المدون المصري علاء عبد الفتاح.....رسائل من وراء القضبان

"بدلاً من إلقائه القبض على قتلة المدوِّن والناشط المصري خالد سعيد قام الجيش المصري باعتقالي وذلك قبل فترة قصيرة من ولادة ابني. ومن حسن الحظ أنَّ الاحتجاجات ما تزال مستمرة"، يكتب المدون المصري المعروف علاء عبد الفتاح من وراء القضبان.



يعتبر الشاب المصري علاء عبد الفتاح البالغ من العمر ثلاثين عامًا من أشهر المدوِّنين ونشطاء الثورة في مصر. وهو من أسرة ناشطة سياسيًا كما أنَّه يكتب مع زوجته منال مدوَّنة تم منحها العديد من الجوائز الدولية. ومنذ أكثر من أسبوعين تم سجن علاء عبد الفتاح الذي أصبح رمزًا من رموز حركة الاحتجاجات الشبابية ضدّ المجلس العسكري الحاكم في مصر. امتنع علاء عبد الفتاح عن المثول أمام قاض عسكري، لأنَّه يريد الاحتجاج على محاكمات المدنيين وبصورة متزايدة أمام المحاكم العسكرية في عهد الحكومة الجديدة في مصر. لقد تم سجنه في عام 2006 وقضى بعد ذلك بضعة أعوام في جنوب أفريقيا.

ومع انطلاق الثورة في شهر يناير/كانون الثاني عاد هو وزوجته إلى مصر. وفي هذه الأسابيع تم اعتقاله من جديد في فترة انتظاره وزوجته ولادة طفلهما الأوَّل الذي سوف يسمونه خالد حسب اسم المدوِّن المصري خالد سيد الذي تم تعذيبه حتى الموت في أحد أقسام الشرطة في صيف عام 2010، وكان الغضب على وفاته من الأسباب التي أدَّت إلى انطلاق ثورة الشباب. قضيت عيد الأضحى في الأعوام الثلاثة الماضية بعيدًا عن عائلتي، وذلك لأنَّي عشت في الخارج. وكان أوَّل أيَّا

مدونة علاء ومنال
"يعد الشاب المصري علاء عبد الفتاح البالغ من العمر ثلاثين عامًا من أشهر المدوِّنين ونشطاء الثورة في مصر. وهو من أسرة ناشطة سياسيًا كما أنَّه يكتب مع زوجته منال مدوَّنة تم منحها العديد من الجوائز الدولية"

​​م العيد هناك يمضي مثل أي يوم عادي؛ إذ كنا نذهب إلى العمل في كلِّ صباح ونعود إلى البيت في المساء. ولو أني لم أكن أتَّصل بأفراد عائلتي الذين كانوا يتمنون لنا عيدًا مباركًا، لما كنا سنعلم أنَّ العيد قد حل.

عيد بأية حال عدت يا عيد!

من المفترض أن يكون لهذا العام معنى خاص بالنسبة لي. فقد كان من المفترض أن نقضي العيد للمرة الأولى منذ عودتنا مع عائلتنا. لكن الجيش اعتقد أنَّه ليس من حقنا الاحتفال بالعيد. ولذلك عشت العيد في داخل زنزانة. وقد قضت عائلتي كلَّ اليوم منتظرة في طابور طويل، حتى يتمكَّن في النهاية بعض من أفراد عائلتي من زيارتي بضع دقائق - تحت رقابة مجموعة كبيرة من رجال الشرطة. ومضى هذا العيد من دون بهجة وفرح، بسبب الحديث مع والدتي المضربة عن الطعام لاعتقالي، وبسبب مشاعر اليأس لعدم تمكّني من تبادل الرسائل مع زوجتي منال. وكان العمل هناك يجري بنصف الطواقم وذلك لأنَّ الموظفين والجنود في السجن كانوا يحتفلون بعيد الأضحى. وهذا يعني بقاء الزنازين مغلقة طيلة أربعة أيَّام. ولم نكن نحصل على زيارات ولا على فترات استراحة ولا على مجلات، ولم يكن يدخل لنا حتى الطعام الذي يجلبه الزوَّار... عفوًا؟ هل تريد مثلاً أن يحتفل المجرمون أيضًا بالعيد؟

الصورة ا ب
علاء عبد الفتاح: اللحظات السعيدة بالنسبة لي هي فقط عندما أسمع عن تضامنكم؛ سواء كان هذا التضامن من خلال المظاهرات أمام السجن

​​ما كان بوسعي أن أعلم على الإطلاق بوجود العيد في العالم الخارجي، لولا سماع زقزقاتكم التي وصلتني في شكل برقيات. أشكر كلَّ مَنْ حمَّل نفسه مشقة إرسال شيء لي، وأشكر الإنسان الذي فكَّر بهذه الفكرة. والآن أنتهى العيد. والآن جاء موعد عيد ميلادي. لم أتمكَّن منذ أربعة أعوام من الاحتفال بعيد ميلادي مع عائلتي. سيكون عيد ميلادي هذه المرة خاصًا جدًا، لأنَّه عيد ميلادي الثلاثون. وهو تأكيد على أنَّني سأدخل أخيرًا إلى عالم الكبار. كنت أنوي قبل بضعة أيَّام فقط من ولادة طفلي الأوَّل الاحتفال بعيد ميلادي في الثامن عشر من شهر نوفمبر/تشرين الثاني مع رفاقي في الثورة في ميدان التحرير وبعد ذلك مع عائلتي. ولكنه يوم جمعة - يوم عطلة لا توجد فيه زيارات، كما أنَّ باب الزنزانة يبقى فيه مغلقًا. يجب عليكم أن تحتفلوا بي في الميدان.

لغة التضامن

اللحظات السعيدة بالنسبة لي هي فقط عندما أسمع عن تضامنكم؛ سواء كان هذا التضامن من خلال المظاهرات أمام السجن (التي لم ألاحظها للأسف، وذلك لأنَّ زنزانتي تقع على الطرف الآخر، ولكني سمعت عنها من المسجونين معي)، أو من خلال المظاهرات ضدّ المحاكمات العسكرية التي يتم إجراؤها في كلِّ مكان من الأقصر إلى الإسكندرية. أو من خلال الاحتجاجات في أوكلاند وسان فرانسيسكو، اللتين يحتل متظاهروهما مكانة خاصة في قلبي، وذلك لأنَّني توقفت هناك فترة قصيرة وشاركت في اعتصامهم ولقاءاتهم. والآن انتهى عيد الأضحى وقريبًا سينتهي أيضًا عيد ميلادي. لقد اعتدت على قضاء هذين اليومين بعيدًا عن عائلتي.

ولكن كيف يمكنني أن أغيب عن ولادة ابني الأوَّل خالد؟ وكيف لي أن أتحمَّل عدم تمكّني في هذا الوقت من الوجود مع زوجتي منال؟ وكيف لي أن أتحمَّل ببساطة مجرَّد انتظار الأخبار عنها، إن كانت بحالة جيدة أم لا؟ وكيف لي أن أتحمَّل عدم رؤية وجه ابني ووجه أمِّه عندما تنظر له؟ وكيف لي أن أنظر إلى عيني ابني عندما يتم إخلاء سبيلي؟ على الرغم من أنَّني وعدته بأنَّه سوف يولد كإنسان حرّ. لقد أسميناه خالد لأنَّنا مدينون لخالد سيد. ولكن بدلاً من وضع قتلته في السجن، ها أنا ذا أقبع الآن في السجن.

 

علاء عبد الفتاح
ترجمة: رائد الباش
مراجعة: هشام العدم
حقوق النشر: صحيفة فرانكفورتر روندشاو/علاء عبد الفتاح/قنطرة 2011