قنبلة في عمامة

ثمة سؤال يستدعي الإجابة بعد أن نشرت إحدى الصحف الدانماركية كاريكاتورا يطال النبي محمد: هل يجوز أن تبقى حقوق من نوع حرية الصحافة والتعبير بلا قيود وأن لا تعامل بالمثل على غرار حريات أخرى التي تنتهي عند حدود حرية الآخرين؟ تعليق بقلم بيتر فيليب.

ثمة سؤال يستدعي الإجابة بعد أن نشرت إحدى الصحف الدانماركية كاريكاتورا استفزازيا يطال النبي محمد: هل يجوز أن تبقى حقوق من نوع حرية الصحافة والتعبير بلا قيود وأن لا تعامل بالمثل على غرار كل الحريات الأخرى التي تنتهي عند حدود حرية الآخرين؟ تعليق بقلم بيتر فيليب.

صرح كارستن يوسته رئيس تحرير صحيفة "يولاندز بوستن" الدانماركية: "نحن مع حرية الدين ونحترم حق كل إنسان في ممارسة دينه، لذا لا نقصد بحال من الأحوال الإساءة لأحد بناءً على معتنقه الديني".

التخفيف من حدّة الأضرار

يبدو كارستن يسته ممتعضًا "في رسالةٍ مفتوحةٍ وجَّهها للمواطنين المسلمين في الدنمارك" سعى فيها في نهاية كانون الثاني/يناير لتهدئة الهيجان الذي بدأت ملامحه بالظهور في نهاية أيلول/سبتمبر الماضي، والذي يجنح الآن نحو العنف ونحو فقدان السيطرة عليه.

العربية السعودية وليبيا والكويت سحبوا سفراءهم من الدانمارك، وتم استدعاء الدبلوماسيين الدانماركيين إلى وزارة الخارجية في كل من طهران وبغداد، وجرى اقتحام أحد مكاتب الاتحاد الأوروبي في غزة، بينما تنضم يوميًا دولٌ عربيةٌ وإسلاميةٌ أُخرى إلى الدعوة لمقاطعة البضائع الدانماركية، فيما تحذر وزارة الخارجية الدانماركية مواطنيها من السفر إلى دولٍ مثل العربية السعودية.

رسم دقيق

تداعت هذه الأحداث بعد أن نشرت صحيفة "يولاندز بوستن" رسما كاريكاتوريا في نهاية أيلول/سبتمبر المنصرم. وسعت الصحيفة من خلال هذه الخطوة أن "تختبر" المدى الذي يمكن بلوغه في هكذا أمر. كان النبي محمد موضوع الرسومات، وما رسم بالريشة الملساء لم يكن مجاملةً أبدًا، ولم يكن على أية حال مناسبًا لتشجيع السلام بين الأديان.

وكان النبي قد صوِّر –الإسلام يمنع تصوير النبي منعًا باتًَا– وعلى رأسه عمامة على شكل قنبلة. رسالة أثارت الغضب بين المسلمين وحتى المعتدلين منهم، ليس لأن النبي محمد قد جُرِّح به وحسب، بل ومعه مجمل الإسلام الذي سوُّيَّ بالإرهاب.

أما رئيس تحرير صحيفة "يولاندز بوستن" فقال: لربما كانت المبادرة بنشر الرسومات الكاريكاتورية "قد فُهمت على أنها حملةٌ ضد المسلمين في الدانمارك والعالم أجمع، بسبب سوء فهمٍ ثقافي"، وأضاف كارستن يسته مؤكدًا:

"الواقع غير ذلك تمامًا. فلم يكن الهدف من نشر هذه الصور في الصحيفة حملةً ضد المسلمين، ونأسف لجرح مشاعرهم عن غير قصد". هذا الإعتذار قبلت به الاتحادات والجمعيات المسلمة في الدنمارك. ولكن لم تقبل به –بعد– الدول العربية والإسلامية.

التحريض ضد الغرب

هنا يبدأ البعد الثاني للفضيحة، إذ يبدو أن بعض الأوساط في العالم الإسلامي قد استقبلت الحدث الدانماركي بالترحاب، واستغلت الفرصة لاتهام الغرب بأجمعه بالتعالي وانعدام الحساسية.

هكذا غدت الرسوم الكاريكاتورية المنشورة على صفحات "يولاندز بوستن" والتي كانت قد نشرت على صفحات صحيفة نرويجية أيضا، معروفةً في العالم الإسلامي، وأُضيفت إليها رسومات لا يُعرف مصدرها، ويقول كارستن يتسه بهذا الصدد:

"لو تم عرض هذه الصور علينا من أجل نشرها في جريدتنا لرفضناها لأنها مسيئة لقيمنا الأخلاقية، فصحيفتنا تمنح وزناً كبيراً للحفاظ على مستوى رفيع من الأخلاق المبنية على احترام قيمنا الأساسية".

هذا وقد احتدَّ الخلاف بسبب سوء الفهم المبدئي من جانب المحتجين كذلك، إذ طالبت الحكومات العربية الحكومة الدانماركية بالاعتذار، وطالب وزراء الداخلية العرب، المجتمعون في تونس، كوبنهاغن بمعاقبة رسامي الكاريكاتور المعنيين.

رد الفعل هذا زاد من الأمر سوءًا: إذ صرح "أندرس فوغ راسموسن" رئيس الحكومة الدانماركية بأن لا علاقة لحكومته بما نشر من رسومات كاريكاتورية، بيد أنه أشار إلى قانون حرية الصحافة والرأي.

وجاء ردُّ الفعل مماثلاً من النرويج إزاء المطالبة باتخاذ اجراءات سياسية بحق المسؤولين. إلا أن وتيرة الغضب ارتفعت على الجانب العربي، حيث بلغ وصف أحد المعلقين السعوديين، بأنه أصبح الآن جليًا لدرجة لا تقبل الشك، أن الغرب يتعامل مع الإسلام كعدوٍ، قائلاً: "من يُكذِّب حدوث المحرقة (الهولوكاوست) في وسائل الإعلام الغربية يتعرض للعقاب، بينما يبقى من يسيء للإسلام ونبيَّه دون عقاب.

انعدام المعرفة بالآخر، وتصويره عمدًا على نحوٍ مخيفٍ يكملان بعضهما البعض. تمامًا كما حدث قبل سنوات، عندما قام رودي كاريل في برنامجٍ تلفزيوني عديم الذوق بتصوير الخميني قائد الثورة الإيرانية على نحو هزلي، ما دفع طهران في حينه لتصعيد الأمر ليصل إلى أزمة سياسية مع الجمهورية الألمانية.

الحق بالحماية من القذف والإهانة

لكن في الوقت عينه، لا بدَّ من اعادة التفكير ومراجعة مسألة الفصل بين الدين والدولة في المجتمعات العلمانية. وكما جرى النقاش بُعيّد مقتل المخرج الهولندي "تيو فان غوغ"، يتعين على الأقل إعادة التفكير والبحث فيما إذا كانت بعض قوانين حرية الصحافة والرأي يجب أن تبقى على حالها بلا روابط، أو إذا ما كان عليها أن تُعدَّل لتصبح مثل كافة الحريات الأخرى، التي تنتهي حدودها حيثما تبدأ حرية الآخرين.

الحدود في هذه الحالة هي حرية الممارسة الدينية وحق الأقليات بالحماية وعدم الملاحقة أو حتى التجريح وحسب. للأقلية الدينية الحق بالحماية من هذه الاعتداءات –والمسلمون أقليةٌ في الديمقراطيات الغربية، ومن واجب الأكثرية أن توفر وتضمن هذه الحماية. وإلا فلن يبقى من أُسس الديمقراطية الكثير.

يرى المفكرون الليبراليون خطرًا في هذا. ذلك هو حال الصحيفة اليسارية "تاغستسايتونغ"، التي نشرت في أحد التعليقات أنه لا يمكن اعطاء الضمانة بأن لا تتكرر واقعة كالتي حصلت في الدانمارك:

"هذا مطلب لا يمكن تحقيقه، إذا كنا لا نريد أن يحدِّد لنا القساوسة أو الأئمة أو الحاخامات ما نقرأ أو نسمع أو نشاهد. هذه السلطات الدينية أثبتت نفسها ولأمدٍ طويل باعتبارها سلطات مضطهدةً لحرية الرأي".

بيتر فيليب
ترجمة يوسف حجازي
حقوق طبع النسخة العربية قنطرة 2006

قنطرة

أوربا في الإعلام العربي
مناقشات حامية حول رسوم الكاريكاتور للنبي محمد أو الصعوبات التي يواجهها المسلمون في حياتهم اليومية في أوربا أو العداء ضد الأجانب – هذه المواضيع لا تتطرق إليها وسائل الإعلام الأوربية فحسب، بل أصبحت جزء من اهتمامات الصحفيين العرب أيضا.

يجب أن نكون قادرين على الحوار
ما هو الدور الذي تلعبه وسائل الإعلام في العلاقات الأوروبية – الشرق أوسطية؟ وإلى أي مدى يؤثر الحوار الافتراضي على هذه العلاقة؟ حوار مع لورنس بينتاك أجراه برنهارد هيلنكامب

الضحك وليس الاستهزاء
على هامش الدورة الرابعة والعشرين للصالون الدولي لرسوم الصحافة والساخرة التظاهرة الأكبر من نوعها في العالم التي تقام كل عام في بلدة سان جوست لو مارتيل الفرنسية، كان هذا اللقاء مع الرسامين الجزائري رشيد قاسي واللبناني حبيب