يتطلب إلغاؤها تصويت الكونغرس الأمريكي بالموافقة على الإلغاء مرات عديدة. وفضلا عن ذلك لا تتوفر أية معايير واضحة بما يجب على إيران فعله كي يتم إلغاء هذه العقوبات. وغالبا ما يعطي الغرب انطباعا بأن إلغاء العقوبات عن إيران لن يتم إلا عقب التوصل إلى اتفاق حول الملف النووي.

ولكن هذا يتناقض مع المغزى من هذه العقوبات، فهي في نهاية المطاف ينبغي ألا تكون أداة للانتقام بل بالأحرى وسيلة ضغط مرنة التطبيق يجب أن تكون قابلة للسحب والإلغاء بشكل بديهي.

صحيح أنه من أجل أن تؤدي المفاوضات إلى النجاح في المستقبل يجب على إيران التعاون تعاونا كاملا مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية لحل جميع القضايا العالقة، ولكن يتعين على الغرب أيضا التحرك والتعامل بشكل بناء مع المبادرات الإيرانية، وهو قادر على ذلك، كي تنشأ الظروف الديناميكية اللازمة للتفاوض.

لقد بلغت العقوبات درجة كبيرة من التنوع ومدى بعيدا من الحدة بات معهما تقارب الغرب مع إيران أمرا ممكنا وسهلا. ولكن إذا قدم الغرب في هذه المرة أيضا مجرد وعود، وإذا لم يعرض تنازلات ملموسة ذات صلة بالواقع فإنه سيفوّت بذلك الفرصة الحالية، التي سنحت مجددا لحل الخلاف الدائر حول الملف النووي الإيراني.

 

أولريش فون شفيرين

ترجمة: علي المخلافي

تحرير: لؤي المدهون

حقوق النشر: قنطرة 2013