ثقافة الترحيب بالمهاجرين...مصطلح غريب عن القاموس الأوروبي

رغم حاجة المجتمع الأوروبي العجوز إلى دماء جديدة عاجلاً أم آجلاً ورغم جلب المهاجرين واللاجئين معارفهم وقيمهم الغنية معهم من بلادهم إلى أوروبا، إلا أن هذا التنوع والإثراء كثيراً ما يُنظر إليه في ألمانيا والغرب إجمالاً كمصدر للتهديد. وفي حوارها التالي مع آنيكا تسايتلر ترى ريتا زوسموت، الخبيرة في شؤون الهجرة والرئيسة السابقة للبرلمان الاتحادي الألماني "بوندستاغ"، أن على ألمانيا وأوروبا تعلم الترحيب مؤسساتياً وشعبياً بالمهاجرين، بمن فيهم المسلمون. وتتساءل: "من الذي يجب بالأحرى إدماجه: اللاجئين أم أصحاب البلد؟".

الكاتبة ، الكاتب: Annika Zeitler

على خلفية أزمة اليورو بدأت موجه هجرة كبيرة من دول الجنوب الأوروبي إلى ألمانيا وصلت إلى أرقام قياسية العام الجاري 2013. وقد هيمنت مأساة غرق مئات اللاجئين قبالة سواحل جزيرة لامبيدوزا الإيطالية على العواقب التي يمكن أن تتحملها أوروبا نتيجة سياسة إغلاق أبوابها في وجه المهاجرين.

- أي نوع من "ثقافة الترحيب بالمهاجرين" نحتاجها في ألمانيا؟

ريتا زوسموت: حتى فترة قريبة كان مصطلح "ثقافة الترحيب بالمهاجرين" كلمة غريبة عن قاموسنا، لذلك فعلينا العمل سوية من أجل التعايش الفاعل، ولا نكتفي بالجوار فقط. هناك الكثير من الفرص ولكن الكثير من المشاكل أيضاً. أتمنى لألمانيا ولأوروبا ثقافة أكثر انفتاحاً تجاه المهاجرين واللاجئين. مع الأسف ما يزال البعض يقول بأننا يجب ألا نتدخل في مثل هذه القضايا، التي تكلف بلادنا أعباء مادية كبيرة.

"ثقافة الترحيب بالمهاجرين" موجودة على الورق ولكنها موجهة بشكل أساسي للمهاجرين من أجل العمل. الهجرة لا تشكل تحديا اقتصاديا فحسب، بل وثقافيا أيضا.

- ما الذي يجب فعله حيال ذلك؟

ريتا زوسموت: نحن على الطريق الصحيح، على الرغم من أننا لم نفعل الكثير حتى الآن. استمد الشجاعة من أولئك الذين يكرسون أنفسهم للاجئين، كما حصل مؤخرا في هامبورغ، حيث مُنع ترحيل لاجئ شاب. تقوم الكنائس والجمعيات الرياضية وغيرها من المنظمات بمد يد العون، فقد استوعبت مفهوم "ثقافة الترحيب بالمهاجرين"، وعملت بمضمونه دون انتظار الدولة والساسة. يجب علينا التفكير ملياً بإمكانية توثيق الروابط بين المهاجرين وألمانيا.

مهمة إنقاذ قام بها عناصر خفر السواحل الإيطالية. 28.11.2013; Foto: picture-alliance/ dpa
حقيقة مُرّة: تتجه يومياً قوارب محملّة باللاجئين من شمال إفريقيا نحو أوروبا. ويغرق عدد غير قليل من هذه القوارب. وهو ما يسفر عن موت أعداد كبيرة منهم. وتتهم المنظمات حقوق الإنسان الدول الأوروبية بمواصلة سياسة إغلاق أبوابها أمام اللاجئين وصدهم والتحصّن ضدهم.

- تتحدثين عن المساعدة المباشرة من المواطنين والجمعيات الأهلية، ولكن ما الذي يجب تغييره في تعاطي السلطات الألمانية مع المهاجرين؟

ريتا زوسموت: ينقصنا التنوع في الدوائر الحكومية، وكذلك اللغات الأجنبية. في هذا المضمار يمكننا الاستفادة من الجيل الثاني والثالث من المهاجرين. يتوجب علينا تثمين مؤهلاتهم وتقديرها عن طريق تصنيف هذه المؤهلات بما يناسبها في سوق العمل.

علاوة على ذلك ينقصنا في ألمانيا نظام مركزي موحد للهجرة بحسب المؤهلات الوظيفية واللغات والعلاقة التي تربط طالب الهجرة بألمانيا. هذا النظام معمول به منذ فترة طويلة بكندا وبريطانيا وجمهورية التشيك والنمسا. هذا النظام، الذي يُدعى "نظام النقاط الكندي"، تم رفضه في ألمانيا. يجب علينا أن نرقى إلى مستوى التنوع، ونتعلم كيفية التعامل مع هذا التنوع. السؤال هنا بالأحرى يبقى: من الذي يجب إدماجه: اللاجئين أم أصحاب البلد؟

- هل يتوجب علينا السؤال عن المعارف المهنية والخبرات لدى المهاجرين؟

ريتا زوسموت: لا أحبذ اتّباع نموذج التحديد والاختيار هذا، الذي يربط قبول طلب الهجرة بتوفر شروط اللغة والمؤهل الوظيفي. عندما نفكر في مأساة لامبيدوزا أو في سوريا، فإن الأمر هنا يتعلق بشكل أساسي بحالات اللجوء الإنساني.

يجب علينا التعامل مع حالات الهجرة غير الشرعية بشكل مختلف، فالبابا فرانسيس، الذي ألقى أكليلا من الورد في البحر على أرواح الضحايا، كان بإمكانه استضافة عشرة لاجئين في الفاتيكان. نحتاج لثقافة لجوء جديدة، ولكن ليس على قاعدة "قبول العامل المهاجر"، و"رفض اللاجئ"، بالنسبة لي هذا مسألة مثيرة للقلق، ومع الأسف هذا ما يتم العمل به.

لاجئون أفارقة في كنيسة القديس بولُس في مدينة هامبورغ الألمانية. Foto: Reuters
"رسالة أمل": فتح القس زيغهارد فيلم في أوائل شهر يونيو/ حزيران من عام 2013 أبواب كنيسة القديس بولُس في مدينة هامبورغ الألمانية لأكثر من 80 لاجئاً جاؤوا عبر جزيرة لامبيدوزا الإيطالية إلى ألمانيا. وحين طلب مجلس المدينة من الشباب اللاجئين البدء بإجراءات اللجوء القانونية التي قد تنتهي بترحيلهم من ألمانيا، احتج الكثير من المواطنين في مدينة هامبورغ الساحلية وطالبوا بحق بقاء اللاجئين في ألمانيا.

- معظم الألمان يعتبرون التنوع الديني عنصر إغناء، في حين تعتقد الأغلبية أن الإسلام لا يناسب ألمانيا. هل ترين أن ألمانيا لم تقدم ما يكفي بشأن الاندماج؟

ريتا زوسموت: منذ أحداث الحادي عشر من سبتمبر والسياسة الأمنية المتبعة منذ عام 2011، بات المسلمون يُعتبرون مصدر خطر علينا، على الرغم من أن الأغلبية العظمى منهم يمارسون شعائرهم الدينية بسلام كما يفعل أتباع الديانات الأخرى كالمسيحيين والبوذيين وغيرهم. نحن أقرب بعضنا إلى البعض أكثر مما نعتقد ونعلم طبعا أن هناك اختلافات في تعاليمنا الدينية، ولكن ليس كل المسلمين مقاتلين مسلحين.

- هل ينتاب الألمان خوف من المهاجرين وخشية من فقدان ثقافتهم؟

ريتا زوسموت: منذ عهد بعيد لم نعد ذلك المجتمع ذا اللون الواحد بل بتنا مجتمعا متنوعا ومتعدد الأوجه. والتنوع لا يعني فقدان ثقافتنا، ولكنه استعادة للطاقات والإمكانات، التي ربما نكون قد فقدناها، ليس على صعيدي الاقتصاد و الإبداع فقط، ولكن على الصعيد الثقافي أيضاً.

إننا ننطلق من أن الثقافة الأوربية كانت منبع كل شيء ولكننا في واقع الأمر أخذنا قسما كبيرا من ثقافات أخرى وأماكن أخرى غير أوروبا. كيف نتعامل مع أناس مختلفين عنا؟ الجواب هو أن نتعلم أولا وقبل كل شي احترامهم. وهذا لا ينطبق على ألمانيا فقط، بل ينسحب على أوروبا برمتها.

 

حاورتها: آنيكا تسايتلر

ترجمة: خالد علي سلامة

تحرير: عماد غانم

حقوق النشر: دويتشه فيله 2013