سلطة دولية لملاحقة مرتكبي جرائم ضد الإنسانية

هل يمكن تحقيق مزيد من العدالة والسلام في العالم عن طريق المحكمة الجنائية الدولية الدائمة في لاهاي وما موقف الدول العربية، وخاصة مصر، من الانضمام إليها؟ نيللي يوسف تستعرض آراء نخبة من القانونيين والمسئولين العرب والألمان حول فرص نجاح هذه المحكمة وأهمية انضمام مصر إليها.

شعار المحكمة
تشعر الدول العربية بمخاوف من انضمامهم للمحكمة مثل تعريف جريمة العدوان وتعريف الجرائم الإرهابية والتفريق بينها وبين الدفاع عن النفس

​​تقوم المحكمة الجنائية الدولية الدائمة في لاهاى، وفقا لنظامها الأساسي وبما تضمه من هيئة وقضاة ومدع دولي عام، على مبدأ المساواة بين الدول، وترغب في المساهمة في تحقيق العدالة للجميع ومواجهة سياسة المعايير المزدوجة المنتشرة في منظومة العلاقات الدولية.

وعلى الصعيد العربي يرى القاضي الألماني هانس بيتر كاول العامل لدى المحكمة الجنائية الدولية أن مصر لعبت دورا مهما في صياغة الدستور الخاص بالمحكمة في مؤتمر روما، إلا أنها لم تنضم حتى الآن إليها، على عكس انضمام دول أخرى، برغم التهديدات التي تلقتها من الولايات المتحدة الأمريكية، حيث إن إدارة بوش تعتبر هذه المحكمة تهديدا لسيادة الدول واستقلالها. لكن الواقع ينفي هذا الزعم بدليل انضمام 105 دول إلى هذه المحكمة الدولية، حسب رأيه.

مواجهة سياسة المعايير المزدوجة

كما يري القاضي الألماني أنه خلال اجتماعاته مع زملائه المصريين شعر بمخاوف عديدة تحول دون انضمامهم للمحكمة، ومنها على سبيل المثال ضرورة تعريف جريمة العدوان وتحديدها بدقة وتعريف الجرائم الإرهابية والتفريق بينها وبين الدفاع عن النفس.

ومن الحجج الأخرى لمصر أن القوى الكبرى تسيطر على المحكمة الجنائية الدولية، كما أن إسرائيل ليست عضوا فيها، علاوة على أن الولايات المتحدة تعقد اتفاقات ثنائية مع دول أخرى كي تحمي جنودها من ملاحقة المحكمة. لكن السؤال يبقى مطروحا حول مغزى عدم انضمام مصر للمحكمة؟ القاضي الألماني كاول يرى في انضمام مصر خطوة هامة نظرا لتأثيرها الكبير على محيطها العربي والأفريقي.

ضرورة توعية الرأي العام

أما عبد الله الأشعل، مساعد وزير الخارجية المصري الأسبق للشئون القانونية، فعاب على الإعلام المصري عدم تسليطه الضوء بصورة متعمقة على عمل المحكمة، مؤكدا ضرورة توعية الرأي العام المصري وتشكيل فرق من الشباب المصري والعربي لنشر معلومات حول آليات عمل المحكمة حتى تتوفر أدوات ضغط للانضمام إليها.

كما شدد على دور المحكمة، التي تختص بملاحقة المجرمين المسئولين عن الجرائم "العابرة للحدود" مثل جرائم الحرب، والجرائم ضد الإنسانية والإبادات الجماعية، ومستقبلا جرائم العنف والعدوان، علاوة على تجسيدها لفكرة إنشاء سلطة قضائية مختصة في المجتمع الدولي لترسيخ السلام والعدالة، خاصة بعد ازدياد ظواهر الظلم والغطرسة في العالم وعجز النظم القضائية الوطنية عن مواجهتها.

وعلاوة على ذلك فإن وجود محكمة ذات اختصاص عالمي تستطيع أن تحاكم البعض بصرف النظر عن مكان وقوع الجريمة أو جنسية الجاني أو الضحية، يعد أمرا يبث الرعب في قلوب الأنظمة السلطوية والدكتاتورية.

وانطلاقا من هذه الحقائق نادى الأشعل بضرورة انضمام مصر والدول العربية للمحكمة مثلما انضمت الأردن وجيبوتي وجزر القمر، لأن هذه الدول تعبر بذلك عن رغبتها في اللحاق بركب الحضارة وخاصة أن دول العالم الآن تتفاضل فيما بينها باحترامها لحقوق الإنسان والتعاون مع المؤسسات القضائية الدولية.

حسابات إقليمية لمصر

وفي مطلع شرحه لضرورة المحكمة نوه صلاح عامر، أستاذ القانون الدولي بجامعة القاهرة، إلى أنه ربما لمصر حسابات أخرى تحول دون انضمامها إلى المحكمة، مؤكدا أن مصر تقدر موضوعية القضاء الدولي ونزاهته من خلال خبراتها معه مثل الرأي الاستشاري، الذي طلب من محكمة العدل الدولية أن تصدره بشأن الجدار الإسرائيلي العازل.

وبرغم تقديره لموضوعية القضاء الدولي طالب عامر بضرورة "وجود التزام بين دول الشمال والجنوب من أجل العمل على تهيئة المناخ اقتصاديا واجتماعيا وثقافيا وسياسيا لكي تستقر العدالة وتقوم على أسس وطيدة حتى يمكن للمؤسسات الدولية مثل المحكمة أن تؤدى دورها على أكمل وجه".

مجلس الأمن بصفته "بطة عرجاء"

واعترف كلاوس كريس، أستاذ القانون بجامعة كولونيا ومستشار الحكومة الألمانية السابق، الذي شارك في صياغة قانونها الأساسي، بوجود "عجز في قيام مجلس الأمن بدوره في تحقيق العدل والمساواة لاحتوائه على ممثلين لدول لا تهتم سوي بمصالحها الشخصية". ومن هنا تأتي أهمية المحكمة الجنائية الدولية من وجهة نظره لأنها تخدم مصلحة المجتمع الدولي عن طريق أجهزة ومدع عام دولي وقضاة يتم انتخابهم بطريقة محايدة وحرة.

جانب من جلسات المحكمة، الصورة: أ.ب
مواجهة سياسة المعايير المزدوجة من التحديات التي تواجه المحكمة، كما يرى الخبير الألماني كلاوس كريس

​​وأشار القانوني الشهير إلى أن المحكمة مازالت متواضعة في حجمها، لكنها تقف على أرض صلبة وقوية تضمن نجاحها. كما وجه كلامه للدول العربية مشيرا إلى أن مشاركتها في تأطير عدالة دولية مازالت ضعيفة. وعلى الرغم من ذلك يبقى كريس متفائلا، خاصة أنه يحمل رسالة اليابان، التي قررت الانضمام برغم علاقتها القوية مع الولايات المتحدة.

كلاوس كريس عبر عن تفهمه النسبي لتردد مصر وبعض الدول العربية في الانضمام إلى المحكمة، حيث علل ذلك بأن العرب يحتاجون وقتا للتشاور الداخلي، غير أنه أشار إلى احتمال انضمام الدول العربية إلى المحكمة الجنائية الدولية في خطوة مشتركة، مشيرا إلى أن العرب ربما يريدون الانتظار قليلا لمراقبة عمل المحكمة وتأثيرها. كريس شدد أيضاً على ضرورة ألا ينتظروا طويلا إذا أرادوا أن يؤثروا على آليات عمل المحكمة وإرسال قاض لتمثيلهم فيها.

تحالف مدني لدعم الانضمام

كما أكد أعضاء بالبرنامج العربي لنشطاء حقوق الإنسان أنهم أسسوا مع 31 مؤسسة حقوقية مصرية، وبالتعاون مع نقابة المحامين، "التحالف المصري المدني من أجل المحكمة الجنائية الدولية" بهدف حث الحكومة المصرية على الانضمام إلى المحكمة عن طريق قيام المجتمع المدني بدوره في التعريف بأهمية المحكمة وفائدتها للشعوب العربية.

وعلى الرغم من التناقض الأوروبي المتمثل في دعوة مصر للانضمام إلى المحكمة، وعلى الرغم من أن البرلمان الأوروبي اعتمد قرارا يدين سلوك النظام المصري في تعامله مع ملف حقوق الإنسان، علق كلاوس على ذلك بأنه لا يري تناقضاً على الإطلاق، فالأوروبيون يشجعون "احترام حقوق الإنسان في العالم كله والمحكمة لا تتدخل عند حدوث انتهاكات لحقوق الإنسان، فهناك ملايين من انتهاكات لحقوق الإنسان حول العالم وحتى بالدول الغربية ولكن المحكمة تعمل فقط في حالات الإبادة الجماعية وجرائم الحرب".

نيللي يوسف
قنطرة 2008

قنطرة

مع المدير السابق لمعهد ماكس بلانك للقانون الجنائي الدولي:
حكم له الكثير من التبعات والعواقب!
في الحوار التالي يقدم ألبين إسر تفسيره للحكم الصادر من محكمة العدل الدولية بحق صربيا ومسؤوليتها عن الجرائم خلال حرب البوسنة.

حكم محكمة العدل الدولية في لاهاي:
مسؤولية صربيا عن مذبحة سربرينيتسا
رفضت محكمة العدل الدولية في لاهاي الدعوى التي قدمتها البوسنة والهرسك عام 1993 ضد بقية يوغوسلافيا (صربيا وجمهورية الجبل الأسود)، بتهمة الإبادة الجماعية للبوسنيين الكروات والمسلمين. إلا أن القضاة صنفوا لأول مرة مذبحة سربرينيتسا كجريمة الإبادة الجماعية وحمّلوا دولة صربيا مسؤولية المشاركة في الجريمة. تعليق من بنيامين برغان

جرائم الحرب في دارفور أمام المحكمة الجنائية الدولية في لاهاي:
هل سيعاقب المجرمون؟
بدأت تحقيقات المحكمة الدولية في لاهاي الهولندية في عام 2005 في جرائم حرب مرتكبة في دارفور. ومن الممكن لأول مرة أن يمثل متهمون بهذه القضية أمام المحكمة قريبا. بقلم كلاوس دامان.