"الله والدين..حجة آل سعود لإسكات الأصوات الناقدة"

ترى الباحثة إلهام مانع أن السلطات السعودية تلجأ مراراً وتكراراً إلى اتخاذ "الدين" و"الله" كحجة لإسكات الأصوات الناقدة ولتبرير قمع المعارضين. وترى أن تلك استراتيجية تستخدمها المملكة منذ قيامها عام 1932 لنزع المصداقية عن أي صوت مخالف لحكم آل سعود. وتدلل على ذلك بقضية المدون السعودي رائف بدوي، الذي تقول إنه، ولدوافع سياسية وبتهم ملفقة، حُكم عليه بـ 600 جلدة وبالسجن لسبعة أعوام منذ سنة 2012، وبات يواجه عقوبة الإعدام بتهمة الردة رغم أنه لم يقل قط إنه لم يعد مسلماً.

الكاتبة ، الكاتب: Elham Manea

رائف بدوي مثقف ومدون سعودي ومحرر موقع إلكتروني ليبرالي، وهو يواجه الآن عقوبة الإعدام في وطنه. الجريمة التي اتهم بها هي "الردة". لكنَّ هناك أمراً آخر، فرائف بدوي لم يرتدّ عن الإسلام قط. ورغم أن اختيار الديانة هي حق أساسي من حقوق الإنسان، إلا أن قضية رائف بدوي لا علاقة بها بالحق في اختيار الديانة، بل بالسياسة.

"بدوي لم يقل قط إنه لم يعد مسلماً"

الموقع الإلكتروني الذي يديره، والمسمى الشبكة الليبرالية السعودية الحرة، كان منبراً لنقاشات جادة حول الأفكار الليبرالية، إضافة إلى السلطات الدينية والتفسير الوهابي للإسلام في المملكة العربية السعودية. ولم يقل بدوي قط في أي نقاش إنه لم يعد مسلماً.

لكن على الرغم من ذلك، فقد أودع السجن منذ يونيو/ حزيران 2012، حيث يقضي حكماً مدته سبع سنوات بتهمة "إنشاء موقع إلكتروني يهدف إلى الإخلال بالأمن العام" و"ازدراء رموز الدين الإسلامي". من الواضح أن الرسالة التي أرسلت من خلال سجنه لم تكن قوية بما فيه الكفاية، لأن أحد القضاة السعوديين أوصى، في ديسمبر الماضي 2013، بمثول المدون المسجون أمام محكمة عليا بتهمة الردة، وهي تهمة يعاقب عليها بالإعدام.

قضية ذات دوافع سياسية

قضية بدوي ذات دوافع سياسية، وكما هو الحال مراراً، تلجأ السلطات السعودية إلى "الدين" و"الله" كحجة لإسكات الأصوات الناقدة وتبرير قمعها. إنها استراتيجية تستخدم منذ قيام المملكة سنة 1932 لنزع المصداقية عن أي معارضة لحكم آل سعود.

لكن بدوي لم يعارض يوما حكم العائلة المالكة، لأنه كان على قناعة تامة بإمكانية إجراء إصلاحات في المملكة، وقد أعلن ذلك صراحة. لكنه كان ناقداً للمؤسسة الدينية الوهابية وسيطرتها على المجتمع بصورة تشبه ما كان سائداً في العصور الوسطى، بالإضافة إلى شرطتها الدينية، التي تزرع الخوف في قلوب المواطنين. كما حذر رائف بدوي من مخاطر التطرف في الجامعات السعودية، معتبراً - وبشكل محق - أن جامعة الإمام محمد بن سعود تحولت إلى "وكر للإرهابيين"، وطرح أسئلة بسيطة، مثل سبب منع الاحتفال بعيد الحب في السعودية.

Elham Manea (photo: Private copyright)
In July 2013, a criminal court in Jeddah found Badawi, guilty of insulting Islam through his Free Saudi Liberals website. He was sentenced to seven years in prison and 600 lashes. He has since been charged with apostasy, which carries the death penalty. According to Elham Manea (pictured above), this sentence has absolutely nothing to do with apostasy and is a reflection of the Saudi royal family's determination to quell dissent and opposition in the kingdom

الرد بقبضة حديدية على ثورات الربيع العربي

في بادئ الأمر، تغاضت السلطات عن الموقع الذي كان بدوي يديره. لكن هذا التغاضي توقف حين اكتسحت الثورات عددا من الدول العربية سنة 2011. لقد كان ذلك دليلاً على التوتر داخل المؤسسة السياسية، وهو ما دفع هيئة كبار العلماء السعودية، التي تعتبر أعلى سلطة دينية في البلاد، إلى إصدار فتوى في مارس 2011 تحرّم تنظيم المظاهرات والمسيرات الشعبية.

لجوء الحكومة إلى سياسة الريال المعهودة

ولمكافأة المؤسسة الدينية على دعمها لحكم العائلة المالكة، اتجهت الحكومة إلى سياسة الريال المعهودة وأعلنت في الثامن عشر من مارس/ آذار 2011 عن حزمة تصل قيمتها إلى 93 مليار دولار على شكل مساعدات مالية. ورغم أن جزءاً من هذه الحزمة تم تخصيصه للإعانات الاجتماعية، إلا أن حصة كبيرة منه مخصصة لخلق 60 ألف فرصة عمل في الأجهزة الأمنية التابعة لوزارة الداخلية. لكن الأهم هو التعهد بمبلغ أكبر بكثير لهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر - شرطة البلاد الدينية.

إضافة إلى ذلك، أعلن العاهل السعودي في خطاب له أن على وسائل الإعلام أن تحترم شيوخ الدين السنة الذين يشرفون على تطبيق أحكام الشريعة في الدولة الإسلامية، وهذا مؤشر على أن النخبة الحاكمة في السعودية لن تتسامح مع أي معارض لها.

مؤسسة سياسية تخشى مواطنيها

وجاء اعتقال رائف بدوي على خلفية هذه التطورات السياسية. فمن جهة، هناك مؤسسة سياسية تخشى مواطنيها وتعتمد على سلطات دينية رجعية كي تبقى في الحكم. وفي المقابل، كان موقع بدوي الإلكتروني يفضح هذه التجاوزات وخطورة تلك المؤسسة الدينية. لذلك، وجب إسكاته وإسكات موقعه. هذا هو الأمر بكل بساطة. وهو الآن يواجه الإعدام لمجرد التعبير عن رأيه.

إنصاف حيدر، زوجة بدوي، التي أطلقت حملة من أجل حرية زوجها، قالت لي إنها تفاجأت من "غياب تدخل السياسي الذي يدعم حوار الأديان خارج المملكة، ولكنه يقمعه بدعم من المؤسسة الدينية الرسمية داخل المملكة".

تعتقد المملكة العربية السعودية أنها ستفلت بهذا الخرق السافر، إلا أن ناشطي حقوق الإنسان لديهم اعتقاد مختلف. لهذا، نظمت مجموعة من المحتجين اعتصاماً أمام السفارة السعودية في روما في التاسع من يناير/ كانون الثاني 2014، للمطالبة بالإفراج الفوري عن بدوي. كما يخطط آخرون لخطوات مماثلة في عواصم أوروبية أخرى. ورسالة هؤلاء المحتجين واضحة، وهي: أطلقوا سراح رائف بدوي!

 

 

 

إلهام مانع

ترجمة: ياسر أبو معيلق

تحرير: علي المخلافي

حقوق النشر: قنطرة 2014