الإخوان المسلمون في مصر...بُعبُع قديم ولُقاح جديد

يرى الكاتب المصري علاء الأسواني أن ما جعل المصريين يُقبلون على انتخاب الإخوان المسلمين هو أن مبارك كان يفزع بهم الشعب، وأن هذا الإقبال لن يدوم طويلاً، ويرى أن حُكم الإخوان حالياً هو بمثابة لُقاح طبي سيُحصِّن الشعب ضدهم على المدى الطويل، ويقول: "سنُسقِط مرسي كما أسقطنا مبارك". تيم نيشيتوف اِلتقى الأسواني في مدينة شتوتغارت الألمانية.

الكاتبة ، الكاتب: Tim Neshitov

في إحدى المقاهي الصغيرة في مدينة شتوتغارت الألمانية يجلس علاء الأسواني، الكاتب الأكثر نجاحاً في مصر، يكتب تغريداته على تويتر. "مصر أصبحت بلا رئيس شرعي. لقد انتخب المصريون رئيساً ثم اكتشفوا أنه مرؤوس للمرشد، وأنه ديكتاتور دمويّ".

يحمل الأسواني جهاز "آي باد" موضوع في علبة واقية سوداء. بأظافره الطويلة والأنيقة يكتب تغريداته ضد الرئيس مرسي الذي يرى أنه قاد البلاد إلى حافة الحرب الأهلية بمسودة دستوره ذي الصبغة الإسلامية.

يقترب وقت الظهيرة في يوم الخميس في ألمانيا والناس يحتفلون بعيد القديس نيكولاوس. وفي ذات الوقت في مصر يعلن التلفزيون الرسمي نبأ مصرع خمسة أشخاص في الاشتباكات التي دارت مؤخراً في الشوارع. خلال الليل تبادل أنصار مرسي – ومعظمهم من الإخوان المسلمين – ومعارضوه قذف الحجارة والزجاجات الحارقة أمام القصر الرئاسي.

الأسواني ابن الخمسة والخمسين عاماً ضخم البدن ويرتدي حذاء مقاسه 47، وشعره قصير فاحم السواد. هو في المعتاد لا تفوته مظاهرة. ونظراً لمحاولة استهداف الأسواني بالقتل بالسكين ونجاته منها بأعجوبة العام الماضي 2011 في ميدان التحرير باتَ بعض أنصاره، ممن يتميزون بالضخامة الجسدية وهم في الغالب من مُشَجّعي فِرَق كرة القدم، يرافقونه عند سيره في الشارع حمايةً له من أي اعتداء عليه.

جاء علاء الأسواني مؤخراً إلى ألمانيا، حيث تسلّم في شوندورف، بالقرب من مدينة شتوتغارت، جائزة يوهان فيليب بالم لحرية الرأي وحرية الصحافة. كان يوهان فيليب بالم يعمل في مجال تجارة الكتب في مدينة نورمبرغ، وفي عام 1806 نشر كُتيّباً يهاجم فيه نابوليون بعنوان "ألمانيا في أسوأ وأدنى إهانة لها". وعقِبَ ذلك تم تنفيذ حكم الإعدام بيوهان فيليب بالم.

وبعد منح علاء الأسواني الجائزة لم يغادر ألمانيا، رغم أن البوادر كانت ترتسم في الأفق بأن مصر تشهد أزمة من أسوأ الأزمات منذ سقوط حسني مبارك. رافق الأسواني زوجته، التي تعمل محاسِبة، إلى الطبيب لمعالجتها من التهاب المفاصل الذي تعاني منه. كما أجرى هو نفسه فحوصات طبية على يد طبيبين من منطقة شفابن الألمانية. الأسواني مدخن شره منذ عقود.

"قال لي الأطباء أن رئتيّ بخير وفي حالة صحية مدهشة" ويضحك الأسواني. ضحكته تشبه ضحكة تلميذ متهرِّب من المدرسة اجتاز أحد امتحاناته بنجاح. وصوت الأسواني عميق وأجش، وهو صوت تتردد أصداؤه يومياً في التلفيزيون المصري في الوقت الحاضر.

إحدى القنوات التلفزيونية المصرية الخاصة تتصل به في ألمانيا وتجري معه حواراً تليفونياً. أما بالنسبة لتلفزيون الدولة فالأسواني شخص لا وجود له. في عهد مبارك كان الأسواني على القائمة السوداء، وحتى أصحاب السلطة الجدد يرون أنه يُفْرِط في توجيه الانتقادات إليهم.

محاولات حشد

قبل أن يسافر الأسواني يوم الاثنين إلى القاهرة ها هو يقول:"حين أصِل إلى القاهرة سألقى حقائبي في المنزل وأجري إلى ميدان التحرير"، وها هو ذا يحاول حَشْد المصريين الذين يعيشون في ألمانيا لكي يخرجوا في مظاهرة.

مظاهرة احتجاجية في ميدان التحرير ضد مرسي. 27 نوفمبر 2012. رويترز
رواد الحركة الديمقراطية في مصر: شارك الكاتب الشهير علاء الأسواني مشاركة فاعلة خلال ثورة يناير في الاحتجاجات التي تفجرت ضد نظام حسني مبارك المستبد، والآن يشارك في حركة المقاومة ضد الإخوان المسلمين وضد توسيع سلطات الرئيس محمد مرسي.

​​

في ألمانيا يعيش نحو ستين ألف مصري. ووفق معلومات صحيفة "زُود دُويتشِه تسايتونغ" فإن عدد المسجلين للإدلاء بأصواتهم من هؤلاء الستين ألف قُبَيل الاستفتاء يوم 15 من ديسمبر (كانون الأول) لم يتجاوز الألفين شخص.

أراد الرئيس في هذا اليوم استفتاء الشعب على الدستور. ورأى الأسواني قبل الاستفتاء أنه "سيتم تزوير أصوات هؤلاء الألفين، ثم يتم اعتبارهم ممثلين لغيرهم، تماماً مثلما كان يحدث في عصر مبارك".

ويقول الأسواني: "إن جهازنا الحكومي لديه خبرة عظيمة بهذا الشأن". ثم يضيف: "على المصريين الذين يعيشون هنا أن يخرجوا إلى الشوارع ويرفعوا صوتهم ضد هذه المسرحية الساخرة. ولكن ليس من السهل إقناعهم بذلك".

في بهو الفندق المريح كانت شجرة عيد الميلاد تضيء، الإذاعة المحلية لمنطقة شفابن تذيع أغنية المطربة أديله Someone like you. النشرة تبدأ بأخبار مصر. الحرس الجمهوري وضع دباباته أمام قصر مرسي. ويعلو الصوت: "مرسي، مرسي"، يتنهد الأسواني وهو يحتسي القهوة السوداء التي تخلو من السكَّر، ويضع قطعة من الشيكولاتة المصبوبة على شكل بابا نويل في فمه.

زوجة الأسواني كانت في تلك اللحظة قد خرجت إلى الشوارع التي تغطيها الثلوج لشراء سُترتين لابنتيهما. في الصباح الباكر تحدث الأسواني تلفونياً مع محمد البرادعي، الحاصل على جائزة نوبل للسلام، الذي كان يعمل مفتشاً للأمم المتحدة على المنشآت النووية. البرادعي الآن أحد أهم قادة المعارضة في مصر. الآن يكتب الأسواني إحدى تغريداته على تويتَر: "سنُسقِط مرسي كما أسقطنا مبارك".

هناك أكثر من 630 ألف شخص يتابعون تغريدات الأسواني على توتير. ما يكتبه تقوم الصفحات الإخبارية بنشره بسرعة. أما ردود الأفعال فيراها مباشرة على شاشة هاتفه.

"أنت أحمق"، تقول له امرأة جميلة على توتير. "أنت في الحقيقة لا تعلم شيء، لكنك لا تتوقف عن الكلام". ويقول الأسواني إن منتقديه– ومعظمهم من الإسلاميين – يحبون الاختباء في الإنترنت خلف صور النساء.

امرأة جميلة أخرى تستعلم من الأسواني إنْ كان قد احتسى كأسه الصباحي من الويسكي. "ليس من الصعب عليهم أن يوجهوا لي الإهانات، لأنهم لم يقرأوا كتبي على ما يظهر. لو كانوا فعلوا ذلك لما ادّعوا أنني أهاجم الإسلام في كتاباتي".

قرأَ كثيراً، وسمِع كثيراً

ذاع صيت الأسواني في العالم كله في أعقاب نشر رواية "عمارة يعقوبيان" عام 2002 التي تقدِّم بانوراما ساخرة حافلة بالتناقضات لحياة المصريين اليومية تحت حكم حسني مبارك في مطلع التسعينات.

في هذه الرواية حطم الأسواني تابوهات عديدة. صوَّر الأسواني في "عمارة يعقوبيان" المصريين وهم ينامون معاً، ويبحثون عن عمل، ويَرشُون ويرتشون، ويمسحون السلالم، ويحتسون الشمبانيا، ويتعاطون المخدرات ويَصِلون ويُزَوِّرون الانتخابات، ويتحولون إلى إرهابيين. تُرجِم الكتاب إلى سبع وعشرين لغة، من بينها العبرية، وبيعت منه أكثر من مليون نسخة في شتى أنحاء العالم.

رواية الأسواني الثانية "شيكاغو" حققت هي أيضاً قبل ست سنوات أفضل المبيعات على مستوى العالم. ولكن يبدو أن تأثير الأسواني السياسي في أوقات الأزمات في مصر يزن أكثر من وزنه الأدبي.

في نقاش تلفزيوني حامي الوطيس في شهر فبراير (شباط) 2012 هاجم الأسواني رئيس الوزراء أحمد شفيق، وهو رجل من الحرس القديم لمبارك. وكان الهجوم عنيفاً إلى درجة أن شفيق قدَّم استقالته بعدها بيومين. "أكثر ما أثار غضبه هو أنني تحدثت معه بنديّة وليس كما يتحدث الإنسان إلى نصف إله"، يقول الأسواني.

سألني: ومن أنت أساساً؟ كان من الممكن أن أرد قائلاً إنني أكثر الكتاب العرب نجاحاً في العصر الحاضر، غير أنني أجبت قائلاً: أنا مواطن مصري، وعليك أن تعتاد أن يوجه المواطن المصري أسئلة".

توجيه الأسئلة، وعدم الشعور بالمهابة أمام متقلدي المناصب الحكومية أو ذوي المكانة الكبيرة في المجتمع: هذا الموضوع يشغل الأسواني منذ فترة طويلة. درس الأسواني طب الأسنان وحصل على شهادة البكالوريوس في القاهرة، ثم على درجة الماجستير في شيكاغو.

في عمود يكتبه في صحيفة "المصري اليوم" وَصَف الأسواني مؤخراً الفترة التي قضاها مساعدَ طبيبٍ بجامعة القاهرة في مطلع الثمانينات بأنها "أسوأ أيام حياتي". كان هناك أستاذ جامعي ينادي مساعده قائلاً "يا حمار"، أما المساعد فلم يكن ينزعج من ذلك معتبراً أن البروفيسور مثل والده.

بلد من المستبدين الصغار

"إن الاستبداد كالسرطان" يقول الأسواني في إحدى مقالاته، وهو "ينتقل من قصر الرئاسة إلى كل مكان في المجتمع، فيتحول أفراد الشعب المقموعون إلى مستبدين صغار، يعيدون إنتاج القمع الواقع عليهم ضد من هم أضعف منهم".

علاء الأسواني. أ ب
يقول الأسواني في إحدى مقالاته: "إن الاستبداد كالسرطان، ينتقل من قصر الرئاسة إلى كل مكان في المجتمع، فيتحول أفراد الشعب المقموعون إلى مستبدين صغار، يعيدون إنتاج القمع الواقع عليهم ضد من هم أضعف منهم".

​​ما زال الأسواني يمارس مهنته كطبيب أسنان، ويذهب إلى عيادته مرتين في الأسبوع، رغم أنه يستطيع أن يعيش من كتاباته، وهو أمر نادر الحدوث في العالم العربي، ويقول: "عيادتي مثل النافذة التي أطل منها لمراقبة المجتمع".

ما يراه الأسواني اليوم من هذه النافذة يملؤه بمشاعر مختلطة. فمن ناحية يشتكي مرضاه بأن رؤوساءهم يقومون بتوجيه الإهانات لهم، فالظروف التي كانت سائدة في الثمانينيات في جامعة القاهرة لم تتغير. وهو "كطالب كان الإنسان وما زال مخلوقاً ضعيفاً لا حول له ولا قوة. المصري يُربَّى على عدم توجيه أسئلة"، مصر تظل إذَنْ بلد المستبدين الصغار.

من ناحية أخرى فإن مصر قد شهدت في يناير (كانون الثاني) 2011 "لحظة غامضة من لحظات الثورة، إذ تحول البشر الذين لم يكونوا يوماً مواطنين واعين إلى أبطال. إن المستبدين لا يمكنهم أن يحكموا إلا لأن الناس – أياً كان المكان الذي يعيشون فيه في عالمنا- ليسوا أبطالاً".

لُقاح للشعب ضد التعصب

وبعد مرور عامين على انتهاء حقبة مبارك: ها هو غير المصري عندما ينظر إلى الأوضاع قد ينتابه اليأس. أما علاء الأسواني فيجد أن حُكم الإخوان المسلمين ورئيسهم مرسي يصُب، على المدى البعيد، في صالح البلاد. ويقول "هذا أمر جيد بالطبع لمصر، لا للإخوان المسلمين. ما يحدث يشبه عملية تقوية المناعة باللُّقاح الطبي".

ويضيف: "لعشرات السنين كان مبارك يفزعنا بالعفريت الإسلامي، وهو ما جعل الناس يُقبلون إقبالاً شديداً عليهم. أما الآن فإن الناس يبتعدون عنهم، لأنهم يرون مدى فاشيتهم وتعصبهم. وعندما تنقشع الغمة فستكون مصر محصنة ضد تنظيمات كهذه".

يتكلم الأسواني بازدراء عن الإسلاميين، غير أنه يتقابل معهم بانتظام حتى الآن. وفي آخر حديث له مع الرئيس مرسي ما انفكّ الكاتب الأسواني يؤنب رئيس البلاد طوال ربع ساعة. ويصفه قائلاً: "من الممكن التحدث بصراحة تامة معه، كما أنه يصغي بلطف".

ويضيف: "قلت له: أنت ممثل تنظيم مصادره المالية غير معلومة. الإصلاح الدستوري الذي نفذته غير قانوني. ظل طوال الوقت يبتسم ثم قال لي إنه يعطيني الحق في كل ما قلته. ثم قال: شكراً جزيلاً، فلنأخذ صورة معاً".

نشأ الأسواني في كنف عائلة ليبرالية. كانت والدته ملتزمة دينية، أما والده فكان محامياً وكاتباً، ولم يكن يصلي أو يصوم. كان هناك أقباط من أصدقاء العائلة.

يقول الأسواني إنه إنسان يحتاج إلى الله. ثم يخرج من باب الفندق ويشعل سيجارته أمام كنيسة يوهانس الواقعة قبالة الفندق. "يمكنني أن أمشي في شارع غوتنبرغ، ثم أعود إلى الفندق عبر طريق آخر. هناك أيضاً طرق عديدة تؤدي إلى الله".

يترتَّب على دستور مرسي ذي الصبغة الإسلامية أنّ شهادة القبطي لا وزن لها أمام المحكمة مقابل شهادة المسلم أو أن المسيحيين الذين يشربون الخمر في مصر يُجلدون ثمانين جلدة. ويكتب الأسواني على تويتر: "كيف يمكن لدستور أن يكون شرعياً وهو يستبعد إرادة الأقباط؟ ألم يكافحوا هم أيضاً من أجل الحرية؟ ألا يدفعون الضرائب هم أيضاً؟" فيرُد أحد المتدينين عليه في تويتر: "ثلثا المصريين يقفون خلف الرئيس. الله يقف خلف الرئيس".

ولكن هذه اللحظة الغامضة في الثورة التي تفجرت ضد مبارك والتي وحَّدت البلد لفترة قصيرة – ألا تستحق رواية؟

"بالتأكيد. ولكن كتابة الروايات شيء عضوي، تماماً كالوقوع في العشق. لا يمكنني أن أقول: الآن سأكتب كتاباً عن الثورة. كما لا يمكنني أن أقول: في هذا الأسبوع سأقع في غرام هذه المرأة".

بدلاً من ذلك كتب الأسواني رواية تاريخية، من المقرر أن تُنشر في الربيع تحت عنوان "نادي السيارات المصري". وتدور أحداث الرواية في فترة الأربعينيات عندما بدأت السيارات تنتشر في مصر.

في الفصل الأول يصف الأسواني كيف كان على كارل وبيرتا بينتس أن يكافحا في ألمانيا آنذاك للتغلب على مقاومة معارضي المحركات. "كان هناك متعصبون للخيل. وهؤلاء كانوا يقولون: لقد خلق الله الخيل، لكنه لم يخلق المحركات. هؤلاء المتعصبون يذكرونني بشدة بإخواننا المسلمين".

 

تيم نيشيتوف
ترجمة: صفية مسعود
تحرير: علي المخلافي
حقوق النشر: زُود دُويتشه تسايتونغ / قنطرة 2012