التصالح السني الشيعي...مفتاح للاستقرار العالمي

يرى الشيخ مصطفى تسيريتش المفتي الأكبر السابق للبوسنة أن الوقت قد حان للمسلمين وخاصة في الشرق الأوسط لإعادة التفكير وبعمق بالتعاليم الدينية والأخلاقية من أجل تواصل أفضل بين السنة والشيعة ويحذر من وقوع السياسيين في أخطاء طائفية قد تؤدي إلى تقسيم المنطقة على غرار الأندلس في العهد الأموي.

الكاتبة ، الكاتب: Mustafa Ceric

لا يستطيع أحد أن ينكر اليوم أن الشرق الأوسط يشهد فترة من تزايد العنف الطائفي بين السنّة والشيعة، خاصة في مصر وسوريا والعراق ولبنان. خاطب الملك عبدالله الثاني يوم 20 آب/ أغسطس القادة الدينيين من السنة والشيعة في مؤتمر مؤسسة آل البيت الملكية للفكر الإسلامي، متحدّثاً عن "خطر التلاعب بالدين من أجل أهداف سياسية، وزرع بذور الخلافات الطائفية والإثنية الكريهة بين الديانات".

لم تعانِ المنطقة تاريخياً من عدم التسامح الديني والطائفي الفادح الذي شهدناه في أوروبا بين الكاثوليك والبروتستانت، خاصة في القرنين الرابع عشر والخامس عشر. كان سبيل الخروج من هذا الوضع في أوروبا سلسلة من معاهدات السلام شكّلت سلام ويستفاليا عام 1648، والذي يشير إليه البعض اليوم بـِ "سلام الوهن".

حاجة إلى دروس ويستفاليا

ربما لا يحتاج الشرق الأوسط لأن يوهن نفسه بالحرب ليدرك أن العلاقات السنية الشيعية الجيدة هي مفتاح الاستقرار الإقليمي والعالمي. يمكن تطبيق دروس ويستفاليا على الشرق الأوسط اليوم.

خاضت أوروبا حرباً استمرت عقوداً عديدة قبل أن تدرك أن الأسلوب إلى الأمام هو التسامح الديني والسياسي المبني على الاحترام المتبادل في الحق المشترك للشعوب والديانات المختلفة لتتعايش دون تدخل. ربما ليس بالحب، ولكن أوروبا تعلّمت أخيراً كيف تحترم الوحدة من خلال التعددية في كل من المعتقدات الدينية والآراء السياسية، بدءاً بويستفاليا.

يذكر الشيخ مصطفى تسيريتش أن "أوروبا خاضت حرباً استمرت عقوداً عديدة قبل أن تدرك أن الأسلوب إلى الأمام هو التسامح الديني والسياسي المبني على الاحترام المتبادل في الحق المشترك للشعوب والديانات المختلفة لتتعايش دون تدخل. ربما ليس بالحب، ولكن أوروبا تعلّمت أخيراً كيف تحترم الوحدة من خلال التعددية في كل من المعتقدات الدينية والآراء السياسية، بدءاً باتفاقية ويستفاليا" للسلام، التي تمت في في مدينة مونستر الألمانية بين الكاثوليك والبروتيستانت الأوروبيين في 15 مايو/ أيار 1648.

نقاط مضيئة في التاريخ

يمتلك الشرق الأوسط في الواقع سابقات تاريخية من الاحترام المتبادل بين السنة والشيعة، وكذلك أتباع مدارس الفكر الديني الأخرى. وتخبرنا حقيقة أن جامعة الأزهر في القاهرة، المركز السنّي الرئيس للتعلّم في يومنا هذا، أسّسها عام 970 حاكم الدولة الفاطمية الشيعي، تخبرنا أكثر من أي شيء آخر أن التعايش السني الشيعي طالما كان مسألة روتين تاريخي وأسلوباً مشتركاً للحياة عند المسلمين.

لذا، يجب ألا نستغرب أن المرجع السني الأزهري البارز، المرحوم الشيخ محمود شلتوت، أصدر فتوى (رأي ديني غير ملزم) عام 1958 أعلن فيه أن المدرسة الجعفرية الدينية شرعية في الاسلام. وساعد ذلك أيضاً في إنشاء مجلس تقارب المدارس الدينية الإسلامية وقتها.

إضافة إلى ذلك، فإن العلاقة الشخصية والجيدة بين شيخ الأزهر شلتوت وآية الله محمد طاغي غومي الإيراني أثناء ستينات القرن الماضي ما زالت تشكّل نقطة تلاقٍ مثالية بين المدرستين في الإسلام.

في مناسبة إطلاق مبادرتهما في القاهرة بجمع السنة والشيعة معاً، قال الشيخ شلتوت "ها نحن المصريون والإيرانيون واللبنانيون والعراقيون والباكستانيون وغيرهم من مسلمي العالم، وها نحن السنيون الحنفيون والمالكيون والشافعيون والحنبليون، معاً مع الشيعة من المذاهب الإمامية والزيدية، نجلس حول طاولة واحدة، حيث تستطيع سماع صدى معرفة راسخة من الحكمة الأدبية والروحية والشرعية في روح من الأخوة والتآلف".

"حقيقة أن جامعة الأزهر في القاهرة، المركز السنّي الرئيسي للتعلّم في يومنا هذا، أسّسها عام 970 حاكم الدولة الفاطمية الشيعي، تخبرنا أكثر من أي شيء آخر أن التعايش السني الشيعي طالما كان مسألة روتين تاريخي وأسلوباً مشتركاً للحياة عند المسلمين"، كما يذكر الشيخ مصطفى تسيريتش.

وردد آية الله غومي قوله، مؤكداً: "يجلس علماء السنة والشيعة حول طاولة واحدة، ساعين للتعافي من مرض الخلافات الطائفية على أرضية إرشاد الإسلام ومبادئه، وبناءً على هذه المعرفة فقد جعلوا هذا العصر واحداً من العصور الإسلامية المجيدة".

حان الوقت لإعادة التفكير

يقول حديث شريف نُسِب إلى النبي محمد (صلى الله عليه وسلم) إن يرسل الله للمسلمين  كل قرن من يجدد الإيمان الحقيقي: ("إِنَّ اللهَ يَبْعَثُ لِهَذِهِ الأُمَّةِ عَلَى رَأْسِ كُلِّ مِئَةِ سَنَةٍ مَنْ يُجَدِّدُ لَهَا دِينَهَا"). ولا يسعنا حينما نقرأ ذلك إلا أن نفكر أن الوقت قد حان لأن يدرك العالم المسلم، وخاصة في الشرق الأوسط، أنه في حاجة إلى إعادة التفكير وبعمق بالتعاليم الدينية والأخلاقية والسياسية.

الشيخ مصطفى تسيريتش المفتي الأعظم الفخري للبوسنة والهرسك، وأستاذ زائر بجامعة العلوم الإسلامية العالمية بالأردن.

ما نحن في حاجة إليه اليوم هو جهود مثل جهود الشيخ شلتوت وآية الله غومي لتواصل أفضل بين السنة والشيعة. نحن في حاجة إلى جهود تذهب إلى ما وراء اللعبة القذرة في الكفاح من أجل السلطة السياسية، التي تذكي نار الخلافات الطائفية.

يتوجب علينا بالتأكيد أن نشيد بإعادة إحياء هذه الروح من خلال تشكيل التجمع العالمي لتقارب المدارس الإسلامية عام 1988 في طهران، ويُؤمل أن يتبع الآخرون هذا الاتجاه. ويقول الأمين العام الحالي للتجمع، آية الله محمد علي تسخيري بفخر إن هذا التجمع العالمي تأسّس بمباركة من آية الله الخميني ليشكّل استمراراً لجهود شلتوت وغومي في القاهرة.

إذا أدت الأحداث الحالية في الشرق الأوسط بالمنطقة إلى تقسيمها إلى "ملوك الطوائف"، كما حصل في الأندلس أثناء الخلافة الأموية، مما كان له نتائج مأساوية خطيرة على المجتمع الإسلامي كله، فإن ذلك سيشكل خطأ تاريخياً لا سماح فيه.

لذا نأمل أن تتجدد روح العلاقات السنية الشيعية للشيخ شلتوت وآية الله غومي في مصر وسوريا والعراق ولبنان وكافة أنحاء العالم الإسلامي. ونأمل كذلك أن نشهد جميعاً، وفي المستقبل القريب سلاماً مسلماً يدوم عدة قرون في المستقبل.

 

 

مصطفى تسيريتش

تحرير: علي المخلافي

حقوق النشر: كومون غراوند نيوز 2013

 

الشيخ مصطفى تسيريتش هو المفتي الأعظم الفخري للبوسنة والهرسك، وأستاذ زائر بجامعة العلوم الإسلامية العالمية بالأردن.