معركة حلب....معركة الحسم للثوار والنظام؟

منذ أسابيع والصراع مازال محتدما بين الثوار والجيش السوري النظامي في معركة حاسمة في حلب، المدينة التجارية الهامة من الناحية الاستراتيجية في شمال سوريا. ويبدو أنه لا نهاية للصراع الدموي في المدى المنظور. المدنيون هم أكبر المتضررين من العنف في المدينة المحاصرة. بيتر شتاينباخ وهذا التقرير الصحفي من حلب.

الكاتبة ، الكاتب: Peter Steinbach



صمت يخيم على حي صلاح الدين، حتى وإن كان ذلك لبضع ساعات فقط. إطلاق نار متقطع يُسمع هنا وهناك. بعض السكان يغتنمون هذه الفرصة للبحث عن بقايا ممتلكاتهم في أنقاض منازلهم المدمرة. بينما تحلق فوق رؤوسهم طائرات مقاتلة، لم تقم، استثنائيا، في هذا اليوم، بقصف المكان. الصمت هو أمر غير مألوف في هذا الحي الحلبي الذي تحتدم فيه المعارك منذ ثلاثة أسابيع. استراحة لالتقاط الأنفاس، يستغلها الثوار للزج بمقاتلين جدد في المعركة، ولإعادة ملئ مستودعات الذخيرة التي تكاد تنفد.

هدف الجيش السوري الحر هو استعادة ما خسره من أراض. فقوات نظام الرئيس بشار الأسد أجبرت الثوار على الانسحاب إلى أطراف صلاح الدين. "الأمر الغريب أنهم لم يواصلوا التقدم"، كما يقول أحمد، وهو ناشط من المعارضة. "وبدلا من ذلك، فقد وضعوا قناصة على أسطح البنايات يقومون بمراقبة المنطقة".

الحي الواقع في جنوب غرب العاصمة الاقتصادية السورية له أهمية استراتيجية ورمزية أيضا. عندما سيطر الجيش الحر، في 20 من شهر يوليو/ تموز الماضي، على أجزاء من حلب كان حي صلاح الدين نقطة التجمع لكتائب الثوار. فأسسوا "لواء التوحيد"، وحشدوا جزءا كبيرا من مقاتليهم هناك. ولا غرابة في تركيز الجيش النظامي السوري لهجومه على هذه المنطقة، لأنها بالنسبة له بمثابة المفتاح لإعادة السيطرة على المدينة الصناعية حلب، التي سقطت في أيدي "الإرهابيين والمقاتلين الاجانب".

استهداف دائم

ا ب
توسيع منطقة القتال: كثفت القوات الحكومية هجماتها على الثوار في مدينة حلب. هاجموا العديد من أحياء المدينة، كما يقول مراقبون سوريون لحقوق الإنسان. القوات الحكومية السورية تزيد باستمرار من حشودها استعدادا لهجوم أكبر في حلب.

​​في البداية لا يكون هناك سوى طنين مخيف ونقطة بنية تحوم في السماء. ثم يأتي الهدير عندما تميل الطائرة بمقدمتها نحو الأسفل. بعدها ببضعة ثوان تطلق الطائرة الروسية الصنع من طراز سوخوي رشقة من مدفعها من عيار 23 ملم، ثم ترتفع من جديد. الذخائر التي تنفجر تحطم واجهة محل تجاري وكذلك الأماكن السكنية في الطابق الأول.

"أكثر ما يؤثر علينا هي هجمات سلاح الجو"، كما يقول أبو علي، وهو أحد القادة الميدانيين للثوار، والذي قاتل لأيام عدة مع كتيبته في صلاح الدين. ذو الخمسة وعشرين عاما يرتاح في مدينة اعزاز، والتي تقع على بعد 45 كيلومترا شمال حلب.

اعزاز هي إحدى المدن الواقعة على الحدود السورية التركية التي باتت تحت سيطرة الثوار. أبو علي مجروح في ساقه، بسبب شظية من قذيفة دبابة. ولهذا السبب فهو موجود الآن لفترة قصيرة في المنزل. وعلى الرغم من أنه لا يستطيع المشي إلا على عكازين، إلا أنه سيعود قريبا الى الجبهة لتوجيه كتيبته عبر جهاز اللاسلكي الموجود في يده.

ثقة بالانتصار – بالأسلحة أو بدونها

في بلدته اعزاز يعتبر القائد الشاب بطلا، يحييه الجميع بحماس وتنهال عليه القبلات. ويلاحظ المرء بسهولة كيف أن ذا الـ 25 ربيعا يتقن دوره ويستمتع به. ويقول أبو علي: "إننا لا نحتاج للمزيد من المقاتلين ... كل ما نحتاجه هو المزيد من الأسلحة لكسب الحرب". الأسلحة المضادة للدبابات لتفتيت دبابات تي 82، والأهم من ذلك هي أسلحة الدفاع الجوي المضادة للطائرات وللحوامات. "حينها لن يكون هناك أي شك في أن الثوار سينتصرون في الحرب".

بالنسبة لمعظم سكان اعزاز وغيرها من القرى والمدن في المناطق التي يسيطر عليها الثوار ليس هناك أدنى شك في تحقيق الانتصار، سواء إذا حصلوا على أسلحة جديدة أم لم يحصلوا. "لا نستطيع سوى أن ننتصر"، تنادي إحدى النساء، التي فقدت أولادها الثلاثة في الحرب الأهلية "كشهداء". "نحن لدينا الإسلام أما النظام فليس له دين". وهنا تكون الهزيمة مستحيلة.

يلعب الإسلام دورا هاما بالنسبة للثورة في هذه المنطقة المحافظة. يشكل التوكل على الله دافعا للمقاتلين كما يشكل الدين نموذجا إيجابيا بديلا لنظام الأسد الشيطاني. "لا أحتاج إلى واقية من الرصاص"، كما يقول دياب، وهو شاب مقاتل في الجيش السوري الحر، ضاربا بقبضته على صدره مرات عدة. "الله سيدرأ الرصاص عني، وعندما يحين أجلي فسأذهب إلى الجنة كشهيد".

مبالغة في الثقة

ابو علي الصورة جوششواه

​​يفتح دياب كفيه ويرفعهما إلى السماء. ويمكن القول بأنهم يتوكلون على الله كثيرا، ولكن دون الأخذ بالأسباب، حيث يتقدمون إلى خط المواجهة كما لو كانوا مصفحين ولا يمكن إصابتهم. مثل أبي العبد، الذي كان يعمل سائق سيارة أجرة، قبل أن ينضم للثورة. يقف أبو العبد في وسط الشارع وينادي رافعا إصبعه إلى إلى السماء: "لا مشكلة!" بينما تدور طائرة حربية فوقه، واضعة موقع المقاتلين الثوار في حلب هدفا لها.

في كل لحظة يمكن أن تتحول إلى وضع الطيران المنخفض وتبدأ بالقصف. هذه المرة مر كل شيء على ما يرام. يبتسم أبو العبد ويقول: "الله معنا". ولكن في اليوم التالي تغير الوضع، واستهدف أبو العبد بالرصاص فخر صريعا.

على الجانب التركي من الحدود تنتشر شائعات بأن أسلحة ثقيلة وحديثة قد وصلت وهي في طريقها للثوار. "إنها مجرد مسألة وقت، قبل أن يتم استخدامها في سوريا"، كما يؤكد أبو زيد، وهو ناشط معارض في أنطاكية.

المدينة الرومانية القديمة أنطاكية هي قاعدة العمليات للجيش السوري الحر. فمن هنا يجري تنظيم توريد الذخائر والمقاتلين إلى مدينة حلب، وفي هذه المدينة يعالج الجرحى في مستشفيات سرية، كما يلجأ إليها المقاتلون لبضعة أيام كي يرتاحوا من المعركة، قبل العودة إلى حلب مجددا. تتيح تركيا حرية الحركة التامة للجيش الحر، كما تساعدهم مخابراتها في نقل شحنات الأسلحة عبر الحدود.

مساعدة سعودية – قطرية

وفي مدينة أضنة، تم إنشاء مركز عمليات، بالتعاون مع المملكة العربية السعودية وقطر. هاتان الدولتان الخليجيتان تعتبران داعمتين رئيسيتين للثوار. فهما تدعمانهم ماليا وبالسلاح. ولكن لايذهب كل شيء إلى الجيش السوري الحر. "السعوديون يفضلون إعطاء أموالهم لجماعة الإخوان المسلمين"، كما يرى أحد الثوار، الذي لا يريد الكشف عن هويته، لأنه مكلف بمهمة استلام الأسلحة والأموال. ثم يضيف قائلا "الإخوان المسلمون لا يشاركون في الحرب ضد الأسد". ويقول إن لدى الإخوان كتائب نائمة سيستخدمونها بعد أن تنتهي الثورة. "وسيقومون حينها بمحاربتنا، نحن الجيش الحر".

منطقة أنطاكيا باتت مقصدا للآلاف من اللاجئين الجدد القادمين من حلب. في الأسبوعين الأولين بعد سيطرة الثوار على حلب لم يغادر المدينة إلا القليل من الناس. ولكن منذ أن كثفت القوات الحكومية هجومها، حزم الكثيرون حقائبهم في مختلف الأحياء. والآن تحاول العائلات أخذ مايمكنها من الأمتعة والممتلكات على متن الشاحنات الخفيفة. المصابيح والأثاث والسجاد والفرش وأطباق الطعام، وحتى أسطوانات الغاز لفرن المطبخ. ومن ليس لديه وسيلة نقل، يضطر أن يسحب معه حقائب ثقيلة في كل مكان. يحمل الأب فوق طاقته من الأمتعة، والأم تحمل طفلها الصغير في ذراعها وتمسك بيد الطفل الآخر، باحثين عن باص أو أي وسيلة نقل أخرى تنقلهم من هنا في أسرع وقت ممكن.

في أعقاب الحرب

الصورة جاشواه اركر
الأمل في التوصل الى انفراج عسكري عاجل: بالنسبة لمعظم سكان اعزاز وغيرها من القرى والمدن في المناطق التي يسيطر عليها الثوار فليس هناك أدنى شك في تحقيق الانتصار، سواء إذا حصلوا على أسلحة جديدة أم لم يحصلوا.

​​كان الناس في حلب قادرين، إلى حد بعيد، أن يعيشوا حياة طبيعية منذ بداية الثورة المستمرة منذ 17 شهرا. لم يكن هناك سوى عدد قليل من الاحتجاجات. وكانت المدينة الصناعية تعتبر معقلا للنظام. ولكن فجأة انتهى ذلك السلام، عندما شق الجيش الحر طريقه إلى قلب المدينة. وأصبحت المواد الغذائية شحيحة والاسعار ارتفعت بمقدار خمسة أضعاف. ومن أجل الحصول على الخبز، لابد اليوم من الوقوف في الطابور لساعات عدة، الكهرباء تنقطع مرارا وتكرارا، والبنزين بات لا يمكن الحصول عليه إلا في السوق السوداء وبأسعار باهظة. العديد من الناس منزعجون من الجيش الحر ومن الحرب التي أتى بها إلى حلب. "بالطبع أريد الحرية، ولكن ليس بهذه الطريقة"، يقول صاحب متجر مسن. وهو أحد القلائل الذين مازالوا يفتحون متاجرهم هذه الأيام.

انتهت الاستراحة بشكل درامي في حلب. ففي حي صلاح الدين يتجدد القتال العنيف مرة أخرى. الجيش النظامي يقصف بالمدفعية الثقيلة من المنطقة المجاورة سيف الدولة، ومن الأحياء الواقعة إلى الغرب منه، أي من حي بستان القصر ومن المشارقة. "يحاول الجيش بكل الوسائل إخراجنا من هذا الجزء من حلب"، كما يقول أبو علي، القائد الجريح من اعزاز. وهو الذي لن يبقى طويلا في المنزل. وقريبا سيقف على عكازاته في صلاح الدين ويعطي عن طريق اللاسلكي التعليمات لمقاتلي كتيبته.

 

بيتر شتاينباخ
ترجمة: فلاح آل ياس
مراجعة: هشام العدم
حقوق النشر: قنطرة 2012