"الإسلام ليس صورة بل دين ديناميكي"

"إشكالية خلق الصورة" عنوان ورشة عمل في معهد الدراسات المتقدمة في برلين تناولت مسألة خلق الصورة النمطية عن الآخر في وسائل الإعلام العربية والغربية، اشترك فيها أكاديميون وصحفيون عرب وغربيين. حوار مع المشرفة على الورشة شيرين أبو النجا.

شيرين أبو النجا، الصورة: يوسف حجازي
. "لم نسمع مطلقاً بفكرة تحسين صورة المسيحية في الغرب أو العالم العربي. كل ما في الأمر أن الخطاب العربي انزلق في مطب منهجي خطير."

​​عُقدت في برلين يومي 28 و29 نيسان/أبريل الماضي ورشة عمل في معهد الدراسات المتقدمة تحت عنوان "إشكالية خلق الصورة" تناولت مسألة خلق الصورة النمطية في وسائل الإعلام العربية والغربية، ودور الصور في أوقات الحروب وفي الترويج لفكرة الديموقراطية الأمريكية، ودور الصور في التمثيل الذاتي وإعادة إنتاج الآخر. حوار مع المشرفة على الورشة شيرين أبو النجا.

سيدة أبو النجا، أشرفتِ على ورشة عمل "إشكالية خلق الصورة" التي عقدت في معهد الدراسات المتقدمة في برلين. ما هي فكرة الورشة وكيف نشأت؟

شيرين أبو النجا: كانت هناك فكرة تراودني منذ 11 أيلول/سبتمبر، إذ إنتشرت في العالم العربي، فكرة تحسين صورة العرب وتحسين صورة الإسلام كالنار في الهشيم. والمقصود بالطبع هو تحسين هذه الصور في الغرب، وتكمن الإشكالية في مفهومي التحسين والصورة.

لكن الصور النمطية لم تأت مع 11 أيلول/سبتمبر...

أبو النجا: بالفعل، منذ نشوء الإستشراق ونحن العرب نناهض الصور النمطية، ولكن بطريقة غير صحيحة من وجهة نظري. نحن نريد أن نزيح الصورة النمطية وأن نضع مكانها الصورة التي تروق لنا، أي صورة إيجابية، فيختزل الموضوع في النهاية إلى إستبدال صورة بأخرى. طوال الوقت نتحدث عن صور، وهذا يلغي تاريخاً طويلاً سواء أكان عاماً أو شخصيّاً.

الشيء نفسه ينطبق على فكرة صورة الإسلام. الإسلام ليس صورة بل دين ديناميكي مواكب كل حركية العصر. هكذا أفهمه. لم نسمع مطلقاً بفكرة تحسين صورة المسيحية في الغرب أو العالم العربي. كل ما في الأمر أن الخطاب العربي انزلق في مطب منهجي خطير. تعالت نبرة هذا الخطاب وأصبح هناك ندوات في أكبر المراكز والمؤسسات الثقافية، تحمل إسم صورة العرب بعد 11 أيلول/سبتمبر.

من شاركك التحضير لورشة العمل؟

أبو النجا: بدأت النقاش مع سماح سليم وهي باحثة زائرة في معهد الدراسات المتقدمة ومع جورج خليل رئيس قسم الإسلام والحداثة في المعهد. بعد نقاش طويل وصلنا للصيغة التي انتهت إليها ورشة العمل.

لكن لا بد لي من ذكر دور توماس ميتشل وهو ناقد أدبي أمريكي معروف وحاليا باحث زائر في المعهد. حضرت مجموعة من محاضراته في اسابيعي الأولى هنا، كان من شأنها أن توسع آفاقي حول موضوع الصورة وحثتني للمضي قدماً بالمشروع.

ما هي المواضيع التي تناولتها الورشة؟

أبو النجا: كان هناك مجموعة من المداخلات والأوراق قدمها كل من الناقد والباحث توماس ميتشل الذي تحدث عن الإرهاب المركب من الإستنساخ والإرهاب كسمة للعصر، والصحفي خالد الحروب عن الدمقرطة الأمريكية للعالم العربي وتجلياتها مقابل الواقع المتناقض، والمؤرخة مونيكا فلاكة عن أسطورة الأمة و"أيقوناتها" بعد الحرب العالمية الثانية، والمخرجة والباحثة فيولا شفيق عن الصورة في الفيلم السينمائي بما يخص امريكا والعالم العربي.

كما تحدثت المخرجة والباحثة الأنتربولوجية زيبا مير حسيني عن فيلمها الذي صورته في إيران وردود الفعل المتناقضة عليه في إيران والغرب، وتحدثت ماري تريز عبد المسيح عن صورة "المصريين" في الفن من زاوية صدام المحلي بالعالمي، وتناولت ورقتي سياسة تأويل وإعادة إنتاج صور الحريم والحجاب في الغرب.

الملاحظ ان المداخلات تناولت صورة العرب في الغرب أكثر مما تناولت صورة الغرب في الشرق؟

أبو النجا: ليس تماماً، فورقة مونيكا فلاكة، القيّم العام في متحف التاريخ الألماني، تكلمت عن كيفية تشكل أسطورة الأمة في العقل الغربي بعد الحرب العالمية الثانية. لكن الملاحظ أنها تكلمت عن كل الدول التي كانت متورطة في الحرب أو المحايدة مثل سويسرا لكنها لم تذكر مصر أو ليبيا، رغم أنه كان لهما دور جغرافي في الحرب العالمية -معركة العلمين. المسكوت عنه في رؤية مونيكا فلاكة، أي غياب المنطقة العربية في هذه الورقة هو دليل على رؤية للمنطقة العربية.

وتناولت فيولا شفيق في مداخلتها صورة العربي في الفيلم الأمريكي وصورة أمريكا في الفيلم العربي. فيلم أرنولد شفارتسنإغر "ترو لايس" وفيلم عادل إمام "هالو أمريكا"، وقد ألقت بذلك نظرة جديدة على الموضوع، لأننا تكلمنا كثيراً عن صورة العربي في الفيلم الأمريكي –المتمثل بالإرهابي والمتخلف الخ. وأشارت أيضا إلى نظرة العرب إلى أمريكا ولكيفية إعادة إنتاجها من وجهة نظرهم.

هل يمكن إعتبار ذلك نوع من النقد الذاتي؟

أبو النجا: مصطلح النقد الذاتي في حد ذاته يثير الكثير من المشاكل وردود الأفعال المختلفة لدى الباحثين، ولكننا من وجهة نظري، تربينا في العالم العربي بسبب السياسات التي حكمتنا ولا تزال على فكرة أن كل الأمور سوية، وأنه ليس لدينا مشاكل. أنا أرى أن إعادة النظر في كل المسكوت عنه، هو جزء من ثقة الذات بتاريخها. ويمكن في النهاية عبر هذه الآلية تفريغ كل الصور من محتواها.

ما هي النتائج التي خرجتم بها من ورشة العمل؟

أبو النجا: الأهم كان تبادل الأفكار ووجهات النظر فيما بين المشاركين. بإعتقادي أن المداخلات والحوارات كانت عميقة وصريحة وطرحت اسئلة جديدة أكثر مما أجابت على أسئلة. كان هناك نقاش عميق حول دور الخطابات الوطنية في تقوية الصور، ودور الصور في أوقات الحروب والصراعات وفي الترويج لفكرة الديموقراطية الأمريكية في المنطقة العربية، وفي بناء صورة للأمة، ودور الصور في التمثيل الذاتي وإعادة إنتاج الآخر.

نحن الآن بصدد البحث عن جهة تمول نشرهذه الأوراق التي قُدمت والتي من شأنها أن تثري النقاش بين المهتمين.

شرين أبو النجا، أستاذة مساعدة في قسم الإنكليزية في جامعة القاهرة. تعمل في مجال النقد الأدبي والنقد الثقافي النسوي، لديها منحة للبحث لمدة سنة في معهد الدراسات المتقدمة في برلين منذ تشرين الأول/أكتوبر 2004.

أجرى الحوار يوسف حجازي
حقوق الطبع قنطرة 2005

قنطرة

الإسلام في الإعلام الألماني
أصبح الإسلام منذ مقتل المخرج الهولندي فان كوخ محورا لاهتمام أجهزة الإعلام من جديد. ولكن من الملاحظ أن الكثير من التقارير عن المسلمين والإسلام تفتقد إلى الدقة في البحث وتتسم بعرض أنصاف الحقائق. تحليل سابينه شيفر.

معهد الدراسات المتقدمة في برلين
معهد الدراسات المتقدمة في برلين هو مؤسسة تقدم المنح لما يقارب 40 عالماً من مختلف الاختصاصات والقوميات سنوياً، وتوفر لهم المكان والوقت للإشتغال على مشاريع وبحوث حددوها بأنفسهم. يوسف حجازي أجرى حوارا مع جورج خليل مدير حلقة عمل "الحداثة والإسلام" في المعهد.

www
معهد الدراسات المتقدمة في برلين (بالإنكليزية)