هجوم على قلب المجتمع المدني المصري

تسعى الحكومة المصرية من خلال قانون جديد إلى فرض قيود على عمل المنظَّمات غير الحكومية في مصر. وفي حين يقف النشطاء في وجه هذا القانون ويتصدون له، تلتزم المعارضة الحزبية الصمت. ماركوس زومانك يطلعنا على تطوّرات ذلك من القاهرة.

الكاتبة ، الكاتب: Markus Symank

"تقييديّ"، و"قمعيّ"، و"أسوأ مما كانت عليه الحال في عهد مبارك": بهذه الكلمات الحادة أدان نشطاء المجتمع المدني المعارضون للحكومة المصرية مشروع قانون جديد، من المفترض أنَّه سوف يعيد تنظيم العلاقات القائمة بين الدولة والمنظَّمات غير الحكومية.

وحتى الآن لم تتم الموافقة على مواد هذا القانون الخمس والعشرين، التي صدرت عن وزارة الشؤون الاجتماعية، لا مِن قبل مجلس الوزراء ولا حتى من قبل مجلس الشورى. ولكن النقَّاد باتوا يتحدَّثون الآن عن وجود هجوم على قلب المجتمع المدني المصري.

ويقول المواطن الأميركي روبرت بيكر، الذي عمل في السابق موظفًا في المعهد الديمقراطي الوطني ويُعدّ واحدًا من المتَّهمين الثلاثة والأربعين في قضية المؤسَّسات الأجنبية في مصر، إنَّ "أية دولة حرَّة من دون منظَّمات غير حكومية هي دولة غير قادرة على البقاء". ويضيف روبرت بيكر أنَّ المنظَّمات غير الحكومية تعدّ جزءًا أساسيًا في أي نظام ديمقراطي. ويحذِّر من أنَّ مَنْ يفرض قيودًا على عملها، يعمل على إسكات الناس.

قانون رجعي وعودة إلى الوراء

من المقرَّر أن يحلّ هذا القانون الجديد محلّ الأحكام والقواعد غير الكافية الخاصة بالمنظَّمات غير الحكومية، والتي تعود إلى عام 2002. ومنذ عدة أعوام يطالب نشطاء المجتمع المدني بإجراء تعديلات شاملة على هذا القانون. وعلى أبعد تقدير فقد أظهرت الحملة، التي تعرَّض لها في شهر كانون الأوَّل/ ديسمبر 2011، عدد من المؤسَّسات الأجنبية ومن بينها أيضًا مؤسَّسة كونراد أديناور الألمانية في القاهرة أنَّه لم يعد من الممكن احتمال الوضع الراهن فترة أطول.

وفي تلك الحملة اقتحم أفراد الشرطة في عملية أشبه بالمداهمة مكاتب هذه المؤسَّسات، وصادروا الملفات بالإضافة إلى اعتقالهم الموظَّفين. ووجَّهت الحكومة العسكرية التي كانت تتولى الحكم في تلك الفترة اتِّهامات إلى المنظَّمات غير الحكومية بالعمل بشكل غير قانوني في مصر. وحتى يومنا هذا لم يتم تقديم أية أدلة على هذه الاتِّهامات، وكان تم تحديد آخر جلسة لهذه القضية في السادس من آذار/ مارس الجاري.

وعلى العكس مما يأمل الناشطون في تخفيف القيود المفروضة على عمل المنظَّمات غير الحكومية، فإنَّهم يرون أن هذا القانون الذي تريده الآن الحكومة الإسلامية يعتبر قانونًا رجعيًا ويمثِّل عودة إلى الوراء. فبحسب القانون الجديد سوف يتم في المستقبل منع المنظَّمات غير الحكومية، التي يبلغ عددها نحو 41 ألف منظَّمة غير حكومية في مصر، من ممارسة أي شكل من أشكال المشاركة السياسية.

ولن يُسمح لها في المستقبل إجراء دراسات واستطلاعات أو عمليات بحث ميدانية إلاَّ بإذن من الدوائر الحكومية المختصة. وبالإضافة إلى ذلك هناك مادة تمّت صياغتها بصيغة هشّة، وتنصّ على أنَّه يجب على المنظَّمات غير الحكومية أن تتجنَّب جميع النشاطات التي تهدِّد "الوحدة الوطنية" أو تنتهك "الأخلاق العامة".

ممثلية منظمة كونراد أديناور الألمانية  في القاهرة. د ب أ
شوكة في عين القضاء المصري - تعرَّضت يوم التاسع والعشرين من شهر كانون الأوَّل/ ديسمبر 2011 سبعة عشر منظَّمة غير حكومية محلية وأجنبية لحملة مداهمات بتهمة التمويل الأجنبي غير المشروع. وكان من بين المتضرِّرين مكتب مؤسَّسة كونراد أديناور الألمانية في القاهرة.

​​"عقلية التحصُّن"

وكذلك يتعيَّن بحسب هذا القانون على المنظَّمات غير الحكومية أن تتوقَّع فرض قيود شديدة على تمويلها. ولن يُسمَح للمنظَّمات غير الحكومية بقبول أية تبرعات من دون موافقة هيئة رقابة حكومية يشارك فيها ممثِّلون عن أجهزة الأمن أيضًا. وسيتم في المستقبل تصنيف جميع أموال المنظَّمات غير الحكومية كأموال "عامة".

ويقول روبرت بيكر منتقدًا: "الإسلاميون يتجاهلون كلمة «غير» في مفهوم (منظَّمة غير حكومية)". ويضيف أنَّ الشفافية مسألة مهمة، لكن لا يجوز للدولة أن تتدخَّل في كلِّ مكان: "الحكومة الجديدة تستخدم عقلية تحصين نفسها مثل نظام حسني مبارك. وذلك لأنَّها لا تفهم عمل المجتمع المدني على أنَّه تعزيز للديمقراطية، بل كتهديد لحكمها".

ولذلك فإنَّ مشروع القانون الجديد يُعتبر مخيِّبًا للآمال أكثر من البديل الموجود والأكثر تسامحًا، والذي تم وضعه في العام الماضي من قبل البرلمان المنحل حاليًا.

ويقول رئيس اللجنة المسؤولة في تلك الفترة، أنور عصمت السادات، إنَّ الحكومة الجديدة تجاهلت عمل النوَّاب تجاهلاً تامًا. ويحذِّر هذا السياسي، وهو ابن شقيق الرئيس الراحل أنور السادات ومؤسِّس حزب الإصلاح والتنمية الليبرالي، من أنَّ "جماعة الإخوان المسلمين لا تزال أسيرة الفكر القديم، وهي تريد السيطرة على كلِّ شيء، وبهذا الشكل سوف تخنق المجتمع المدني".

نهاية المنظَّمات غير الحكومية الصغيرة؟

ويخشى السادات من اضطرار الكثير من المؤسَّسات الموجودة، مثل منظَّمات الإغاثة وحقوق الإنسان، إلى إنهاء عملها، إذا تم اعتماد مشروع هذا القانون؛ لأنَّ هذا القانون ينصّ على تحميل المنظَّمات غير الحكومية أعباءً إدارية، تُعتَبر معظم هذه المنظمات غير قادرة على تحمّلها.

ويذكر روبرت بيكر مثالاً على ذلك، ويقول: "لنفرض أنَّ مجموعة من المعلمين تريد إنشاء مؤسَّسة لمحو الأمية في قرية ما في صعيد مصر، فعندئذ ستضطر في المستقبل إلى القيام بذلك بصورة غير قانونية. وذلك لأنَّها لن تستطيع تأمين الحدّ القانوني الأدنى من رأس المال الذي يبلغ 250 ألف جنيه مصري (نحو 28 ألف يورو)، ولن تتمكَّن من تقديم 20 عضوًا مؤسِّسًا. وإذا توجَّهت مجموعة المعلمين هذه إلى حكومة أجنبية من أجل تمويلها، فعند ذلك سيتعرَّض أعضاؤها لخطر العقوبة بالسجن عامًا على الأقل".

ومن دواعي السخرية أيضًا أن تصدُر مسودة هذا القانون التقييدي من قبل تنظيم لا يتمتَّع هو بالذات بوضع قانوني؛ إذ إنَّ جماعة الإخوان المسلمين المصرية لم تقم، حتى الآن وبعد عامين من الثورة، بتسجيل نفسها رسميًا. زد على ذلك أنَّ الإخوان المسلمين يتكتَّمون على مصادر التبرعات التي يتلقونها وعلى عدد أعضائهم، كما لو كان هذا الأمر سرًا من أسرار الدولة.

روبرت بيكر. قنطرة
يقول روبرت بيكر إنَّ "الحكومة الجديدة تستخدم عقلية تحصين نفسها مثل نظام حسني مبارك. وذلك لأنَّها لا تفهم عمل المجتمع المدني على أنَّه تعزيز للديمقراطية، بل كتهديد لحكمها".

​​

أهمية الإرادة السياسية

وحتى الآن لا يزال من غير المعروف إنْ كان سيتم تمرير مشروع هذا القانون في صيغته الحالية من قبل الحكومة. لقد أعلن الرئيس مرسي أنَّه يريد إخضاع القانون أولاً لنقاش عام. ولكنه في الواقع وعد بذلك في حالة قانون التظاهر أيضًا الذي أثار جدلاً مشابهًا، وقد وافق عليه مجلس الوزراء قبل فترة قصيرة أيضًا.

وتأمل موظَّفة، تعمل في مؤسَّسة أجنبية في القاهرة ولا تريد الكشف عن اسمها، في أن لا تقوم الحكومة بوضع مشروع القانون الجديد على جدول الأعمال إلاَّ بعد انتخابات مجلس الشعب المفترض إجراؤها في شهر نيسان/ أبريل 2013. وتقول: "من المهم أن يتمكَّن النوَّاب في البرلمان من مناقشة مشروع هذا القانون".

وتحذِّر في الوقت نفسه من محاولة ربط العلاقة بين الدولة والمنظَّمات غير الحكومية في مصر بالقانون وحده. وتقول إنَّ المؤسَّسات الدولية تتحرَّك دائمًا وإلى حدّ ما في منطقة رمادية من الناحية القانونية. ومن دون وجود الإرادة السياسية الضرورية لن تكون لأفضل قانون أيضًا أية قيمة تذكر - والعكس بالعكس.

صمت المعارضة الحزبية

وإذا تم تمرير مشروع القانون قبل الجولة الأولى من الانتخابات البرلمانية المقررة في الثاني والعشرين من شهر نيسان/ أبريل 2013، فعندها من الممكن أن يؤثِّر ذلك على الشفافية في عملية التصويت. وقد يؤدِّي ذلك إلى خلق المزيد من الصعوبات في تسجيل مراقبي الانتخابات المحليين والأجانب. ومؤخرًا انخفض عدد مراقبي الانتخابات في الاستفتاء على الدستور في شهر كانون الأوَّل/ ديسمبر 2012 إلى أدنى مستوى منذ قيام الثورة.

ويقول السياسي المعارض أنور عصمت السادات إنَّ مجلس الشورى أثبت أنَّه غير قادر على الاضطلاع بالمهام التشريعية. ويجد أنَّ خير دليل على ذلك هو تأجيل هذا القانون المثير للجدل للانتخابات البرلمانية المقبلة، مع أنَّ المحكمة الدستورية قد اعتبرته قبل فترة قصيرة مخالفًا للدستور في عدة نقاط. ويقول السادات بلهجة حادة: "سوف يفعل حزبنا كلَّ شيء لإزعاج الحكومة وإيقاف هذا القانون الخاص بالمنظَّمات غير الحكومية".

ويضيف السادات أنَّه لا يستطيع التعويل على دعم جبهة الإنقاذ الوطني التي تمثِّل تحالف المعارضة الرئيسي في مصر. كذلك ينتقد روبرت بيكر تحالف المعارضة الذي لم يدلِ برأيه حتى الآن في مشروع هذا القانون المثير للجدل، ويقول: "تعدّ المنظَّمات غير الحكومية من حلفاء المعارضة الطبيعيين. ولذلك لا يمكن فهم صمت اليساريين والليبراليين".

 

ماركوس زومانك
ترجمة: رائد الباش
تحرير: علي المخلافي
حقوق النشر: قنطرة 2013