خدمة الإنسانية هي الهدف

تدعو الباحثة السياسية شيرين حامد فهمي إلى التأكيد على أهمية الحوار بين المجتمعات المُسلمة ونظيرتها الغربية، باعتباره أولاً قيمة مُترسخة في الدين الإسلامي، وباعتباره ثانياً أداةً مُهمة لتحقيق تعاون مشترك بين الطرفين لخدمة الإنسانية.

لقاء بين مفتي سوريا السابق أحمد كوفتارو وبابا الفاتيكان السابق يوهانيس باول الثاني، الصورة: أ ب
لابد من خروج الحوار من الأطر الرسمية إلى الأطر الشعبية

​​تدعو الباحثة السياسية شيرين حامد فهمي إلى التأكيد على أهمية الحوار بين المجتمعات المُسلمة ونظيرتها الغربية، باعتباره أولاً قيمة مُترسخة في الدين الإسلامي، وباعتباره ثانياً أداةً مُهمة لتحقيق تعاون مشترك بين الطرفين لخدمة الإنسانية. فالحوار ليس هدفه تغيير دين الآخر، أو تغيير ثقافته؛ وإنما يتمثل هدفه الحقيقي في العمل سوياً – بغض النظر عن معتقدات الأطراف المتحاورة – على خدمة البشر جميعاً.

وترتكز الباحثة في مقالها على خبيرين، يعتبران من أهم وأبرز الشخصيات العربية الأكاديمية التي اهتمت – وما زالت تهتم – بموضوع الحوار بين الإسلام والغرب. فأما الخبير الأول، فهو الدكتور الفلسطيني عبد الله أبو عِزة، المتخصص في التاريخ، والحاصل على شهادة الماجستير من الجامعة الأمريكية في بيروت، وعلى شهادة الدكتوراة من جامعة إكستر البريطانية. وأما الخبير الثاني، فهي الدكتورة المصرية نادية مصطفى، أستاذة العلاقات الدولية بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية بجامعة القاهرة، ومديرة "برنامج حوار الحضارات" بالكلية.

الحوار في القرآن

"إن القرآن الكريم يأمر المسلمين باختيار المُفردات والعبارات الطيبة للحديث مع الآخر، ومع غير المسلم على وجه التحديد". هذا ما أشار إليه عبد الله أبو عِزة، من خلال كتابه الجديد "حوار الإسلام والغرب".

وقد استدل أبو عِزة في مقولته على تلك الآية القرآنية القائلة: "لا ينهاكم الله عن الذين لم يُقاتلوكم في الدين ولم يُخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتُقسطوا إليهم إن الله يحب المُقسطين" (المُمتحنة:8). الأمر الذي يشير بوضوح إلى وجوب قيام المُسلم بالإحسان إلى غير المُسلم، بل والإفضاء إليه بالقسط والعدل ما دام لم يكن مُعتدياً أو مُهاجماً.

وكذلك يأمر القرآن المُسلم بقبول التوجه السلمي، مما يشير إلى رفض الإسلام لمبدأ الحرب الاستباقية، كما يؤكد الدكتور أبو عِزة. وهو ما نجده في القرآن صريحاً: "وإن جنحوا للسلم فاجنح لها" (الأنفال:61). ومن ثم، فإن التوجيهات القرآنية تحمل – إلى جانب المعاني العقيدية - معاني إنسانية واضحة. وهو ما يراه أبو عِزة منطقياً وبديهياً؛ إذ أن رسالة القرآن تبغي – من ضمن أهدافها – الحياة الطيبة للبشر؛ وهي الحياة الخالية من الضنك والتوتر والاكتئاب.

ومن هنا، يتبين لنا أن الأصل في الإسلام هو الحفاظ على البشرية كلها، بكل مذاهبها وأديانها وطوائفها. الحفاظ عليها من الخراب والدمار، وتوفير تلك الحياة الطيبة التي تُسعد الإنسانية كلها. أما عند وقوع العدوان، فيصبح هنا صد العدوان ضرورة مُلحة في سبيل إبقاء العدل والحق والخير؛ وفي سبيل حماية البشر مما يُخلفه العدوان من الخراب والدمار.

رصد العناصر الثقافية المشتركة

يرى أبو عِزة أنه من الأهمية بمكان رصد العناصر الثقافية المشتركة بين الحضارة الإسلامية ونظيرتها الغربية. إذ أنه من خلالا إبراز تلك العناصر المشتركة، سيكون من السهل تحديد أسباب العداوات البينية، ومن ثم إزالة الجفاء تدريجياً. وحينما سيزول الجفاء، سيكتشف المجتمع العالمي – الذي أضحى قريةً صغيرة – وحدته الإنسانية، وسيعترف بها، مما سيُحفزه ويُشجعه عاى تأكيد هذه الوحدة.

وإذا كانت هناك قوى مناهضة لذلك الحوار في الغرب، فهناك أيضاً شخصيات محترمة كثيرة، من الرجال والنساء، التي لديها قسط وافر من الجرأة في الحق والإقدام على مواجهة الظلم.

أهمية الحوار في الوقت الحالي

​​اكتسب حوار الحضارات زخماً واسعاً بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001. هذا ما افترضته الدكتورة نادية مصطفى؛ فعلى حسب رأيها، أضحت الضغوط – بعد 11 سبتمبر 200 – أكثر اتجاهاً نحو الحوار، ليس في نظر الحكومات فقط، وإنما أيضاً في نظر بعض الروافد الفكرية التي كانت ترفض مثل هذا الحوار. وبات السؤال المطروح الآن: هل بإمكان "حوار الحضارات" إدارة مرحلة ما بعد 11 سبتمبر 2001؟ وهل بإمكانه مواجهة "صدام" أو "صراع" الحضارات؟

وإجابةً على هذا التساؤل – كما تشير أستاذة العلاقات الدولية – ظهر فريقان في الرأي. فريق يرفض الحوار، وفريق آخر يقبل الحوار. فأما الفريق الأول، فقد رفض الحوار باعتباره واجهةً تخفي وراءها مصالح الدول الغربية التي تريد تشكيل الشرق على شاكلتها تحت ستار معالجة الإرهاب. وأما الفريق الثاني، فقد قبل الحوار باعتباره ضرورة واقعية تتماشى مع المجتمع المتعولم الذي نعيشه الآن، والذي بات يفرض التعايش كقيمة عليا وليس الصراع.

وتُكمل الدكتورة نادية مصطفى موضحةً، أن "الحوار" كان دائماً مطروحاً إسلامياً؛ وذلك لكونه مبدأ أصيل في القرآن والسُنة؛ ولكونه أساساً من الأسس الإسلامية الأولى في التعامل مع الشعوب الأخرى، انطلاقاً من الاعتراف بالتعددية الدينية والثقافية. كما تؤكد بأن الحوار يُمثل شكلاً من أشكال العلاقات بين الحضارات؛ فالأمر ليس حواراً بحتاً أو صراعاً بحتاً.

ضوابط الحوار وشروطه

وحى ينجح الحوار ويحقق أهدافه، وضع كل من الخبيرين شروطاً وضوابط لازمة للجانبين. فأما الدكتور أبو عِزة، فقد وضع شروطاً تتمثل في احترام رؤية الآخر وخياراته، وفي الالتزام بمبدأ التواضع، وفي التركيز على اكتشاف العناصر والمبادئ المشتركة. ولم ينس أبو عِزة أن يُحذر من تحويل الحوار إلى "مُناظرة" تهدف إلى هزيمة الآخر، أو من اعتقاد طرف احتياج الطرف الآخر إليه. وأخيراً، ربط أبو عِزة نجاح الحوار بوصول الطرفين إلى تعاون مشترك لخدمة الإنسانية.

أما الدكتورة نادية مصطفى، فقد اشترطت أن يمتد الحوار عبر نطاقات متنوعة من التفاعل البشري؛ وأن يكون الحوار مقروناً بالوعي بالأبعاد الصراعية الراهنة؛ وأن يكون الحوار مبادرة ثقافية من جانب الطرف الإسلامي وليس اعتذاراً ثقافياً؛ وأن يكون عملية ممتدة عبر التاريخ وليس فقط في وقت الأزمات؛ وأخيراً أن يصل إلى المجتمعات الإنسانية، مما يعني تقليص القنوات الرسمية.

وفي النهاية، تؤكد الدكتورة نادية مصطفى على أن السلام والأمان لن يتحققا بالحوار ما دامت العدالة مفقودة. ومن ثم، فإن نجاح أهداف الحوار مرهونة بتحقيق العدالة.

شيرين حامد فهمي، باحثة دكتوراة بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية بجامعة القاهرة، مصر.
كتاب "حوار الإسلام والغرب" صدر في عام 2006، عن دار المأمون للنشر والتوزريع بالأردن.

قنطرة

مناهضو العولمة أمام تحدّيات التعدّديّة
عرفت حركة التنظيمات الجماهيريّة المناهضة للعولمة في السنوات الأخيرة مدًّا لا مثيل له. والحشود التي جنّدت لاستقبال اجتماع مجموعة الثمانية G8 في إفيان لهي الدليل على أنّ المواجهة لم تفقد حيويّتها. من بورتو أليغري إلى فلورنسا ( ثمّ باريس-سان دني في شهر نوفمبر المقبل)، من سيتل إلى إفيان،!"

لا غنى عن حوار الثقافات
منذ اعتداءات الحادي من سبتمبر/أيلول بدأ يطرح شعار حوار الثقافات على الساحة السياسية. وترى الباحثة نايكا فروتان أنه لا غنى عن اتباع استرتيجية الحوار بين الثقافات في السياسة الخارجية في زمن أثبتت الأساليب العسكرية فشلها.