"تطوير سياسات اندماج ناجحة بدل إثارة النعرات العنصرية"

كلما ازداد اتساع الفجوة الاجتماعية تزداد حدة اللهجة المستخدمة في الجدال الدائر في ألمانيا حول الاندماج. ولذلك يحظى سياسي مثل تيلو ساراتسين - عضو مجلس إدارة البنك الاتحادي الألماني ووزير مالية ولاية برلين السابق، من خلال نظرياته العنصرية والسخيفة بالكثير من القبول في بعض الأوساط الشعبية، مثلما يرى دانيل باكس في هذا التعليق.

تيلو ساراتسين، الصورة: ا.ب
طالب ساراتسين بحلول سياسية متطرِّفة؛ إذ قال "لا نريد المزيد من لمّ شمل الأزواج والزوجات، ومن يرغب في الزواج ينبغي عليه أن يفعل ذلك في الخارج"

​​ بالنسبة للبرلينيين الذين يعرفون تيلو ساراتسين Tilo Sarrazin من فترة توليه منصب وزير مالية ولاية برلين، بدأ الجدال الدائر حول "فضيحة تصريحاته" الأخيرة يتحوّل إلى مسار مفاجئ. وفي الأعوام التي تولى فيها ساراتسين منصبه في ولاية برلين - كانت سمعته سيِّئة، وكثيرًا ما كانت تصريحاته حول متلقِّي المساعدات الاجتماعية مسلية ومسيئة، بيد أنَّها لم تشتهر قطّ بأنَّها ظريفة أو حتى بأنَّها قادرة على إقناع الأغلبية. وساراتسين كان يعتبر داخل المشهد السياسي في برلين مثل المغنِّي الشعبي ديتر بولن - شخصًا ثرثارًا يجب أَلاَّ يؤخذ كلامه على محمل الجد. وأصبح بذلك في وقت ما مناسبًا تمامًا في مدينة مغنِّي الراب الألماني سيدو والتونسي بوشيدو. والآن يفترض أنَّ هذا السياسي الثرثار بالذات قد أثار نقاشًا جادًا حول الاندماج؟ فهذا أمر لا يُصدَّق ويُثير الدهشة.

وللتذكير لم يقل ساراتسين في مجلة "Lettre International" الثقافية إنَّ المهاجرين الأتراك والعرب في برلين مندمجين بشكل أقلّ من المجموعات الأخرى مثل الفيتناميين والألمان من أصول روسية وحسب - بل هناك دراسة تم إجراؤها قبل فترة قصيرة في جميع أنحاء ألمانيا وصلت إلى نتيجة مماثلة.

نظرة مفرطة في العنصرية

وهذا العضو الجديد في مجلس إدارة البنك الاتحادي "المركزي" الألماني تكهَّن أيضًا حول الأسباب المفترضة لهذا الوضع البائس، وترك من خلال ذلك بتعبير مهذَّب الحقل التجريبي. فهكذا اختلق من وحي خياله أنَّ نحو سبعين في المائة من الأتراك وتسعين في المائة من العرب المقيمين في برلين "لا يرغبون في الاندماج ولا يقدرون عليه"، وعزا ذلك إلى عدة أسباب من بينها "العقلية" التي وصفها بأنَّها "عدوانية ورجعية". وبالإضافة إلى ذلك قال في كلامه المعسول الذي ينم عن لهجة مثقَّف زائف إنَّ الذكاء الإنساني متوارث عند البعض، ولهذا السبب فمن غير المستحسن في برلين أن تنجب الطبقة الدنيا بالذات - وخاصة التركية - الكثير من الأطفال.

متحجبات في برلين، الصورة: ا.ب
مخاوف حتى بين أبناء الطبقة الوسطى من تنامي دور المهاجرين، كما يرى دانيال باكس في تعليقه

​​ ولا يعود سبب الغضب من ساراتسين فقط إلى العبارات العاميِّة البذيئة التي كان يستخدمها لشتم باعة الفواكه والخضار الأتراك أو النساء اللواتي يرتدين الحجاب، بل لقد اشتعل الغضب بسبب نظرته العنصرية إلى العالم والتي اتَّضحت في عدة نقاط في أثناء الحوار الذي أجري معه. وهكذا لم يتبجَّح ساراتسين فقط مثل أي يميني متطرِّف صربي في قوله إنَّ "الأتراك يستولون على ألمانيا تمامًا مثلما استولى الكوسوفيون على كوسوفو؛ وذلك من خلال ارتفاع معدل المواليد"، ليضيف إلى ذلك بتهكّم وسخرية أنَّه يفضِّل بكلِّ تأكيد "لو كان هؤلاء المهاجرون يهودًا من شرق أوروبا بمعدل ذكاء نسبته أعلى بخمسة عشر في المائة عن نسبته لدى المواطنين الألمان"؛ - فهل قام في الحقيقة بقياس هذه النسبة بنفسه؟.

وعلاوة على ذلك لقد طالب ساراتسين أيضًا بحلول سياسية متطرِّفة؛ إذ قال "لا نريد المزيد من لمّ شمل الأزواج والزوجات، ومن يرغب في الزواج ينبغي عليه أن يفعل ذلك في الخارج"، وبالإضافة إلى ذلك دعا إلى "إمكانية إيقاف المساعدات المالية لصالح المهاجرين". فلا عجب من أن الحزب القومي الألماني NPD (الحزب النازي) في ولاية سكسونيا ضحك بشدة، وأوصى بتعيينه في منصب مفوَّض شؤون الأجانب، وعلى الرغم من أنَّ ساراتسين علَّل جعجعته المعادية للمسلمين بقليل من حبّ السامية والتعاطف مع اليهود.

مخاوف من تقبل هذه الأفكار

وليس المخيف في ذلك أنَّ تيلو ساراتسين هذا ينادي بمثل هذه الأفكار البشعة والسخيفة؛ بل إنَّ ما يدعو إلى الخوف هو أنَّ هناك أكثرية بين الألمان ليس لديها على ما يبدو أي مشكلة مع هذه الأفكار وحتى إنَّها توافق على ذلك. وحسب استطلاع للآراء أجرته مؤسَّسة إمنيد لاستطلاع الآراء لصالح صحيفة "بيلد" الواسعة الانتشار فإنَّ واحدًا وخمسين في المائة من مجموع الألمان يشاطرون ساراتسين نظريته الخاصة بعدم وجود القدرة على الاندماج.

مظاهرات ضد النازيين، الصورة: د.ب.ا
ساراتسين يقول حول الفئات غير المتعلمة في العاصمة برلين إنَّه ومع الأسف "لا توجد إمكانية لدمج هؤلاء الأشخاص بشكل معقول".

​​ وبعد أن أجاب في برنامج تلفزيوني يذاع بعنوان "قاسٍ ولكن عادل" ما نسبتهم حتى واحد وثمانين في المائة أنَّه يجوز للمرء بهدوء "التعبير بهذه الحدة مثلما فعل ذلك ساراتسين"، لا يسعنا سوى الأمل في أنَّ الكثيرين ممن تم استطلاع آرائهم لم يكونوا يعرفون النص الدقيق للحوار الذي أجري مع ساراتسين، لاسيما وأنَّ معظم وسائل الإعلام لم تذكر إلاَّ الفقرات غير الخطيرة من هذا الحوار. ولكن هذا لا يعدّ مؤشرًا حسنًا بالنسبة للتعامل مع العنصرية في هذا البلد، عندما تظهر العنصرية لدى رجل يرتدي بدلة عضو مجلس إدارة بنك وليس سترة منتفخة مثل النازيين الجدد.

وتيلو ساراتسين لا يذعن إلاَّ من خلال تصريحاته الوقحة والمهينة لجوقة الذين يُحمِّلون المسؤولية عن وضعهم السيئ بالذات لتلك الفئات المغلوب على أمرها في المجتمع. وهنا ينبغي أن نخشى من أنَّ مثل هذه الجدالات حول الذين يُقال عنهم إنَّهم يرفضون الاندماج وغيرهم ممن "يتطفَّلون على المجتمع" سوف تزداد في الأعوام المقبلة من حيث عددها وحدَّتها، في حال تم التوصّل في ظلّ حكومة تتألَّف من الحزب المسيحي الديمقراطي والحزب الديمقراطي الحرّ إلى التخفيضات المتوقَّعة والمزمع إقرارها في مساعدات الضمان الاجتماعي. وحسب تعبير الأوساط التي ينتمي إليها شخص مثل تيلو ساراتسين فإنَّ من يعتمدون على المساعدات الاجتماعية لم يجتهدوا ويكدحوا ببساطة في حياتهم بما فيه الكفاية؛ وسراتسين الذي ينتسب إلى أسرة ميسورة من الطبقة العليا يحلو له أن يعتقد أنَّه هو بالذات صاحب الفضل في هذا الامتياز الذي يتمتَّع به.

نظرية عرقية

والجديد هنا هو أنَّ عضو مجلس إدارة البنك المركزي الألماني قد طوَّر الآن نظريته الطبقية وحوَّلها إلى نظرية عرقية؛ إذ قال إنَّ سبب فشل هذا العدد الكبير من المهاجرين الأتراك والعرب وحتى من أبناء الجيل الثالث في التقدّم العلمي لا يعود إلى نظام التعليم الألماني وانعدام الفرص - بل يعود إلى ثقافتهم وجيناتهم الوراثية! وفي هذا الصدد صدق شتيفان كرامر، الأمين العام للمجلس الأعلى لليهود في ألمانيا، في وصفه ساراتسين على أنَّه يرمز لتقليد هتلر وغوبلز، حتى وإن كانت هذه المقارنة تبدو في غير هذا المقام مبالغًا فيها إلى حدّ ما.

كما أنَّ مثل هذه العنصرية المنتشرة في صالونات الطبقة الوسطى أصبحت تجد آذانًا مفتوحة. وحتى الآن كان المرء في هذه الأوساط يتجاهل ببساطة موضوع الهجرة أو يتوهَّم أنَّ العنصرية لا تشكِّل أي مشكلة إلاَّ في مناطق شرق ألمانيا أو لدى الطبقة الدنيا. ولكن منذ أن ازداد عدد المهاجرين الواثقين بأنفسهم الذين يطالبون بالمشاركة، أصبحت أيضًا الطبقة الوسطى تشعر بعدم استقرارها بسبب زيادة الطابع متعدِّد الأعراق في هذا المجتمع، وصارت تخشى على امتيازاتها وأسلوب حياتها.

والحزب الاشتراكي الديمقراطي SPD سوف يفعل خيرًا إذا أسرع في طرد ساراتسين من الحزب. فقد تم طرد السياسيين مارتن هوهمان Martin Hohmann وهنري نيتشة Henry Nitzsche لأسباب مشابهة من الحزب المسيحي الديمقراطي. وعلاوة على ذلك فإنَّ رفضه القاطع لكلِّ احتمالات "الرقي والتقدّم من خلال التعليم" يتعارض مع كلِّ ما يدافع عنه الاشتراكيون الديمقراطيون منذ أمد بعيد.

وساراتسين يقول حول الفئات غير المتعلمة في العاصمة برلين إنَّه ومع الأسف "لا توجد إمكانية لدمج هؤلاء الأشخاص بشكل معقول"، بيد أنَّه لا يؤمن بالاندماج من خلال التعليم. وعلى هذا النحو كان البرجوازيون في القرن التاسع عشر يفكِّرون فيما يتعلَّق بالرعاع أبناء طبقة البروليتاريا. وفي مثل هذا الحزب الذي قام على أساس المسيرة التعليمية لأشخاص مثل أوغوست بيبل وفيلي برانت وغيرهارد شرودر وفرانك فالتر شتاين ماير وسيغمار غابرييل - الذين ينتسبون جميعهم لأسر متواضعة وقد ارتقوا في عملهم، فإنَّ تكبّر تيلو ساراتسين يعتبر نكتة سيِّئة.

دانييل باكس
ترجمة: رائد الباش
حقوق الطبع: قنطرة 2009

دانييل باكس صحفي ألماني يعمل محررًا ومعلقًا في صحيفة تاغس تسايتونغ، ويركِّز اهتمامه على موضوعات الاندماج والهجرة والإسلام.

قنطرة

المهاجرون في ألمانيا:
سياسات اندماج قاصرة وطاقات مهمشة
لم يشعر الجيل الأول من المهاجرين العمال بأن الوطن الجديد قد أصبح جزءاً من هويتهم إلا نادراً، أما أبناء المهاجرين من الجيل الثاني أو الثالث فيعتبرون أنفسهم جزءاً من المجتمع الألماني. وعلى الرغم من ذلك فإن مكانتهم الاجتماعية لم تتغير إلا قليلاً، حسبما ترى أولغر بولات.

حوار مع الفيلسوفة وأستاذة العلوم السياسية شيلا بن حبيب:
الوطن والمواطنة.... رؤية كوزموبوليتية
ترى الفيلسوفة وأستاذة العلوم السياسية في جامعة ييل الأمريكية، شيلا بن حبيب، أنَّ هناك قصورا في تطور الديمقراطية الألمانية فيما يتعلق بحقوق المهاجرين. كما تطالب بمنح الأجانب المقيمين في البلاد حقّ المشاركة في الانتخاب البلدية ومساواة الإسلام مؤسساتيا مع الديانات الأخرى. دينيز أوتلو حاور شيلا بن حبيب حول هذه القضايا.

حوار مع أستاذ التربية الإسلامية بولنت أوجار:
"تخوف مسلمي ألمانيا من فرض إسلام رسمي"
يرى بولنت أوجار، أستاذ التربية الإسلامية في جامعة أوسنابروك، أنه ينبغي لدولة القانون الألمانية تجنب التدخل في عملية تطور "إسلام ألماني" وفرض رؤيتها عليه، بيد أنه يطالب في الوقت نفسه الجمعيات والمنظمات الإسلامية بأن تعيد النظر في بنيتها وهيكلتها الأساسية. إلباي جوفرجن حاور البروفيسور أوجار.