مشفى المواساة الخيري في الأردن - إنسانية تجاه ضحايا حروب شرق أوسطية

مستشفى تخصصي في العاصمة الأردنية تشرف عليه منظمة أطباء بلا حدود الإنسانية ويعالج جرحى حروب من جميع أنحاء المنطقة الشرق أوسطية. يحاول هذا المشفى التخفيف من معاناة مصابين كثيرين نتيجة صراعات مسلحة. فيليب بروي زار هذا المستشفى، لموقع قنطرة.

الكاتبة ، الكاتب: Philipp Breu

الجِلد على يديها وفي وجهها نسيجٌ من شمع تم صهره وأُعيد تصليبه. لم تعد تُلاحظ أية مسامات أو شعر، فالبشرة ناعمة مثل البلاستيك بين تجاعيدَ متباينة تجعل هذه الطفلة البالغة من العمر أحد عشر عامًا تبدو وكأنَّها عجوز طاعنة في السنّ.

لقد تغيَّرت الحياة إلى الأبد بالنسبة للطفلة اليمنية رضا ولأسرتها، حين كان والدُها حسن وأطفاله الأربعة وزوجته في بيتهم الكائن في العاصمة اليمنية صنعاء ووقع في الشارع داخل حيِّهم تبادلٌ لإطلاق النار ومناوشات (عام 2008).

أصابت رصاصةٌ في داخل بيتهم خزَّانَ الغاز الذي كان قد تم ملؤه كله للتو من أجل أشهر الشتاء الباردة، وأسفرت عن انفجار كبير أدَّى إلى حرق البيت بأكمله، وكذلك حرق جلد رضا وإخوتها. ظل شقيقاها الأصغر سنًا وأمُّهما سالمين تقريبًا، بينما أصيبت رضا وأخوها الأكبر نتيجة النيران أشدّ إصابات.

تسديد جميع التكاليف من خلال التبرُّعات

يجلس اليوم الأب حسن مع ابنته رضا وابنه وسام البالغ من العمر اثنى عشر عامًا بجوار المكان المخصص للعب الأطفال في مستشفى المواساة في العاصمة الأردنية عمان. يعود الفضل في تمكُّنهم من الجلوس هنا اليوم بأمان خاصةً إلى منظمة "أطباء بلا حدود"، التي تدير هذه المستشفى منذ أحد عشر عامًا.

بدأ هذا المستشفى الرائد في مجال الجراحة التجميلية الترميمية على مستوى الشرق الأوسط عمله كمشروع أطلقه أطباء عراقيون جاؤوا إلى الأردن المجاور بعد الحرب العراقية الأخيرة، وجلبوا معهم معارفهم وكذلك العديد من المرضى. تقول ماريا الفاضل، المتحدِّثة باسم المستشفى: "لقد بدأ العمل بعد ذلك بالشكل الفعلي عندما كان قد بلغ تمرُّد المجموعات الإسلاموية في العراق ذروته في عام 2007 وبعدما تحوَّلت الثورات بعد بضعة أعوام إلى حروب أهلية في دول مثل ليبيا وسوريا واليمن". واليوم يعتبر نحو أربعين في المائة من المُعَالَجين في المستشفى من العراق، يليهم مباشرة المرضى السوريون واليمنيون.

يسبق البدء بعلاج جميع المصابين - مثلما هي الحال مع حسن وأطفاله - إجراءُ عملية اختيار في وطنهم، وبعد ذلك يقوم "أطباء بلا حدود" بتنظيم إجراءات الحصول على التأشيرة المطلوبة لدخول الأردن بالتعاون مع وزارة الصحة الأردنية. يبقى معظم المصابين في المستشفى مدة تتراوح بين أربعة إلى ستة أشهر متواصلة، وبما أنَّ الأجساد المحترقة تحتاج بعد التعرُّض لانفجارات إلى فترة علاج تستغرق أعوامًا بسبب وجود خطأ في العلاج ونمو العظام بشكل غير متطابق أو وجود أطراف مبتورة، فإنَّ معظم المرضى يعودون إلى هنا لمتابعة العلاج - بمعدل ثلاث مرَّات. يتم تسديد جميع التكاليف - بما فيها السفر والعلاج والأدوية وأجرة موظفي المستشفى - من خلال التبرُّعات فقط.

يقول الأب البالغ من العمر واحدًا وأربعين عامًا: "خضع حتى الآن كلُّ طفلٍ من طِفْلَيَّ الاثنين لثماني عشر عملية جراحية. نحن هنا للمرة الثانية، كما أنَّنا سعداء جدًا لأنَّنا نستطيع أن نعيش هنا بأمان، وبالتأكيد لأنَّ الأطباء أتاحوا لنا المجال لنعيش من جديد حياة طبيعية". ويضيف: "بعد الانفجار الذي وقع في منزلنا، لم يعد بعض جيراننا يصافحوننا. فقد كان الجميع يعتقدون أنَّنا مصابون بمرض معدٍ، لكن هذا كان مجرَّد جِلد محروق".

 

طفلان يمنيان جريحان في مستشفى "المواساة" في العاصمة الأردنية عمان.  Foto: Philipp Breu
Bereits 18 Operationen hinter sich: Die 11-jährige Redha und der 12-jährige Wessam gemeinsam mit ihrem Vater Hasan vor dem "Mowasah"-Krankenhaus in Amman.

 

{"أعامل الجميع هنا معاملة متساوية، بصرف النظر عن دينهم أو جنسيتهم"، يقول معالِج أردني في مستشفى المواساة التابع لمنظمة أطباء بلا حدود في عَمان الأردنية}

 

الراحة من الجحيم

الدكتور مخلد طبيبٌ من الأطباء المعاملين في مستشفى المواساة، وهو عراقي عمره اثنان وأربعون عامًا. في صباح يوم الأحد يُجري عمليةً للصبي اليمني بسام، الذي يبلغ عمره أربعة عشر عامًا وقد أُصيب هو أيضًا بحروق في ذراعيه بسبب انفجار خزان الغاز. بعد العملية التي استغرقت ساعتين تقريبًا، يجلس الدكتور مخلد في غرفة مجاورة لبضع دقائق قبل الموعد التالي، أو بالأحرى قبل انتقاله إلى إجراء العملية التالية، يصل عدد العمليات التي يجريها حتى خمس عمليات في اليوم الواحد.

يقول الدكتور مخلد: "معظم مرضاي، الذين يحتاجون إلى إعادة ترميم تجميلية، يتطلب منهم الأمر ما بين عشر عمليات وخمس عشرة عملية. وبما أنَّ الجلد يتقلَّص بعد التعرُّض لحروق، فإنَّ الكثيرين منهم يعانون من ضعف في قدراتهم الحركية. ونحن نحاول بدورنا استعادة هذه القدرات الحركية".

وهذا يعني على وجه التحديد مثلًا أنَّ حروق الوجه غالبًا ما تؤدِّي إلى جعل المتضرِّرين غير قادرين على إغلاق العينين أو الفم. وحول ذلك يقول الدكتور مخلد: "بسام الذي أجريت له عملية للتو، كان قد فقد قدرته على مدّ يديه وذراعيه بالشكل الصحيح لأنَّ الجلد كان منكمشًا كثيرًا. ولذلك قمنا بفتحه وزراعة جلد مأخوذ في الغالب من الفخذين".

لقد عمل الدكتور مخلد في السابق - مثل العديد من زملائه - في مستشفيات أخرى متخصصة في إعادة الترميم التجميلية. حيث عمل في مناطق من بينها ديالى والسليمانية وبغداد قبل مجيئة إلى الأردن في عام 2013. يقول الدكتور مخلد: "أحبُ العمل هنا لأنني أتقاضى أتعابي من المستشفى مقابل عملي هنا. أشعر بسعادة أكثر عندما لا أضطر إلى أخذ المال من مرضاي، بعكس الحال في العراق. وهذه مسألة شخصية بالنسبة لي، لأنني أتقاضى أتعابي هنا من مستشفى تستقبل المصابين مجانًا من دون مقابل".

المساواة في المعاملة للجميع

تعتبر إصابات المصابين في مستشفى "المواساة" فردية مثل قصصهم أيضًا. مثلًا: محمد شاب من بغداد موجود في المستشفى منذ ثلاثة أشهر، وهو هنا للمرة الثالثة. أطلق مجهولون النار على بيت عائلته في بغداد (عام 2006)، مما أسفر عن قتل والده واثنين من أعمامه. أمَّا هو فقد أصيب بجروح خطيرة في بطنه وساقه اليسرى.

لقد كانت الكسور المتعدِّد في ساقه معقَّدةً للغاية، بحيث كان لا بدّ من أن يُجرى له علاجٌ فيزيائي مكثَّف، وهكذا جاء إلى عمَّان. يقول محمد: "أتمنى من كلّ قلبي أن أبقى هنا. فنحن ما زلنا نعيش في نفس البيت، وثقوب الرصاص في الجدران ما زالت موجودة، وقد تعرَّضنا للتهديد مرة أخرى. أنا لم أتمكَّن بتاتًا من إنهاء دراستي بسبب هذا الحادث، ولا يوجد لديّ مال ولا عمل ولا حتى أمل عندما أعود إلى وطني. الله وحده يعلم ماذا سيحدث".

من بين المعالِجين في المستشفى شابٌ أردني من مدينة مادبا اسمه زيد. يشعر زيد بالالتزام نحو مرضاه القادمين من دول مختلفة ونحو عقيدة ربّ عمله، ويقول: "أعامل الجميع هنا معاملة متساوية، بصرف النظر عن دينهم أو جنسيتهم. وأنا قريب جدًا من العديد من مرضاي، حيث أقضي معهم هنا وقتًا أطول مما أقضيه في البيت مع عائلتي".

في يوم الأحد هذا يُعالج حميد، وهو جندي متقاعد عمره خمسة وستون عامًا، جاء من مدينة تعز اليمنية إلى الأردن منذ نهاية شهر تموز/يوليو عام 2018، وقد سُمح لأحد أبنائه بالسفر معه لأنَّه يعتمد على كرسي متحرِّك. مع بداية الحرب الأهلية في اليمن عام 2015 ودخول المملكة العربية السعودية، أُصيب في مدينته بسبب انفجار وكان لا بد من إجراء ست عمليات له في اليمن وحدها.

 

جريح عراقي في مستشفى "المواساة" في العاصمة الأردنية عمان. Foto: Philipp Breu
"Am liebsten würde ich hier bleiben": Mohammed erlitt schwere Verletzungen am Bein, als im Jahr 2006 Unbekannte auf das Haus seiner Familie in Bagdad feuerten.

 

{لا يسأل الأطباء والممرضون في منظمة "أطباء بلا حدود" أبدا عن الظروف السياسية التي ارتكبت فيها أعمال العنف ضد الضحايا. ليس مهمًا بالنسبة للمنظمة مَنْ الذي أطلق الرصاص أو ألقى القنابل ولماذا. "... لا مكان في المستشفى لشعارات سياسية ودينية. نحن نريد ببساطة تقديم المساعدة". تقول المتحدثة باسم أطباء بلا حدود ماريا الفاضل}

 

ثقة كبيرة في الأطباء

وبفضل علاجه هنا في المستشفى منذ نهاية شهر تموز/يوليو 2018، بات بإمكانه الآن أن يمشي على عكازين عبر الصالة، وأن يزيد في كلّ مرة الحمل قليلًا على ساقه المكسورة عدة كسور، إلى أن يتمكَّن في يوم ما من العودة إلى المشي من دون أية مساعدة. يقول حميد: "لديَّ ثقة كبيرة في الأطباء وفي نفسي. يجب علينا دائمًا أن نبقى متفائلين. فقط عائلتي أفتقدها كثيرًا. وأنا أتوق شوقًا إلى رؤيتهم مرة أخرى عن قريب والتمكّن من تقديم المساعدة في إعادة الإعمار. أكثر ما يسعدني هو التمكّن من إعادة الكهرباء والماء إلى مدينتنا".

قد تحتوي ملفات المرضى الطبية على الكثير من التفاصيل، ولكن هناك تفاصيل لا يمكن العثور عليها بتاتًا في هذه المفات. فعلى سبيل المثال، لا يسأل الأطباء والممرِّضون أبدًا عن الظروف السياسية التي ارتكبت فيها أعمال العنف ضدّ الضحايا.

ليس مهمًا بالنسبة لمنظمة أطباء بلا حدود مَنْ الذي أطلق الرصاص أو ألقى القنابل ولماذا. تشرح ذلك المتحدِّثة باسم أطباء بلا حدود، ماريا الفاضل بقولها: "لا يمكننا بطبيعة الحال أن نستبعد معالجتنا مجرمي حرب، ولكن هذا ليس مهمًا هنا، لأننا ألزمنا أنفسنا بالعمل لصالح الإنسانية، وهنا لا مكان لشعارات سياسية ودينية. نحن نريد ببساطة تقديم المساعدة".

 

 

فيليب بروي

ترجمة: رائد الباش

حقوق النشر: موقع قنطرة 2019

ar.Qantara.de