مؤسسة خارج كل رقابة

يعتبر النفوذ الذي تتمتع به القوات المسلحة التركية أكبر عقبة في طريق انضمام تركيا إلى الاتحاد الأوربي. حوار مع الباحث أرول أوزكوراي

كيف يوضح الدستور مهمات الجيش؟

أرول أوزكوراي: ثمة قراءتان للدستور الذي صدر في 1982 بعد الانقلاب العسكري. ففي القسم الأول منه، هناك الحكومة والسلطات التشريعية والتنفيذية والبرلمان. أما في القسم الثاني منه فهناك مجلس الأمن القومي ورئيس الجمهورية المتمتع بسلطات واسعة. لذلك فالدستور حسب رأيي بقسميه المدني والعسكري ينقسم إلى شطرين، كما أن العلاقة بين الإدارة المدنية والعسكرية ينص عليها الدستور، فضلا عن أن الصراع بينهما كامن في مضمون الدستور وفلسفته.

هل ثمة صراع حول هذا الأمر؟

أوزكوراي: ستتحول ساحة انتخابات رئيس الجمهورية عام 2007 إلى ميدان للصراع. رئيس الجمهورية بموجب دستور 1982 وفلسفته يتمتع بسلطات خاصة لحماية الجمهورية العلمانية. ومن صلاحيات رئيس الجمهورية :اختيار أعضاء المحكمة الدستورية، وتعيين رئيس المجلس الأعلى للتعليم وتحديد أعضائه، كما انه يتمتع بصلاحية تعيين أعضاء ديوان الرقابة المالية وأعضاء محكمة التمييز.

أي أن رئيس الجمهورية يقوم باتخاذ كل ما يمكن اتخاذه من إجراءات من أجل ديمومة مؤسسات الجمهورية العلمانية. وبسبب حماية السلطات العسكرية لمكتسبات الجمهورية، فإن العسكر يتدخلون في حالة اختيار شخص غير مناسب لمنصب رئيس الجمهورية، ويمكن التكهن باحتمال حدوث مثل هذه الأزمة خلال هذه السنة.

في الواقع أن الدستور لا يسمح بظهور مشكلة في هذا المجال. إلا ان مهمات رئيس الجمهورية تشكل امتدادا لمهمات وصلاحيات مجلس الأمن القومي. لذلك فان اختيار شخصية لمنصب رئيس الجمهورية معروفة بهويتها الإسلامية، يعتبر بحد ذاته مشكلة للعسكر والنظام القائم في تركيا. هذا هو جوهر المشكلة .

إذن فان الصراع ناجم عن الاختلاف في تفسير الدستور؟

أوزكوراي: ان تفسير موقف مجلس الأمن القومي بهذا الصدد واضح غاية الوضوح. دستوريا أنا ارفض وجود هذه المؤسسة لأنها غير دستورية، ففي الديمقراطيات لا مكان لمجالس كمجلس الأمن القومي. لأن ذلك يعني متابعة المؤسسات وفرض الرقابة عليها، وتوجيه الحكومات في نفس الوقت .

إلى أي درجة يتدخل الجيش في السياسة؟

أوزكوراي: لقد تغيرت بنية الجيش كثيرا منذ انقلاب 1980 ، كما تغيرت علاقة العسكر بالسياسة إلى درجة كبيرة. منذ زمن طويل كنا نسمع عبارة " دعوا الجيش بعيدا عن السياسة ، لا علاقة للجيش بالسياسة " .

ولكن ظهر خلال الـ 25 ـ 26 سنة الأخيرة أن هذه العبارة، عبارة فارغة . بالنسبة لي فان الجيش ومن خلال مجلس الأمن القومي يمارس السياسة ويعمل وكأنه حزب سياسي. واعتقد أيضا أن أكبر حزب سياسي في تركيا حاليا هو القوات المسلحة التركية. فهذه المؤسسة تمارس السياسة وتطبقها في نفس الوقت. ولحين اختيار شخصية مدنية لرئاسة مجلس الأمن القومي سيظل رئيس هذا المجلس بمثابة رئيس وزراء سري لتركيا.

بعد تشكيل الإسلاميين لحكومتهم قام مجلس الأمن القومي بنقل بعض "مهامه السرية" إلى رئاسة أركان الجيش. لهذا فان وصاية العسكر على الحكومة لا تزال مستمرة وقائمة. فالسلطة الحقيقية في تركيا هي في يد القوات المسلحة، أما الفائزون في الانتخابات فإنهم يشكلون الحكومة، بينما الخيوط الحقيقة هي بيد الجيش، وهو ما يشكل جوهر المشكلة الأساسية مع الاتحاد الأوروبي .

ما هي الأسباب التي تجعل الجيش مؤثرا إلى هذا الحد؟

أوزكوراي: انه تأثير نابع من التاريخ بدون شك. فكون الجيش وراء حركة حزب الاتحاد والترقي، وكونه أيضا قد خاض حرب تحرير، وكونه جيشا حديثا ومعاصرا، يبرز توجهه نحو الغرب. لكن رغم ذلك شهدت تركيا ثلاثة انقلابات عسكرية، إضافة إلى حدوث ما يقارب من 30 محاولة انقلابية فاشلة.

إلا أن بنية هذا الجيش قد تغيرت بعد انقلاب 1980 وإعلان دستور 1982. لقد ساهم هذا الدستور في تنظيم الجيش للنظام السياسي في تركيا. وفي الحقيقة فان تركيا تدار حتى الآن من قبل دستور جاء به الانقلابيون، وما الاجتماع الذي يعقده مجلس الأمن القومي مرة في كل شهرين في رائي، إلا تجديد مستمر للنظام الانقلابي.

حسنا ، هل يخضع الجيش دستوريا لرقابة مؤسسة ما؟

أوزكوراي: لقد تحول الجيش برمته إلى هدف بحد ذاته، أي أنه أصبح سيد نفسه. بطبيعة الحال له علاقة مع الولايات المتحدة الأمريكية إلا أن ثمة ترددا متبادلا بين الطرفين. الجيش قوة بحد ذاته، كما أنه قوة مالية مهمة، وليس ثمة ما يشبه مثل هذا الطابع في أي دولة أخرى باستثناء البرازيل وتركيا.

يكفي أن شركة OYAK التابعة للجيش هي واحدة من أهم وأضخم خمس شركات في تركيا. وهي غير خاضغة لأي رقابة، لأن لها قوانين خاصة تنظم نشاطها وعملها، إضافة إلى ميزانية خاصة بها. وحسب البيانات الرسمية فان حصتها هي 11 % من الميزانية ، بينما تشير المصادر الغربية التي بحوزتي إلى ان نسبة هذه الحصة تبلغ 30 % وهي غير خاضعة لمتابعة ديوان الرقابة المالية. وبذلك فالجيش هو قوة اجتماعية واقتصادية ومدنية وسياسية .

ذكرت ان الجيش غربي في طرازه وتوجهاته، في هذه الحالة ماهو مصدر المشكلة مع الاتحاد الأوروبي؟

أوزكوراي: ان اعتبار الجيش جيشا ذا نمط غربي يعود إلى أتاتورك، وسببه هو الالتزام بالفكر الكمالي. ما الذي بقي اليوم من ذلك الجيش؟ سؤال يدعو إلى الشك. ان الخيار الوحيد لتركيا هو خيار الانضمام إلى مشروع الاتحاد الأوروبي.

إلا ان موقف الجيش من هذا المشروع سلبي للغاية. فقبل أكثر من عامين كان 75 % الى 80 % من الرأي العام التركي يؤيد الانضمام إلى الاتحاد الأوربي. وذلك لتظاهر الجيش في تلك الفترة وكأنه على الحياد، بينما كان يحاول في الخفاء عرقلة المشروع، وهو ما فعله دائما.

فعلى سبيل المثال في عهد الحكومة الائتلافية بين حزبي الشعب الجمهوري وحزب السلامة الوطنية وخلال سنة ونصف او سنتين لم يتم أي شيء بخصوص عضوية تركيا في الاتحاد الأوربي، بدليل أن تركيا لم تحصل في تلك الفترة على تاريخ محدد لبدء المفاوضات الخاصة بالعضوية. حيث هيمنت المشكلة القبرصية على اهتمام الجهات التركية. في عام 2001 كتبت مقالا بعنوان "في أي عمل يكون الجيش مفيدا؟ " ، ذكرت فيه أن تقديم القضية القبرصية على مشروع الاتحاد الأوروبي سيؤدي إلى عرقلة المشروع.

وفعلا قفزت المشكلة القبرصية إلى مقدمة الأحداث في بداية ونهاية 2006. وقد فعلت القوات المسلحة التركية ذلك عمدا، ونجحت في جعل نسبة المؤيدين للانضمام إلى الاتحاد تهبط إلى 40 % ، لأن الجيش يدرك بانه سيخسر جميع سلطاته مع مشروع الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي.

هل هنالك قوة أخرى في مواجهة الجيش؟

أوزكوراي: مع الأسف لقد عملت حفنة من الناس من أجل تحقيق أهم هدف لانقلاب 1980 ألا وهو إيقاف تنامي قوة اليسار في تركيا. وحينما أتحدث عن اليسار فأنا أعني كل أطيافه. يعني من الصعب الحديث اليوم عن حركة يسارية جدية في تركيا، أو حركة ديمقراطية اشتراكية.

ولا يمكننا إعتبار حزب الشعب الجمهوري نموذجا لذلك لتغلب الطابع القومي على نهجه وسياساته. ليس هنالك من قوة بامكانها مواجهة الجيش، لا في النقابات ولا في منظمات المجتمع المدني. ولو قارنا هذا الوضع بما هو موجود في روسيا، سنرى ان الجيش يعتبر العمود الفقري في روسيا، إلا أنه لا يلحق ضررا بالنظام في المنظور العام، أما إذا ارتفعت الأصوات المعارضة فانه لن يتردد في إخمادها كما حصل في نموذج آنا بوليتوفيسكيا.

تبدو متشائما للغاية؟

أوزكوراي: أود ان انظر إلى الأحداث بتفاؤل، لكنني واقعي، ويجب ان أضع الجيش في مركز هذه الواقعية. فبدون حل هذه الإشكالية وبدون مساهمة المدنيين في عودة الجيش إلى ثكناته، وبدون الخروج بدستور مدني جديد، وبدون ظهور فريق سياسي جديد من الأحزاب نابع من تطلعات المجتمع وجماهيره فما من أيام مشرقة تنتظر تركيا. يقول البعض ان عدم حصول تركيا على عضوية الاتحاد لا يعني نهاية العالم. بالنسبة لي ذلك هو نهاية العالم.

أجرى الحوار أتيلا أزرق
ترجمة نصرت مردان
حقوق الطبع قنطرة 2007

قنطرة

تركيا والاتحاد الأوربي
ملف شامل يناقش العلاقة بين تركيا والاتحاد الأوربي من جهة والعلاقة بين تركيا والعالم الإسلامي من جهة أخرى