معارضة تركية في مواجهة شراسة إردوغان السياسية

حظى حزب الشعب الجمهوري المعارض -بزعامة كيليتشدار أوغلو- بمستوى عال من دعم الأتراك المحبطين من حكم أغلبية إردوغان. ولكن في بيئة سياسية مقيدة وفي ظل رئيس مستقطب للجماهير، يواجه قادة المعارضة خصما شرسا وصراعاً عصيباً للحفاظ على زخمهم السياسي، وفق ما يرى الباحث السياسي التركي سنان أولغن، متسائلاً عما إذا كانت المعارضة قادرة على تجاوز الخطابة وتشكيل تحد حقيقي لهيمنة إردوغان السياسية.

الكاتبة ، الكاتب: Sinan Ulgen

في تركيا، حيث كانت حكومة الرئيس رجب طيب إردوغان حريصة على تركيز السلطة السياسية، لم تكن الأسباب الداعية إلى التفاؤل لدى الأحزاب المعارضة كثيرة مؤخرا. وكان التجمهر الحاشد الذي شهدته مدينة إسطنبول في صيف 2017 استثناءً نادرا.

في التاسع من يوليو/تموز 2017، بعد مسيرة دامت 25 يوما من العاصمة أنقرة، حث زعيم المعارضة البارز كمال كيليتشدار أوغلو أنصاره على مقاومة تراجع الحريات الديمقراطية، فخاطب حشدا من مئات الآلاف من المتظاهرين قائلا: "سوف نُسقِط جدران الخوف، واليوم الأخير في مسيرتنا إلى العدالة هو بداية جديدة، وخطوة جديدة". والسؤال الآن هو ما إذا كانت المعارضة السياسية المنقسمة في تركيا قادرة على تجاوز الخطابة وتشكيل تحد حقيقي موحد لهيمنة أردوغان السياسية.

 الواقع أن الحزب الذي يتزعمه كيليتشدار أوغلو، حزب الشعب الجمهوري، يحظى بمستوى عال من الدعم بين الأتراك المحبطين إزاء حكم أغلبية إردوغان. ولكن في البيئة السياسية المقيدة في تركيا، وفي ظل رئيس شعبوي لا يزال على رأس السلطة وإن كان مستقطبا للجماهير، سوف يواجه قادة المعارضة صراعا عصيبا للحفاظ على الزخم الذي تمكنوا من بنائه.

مسيرة العدالة  المعارضة في تركيا 2017.  DW
مسيرة العدالة المعارضة في تركيا 2017.

"حشود ضخمة من دون أي تأثير سياسي حقيقي"

عندما تحدثت مع كيليتشدار أوغلو قبل بضعة أيام من وصوله إلى إسطنبول، مع اقترابه من حدود المدينة، بدت عليه علامات الدهشة والتعجب مثله كمثل أي شخص إزاء حجم الاحتجاج الحاشد، وكان مدركا تمام الإدراك للمصاعب التي تلوح في الأفق. كانت المسيرة ردا لم يسبقه تخطيط على اعتقال اينيس بيربير أوغلو، رئيس تحرير جريدة حريت الذائعة الانتشار سابقا، وعضو البرلمان عن حزب الشعب الجمهوري.

غير أن أهداف المسيرة الأكثر تحديدا، مثل مسارها، لم تُعرَف إلا بعد انطلاق المسيرة الاحتجاجية التي بلغت 280 ميلا (450 كيلومترا). وعندما وصل كيليتشدار أوغلو إلى إسطنبول، كان المشاركون في المسيرة ينادون بالعدالة الاقتصادية، والفرصة التعليمية، والمساواة بين الجنسين، وضمان عدم التمييز على أساس العِرق أو الدين أو الهوية الثقافية. من ناحية أخرى، قال كيليتشدار أوغلو إن هدفه يتلخص في إعادة تشكيل الدولة التركية بشكل كامل، وتعيين حدود واضحة للسلطة التنفيذية من خلال البرلمان بعد إعادة تمكينه، والسلطة القضائية النزيهة، ووسائل الإعلام الحرة. ومن الواضح أن صياغة برنامج سياسي متماسك من هذه المجموعة المتنوعة من الأهداف، تُعَد اختبارا حقيقيا لقيادات حزب الشعب الجمهوري.

في السنوات الأخيرة، لم تقدم المظاهرات العفوية، مثل تلك التي انتهت في يوليو/تموز 2017، الإصلاحات التي سعى المشاركون إلى تحقيقها. ففي مايو/أيار 2013، على سبيل المثال، تجمعت حشود ضخمة لتحدي خطط الحكومة لتطوير متنزه غيزي بارك في إسطنبول؛ وانتهت المظاهرات دون أن تخلف أي تأثير سياسي حقيقي. وربما تكون النتيجة مماثلة هذه المرة.

ومع ذلك، تشير أرقام الاستطلاعات إلى أن الجماهير تقف على نحو متزايد خلف كيلتشدار أوغلو. فوفقا لدراسة استقصائية نشرتها مؤسسة إسطنبول للبحوث في يوم المسيرة الحاشدة، بلغ الدعم للمسيرة 43%، أي ما يزيد بنحو 17 نقطة مئوية عن معدلات شعبية حزب الشعب الجمهوري. بعبارة أخرى، استمد المشاركون في مسيرة حزب الشعب الجمهوري الدعم من خارج قواعدهم، وهو ما يشير إلى خيبة الأمل العميقة إزاء الوضع القائم في تركيا.

10 % من أعضاء حزب إردوغان الحاكم أيدوا أهداف مسيرة المعارضة

وقد شارك في المسيرة أعضاء من حزب الشعب الديمقراطي المناصر للأكراد، الذين وافق 83% منهم على الاحتجاج. كما لاقت المسيرة قبولا حتى بين أعضاء حزب أردوغان العدالة والتنمية؛ فقد ذكر 10% من أعضاء حزب العدالة والتنمية الذين شملهم الاستطلاع أنهم يؤيدون أهداف المسيرة.

كمال كيليتشدار أوغلو في إطار "مسيرة العدالة" 2017 في تركيا. Foto: Reuters
Achtungserfolg für Kemal Kiliçdaroğlu und seine oppositionelle CHP: "Mit seinem unerwarteten, spontanen zivilen Ungehorsam scheint Kiliçdaroğlu seine Rolle als Anführer einer breiteren - wenn auch in gewissem Umfang fragmentierten - Opposition konsolidiert zu haben. In dem Jahr seit dem gescheiterten Putsch hat die unvermeidliche, aber unangemessen harsche Reaktion der Regierung viele Türken verprellt", schreibt Sinan Ulgen.

مع عصيانه المدني الذي لم يكون متوقعا ولم يسبقه تخطيط، يبدو أن كيليتشدار أوغلو وطد دوره بوصفه زعيما للمعارضة الأكبر والمجزأة إلى حد ما. في السنة التي انقضت منذ انقلاب يوليو/تموز الفاشل، كانت استجابة الحكومة الحتمية وإن كانت مفرطة في الغِلظة سببا في تنفير أتراك عديدين. ومع استمرار حكم الطوارئ، يبدو أن شريحة متزايدة من عامة الناس، أصبحت متقبلة لدعوات المعارضة لتعزيز سيادة القانون.

وكان انتصار أردوغان بفارق ضئيل في الاستفتاء الدستوري في إبريل/نيسان، والذي منح الرئيس صلاحيات جديدة كاسحة لحل البرلمان، وإصدار المراسيم، وتعيين القضاة بقرار منفرد، سببا في اشتداد عزيمة المعارضة. ولكنه ساعد أيضا في دفع المزيد من الأتراك إلى إحضان المعارضة. فوفقا لدراسة أجرتها مؤسسة إسطنبول للبحوث، ذهب 85% من أولئك الذين صوتوا بالرفض في الاستفتاء إلى تأييد المشاركين في مسيرة كيليتشدار أوغلو. وما ينبئنا بالكثير أيضا أن 7% من أولئك الذين صوتوا بقبول الاستفتاء أيدوا المشاركين في المسيرة.

من السابق للأوان أن نتكهن بما إذا كانت مسيرة كيليتشدار أوغلو ستخلف أثرا دائما على الاتجاه السياسي في تركيا. ولكنها على الأقل أعادت صياغة التوقعات في ما يتصل بالانتخابات الرئاسية التالية في البلاد، والتي من المقرر أن تُجرى في نوفمبر/تشرين الثاني 2019. ولكن حتى مع المكاسب المتواضعة التي تحققت في وقت سابق من هذا الشهر، يظل إردوغان خصما شرسا، ولا يزال الطريق طويلا قبل أن تتحقق "البداية الجديدة" التي أطلقها كيليتشدار أوغلو.

 

سنان أولغن

ترجمة: مايسة كامل

حقوق النشر: بروجيكت سنديكيت 2017

 

ar.Qantara.de