الخاسر الأوحد في الانتخابات الفلسطينية

أحمد يعقوب
16 شباط/فبراير 2006

الأمر الكارثي في الانتخابات التشريعية الفلسطينية هو الغياب شبه المطلق للثقافة والمثقفين، سواء كمنهج ورؤية وبرامج أو كرموز وفعاليات وشخصيات ثقافية، وهذا إلغاء مضاف تتعرض له الثقافة في فلسطين وهذه المرة لصالح الاقتصادي/ الاجتماعي بعد أن كانت التبعية الكاملة للسياسي.

(بعض الشخصيات المعروفة ثقافياً رشحت نفسها بصفتها السياسية والتنظيمية ولم يحالفها الحظ في النجاح مع الأسف الشديد).

نعم لقد جاءت الانتخابات لتكلل مرحلة صاخبة من حراك المجتمع الفلسطيني، وبالتحديد مرحلة الانتفاضة، وجاءت نتائج مؤلمة تمثلت في تهميش كل ما هو ثقافي، وهنا يوجد لبس حول تعريف الثقافي، وندرك وجود نظرات أحادية الجانب حول المفهوم.

الأيديولوجيات قد نحتت مفاهيمها عن الثقافة والمثقف، واحتكرت كل منها مفهوماً خاصاً بها بالشكل الذي لا يعترف بأي مفهوم آخر، بل إنه يلغيه ويقصيه.

فالمثقف العضوي (غرامشي) هو المثقف الأمثل والأوحد بالنسبة لأتباع غرامشي، والمثقف المستنير (زكي الأرسوزي) هو المثقف الأمثل والأوحد للتيار القومي، والمثقف الفقيه (الأفغاني ومحمد عبده) هو المثقف الأمثل والأوحد لتيار الإسلام السياسي.

وإذا كان معظم مثقفي الثورة الفلسطينية قد انحازوا في أغلبيتهم إلى دائرة المثقف العضوي والمستنير العضوي أيضاً (أمثال: بسيسو وكنفاني وعبد الوهاب الكيالي وغيرهم)، فإن تيار الإسلام السياسي في فلسطين لم يفرز بعد رموزاً ثقافية كبيرة خارج نطاق (الشيخ) و(الإمام) في مدارس ابن تيمية والغزالي.

إن هزيمة مثقفي الثورة الفلسطينية وامتداداتها في الانتفاضتين الأولى والثانية قد تم استنتاجها واستقراءها قبل الانتخابات عندما لم تبلور قيادة الانتفاضة شخصية أو شخصيات ثقافية فاعلة ومؤثرة في صياغة الخطاب السياسي والنضالي لفعاليات الانتفاضة ووقائعها اليومية، حيث سادت ثقافة الاستسهال ورفع وجر ونصب الاسماء والافعال كيفما شاء!

ورغم النشاطات العديدة للعديد من المؤسسات والمراكز والشخصيات الثقافية والأدبية إلا أنها لم تكن بمستوى تأطير تيار ثقافي له حضوره الفاعل على جميع المستويات الشعبية والرسمية.
هذه الهزيمة النكراء هي دعوة صريحة وقاسية للمثقف الفلسطيني الحقيقي، ونقصد بالحقيقي ذاك المثقف الذي يخضع كل الظواهر إلى العقل الناقد بكامل الحرية.

نقول هذا وقد كثرت الأصوات التي تدعو إلى إعادة صياغة المجتمع الفلسطيني وفق الثقافة الإسلامية، وكأن المجتمع الفلسطيني ليس مسلماً، وبرأينا الثقافة التي يدعون لها هي ثقافة حزب سياسي بعينه.

أخيراً نقول لقد قام السودان الذي يحكمه حزب إسلامي بتوقيع اتفاقيات مع جنوب السودان الوثني وتقاسم السلطة معه، فكيف بفلسطين صاحبة التجربة الأولى في التعددية الفكرية والسياسية؟ إنها دعوة للمثقفين الفلسطينيين الحقيقيين لبلورة تيار الثقافة الحرة التي لا سلطان عليها إلا سلطان العقل المفكر والعقل الناقد.

قنطرة

ما العمل مع الفوز؟
إرضاء الناخبين واتخاذ مواقف بناءة في السياسة الخارجية، هذه هي التحديات التي تواجهها "حماس" بعد فوزها الساحق في الانتخابات البرلمانية. تحليل هيلغا باومغارتن من جامعة بيرزيت.