ظلال إرث الاستعمار لا تزال حاضرة

أدَّى مؤخرًا طرح مشروع قانون جزائي في البرلمان الجزائري، من المفترض من خلاله ملاحقة جرائم الحرب التي اقترفها الاستعمار الفرنسي في السابق ومعاقبة مرتكبيها، إلى إثارة توتّرات جديدة في العلاقات الفرنسية الجزائرية التي تعتبر على كلِّ حال متوتِّر. برنهارد شميد يستعرض تطوّر العلاقات بين البلدين في ظل تاريخ مُثقل بالتوترات.

الرئيس الجزائري بوتفليقة مع الرئيس الفرنسي ساركوزي في زيارة على باريس، الصورة أ ب
فتور في العلاقات الاستراتيجية بين فرنسا والجزائر؛ طالب عبد العزيز بوتفليقة فرنسا بتحمّل المسؤولية عن الجرائم التي ارتكبتها في عهد الاستعمار كشرط لعقد معاهدة صداقة بين البلدين.

​​ قبل فترة قصيرة وإبَّان الانتخابات المحلية الفرنسية التي تم إجراؤها في الرابع عشر وفي الحادي والعشرين من شهر آذار/ مارس 2010، لاحظ الجميع مدى التعقيد الذي وصلت إليه علاقة فرنسا مع مستعمرتها السابقة الجزائر. إذ استخدام حزب الجبهة الوطنية الفرنسية اليميني المتطرِّف ذلك الملصق السويسري المعادي للإسلام والذي تم استخدامه في سويسرا ضمن استفتاء لحظر بناء المآذن، وأدخل عليه تعديلات طفيفة.

وبالإضافة إلى صورة المرأة المحجَّبة والمآذن المنتصبة بشكل صواريخ والتي كانت موجودة في الملصق السويسري الأصلي، تظهر في ملصق حزب الجبهة الوطنية الفرنسية خارطة فرنسا تغطّيها ألوان العلم الجزائري. واستخدم الحزب كلَّ هذه الرموز من أجل دعم رأي اليمين المتطرِّف الذي يدَّعي أنَّ الهجرة وخاصة من شمال أفريقيا تشبه "الغزو". وتقدَّم عدد من الجمعيات المناهضة للعنصرية برفع قضايا جزائية كللت بالنجاح ضدّ هذا الملصق التحريضي؛ ثم تم حظره بحكم من المحكمة قبل الانتخابات بيوم واحد.

اتِّهام الفرنسيين بسوء استخدام رموز وطنية

غير أنَّ هذا الخلاف أخذ أبعادًا دولية، إذ احتجَّت الحكومة الجزائرية رسميًا في فرنسا على سوء استخدام رموزها الوطنية. كما أنَّ وزارة الخارجية الفرنسية وجدت نفسها مضطرة لاتِّخاذ موقف رسمي، عبَّرت من خلاله عن إدانتها لهذا "الاستخدام غير اللائق" للعلم الجزائري. وفي المقابل ردَّت قيادة حزب الجبهة الوطنية الفرنسي بهجمات شديدة اللهجة ضدّ ما وصفته "بالتدخّل الأجنبي" في شؤون فرنسا الداخلية.

مقاومون جزائريون من جبهة التحرير الوطنية عام 1960، الصورة د ب أ
ما يزال الجزائريون ينتظرون حتى الآن وبعد عقود من حرب الاستقلال الجزائرية اعتراف فرنسا رسميًا بجرائم الاستعمار الفرنسي، ولكن من دون جدوى.

​​ وفي فرنسا تجد العنصرية ضدّ الجزائريين التربة الأخصب هناك، وذلك بسبب أن عملية إنهاء وجود الاستعمار الفرنسي في الجزائر لفترة طويلة كانت مليئة بالنزاعات، وبسبب حرب الاستقلال الجزائرية التي استمرّت من عام 1954 حتى عام 1962، وكذلك بسبب تكوين المستعمرين الأوروبيين الذين تم طردهم من الجزائر لوبي سياسي في فرنسا، يعرف باسم الأقدام السوداء "Pieds Noirs".

ومن ناحية أخرى يهدِّد الجزائريون بإمكانية ملاحقة مجرمي الحرب الفرنسيين الذين ارتكبوا جرائم حرب في عهد الاستعمار ومحاكمتهم. وهذا ما يريده على الأقل النائب الجزائري، موسى عبدي. وفي الثالث عشر من شهر كانون الثاني/ يناير 2010 بادر هذا النائب عن حزب جبهة التحرير الوطني بطرح مشروع قانون "لتجريم الاستعمار" في المجلس الشعبي الوطني الجزائري، وفي هذه الأثناء بلغ عدد النوَّاب الجزائريين الذين تبنّوا مشروع هذا القانون مائة وخمسة وعشرين نائبًا من نوَّاب البرلمان الجزائري البالغ عددهم ثلاثمائة وتسعة وثمانين نائبًا.

العواقب القانونية

وفي حال تم في الواقع تمرير مثل هذا القانون، سوف يتم بالتالي إنشاء محاكم خاصة من الممكن لها إصدار أحكام ضدّ المسؤولين السياسيين أو العسكريين على الجانب الفرنسي. ومن أجل ذلك يحاول عبدي الآن كسب حلفاء له في مناطق أخرى من المستعمرات الفرنسية السابقة. وبغية الترويج لهذا الغرض زار قبل بضعة أشهر بعض النوَّاب الجزائريين فيتنام، التي تعتبر جزءًا من المستعمرة الفرنسية السابقة في منطقة "الهند الصينية".

ولكن لماذا يا ترى يمارس الجزائريون الآن بالذات مثل هذه الضغوطات السياسية الشديدة للحصول على اعتراف من الفرنسيين بارتكاب الاستعمار الفرنسي جرائم حرب؟ وبالتأكيد يكمن أحد أسباب ذلك في كون الجزائريين يشعرون بأنَّ فرنسا تسيء معاملتهم. وعلى سبيل المثال ما يزال الجزائريون حتى الآن مستائين من التصريحات التي أدلى بها وزير الداخلية الفرنسي، بريس أورتفو عقب محاولة الهجوم الفاشلة والتي قام بها العام الماضي شاب نيجيري عمره ثلاثة وعشرين عامًا على متن طائرة كانت متجهة إلى مطار ديترويت.

تفتيش الجوازات في مطار شارل ديغول في باريس، الصورة أ ب
اشتباه عام - قامت فرنسا مثلما تفعل أمريكا بإدراج الجزائر على قائمة سوداء تضم دولاً يشتبه بعلاقتها بالإرهاب. ومنذ ذلك الحين يخضع الجزائريون عند دخولهم فرنسا لإجراءات تفتيش دقيقة للغاية.

​​ وحينها أعلن أورتفو أنَّه يتم في المطارات الفرنسية منذ شهر نيسان/ أبريل 2009 إخضاع رعايا سبع دول توصف بأنَّها "دول خطرة" لإجراءات تفتيش دقيقة ومنظمة. وكذلك اعتبر الجزائر واحدة من بين هذه الدول بالإضافة إلى أفغانستان وباكستان ومالي. وبالتالي لقد شكَّل ذلك إهانة للجزائر، لا سيما وأنَّ أنشطة الإرهابيين الإسلامويين في الجزائر تراجعت إلى نسبة ضئيلة جدًا بالمقارنة مع ما كانت عليه قبل خمسة عشر عامًا. وعلى الرغم من استمرار وقوع بعض الاعتداءات المنفردة والمروّعة حتى الآن، إلاَّ أنَّ الإسلامويين المتشدِّدين خسروا في الحقيقة منذ عقد من الزمن مواجهة الدولة الجزائرية في أثناء الحرب الأهلية الدموية التي استمرّت من عام 1992 وحتى عام 1999.

التهرّب من المسؤولية

وعلى كلِّ حال إنَّ العلاقات الفرنسية الجزائرية توتَّرت بسبب القانون الفرنسي الخاص بالتعامل مع تاريخ فرنسا الاستعماري، والذي صدر في الثالث والعشرين من شهر شباط/ فبراير 2005؛ وفي فقرته الرابعة المثيرة للجدل يلزم هذا القانون العاملين في مجال التعليم والعلماء بالتشديد على "الدور الإيجابي الذي لعبه الوجود الفرنسي في الخارج، وخاصة في منطقة شمال إفريقيا".

وفي بداية عام 2006 قرَّر في آخر المطاف الرئيس الفرنسي الأسبق، جاك شيراك اعتبار هذا القانون غير دستوري وإلغاءه، وذلك لأنَّ تحديد محتويات المناهج الدراسية ليس من اختصاص السلطة التشريعية. وقبل ذلك أثار هذا القانون اضطرابات كبيرة في المستعمرات الفرنسية السابقة في منطقة البحر الكاريبي.

ولكن لم يتم نسيان هذا القانون خاصة في الجزائر التي سقط فيها طبقًا للتقديرات المختلفة في أثناء الحرب الاستعمارية ما بين ثلاثمائة ألف جزائري ومليون جزائري. ولذلك يمكن اعتبار مشروع القانون المطروح حاليًا في البرلمان الجزائري أيضًا كجواب متأخر على الموقف الفرنسي. ومن الممكن أيضًا أن يكون اعتراف حكومة الائتلاف اليميني في إيطاليا بجرائم الاستعمار الإيطالي في ليبيا - على عكس ما هي عليه الحال فرنسا، من الأسباب التي دفعت الجزائر إلى اتِّخاذ هذه الإجراءات. وفي الحقيقة لقد اعترف رئيس الوزراء الإيطالي، سيلفيو برلوسكوني رسميًا في شهر آب/ أغسطس 2008 وكذلك في شهر حزيران/ يونيو 2009 بالجرائم التي ارتكبتها إيطاليا في ليبيا خلال فترة الاستعمار.

ولكن من الممكن أيضًا أن يعود سبب توتّرت العلاقات الجزائرية الفرنسية في الوقت الراهن أيضًا إلى الأوضاع الاقتصادية الصعبة في كلا البلدين. وفرنسا التي ما تزال المورِّد الرئيسي للسلع الاستهلاكية التي يتم تصديرها إلى الجزائر، أصبحت تعدّ من ناحية أخرى منذ عام 1990 أكبر زبون للصادرات الجزائرية. وبذلك تخلت فرنسا عن دورها الاقتصادي الرائد الذي لعبته لفترة طويلة في هذا البلد. ومن بين الأسباب التي أدَّت إلى ذلك حقيقة أنَّ فرنسا تعتبر هذا البلد المغاربي قبل كلِّ شيء مصدرًا للمواد الخام وسوقًا لترويج منتجاتها - ولا تعتبره كمكان للاستثمارات المستدامة.

برنهارد شميد
ترجمة: رائد الباش
مراجعة: عماد مبارك غانم
حقوق الطبع: قنطرة 2010

قنطرة

الجنود الأفارقة في أوربا:
الآلاف من الأفارقة اشتركوا في تحرير فرنسا

اشترك العديد من رؤساء دول إفريقية في احتفالات الذكرى الستين لتحرير فرنسا من الاحتلال الألماني وكانت هذه المرة الأولى التي يحظي فيها قدماء المحاربين الأفارقة الذين حاربوا في صفوف الجيش الفرنسي باهتمام واسع لدى الرأي العام الفرنسي. تقرير غوتز نوردبروخ.

عام الانتخابات الرئاسية 2009 من الجزائر إلى موريتانيا وتونس:
ديمقراطية الجنرالات....سيناريوهات التمديد

يرى الكاتب التونسي، سليم بوخذير، في مقالته أن الانتخابات الرئاسية في البلدان المغاربية الثلاث، الجزائر وموريتانيا وتونس، تؤكد أن "الجنرالات" يتخذون من الديمقراطية مطية من أجل صبغ نظام حكمهم بصبغة مدنية والتي جاءت كذلك نتاجا لعمليات تطويع الدستور لخدمة التمديد.

حوار مع الروائي الجزائري ياسمينة خضرا:
"أكتب بالفرنسية ولكن برؤيتي الجزائرية"

ياسمينة خضرا هو الاسم المستعار للأديب الجزائري محمد مولسهول الذي عمل سابقا ضابطاً في الجيش الجزائري، حيث تشكل رواياته قراءات في الحالة العربية والإنسانية. في هذا الحوار الذي أجراه معه ريتشارد ماركوس يتحدث الكاتب الذي يعيش في المنفى الفرنسي عن عمله وعن الفوارق بين الثقافة العربية والغربية.