اللاجئون في لبنان ـ ضيوف المفوضية بانتظار دولة تقبل بهم

قبل ستين سنة أبصرت مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين النور. وتتولى المفوضية، حسب اتفاقية جنيف، أمور اللاجئين في كل أنحاء العالم. وللاقتراب أكثر من عملها قامت دارين العمري بزيارة مكتبها في بيروت وأعدت التحقيق التالي.



"لاجئ واحد بلا أمل هو عدد كبير". هذا الشعار، الذي كتب بالإنكليزية ووزع على شكل ملصقات داخل مبنى مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين في بيروت، يعرف عن هوية هذا المبنى المؤلف من ست طبقات وطبيعة عمل الموظفين فيه. ففي هذا المكان تتم مقابلة الأشخاص طالبي اللجوء واستجوابهم والتحقيق معهم من أجل تسجيلهم كلاجئين وتقديم المساعدة لهم وتلبية احتياجاتهم الأساسية من تعليم وطبابة ومأوى وإيجاد الحلول لهم كإعادة التوطين أو العودة الطوعية لبلادهم. هذا الشعار، الذي يبدو ايجابيا، يعكس للزائر حرص المفوضية في أن يعيش اللاجئون المسجلون لديها بأمل في بلد آمن. ولكن في لبنان يبدو هذا الشعار بعيدا بعض الشيء عن صورة الأوضاع الصعبة التي يواجهها هؤلاء.

 

فسحة أمل اللاجئين..إعادة توطينهم

الصورة د ب ا
يبلغ عدد اللاجئين من غير الفلسطينيين في لبنان 11000 لاجئ. صورة من الأرشيف للاجئة فلسطينية في مخيم شاتيلا

​​

يبدو مدخل المفوضية الرسمي المخصص لاستقبال الضيوف فارغا إلا من العناصر الأمنية التي لا تفتح الباب إلا بإذن من الأشخاص المولجين بالأمن في الداخل. هذا المشهد الفارغ من الكم البشري على المدخل الرسمي، يواجهه مشهد متناقض على مدخل المفوضية الثاني الذي لا يبعد سوى أمتار قليلة عن المدخل الأول حيث يتجمع حوالي عشرة أشخاص بعضهم يملأ أوراقا ثبتها على الحافة الحجرية للمدخل، فيما البعض الآخر ينظر بملل صوب الباب الحديدي الأسود المغلق بانتظار أن يفتح ويطل عليهم العنصر الأمني سامحاً لهم بالدخول.

تقول مسؤولة الإعلام في المفوضية دانا سليمان، في حوار مع دويتشه فيله، إن إعادة التوطين توفر مستقبل آمنا لآلاف اللاجئين في لبنان الذين يبلغ عددهم حوالي 11000 لاجئ وملتمس لجوء من غير الفلسطينيين مسجلين لدى المفوضية، ومعظمهم من العراقيين. لكن مكتب المفوضية، كما تشير سليمان لا يمكن أن يوفر الحل لسائر اللاجئين. "فاللاجئ يكون محظوظا جدا إذا حصل على إعادة توطين في بلد آخر" تشير سليمان. والسبب برأيها يعود إلى عدم كفاية أماكن إعادة التوطين التي تقدمها الدول المانحة.

ضيوف لبنان عرضة للتعذيب

ا ب
لاجئ عراقي يبحث عن اسمه في قوائم اللاجئين المعتمدة من قبل مفوضية الأمم المتحدة للاجئي

​​

"اللاجئ هو كل من وجد بسبب خوف له ما يبرره من التعرض للاضطهاد بسبب عرقه أو دينه أو جنسيته أو انتمائه إلى فئة اجتماعية معينة أو بسبب آرائه السياسية خارج البلاد التي يحمل جنسيتها ولا يستطيع أو لا يرغب في حماية ذلك البلد بسبب هذا الخوف" (التعريف الوارد في اتفاقية 1951). ولكن لبنان ليس بلد لجوء، إذ لا يُعدّ من بين الدول الأطراف في اتفاقية جنيف للعام 1951 الخاصة بوضع اللاجئين أو بروتوكول العام 1967 الملحق بها. لذا، فإنه لا يمتلك أي تشريعات أو ممارسات إدارية محددة لتلبية الاحتياجات الخاصة للاجئين وملتمسي اللجوء. وترد سليمان هذا الأمر إلى أن "حساسية موضوع اللاجئين في لبنان تأخذ بعين الاعتبار الديموغرافية الدينية والسياسية للتركيبة اللبنانية".

وفي ظل عدم وجود قوانين خاصة باللاجئين في لبنان، يخضع هؤلاء للأحكام القانونية المحلية نفسها التي تطبق على غيرهم من الأجانب. ويعتبر اللاجئون الذين يدخلون لبنان بشكل غير قانوني، عرضة لدفع الغرامات والاعتقال لفترات طويلة وصولا إلى الترحيل. وتقول سليمان "إن خطر التعرض للاحتجاز هو خطر حقيقي وجدي". فالدولة اللبنانية سبق واحتجزت العشرات من الأشخاص لفترات تتخطى مدة محكوميتهم أو عقوبتهم جنباً إلى جنب مع المجرمين الخطرين في زنزانات مكتظة. في هذه الحالة تتدخل المفوضية وتعمل على تسريح هؤلاء، خاصة أن لبنان، حسبما تشير سليمان، وقع على اتفاقيات تلزمه بالعمل على حماية اللاجئين وعدم ترحيلهم إلى بلدانهم بشكل غير طوعي.

لكن يبقى عدد اللاجئين في لبنان كبيرا نسبيا على الرغم من هذه الأوضاع الصعبة التي تواجههم، الأمر الذي تبرره سليمان بالقول إن اللاجئين يأتون إليه "لأن لا خيار آخر لديهم". وهي تصفه بـ "بلد ترانزيت" يستقبل ملتمسي اللجوء "كضيوف أو لاجئين مؤقتين إلى أن يتم إعادة توطينهم في بلد ثالث"، حسبما تقول.

 

لاجئ..مع وقف التنفيذ

مر عامان على المعارض السوري اللاجئ خليل حسن في لبنان دون أن يبدل الزمن ظروفه المأساوية أو يحد من الاضطهاد المستمر الذي يتعرض له في لبنان، كما قال لدويتشه فيله. فبعد أن لجأ خلسة إلى النروج هرباً من ملاحقة النظام السوري له في العام 2004، سلمته الدولة النروجية إلى السلطات السورية ليواجه المصير نفسه الذي كان خائفا من مواجهته في لبنان. "ذقت شتى أنواع التعذيب في السجن وأنا اليوم لا أستطيع العيش بلا تناول دواء الأعصاب"، يقول بحسرة.

وتم إطلاقه بعدما طالبت السفارة النروجية من السلطات السورية إرساله إلى لبنان من أجل تسجيله كلاجئ في المفوضية وإرساله فيما بعد إلى النروج كما يروي. "لكن المفوضية في لبنان رفضت إعادة توطيني في النروج بحجة أني لم أعد مقبولا هناك". يقول خليل "انتظرت لأكثر من عامين ولم يسمح لي بمقابلة أي من مسؤولي المفوضية". "المفوضية تعاملني كإرهابي"، لا يجد خليل تبريرا آخر لمعاناته غير هذه الكلمات. "هنا أعيش هاربا من بيت لبيت لأن الأمن العام اللبناني يلاحقني باستمرار وأنا خائف من إعادة تسليمي إلى جهاز المخابرات السورية". ويقول خليل إن المفوضية تسببت في إدخاله إلى السجن مرتين إحداهما حينما حاول حرق نفسه أمام مدخلها محاولة منه للتعبير عن وجعه وطلب المساعدة.

وتعليقا على هذه القضية، تقول سليمان "لا يمكننا الحديث عن هذا الملف بسبب الحساسية الأمنية وخصوصية كل فرد، ولكننا نفعل ما في وسعنا لحماية اللاجئين المسجلين لدينا". في العام 2010 تم توقيع مذكرة تفاهم جديدة بين الحكومة اللبنانية والمفوضية، وترى سليمان أن "المرسوم إيجابي من جهة اعترافه بدور المفوضية وهو ينص على إصدار تصاريح مؤقتة للاجئين المعترف بهم لمدة تصل إلى سنة واحدة." لكن علته الرئيسية حسبما تشير تكمن في عدم توفير الحماية المستمرة لأكثر من عام واحد في الوقت الذي قد تستغرق فيه إعادة توطين اللاجئين أكثر من هذه الفترة.

 

دارين العمري ـ بيروت

مراجعة: أحمد حسو

حقوق النشر: دويتشه فيله 2011