الاحتجاجات السياسية الشبابية في لبنان
جيل شاب طفح به الكيل في لبنان

جيل لبناني شاب لم يفقد الأمل في التغيير، كما فقده جيل سابق دمرته 15 عاما من الحرب الأهلية. جيل شاب مستعد للنضال من أجل حياة أفضل، في حين يرى الآباء في الاستقرار أولوية خوفا من تكرر تلك الحرب العصيبة، بحسب تحليلات كريم شهيب التالية. فثمة مشكلات في لبنان قائمة، طالت جميع طوائفه الـ 18 الدينية. وقد طفح الكيل بشابات وشباب لم يشهدوا الحرب ولم يعودوا قادرين على السكوت والتحمل كما يفعل أباؤهم بلا كلل.
لبنان..."إذا لم نشارك نحن، فمن إذًا؟" - لقد بدأ أمر استثنائي في بيروت. فإدارة الحكومة السيئة للغاية وأزمة القمامة المصاحبة قبل عامين من كتابة هذا المقال ألهمت الشباب اللبناني ودفعته إلى مطالبة حكومته بالمزيد ومحاسبة قياداتها. بدأ ذلك كله مع إغلاق مطمر النفايات في منطقة الناعمة بعدما تجاوز سعته.
 
الفصل الأول: أكوام القمامة
 
2015: بالرغم من علم السياسيين لسنوات بأن مطمر الناعمة سيغلق في نهاية الأمر، إلا أنهم عجزوا تمامًا عن وضع خطة مستدامة طويلة الأجل لإدارة القمامة في العاصمة اللبنانية. ومع إغلاق الناعمة وعدم وجود مكان آخر لدفن نفايات بيروت، توقفت الشركة التي تتولى جمع القمامة في بيروت عن العمل.
 
وفي غضون ساعات تراكمت القمامة في شوارع بيروت.
 
في غضون 24 ساعة انسدت الأرصفة، وفي غضون أيام لم تعد السيارات قادرة على السير في الشوارع المختنقة بالقمامة. هل تحركت الحكومة؟ لم يبدُ أنها تنوي التحرك مطلقًا. وفي غياب خطة بديلة عن الأفق غطت بلدية بيروت النفايات بمسحوقٍ أبيض يسمى بكربونات الكالسيوم، آملة في أن يحد ذلك من تقيحها واجتياح الفئران وسائر الآفات الشوارع.

أزمة النفايات والقمامة في شوارع بيروت - لبنان 2015.  Foto: AFP/Getty Images
أكوام القمامة المتعفنة لم تطل طائفة واحدة دون غيرها من بين 18 طائفة دينية في لبنان: يكتب كريم شهيب: "عندما تحدثت إلى والديّ وكبار السن من الأقرباء وحتى كبار السن من المتفرجين بالقرب من أماكن الاحتجاجات، أعربوا كلهم عن مخاوف متشابهة. كانوا يسألون عادة: "ماذا سيحدث إذا أدى ذلك إلى عدم استقرار ومشاكل أكبر؟" كان من الواضح أن الحرب الأهلية عالقة في أذهانهم، وكانت قد وضعت المسيحي في عداء مع المسلم، واليساري مع القومي، إلخ. لكن أزمة القمامة كانت مختلفة على كل الأوجه الممكنة. فأكوام القمامة المتعفنة لم تطل طائفة واحدة دون غيرها من بين 18 طائفة دينية في لبنان. بل طالت الجميع. ولقد طفح كيل الشباب والشابات الذين لم يعيشوا وقت الحرب. لم يعودوا قادرين على السكوت والتحمل كما يفعل أباؤهم بلا كلل. لكن هذه كانت مختلفة.كانت هذه أول قضية منذ عدة سنوات يمكن أن يتفق عليها هذا البلد، المنقسم طائفيًا وسياسيًا، بأكمله. لم تكن مسألة تخص المسيحيين أو المسلمين، لم تكن مسألة دينية ولا علمانية. كانت مسألة فساد وفشل زعمائنا، وهو أمر يستطيع كل اللبنانيين الاتفاق عليه".
لكن الأمر ازداد سوءًا. بدأ السكان بحرق القمامة. وسادت رائحة القمامة النفاذة المتعفنة تحت الشمس. ارتدى الناس أقنعة. إذا فتحت نافذة تدخل منزلك رائحة عطنة من القمامة والدخان.
 
تشارك الناس صورًا ومقاطع فيديو على مواقع التواصل الاجتماعي لحرق القمامة في شوارعهم وأحيائهم. شعر الناس بغضبٍ عارم. أتذكر نقاشات خضتها مع عائلتي. بينما كنا جميعًا مصدومين ومنزعجين مما نراه، كان والداي وأعمامي متخوفين أيضًا من دعوات الاحتجاج واستقالة الحكومة التي قد تزعزع الاستقرار السياسي أو الاجتماعي، وهما مشكلتان طالما لاحتا في خلفية المشهد.
 
كان قلقهم مفهومًا. فقد عايش والداي الحرب الأهلية في لبنان والتي دامت 25 عامًا، وقتل فيها 150 ألف شخص وتشتت بسببها أكثر من مليون شخص. من ناحية أخرى كنت آمل في أن تحث أزمة القمامة الناس على الحراك من أجل منظومة سياسية واقتصادية أفضل بالبلد.
 
أذكر أني كنت أمر بالسيارة على كومة تحترق ذات ليلة. صففت السيارة على بعد 100 مترٍ، وترجلت منها فقط لألتقط صورة. وبمجرد ما فتحت الباب اجتاحتني الرائحة النفاذة للقمامة المحترقة.
 
اقرأ أيضًا: مقالات مختارة من موقع قنطرة