التاريخ والتضاريس والرمل

تقيم صالات عرض معهد العلاقات الخارجية في برلين وشتوتغارت معرضاً للعمارة، تقدم فيه أعمالاً للفنان والخطاط والمعماري المقدسي راسم بدران. تقرير يوسف حجازي

قصر العدل في الرياض، الصورة: دار العمران
يسعى المعماري راسم بدران إلى دمج البناء الجديد في الطوبوغرافيا أو في بنية المدينة ليتكامل معها.

​​

"الأسماء بشائر". ينطبق هذا القول تماماً على راسم بدران، فقد نشأ راسم وترعرع مع ريشة الخط وفرشاة الرسم والألوان. والده الخطاط والرسام الفلسطيني المعروف جمال بدران (1909 – 1999)، رمَّمَ خطوط قبة الصخرة في المسجد الأقصى في القدس وكذلك لوحاتها الجدارية في عامي 1929 و1969.

عمل الأبن راسم في مُحْتَرَفات بدران الأب، بدايةً في القدس ولاحقاً في رام الله. وحاز على جائزته الأولى في فنون الرسم والتصوير في مسابقة عالمية بين 5000 طفل في الهند وهو في الثانية عشر من عمره.

دفعه ولعه بالطائرة لأن يجتهد ليصبح مهندساً للطيران في ريعان شبابه. بيد أن الحظ لم يحالفه بدراسة الهندسة في مصر. فقرر الرسّام الموهوب دراسة العمارة في المانيا لاحقاً، حيث تخرّج في مطلع السبعينات من المعهد العالي للدراسات التقنية في دارمشتادت.

حقق بعض مشاريعه وتصميماته العمرانية الأولى في المانيا (مثل وحدات سكنية "ايليمنتا 1972" في مدينة بون) بدايةً، قبل أن يعود في العام ذاته إلى رام الله، لينتقل بعد عام من ذلك للإقامة في عمّان، حيث أسس مكتبه للهندسة المعمارية "دار العمران". ويُعَد راسم بدران اليوم بلا أدنى شك من أهم المعماريين في العالم العربي.

الإنسان في محور الاهتمام

حضّر بدران المعرض لصالات عرض معهد العلاقات الخارجية في برلين وشتوتغارت بنفسه، وصمم جدران العرض اللازمة للمعرض كذلك – يمكن معاينة هذه التصاميم على شكل مجسمات في المعرض.

وتمثل المشاريع المعروضة مختارات من أعمال بدران، بينما يشكل المعرض بمجمله نوعاً من الإستعادة لإنجازات الفنان المتعدد المواهب، والتي بدأت بالرسم، حيث كان الإنسان موضوع أعماله في البدء ليهتم بالطبيعة لاحقاً ولينتقل من ثم إلى الآلة.

يمكن لزائر المعرض أن يشاهد أيادي ووجوه إنسانية من مرحلة البداية، وأشجار وطبيعة وكذلك مركبات فضائية خيالية. يليها عرض لتصاميم عمرانية منجزة وعدد من مشاريع التخطيط المدني. معظم هذه التصاميم عبارة عن مسودات يدوية ورسومات بالألوان المائية رائعة، وكذلك مجسمات وصور.

عمران ضمن السياق

في مؤتمر الاتحاد الدولي للمعماريين عام 2002 في برلين سأل أحد الزملاء، الذين اشتركوا في مسابقة بناء المتحف المصري الجديد، راسم بدران في إحدى الإستراحات عن رأيه بالتصميم الذي سيقدمه. ألقى المعماري بدران نظره على التصاميم وقال للسائل:

التاريخ والتضاريس والرمل هي السمات الدامغة للموقع، حاول أن تزرع وتولف بنائك بالطوبوغرافيا الموجودة.

هذه النصيحة أو الملاحظة تُظهر مفهوم بدران الجوهري للتخطيط والبناء. الموالفة تعني لهذا المعماري المرهف الإحساس دمج البناء الجديد في الطوبوغرافيا أو في بنية المدينة ليتكامل معها، وليتكامل على ذات النحو مع البنية التاريخية والإجتماعية للمكان.

وربما استطاع المرء اختصار فكر المعماري بدران في عبارة "عمران ضمن السياق". إذ يتعامل مع المبنى كحلقة في النسيج العمراني المتضافر في حارةٍ أو حيٍ من أحياء المدينة، وكذلك الحال مع الحي في المدينة.

حركة الشمس والريح

تقوم تصاميم بدران على مثلث أضلاعه هي: الماضي – الحاضر – المستقبل. فهو يدرس تاريخ الموقع و يرنو إلى تطوره المستقبلي لكي يصل إلى الحاضر. يعبر من تراكمات الماضي متجهاً إلى المستقبل ليصل بأعماله إلى الآن وهنا.

يدع الجوانب الإجتماعية والثقافية والبيئية تنساب في أعماله. وينطبق هذا على مباني الأسرة الواحدة (مبنى حنظل، عمان) تماماً كما على الأحياء الكاملة (حي فوهايس، الأردن). ويبدو أن شاعرية المكان الأول، التي يتسم بها مسقط رأسه حاضرة في كل أعماله.

البناء التجميعي للمكعبات، وتدريجها وتداخلها هي أشكال تتردّد دائماً، لتضفي على المباني الكبيرة مثلاً نوعاً من التواضع، وتدخلها في محيطها لتتكامل معه (الجامع الكبير، بغداد).

الإتصال البصري بين الفراغات أو المباني تسهله الفتحات والممرات ومحاور للنظر. الأسطح والأدراج وإنسياب الشوارع تخلق مساحات عامة وشبه عامة للإلتقاء، لتدعو بذلك للمؤانسة في المكان. حساسيته للطبيعة ودورها تجد إنعكاسها في تصاميمه بوضوح، حيث تستفيد التصاميم من حركة الشمس والريح لتؤمِّن محيطاً صحياً للسكن والساكن (مباني سكنية وادي بو جميل، بيروت).

بداهة بدران في جمعه وموازنته بين التقاليد والحداثة تجعل أعماله فريدة، وتجعل منه فناناً أصيلاً ومعمارياً عربياً معاصراً وبارعاً، يضفي حيويةً على الأماكن التي يصممها ويعيد كتابة حكاياتها من جديد.

راسم بدران، ولد في القدس في عام 1945، ودرس العمارة في الستينات في دارمشتادت، يعيش ويعمل حالياً في عمان. أعماله المعمارية منتشرة في الكثير من البلدان العربية، ومنها في الأردن والعربية السعودية وقطر وسورية ولبنان. حصل على الكثير من الجوائز منها جائزة الآغا خان للعمارة الإسلامية.

يوسف حجازي
حقوق الطبع قنطرة 2005

قنطرة

في ذكرى المعماري المصري حسن فتحي:
يعُد حسن فتحي من أبرز المعماريين المصريين في القرن العشرين. فهو الذي اعاد الإعتبار لفن البناء بالطوب اللبن، والمنتشر في قرى ومدن العالم الثالث. متحف فرانكفورت للهندسة المعمارية يقدم معرضا لرسومه. تقرير إنغبورغ فلاغة

www
عن معرض راسم بدران (بالإنكليزية)